الأحد 19 حزيران 2022

الأحد 19 حزيران 2022

15 حزيران 2022
الأحد 19 حزيران 2022
العدد 25

أحد جميع القدّيسين
اللحن الثامن، الإيوثينا الأولى

أعياد الأسبوع: 
١٩: الرسول يهوذا نسيب الرب، والبار بايسيوس الكبير، ٢٠: القدّيس مثوديوس أسقُف بَتارُن، القدّيس نيقولاوس كباسيلاس، بدء صوم الرّسل، 21: الشّهيد يوليانوس الطرسوسيّ، 22: الشّهيد آفسافيوس أسقُف سميساط، البارّ إيسيخيوس رئيس دير العلّيقة في سيناء، 23: الشّهيدة أغريبيا ورفقتها، 24: مولد يوحنّا المعمدان، تذكار لزخريّا وأليصابات، 25: الشهيدة فبرونيّة، الشُّهداء أورنديوس وإخوته الستّة.

أحد جميع القدّيسين
لقد اختارت الكنيسة المقدّسة أن تخصّص الأحد الأوّل بعد العنصرة تذكاراً "لجميع القدّيسين". وفي هذا اعترافٌ بأنّ الروح القدس الذي انسكب على الكنيسة في يوم العنصرة هو صانع القدّيسين. الروح القدس هو الذي يقدِّس المؤمنين ويمنحهم القداسة. نقرأ في أنافثمي صلاة سحر الآحاد: "بالروح القدس كلّ نفسٍ تحيا وتتنقّى مرتفعة ولامعة".

إنّ الكنيسة في هذا الأحد تُكرِّم جميعَ القدّيسين، المعروفين منهم وغَيرَ المعروفين؛ إذ هناك الكثير من القدّيسين المجهولين من الناس ولكنّهم معروفون أمام الله.

يقولون "لا يُولَدُ المرءُ قدّيسًا ولكنّ الجميعَ مدعوُّون إلى القداسة"، وهذا هو تعليم الكنيسة والكتاب المقدّس. في العهد القديم نقرأ في سفر اللاويّين: "إنّي أنا الربّ إلهكم فتتقدّسون وتكونون قدّيسين لأنّي أنا قدّوس" (لاوين 11: 44).

إنّ القداسة مرادفة للكمال بحسب قول الربّ يسوع: "كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ هو كامل" (متى 5: 48). إنّ جَعْلَ القداسةِ هدفاً لِكُلِّ إنسانٍ مسيحيّ قد يبدو للبعض أمراً صعباً أو شِبهَ مستحيل. وقد يظنّ البعض أنّها دعوة مقتصرة على مَن هم في الكهنوت أو في الرهبنة، إلّا أنّ خبرة الكنيسة وتعليمها يظهران أنّها الهدف الأسمى لِكُلّ إنسانٍ مسيحيّ.

يوضح بولس الرسول أنّ الله قد اختارنا "قبل تأسيس العالم لنكون قدّيسين وبلا لومٍ  قدّامه في المحبّة" (أفسس 1: 4)، وفي رسالته إلى أهل أفسس يوضح "أنّ الله اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق" (2 تسا 2: 13). أمّا الرسول بطرس فيحضّ أبنائه الروحيّين قائلاً:" كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة، بل نظير القدّوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضاً قدّيسين في كلّ سيرة، لأنّه مكتوب كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس" (1 بطرس 1: 16). في سِفرِ أعمال الرُّسُل يُخاطب الرسولُ حنانيا الربَّ في الرؤيا في شأنِ شاول قائلاً: "يا ربّ قد سمعتُ من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقدّيسيك في أورشليم" (أعمال 9: 13). والرّسولُ بولسُ يصفُ المؤمنين أبناء الكنائس التي زارها  "بالقدّيسين" (أفسس 1: 1).

وفي إنجيل اليوم يكشف الربّ يسوع لتلاميذه كيف يُمكن للتلميذ أن يسعى إلى القداسة من خلال عدّة وصايا ينبغي اتّباعها.

