الأحد 7 آذار 2021

الأحد 7 آذار 2021

07 آذار 2021
الأحد 7 آذار 2021         
العدد 10
أحد مرفع اللحم  
اللَّحن السادس - الإيوثينا السادسة


* 7: الشُّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط، * 8: ثاوفيلكتس أسقف نيقوميذية، 
* 9: القدِّيسون الأربعون المستشهدون في سبسطية، * 10: الشَّهيد كدراتُس ورفقته، * 11: صفرونيوس بطريرك أورشليم، * 12: ثاوفانس المعترف، غريغوريوس الذيالوغوس بابا رومية، سمعان اللاهوتي الحديث، * 13: تذكار جامع للآباء الأبرار، نقل عظام نيكيفورس بطريرك القسطنطينيّة. *


أحد الدينونة أو أحد مرفع اللحم

تعلّمنا في الأحدَينِ السابقَين أهمّيّة الاستعداد للصوم الكبير من خلال التواضع والتوبة. واليوم يبرزُ موضوعُ الدينونة والأعمال الصالحة في هذا الأحد الذي هو الأحد الثالثُ من آحادِ التهيئة للصوم الأربعينيّ.

القراءة الإنجيليّة المخصّصةُ لهذا اليومِ من إنجيل متّى تأتي بعد كلام الرّبّ على "علامات المجيء وانقضاء الدهر"، والأمثال التي تليها عن السهر والاِنتظار: مَثَل الخادم الأمين والعبد الرديء، مَثَل العذارى العَشْر ومَثَل الوزنات.

في هذا الأحد تُشدّد الكنيسة على أنّ الصوم عن الطعام وحده لا يكفي إن لم يكن مُقترناً بالأعمال الصالحة. رسالة الأحد تشرح هذه الفكرة بقول الرسول بولس: "يا إخوة، إنّ الطعام لا يُقرّبنا من الله، لأنّنا إنْ أكَلْنا لا نَزيد وإن لم نأكلْ لا نَنقُص" (1 كور 8: 8). يأتي الجواب على كيف ينبغي أن نسلك في الصوم في تعليم الربّ يسوع عن الدينونة.

تعليم المسيح عن يوم الدينونة هو ليس بمثَل بل هو وَصف لما سيحدُث في الأيام الأخيرة عند المجيء الثاني. هذا يؤكّد حقيقة حدث الدينونة. نقول في دستور الإيمان عن المسيح: "وأيضاً سيأتي بمجدٍ ليَدين الأحياء والأموات". هذا يؤكّد أنّ حدث الدينونة سوف يتمّ عند المجيء الثاني. سوف يدين الربّ يسوع الجميع دون استثناء "سوف تُجمع إليه كلُّ الأمم". نحن نصلّي إلى الله الرحيم والشفوق والمُتحنّن، لكنّنا لا يمكن أن نعزل الله عن صفاته الأخرى وهي أنّه الديّان العادل أيضاً والذي سيُجازي كلُّ إنسان حسب أعماله.

يقول الربّ إنّه سوف يُفرِزُ البشرَ إلى مجموعتَين، إلى خِراف وجِداء، لقد استعمل الربّ هذا التمييز على أساس أنّ كُلًّا مِنَ الخِرافِ والجِداء هما من الحيوانات العاشبة، ولكنّ الفرقَ كبيرٌ من حيث السلوك بين الخراف والجداء. فالخراف معروفة كونها وديعة ومُسالمة وهي تعيش ضمن جماعة واحدة وتعرف صوت الراعي وتتبعه (يوحنا 10: 14- 16). أمّا الجداء فهي رمزٌ للشراهة والشهوة. الجدي يُفضّل العيش منفرداً، كما أنّه يتميّز بالعدوانيّة والشراسة.

إنّ الدينونة سوف تكون على أساس معيار المحبّة وأعمال الرحمة، كيف نسلك مع قريبنا وكيف نُظهر له محبّتنا؟ لقد وضَع الربُّ يسوعُ المحبة والرحمة معياراً للدينونة وللفصل بين اليمين واليسار أي المخلَّصين والهالكين." كنت جائعاً وعطشاناً، غريباً ومريضاً أو مسجوناً" فماذا فعلتم بي؟

لقد وحّد الربُّ يسوعُ نفسَه مع المُعذَّبين والمتألمّين والمنبوذين، وهو يدعوهم "إخوتي الصغار". وكلّ ما نعمله لأحد إخوة يسوع الصغار فهو يذهب إلى شخص السيّد له المجد. إنّ خدمة المحتاج والغريب هي خدمة للمسيح نفسه. لقد وعت الكنيسة المقدّسة أنّ الطريق إلى الله تمرّ عبر القريب.
يقول يوحنّا الإنجيليّ: "يا أولادي لا نُحبَّ بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" (1 يوحنا 3: 18) ويُضيف التلميذ الحبيب: "إذا قال أحدٌ إني أحبُ الله وأبغضَ أخاه فهو كاذب لأن من لا يُحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يُحبَّ الله الذي لم يُبصره، من يُحب الله يحب أخاه أيضاً "( 1 يوحنا 4: 20- 21).