الشرط الأول: هو في الاِعتراف بالربّ يسوع "قدام الناس". هذا الاِعترافُ الإيمانيُّ الصريحُ بأنّ يسوعَ المسيحَ هو ابنُ اللهِ ومخلّصُ العالَم. هذا الاِعترافُ ليس فقط بالقَولِ ولكنّه بالفعل أيضًا. يقولُ الرسول بولس: "لأنّكَ إذا اعترفتَ بِفَمِكَ بالربِّ يَسوعَ وآمَنتَ بِقَلبِكَ أنّ اللهَ أقامَه من الأموات خَلُصْتَ" (رومية 9:10).

الشرط الثاني: هو المحبّة. "مَن أحبَّ أبًا أو أُمًّا أكثرَ منّي فلا يستحقُّني". هنا الربُّ يسوعُ يُحدّدُ سُلَّمَ أولويّاتِ المحبّة. هو يطلب أن يكون على رأس سُلَّمِ أولويّاتِ محبّتِنا. هو لا يستثني الأهلَ والأقاربَ مِن هذه المحبّة، إذ لا يقول أحبِبني وَاكْرَهْ أَباكَ وأُمَّكَ أو ابنَكَ أو ابنتَكَ، بل يقول: "مَن أَحبَّ أبًا أو أُمًّا (ابنًا أو بنتًا) أكثرَ منّي فهو لا يستحقُّني". يريد الربّ يسوع أن يملك على كامل محبّةِ التلميذ. 

والشرط الثالث والأخير: "أن يأخذَ صليبَهُ ويتبعَني". هُنا يَحُضُّ السيّدُ تلاميذَهُ أن يَشهَدُوا لَهُ حتّى الشهادة (أي الموتُ لأجلِه). أي إنّ الاِعترافَ به والمحبّةَ لَهُ سوفَ تقودُهم نحو الاِستشهاد. 

من بعد هذا نتابعُ قراءةَ القسمِ الثاني من المقطع الإنجيليّ المأخوذِ من الإصحاح التاسع عشر من متّى والذي أُضيفَ إلى القسم الأوّل من القراءة الإنجيليّة، لِوُجودِ رابطٍ روحيٍّ وثيقٍ بينهما. في هذا القسم المأخوذ من حوار يسوع مع الشابّ الغنيّ الذي سأل يسوع قائلاً: "ماذا ينبغي أن أفعلَ لأرثَ الحياة الأبديّة؟" فكان جواب يسوع له: "إنْ أردتَ أن تكون كاملاً فاذهَبْ وَبِعْ أملاكَكَ وَأَعطِ الفُقَراء". لقد كان سؤالُ بطرس للربّ يسوع "هوذا نحن تركنا كلَّ شيءٍ وتَبِعناكَ فماذا يكون لنا" (19: 27) مِن بعدِ أن رأى الشابَّ الغنيَّ قد مضى حزينًا لأنّه كان ذا أموالٍ كثيرة ولم يُرِدِ التخلّيَ عنها. لقد كان بطرسُ الرسول وبعضُ الرسل الآخرين صيّادِين، وربّما يتساءل البعض عن أهمّيّة ما تركه بطرسُ الرسول عندما قال للربّ " قد تَرَكْنا كُلَّ شيءٍ وتَبِعناك"، طالما أنّه لم يملكْ سوى الشبكةِ والقارب!

يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في تفسيره لهذا المقطع إنّه "على الرغم من أنّ بطرس الرسول كان فقيراً ولا يملك الكثير، إلّا أنّه قد ترك كُلَّ ما يملك. إذًا، هذا يُظهر أنّ الدعوة موجّهةٌ إلى كُلٍّ مِنَ الغنيّ والفقير، وليس فقط للأغنياء الذين يملكون الكثير. حتّى الفقراءُ الذين لا يملكون الكثير مدعوّون أيضاً لكي يتركوا حتّى القليل، الذي هو كلُّ شيء، ويتبعوا الربّ".

لقد وعد الربُّ تلاميذَه الذين تبعوه حتّى الأخير، والذين عاينوا صلبه وقيامته المجيدة وحلول الروح القدس، أنّهم "سيدينون أسباط إسرائيل الاِثني عشر" وحتّى لا يظنَّ القارئُ أنّ ما قيل يخصّ فقط التلاميذ الاِثني عشر دون سواهم، فقد وسّع المسيح الوعد ليشملَ كُلَّ مَن يفعل ذلك. يقول: " كُلُّ مَن ترك.َ... من أجل اسمي". لقد وعد الربُّ يسوعُ تلاميذَه وكُلَّ مَن يتتلمذُ له أيضًا بأنّه إذا تركَ كُلَّ شيءٍ مِن أجلِ اسمِه، سوف ينالُ في هذه الحياةِ مئةَ ضِعفٍ، وَمِن ثَمَّ سَيَرِثُ الحياةَ الأبديّة.

لقد نال القديسون في هذه الحياة "المئة ضعف" من خلال تكريم الناس لهم وطلب شفاعاتهم وبناء الكنائس على اسمهم. على مدى ألفَي عام تُكرِّم الكنيسةُ المقدّسةُ والشعبُ المؤمنُ الرُّسُلَ القدّيسِين وتتّخذُهم شُفَعاءَ لها. بهذه الطريقة نال القدّيسون جائزتَهم وتكريمَهم في هذه الحياة، وفي الحياة الأخرى نالوا الجوائز السماويّة. 

اليوم إذ نكرِّم هذه "السحابة من الشهود" فإنّنا مدعوّون لنستذكر سيرتهم ونتمثّل بحياتهم وندرك أنّ هدف حياتنا ليس فقط أن نكون صالحين مع بعض الصفات الحميدة، ولكن هدفنا هو "التألّه"، أي أن نصير "شركاء الطبيعة الإلهيّة" (2 بطرس 4:1) و"شركاء الدعوة السماويّة" (عبرانيين 1:3) إذ إنّ حياتَنا وسيرتَنا لا تكتمل فقط في هذه الحياة وعلى الأرض، ولكن "سيرتنا نحن في السموات التي منها أيضاً ننتظر مخلّصًا هو الربّ يسوع المسيح" (فيليبي 20:3). في حديثه مع أحد أبنائه الروحيّين يكشف القدّيس سيرافيم ساروف "أنّ هدف الحياة المسيحيّة هو اقتناء الروح القدس" أي القداسة.

إنّ القداسة هي فعل وعمل الروح القدس، ولكنّ الجهد البشريّ لا غنى عنه في هذه الصيرورة نحو القداسة. هذا ما يطلق عليه الآباء القدّيسون "التآزر" بين الجهد البشريّ والنعمة الإلهيّة.  لقد نلنا جميعًا نعمة الروح القدس في المعموديّة وسرّ الميرون المقدّس، وفي كلّ مرّةٍ نشارك الأسرار المقدّسة، وأمّا الجهد البشريّ فنقدّمه من خلال أعمال النسك والمحبّة.

"هلمّ أيّها المؤمنون لنقيم صفًّا ولنعيِّد اليوم بحسن عبادةٍ ونكرِّم بالتماجيد لتذكار جميع القدّيسين الكليّي الشرف والاِحترام هاتفين افرحوا أيّها الرسل المجيدون والأنبياء والشهداء ورؤساء الكهنة. افرحوا يا رهط الأبرار والصدّيقين. افرحوا يا مصافات النسوة المكرّمات. وتوسّلوا إلى المسيح أن يمنح للملك الغلبة على البربر ولنفوسنا عظيم الرحمة" (ذكصا أبوسيتخن غروب العيد). آميـــن.
                                                                                                                                                                    
                                                                                                                  + باسيليوس
                                                                                           متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيلبّين

طروباريَّة القيامة باللَّحن الثَّامِن
إِنْحَدَرْتَ من العُلُوِّ يا مُتَحَنِّن، وقَبِلْتَ الدَّفْنَ ذا الثَّلاثَةِ الأيَّام لكي تُعْتِقَنَا من الآلام. فيا حياتَنَا وقيامَتَنَا، يا رَبُّ، المجدُ لك.