القدّيس يعقوب يسأل ما هي منفعة الإيمان بدون أعمال؟

"إن كان أخٌ وأُختٌ عُريانَين ومعتازَين للقُوتِ اليوميّ فقال لهما أحدُكم امضيا بسلام استدفئا واشبعا ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد فما المنفعة؟ هكذا الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميتٌ في ذاته (يعقوب 2: 14- 17).

لقد أدركت الكنيسة الأولى أهمّيّة خدمة الآخر المُتألم عن طريقة المحبّة والرحمة. القدّيس يوحنّا الرحيم بطريرك الإسكندريّة (619 +) يُعتبر نموذجاً مهمّاً. القدّيس باسيليوس الكبير (379 +) تجسيداً لفعل الإيمان بالأعمال، بنى خارج مدينة قيصرية كبادوكية (تركيا حالياً) التي كان أسقفاً عليها، مدينةً أُخرى سمّاها مدينة المحبّة أو Basiliad كان مُجمّعاً خدماتيّاً ورعائيّاً متنوّعاً يتضمّن بالإضافة إلى الكنيسة، بيوتًا للفقراء، مستشفى ومضافة للغرباء وميتمًا ومدارس مهنيّة لتأمين العمل ولقمة العيش للمحتاجين، التي أكسبتها شهرة عالميّة كبيرة كونها كانت الأولى من نوعها في العالم والذي يُجسِّد العمل الخيريّ المسيحيّ Christian Philanthropy .

يقول القدّيس مكسيموس المُعترف: " كما أنّ التفكير بالنار لا يُدفئ الجسد، كذلك الإيمان من دون محبّة لا يُفعِّل نور المعرفة الروحيّة في النفس".

إن الدينونة كأمرٍ حقيقيّ يتطلّب منّا السهر والتأنّي، يتطلَّب منا فعل المحبّة والإحسان نحو القريب إذ أنّنا سنُحاسَب على قدر الحب الذي كان باستطاعتنا إعطاؤه ولم نفعل. إن أبطأ الربّ فهذا لا ينبغي أن يجعلنا نسقط في الكسل والتهاون، بل فلنُشعل قناديلنا بزيت المحبة والعمل ولننتظر بصبر إذ "هوذا الديّان واقف قدّام الباب، فتأنَّوا أيّها الإخوة إلى مجيء الربّ، فتأنَّوا وثبِّتوا قلوبَكم لأنّ مجيء الربّ قد اقترب" (يعقوب 5: 7- 9). آمين.

+ باسيليوس 
متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيليبيّن
 
طروباريّة القيامة باللّحن السادس

إنَّ القوّاتِ الملائكيّةَ ظهروا على قبرك الموَقَّر، والحرّاس صاروا كالأموات، ومريمَ وقفت عندَ القبر طالبةً جسدَك الطاهر، فسَبيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّب منها، وصادفتَ البتول مانحاً الحياة، فيا من قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
 
قنداق أحد مرفع اللحم باللّحن الأوّل

إذا أتيتَ يا الله على الأرضِ بمجدٍ، فترتعدُ منكَ البرايا بأسرها، ونهرُ النارِ يجري أمامَ المِنبر، والكتبُ تفتحُ والأفكار تشَهَّر. فنجِّني حينئذٍ من النار التي لا تطفأ، وأهِّلني للوقوف عن يمينِك، أيُّها الدَّيانُ العادِل.
 