طروباريَّة أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرَّابِع
أيُّها المسيحُ الإله، إِنَّ كنيسَتَكَ إذ قد تزيَّنَتْ بدماءِ شُهَدائِكَ الَّذين في كلِّ العالم، كأنَّها ببرفِيرَةٍ وأُرْجُوَان. فهي بهم تهتِفُ إليكَ صارِخَة: أَرْسِلْ رأفَتَكَ لشعبِكَ، وٱمْنَحِ السَّلامَ لكنيسَتِك، ولنفوسِنَا الرَّحمة العُظْمَى.

قنداق أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرَّابِع
أيُّها الرَّبُّ البارِئُ كلَّ الخليقةِ ومُبدِعُها، لكَ تُقَرِّبُ المسكونَةُ كَبَواكيرِ الطَّبيعةِ الشُّهَدَاءَ اللابِسِي اللاَّهوت. فبطَلِباتِهِم وَشَفاعةِ والدةِ الإله، اِحْفَظْ بالسلامَةِ التامَّةِ كنيسَتَكَ وَشَعبَك، يا جَزِيلَ الرَّحمَةِ وَحدَك.

الرِّسَالَة
(عب 11: 33-40، 12: 1-2)
عَجِيبٌ هو اللهُ في قدِّيسيه
 في المجامِعِ بَارِكُوا الله

يا إخوةُ، إنَّ القدِّيسينَ أَجمَعِين بالإيمانِ قَهَرُوا الممالِكَ وعَمِلُوا البِرَّ ونَالُوا المواعِدَ وسَدُّوا أَفْوَاهَ الأُسُود، وأَطْفَأُوا حِدَّةَ النَّارِ ونَجَوْا من حَدِّ السَّيْفِ وتَقَوَّوْا من ضُعْفٍ، وصارُوا أَشِدَّاءَ في الحربِ وكَسَرُوا مُعَسْكَرَاتِ الأجانِب. وأَخَذَتْ نساءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بالقِيامة. وعُذِّبَ آخَرُونَ بتوتيرِ الأعضاءِ والضَّرْبِ، ولم يَقْبَلُوا بالنَّجَاةِ ليَحْصُلُوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرُونَ ذَاقُوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيُودَ أيضًا والسِّجن. ورُجِمُوا ونُشِرُوا وٱمْتُحِنُوا وماتُوا بِحَدِّ السَّيْف. وسَاحُوا في جُلُودِ غَنَمٍ ومَعْزٍ وهُمْ مُعْوَزُون مُضَايَقَونَ مجَهُودُون. ولم يَكُنِ العالمُ مُسْتَحِقًّا لهم. فكانوا تائِهِينَ في البراري والجبالِ والمغاوِرِ وكهوفِ الأرض. فهؤلاء كلُّهُم، مَشْهُودًا لهم بالإيمانِ، لم يَنَالُوا الموعِد. لأنَّ اللهَ سبَقَ فنظَرَ لنا شيئًا أَفْضَلَ، أنْ لا يُكْمَلُوا بدونِنَا. فنحن أيضًا، إذا يُحْدِقُ بنا مثلُ هذه السَّحابَةِ من الشُّهُودِ، فلْنُلْقِ عنَّا كُلَّ ثِقَلٍ والخطيئةَ المحيطَةَ بسهولةٍ بنا. ولْنُسَابِقْ بالصَّبْرِ في الجِهادِ الَّذي أمامَنَا، ناظِرِين إلى رئيسِ الإيمانِ ومكمِّلِهِ يسوع.


الإنجيل:
متى 10: 32-33، 37-38، 19: 27-30 (متى 1)

قال الربُّ لتلاميذه: كلُّ مَنْ يعترفُ بي قدّامَ الناسِ أعترفُ أنا بهِ قدَّام أبي الذي في السموات. ومَن ينكرُني قدَّام الناس أنكره انا قدَّامَ أبي الذي في السماوات. مَن أحبّ أباً أو أماً أكثرَ مني فلا يستحقُّني، ومن أحبَّ  أبناً او بنتاً أكثر مني فلا يستحقُّني، ومَن لا يأخذُ صليبه ويتبعُني فلا يستحقُّني، فأجابَ بطرسُ وقال لهُ: هوذا نحنُ قد تركنا كلَّ شيءٍ وتبعناك، فماذا يكونُ لنا؟ فقال لهم يسوع: الحقَّ أقولُ لكم، إنَّكم أنتمُ الذين تبعتموني في جيل التجديد، متى جلس ابنُ البشر على كرسيّ مجده، تجلِسون أنتم أيضًا على اثنْي عَشَرَ كرسيًّا تَدينونَ أسباط اسرائيل الإثني عشر. وكلُّ مَن ترك بيوتاً أو إخوة أو أخواتٍ أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي، يأخُذُ مِئَة ضعفٍ ويرثُ الحياة الأبديّة وكثيرون أوَّلون يكونون آخِرين، وآخِرون يكونون أوَّلين.

في الإنجيل
    نَبلغُ بنعمةِ الله أحدَ جميعِ القدّيسين، وهو الأحدُ الأوّلُ بعدَ عيد العنصرةِ المجيد. وبعدَ أن عيَّدْنا لحلولِ الروحِ القدس على التلاميذ، ولميلادِ الكنيسة المقدّسة، وانطلاقِ العملِ البشاريّ، ها إنّنا نعيّدُ اليومَ لجميعِ القدّيسينَ الذين استناروا بنعمة الروح القدس فأناروا المسكونة، وبالإيمان قهروا الممالكَ وعملوا البِرَّ ونالوا المواعد... ليحصلوا على قيامةٍ أفضل (رسالة اليوم).

    وكما مع الجدّينِ الأوّلَين للبشريّة، آدمَ وحوّاء، قد وُضعت الوصيّةُ الأولى أمامَ الإنسانِ ليختارَ السُّلوكَ إمّا في دربِ الحياةِ أو في دربِ الموت، كذلك اليومَ تُوضعُ الوصيّةُ -الاختبار أمامَ أبناءِ الكنيسة للإختيار.

    والمِحَكُّ الأساسيُّ لاختبارِ الإنسانِ المسيحيّ هو وقتُ الضيقِ والاضطهاد، يومَ يُطلَبُ منه أن يُنكرَ المسيحَ ربَّهُ أو موتًا يموت. لذلك، يأتي إنجيلُ اليوم ليؤكّدَ للمسيحيّ أنّه حين يُنكرُ المسيحَ موتًا يموت، لأنّه بذلك يفصل نفسَه عن المسيح ويُقصي نفسَه عن نورِ الحياة. أمّا مَن يعترفُ بيسوعَ قدّامَ الناس، فيعترفُ به قدّام أبيه الذي في السموات ويرثُ الحياة الأبديّة.

    الدعوةُ العامّةُ للإنسانِ أينما وُجد، في عائلةٍ مع أبٍ وأُمّ، مع أبناءٍ وبنات، كما يقولُ الإنجيل، يعيشون معًا ويتعاونون في الخد وتدبير أمورهم ويحبّون بعضهم بعَا. ولكنْ، لا عُذرَ لك إن أنكرتَ المسيحَ لتستمرّ في رعايةِ عائلةٍ لك. بذلك لا تستحقّ المسيح، إذْ لا يمكنُكَ كمسيحيّ أن تحبَّ أ؛دًا أكثرَ مِن حُبِّكَ لربّك الذي أحبَّكَ وبَذَلَ نفسَهُ عنك.

    يمكنكَ، حُبًّا به، أن تتركَ كُلَّ شيءٍ وتتبعَ المسيح كما تَبِعَهُ هذه السحابةُ من الشُّهودِ والقدّيسِينَ الذين نعيّدُ لهم اليوم. والمسيحُ يقودُكَ حيثُ يشاء، وتدعو باسمِ إلهكَ شاهدًا له مُخبِرًا بعظائمِ الله. كما يُمكنُكَ مواصلةُ الاهتمام بشؤون المعيشة وشجون العالم، ولكن عليكَ أيضًا أن تشهدَ لمسيح الربّ الوحيد، وتحملَ صليبَك وتتبعَه، فتكون بذلك تلميذًا حقيقيًّا وترث الحياة الأبديّة.

    يا أيّها المسيحيّ، جدّد اليوم عهدَكَ للربّ يسوع، بنعمة الروح القدسِ المنسكب عليك والمتجدّج فيك، وانظر إل رئيس الإيمان ومُكَمِّلِهِ يسوع (رسالة اليوم)، وقُلْ له بحرارةٍ: أنا اختَرتُكَ رَبًّا وحيدًا، فتكون أوّلًا وترثُ الحياةَ الأبديّة.

أَيّةَ مدينةٍ تَختارُ.؟!...
         
يقولُ القَومُ الآنَ إِنّهم بِصدَدِ الخُروجِ إِلينا بعالَمٍ جديدٍ، بدَولةٍ مختلفةٍ، ببنيانٍ حديثٍ لوطنٍ تهدّمَ أَو تزلزلَت أَساساتُهُ.!!.

اختبأَتِ الجماعةُ سنينَ في عوالِم التّشريدِ والتّهجيرِ والسّرقةِ وزعزعةِ النّفوسِ وهدْمِ اليقينِ وترويعِ الحُلمِ.!!.

قالوا إِنّهم تَعبوا مِنَ الصّيغَةِ الماضيةِ، تلك الّتي سكَنَت واستقرّت لسنواتٍ طِوالٍ، والنّفْسُ متحرِّكَةٌ، متقلِّبَةٌ، تَوّاقةٌ إِلى التّغييرِ، إِلى الهَدمِ، لتُعيدَ البُنيانَ حتّى تُحسّ بأَنّ اسمَها يُسَطّرُ في سِفرِ الحياةِ.!!.    وها الجماعَةُ الآنَ واقِفةٌ أَمامَ المَوقدةِ.!!. أَمامَ الأَتّونِ والأَيدي مُنشغِلَةٌ بإِخراجِ الوطنِ مِن جهنّمِ النّارِ، لوضعِهِ على السِّندانِ وإِنزالِ المِطرقةِ عليه، حتّى يَتغيّرَ شَكْلُهُ، بما يُلائمُ الصّانعَ الجديدَ... جِرارُ الماءِ تُسْكَبُ في البِركةِ قُربَ الموقدةِ والسّندانِ، وكلٌّ يُلقي ماءَهُ فيها، حتّى يكونَ له حظٌّ في سَكبِ قطرةِ الماءِ على لِسانِ "غنيِّ لعازرَ"، عَلّها تَنزلُ عليه ببردِ الرّوحِ.!!.

يا صَحْبي.!!. عندي اليومَ رؤيةٌ أَنقلُها إِليكم بالكلمةِ، عَلّ الحَرْفَ يَستقيمُ أَمامكم فيُطلعُ عليكم وفيكم عَمودُ نارٍ يُلهِبُ أَجسادَكم إِن نَطقْتُم به كَذِبًا.!!.

في الوطنِ الجديدِ، السّيفُ مُسلّطٌ فوق رؤوسِكم إِن أَينعَتْ قُطِفَتْ.!!.

في الوطنِ الجديدِ لك يا إِنسانُ مِلءُ الحرّيّةِ أَن تختارَ أَين ومَن تُساكِن وكيف تَودُّ أَن تَحيا.!!.

في الوطنِ الجديدِ لا تمييعَ، ولا تَرقيعَ، ولا خَلْطَ ولا اختلاطَ.!!. الجماعاتُ بَنَت لها موطنَها، فإِمّا أَن تَدخُلَه وتُصبحَ فيه أَخًا ورفيقًا وصاحبًا وجارًا، أو تتركَه لتنتقيَ لنفسكَ ما تَودُّهُ أَكثر.!!. ونفْسُكَ، "يا صاحبي"، إِن لم تَدخُلِ الأَتّونَ، فأَدخِلْها أَنتَ قبلَ أَن يأتيَ إِليك مَن يَجرُّكَ بشعرِكَ أَو برقبتِكَ إِلى المَوقدةِ.!!. فالنّارُ مُحمّاةٌ وطقطقةُ الأَلسنةِ – أَلسنةِ اللّهَبِ – وأغنيةُ شرابِ السّياسةِ والخمرةِ والدّماءِ والدّمارِ ما زالت تَستَعِرُ في الخلفيّةِ.!!!. المهمُّ أَنّ عليكَ أَن تُقرِّرَ وتختارَ الآن لتنتميَ.!!.

    أَلا تَرى النّاسَ كأَسرابِ الطّيورِ التَحَقَتْ بأَسرابِها وطارَت في مَسارِها الجديدِ.؟!. والّذي لم يَلتَحِق بسِربِهِ إِمّا ذُبِحَ أَو قُتِل أَو تَهَجّرَ.!!. والّذي يَوَدُّ لِبْسَ رِداءٍ مختلفٍ فسُتَلْقى البردعةُ على ظهرِه ويحْمِلُ حِمْلَه الّذي اختارَهُ، لأَنّ نفسَهُ شاخَت وهو لا يَودُّ الانتقالَ أَو التّبديلَ.!!. فأَيّةَ مدينةٍ أَنتَ تَختارُ.؟!.. أَمدينةَ اللهِ أَم مدينةَ الجماعةِ أَم مدينةَ المُعتَقَدِ.؟!!. أَم تَبقى فاتِرًا فيتقيّؤكَ الصّانعُ الجديدُ للحياةِ الجديدةِ في الوطنِ الجديدِ.؟!...

    اِسمَعِ الآن، ودَعْنا نُسْلِمُ، ولو للحظةٍ، أَنّهُ لا خِلْطَةَ بعدُ بين الأَفكارِ ولا تَشوُّشَ فيها ولا كذبَ، وأَنّ الأَتّونَ أَفرَزَ بُؤرةَ القيْحِ واكْتَوى الجُرْحُ، وصارَ الخارِجُ مِنَ الأَتّونِ يحمِلُ قلبًا نقيًّا صادِقًا ولو تَشوّهَت بَشَرَتُهُ.!!. ولنُسلِمْ للحظةٍ أَنّ الكلّ يَختارُ والكلّ يَرْتَضي العيشَ، ومَن يُخالِفونَهُ الرّؤيةَ والمَسرى ويَبني لنفسِهِ مدينتَهُ الجديدةَ فكيف تكونُ مدينتُنا.؟!!. آخَرون تَحدَّثوا عن مُدنِهم، فدَعْنا نحنُ نتَحدَّثُ عن مدينتِنا، مدينةِ اللهِ.!!..

    "في مدينةِ الإِلهِ الرّبِّ... عليك يا بُنَيّ أَن لا تَعبُدَ إِلّا إِلهًا واحدًا وأَن تُحبّهُ مِن كلِّ قلبِكَ ومِن كلِّ فِكرِكَ ومِن كلِّ كَيانِكَ، وأَن يأتي هو ساكِنًا فيكَ.!!. ومِن حبِّكَ له تُجاوِرُ الآخَرَ الحامِلَ الإِلهَ في نفسِهِ فتصيرُ نفسُهُ نفسَكَ.!!.

في مدينةِ الإِلهِ، أَنتَ تَحمِلُ الآخَرَ في نفسِكَ ليصيرَ هو نفسَكَ.!!. إِذ ذاك لا تَشكُّ به، ولا تَجرحُهُ بفكرِكَ، أَو بقَولِكَ، أَو بفعلِكَ، أَو بتصنيفِكَ إِيّاهُ... لأَنّكَ إِن فعَلْتَ ذلك تجرَحُ الإِلهَ فيهِ ونفسَكَ.!!.

في مدينةِ الإِلهِ لا كذبَ، ولا سرقةَ، ولا تجارةَ، ولا بحثَ عَنِ الغِنى، ولا سلطةَ، ولا كُرْهَ، ولا حِقْدَ، ولا تَعاليَ، ولا تقوقعَ، بل إِنسانٌ مرفوعٌ على "صليبِ الحبِّ مادًّا ذراعَيهِ"، سافِحًا نفسَهُ وِسعَ قامتِهِ للآخَرينَ.!!.

    في مدينةِ الإِلهِ هذه، لن تستطيعَ أَن تستعملَ الكلمةَ الإِلهيّةَ بغشٍّ، كي تكسبَ حقًّا لك أَو لجماعتِكَ، فالله هو كلمتُكَ، وهو حقُّكَ وعدلُكَ.!!!.

في مدينةِ الإِلهِ، لا يمكنك إِحلالَ الطّائفةِ مكانَ اللهِ، فاللهُ في كتابِهِ بَراءٌ مِن طائفيّتِكَ الّتي تُعلِّمُكَ الاستئثار، عن أَنانيّةٍ وتعصُّبٍ، بحقٍّ لك، وليس فيه مطرحٌ لأَخيكَ.!!.

في مدينةِ الإِلهِ أَنتَ لا تتعاملُ بالقانونِ والحقِّ المدنيِّ، بل تَطلبُ أَوّلًا ملكوتَ اللهِ وبرّهُ، وما عدا ذلك يُزادُ لك كلُّهُ.!!.

في مدينةِ الإِلهِ أَنتَ تُسلِمُ نفسَكَ لخالقِكَ وهو مُعطيكَ الحياةَ الأَبديّةَ والخِصبَ والغنى والنّورَ في هذا الدّهرِ وفي الدّهرِ الآتي".!!.

    اِسْمَعْني، ستكونُ هناك جماعاتٌ مبارَكةٌ تأتي مِن مَشارقِ الأَرضِ ومَغاربِها. هذه الجماعاتُ المبارَكةُ هي عينُ اللهِ وقلبُهُ وحكمتُهُ في تقويمِ اعوجاجاتِ حكّامِ المدنِ وأَصحابِ المعتقداتِ.!!!.

    على أَكتافِ هؤلاء سيُلْقى النِّيرُ... وهم وحدهم المُعلَّقون على الصّليبِ ومن جِباهِهم يَسطَعُ نورُ اللهِ.!!.

هؤلاء سيتبعون الكلمةَ إِذ تقولُ: "لا تكونوا تحت نِيرٍ مع غيرِ المؤمنينَ، لأَنّهُ أَيّةُ خِلطةٍ للبرِّ والإِثمِ، وأَيّةُ شركةٍ للنّورِ معَ الظُّلمةِ، وأَيُّ اتّفاقٍ للمسيحِ مع بليعالَ (إِبليس) وأَيُّ نصيبٍ للمؤمنِ مع غيرِ المؤمنِ وأَيّةُ موافقةٍ لهيكلِ اللهِ معَ الأَوثانِ.!!.

إِنّكم أَنتم هيكلُ اللهِ الحيِّ كما قالَ اللهُ إِنّي سأَسكُنُ فيهم وأَسيرُ بينهم وأَكونُ لهم إِلهًا ويكونونَ لي شَعْبًا". (الرّسالة الثّانية إلى كورنثوس 6: 14 – 16).

أَحِبّتي...    لنسمَعْ كلُّنا صوتَ الحقِّ الإِلهيِّ يَصرُخُ بنا...
"إِلى أَينَ نذهبُ يا إِلهَنا الآن.؟!... أَإِليكَ.؟!...
"كلامُ الحياةِ الأَبديّةِ عندكَ يا مَليكَنا".!!.
لا تَترُكْنا إِلى الاِنقضاءِ.!!. نطلُبُ إِليكَ الآن أَن تُسامحَنا.!!. لِنولَدَ مجدّدًا مِنكَ ولكَ.!!. إِلى الأَبدِ.!!.
آمين.!!.