الرِّسَالة
1 كو 8: 8-13، 9: 1-2 


قُوَّتي وتَسْبِحَتي الربُّ
أدباً ادَّبَني الربُّ، وإلى المَوْتِ لَمْ يُسلمني


يا إخوة، إنّ الطعامَ لا يقرِّبُنا إلى الله، فإنّنا إن أكلنا لا نزيدُ، وإن لم نأكل لا ننقُص. ولكنْ انظروا أن لا يكونَ سلطانُكم هذا مَعثرةً للضعفاء. لأنّه إن رآك أحدٌ يا من له العِلمُ، مُتَّكِئاً في بيتِ الأوثان، أفَلا يتقوّى ضميرُه، وهو ضعيفٌ، على أكلِ ذبائح الأوثان، فيهلكُ بسببِ عِلْمك الأخُ الضعيفُ الذي مات المسيحُ لأجلِه. وهكذا، إذ تخطِئون إلى الإخوةِ وتجرحون ضمائرَهم وهي ضعيفة، إنّما تُخطئِون إلى المسيح. فلذلك، إن كان الطعامُ يُشَكِّكُ أخي فلا آكلُ لحمًا إلى الأبد لئلا أُشكِّكَ أخي. ألستُ أنا رسولا؟ ألستُ أنا حُراً؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربَّنا. ألستم أنتم عملي في الربّ. وإن لم أكن رسولاً إلى الآخرين فإنّي رسولٌ إليكم، لأنّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الربّ.

الإنجيل
متى 25: 31-46


قال الربُّ: متى جاءَ ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكةِ القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على عرش مجدِه، وتُجمَعُ إليه كلُّ الأمم، فيميِّزُ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الراعي الخرافَ من الجِداء، ويقيمُ الخرافَ عن يمينه والجِداءَ عن يسارِه. حينئذٍ يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطِشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريباً فآوَيتموني، وعريانا فكسَوتموني، ومريضاً فعُدتموني، ومحبوساً فأتيتم إلي. يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا ربُّ، متى رأيناك جائعاً فأطعَمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناكَ غريباً فآوَيناك، أو عُريانا فكسَوناك، ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك. فيُجيبُ الملكُ ويقولُ لهم: الحقَّ أقولُ لكم،  بما أنَّكم فعلتم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار فبي فعلتُموه. حينئذٍ يقولُ أيضاً للذين عن يسارِه، إذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدَّية المُعدَّةِ لإبليسَ وملائكتِه، لأني جُعتُ فلم تطعِموني، وعطِشتُ فلم تسقُوني، وكنتُ غريباً فلم تؤووني وعُرياناً فلم تكسوُني، ومريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضاً قائلين: يا ربُّ متى رأيناكَ جائعاً أو غريباً أو عُرياناً أو مَريضاً أو مَحبوساً ولم نخدُمْك. حينئذٍ يُجيبُهم قائلاً: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاء الصِّغار فبي لم تفعلوه. فيذهبُ هؤلاءُ إلى العَذابِ الأبدي، والصِدّيقونَ إلى الحياةِ الأبديّة.

في الإنجيل 

"قالَ الرّبُّ، متى جاء ابنُ البشرِ في مجدِهِ"…

وهو اليومَ آتينا بمجدِهِ، "ليجلسَ على عرشِ مجدِهِ، وتُجمَعَ إليه كلُّ الأممِ فيميِّزَ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الرّاعي الخرافَ من الجداءِ. ويُقيمُ الخرافَ عن يمينِهِ والجداءَ عن يسارِهِ"…

من هو ذاكَ العبدُ الأمينُ الحكيمُ الّذي لا يخافُ سيّدَهُ وحكمَهُ، ليقفَ إليه أمامَ كلِّ الأجنادِ السّمويّةِ والأرضيّةِ ليُحكمَ عليه، أو ليَحكمَ هو مع إلهِهِ، وصرخَ الحملُ الجالسُ على العرشِ، فارتجّتْ نفوسُ وقلوبُ كلِّ الأممِ الواقفةِ حولَهُ: … "إلهُنا أتفرُزُنا اليومَ؟!. 

دعْنا نتوبُ عن خطايانا، علّنا نتوبَ… هكذا سُمِعَتْ أصواتُ الصّمتِ وأنفاسُ الملائكةِ والبشرِ الواقفين أمامِ العرشِ الإلهيِّ"…

وزعقَ رئيسُ الملائكةِ… “كفّوا عن الصّراخِ، عن الطّلبِ… عن النّدبِ… كان لكم كلِّكم أن تعرفوا لأنّه هو الإلهُ تكلّمَ، قائلاً: “أنا هو الّذي هو!!!… أنا هو الألفُ والياءُ الّذي كان وهو كائنٌ وسيكونُ إلى الأبدِ"… وأكملَ رئيسُ الملائكةِ… “الإلهُ كَتَبَ الوصايا وأنتم لم تقرأوها… تكلّمَ ولم تسمعوا… وعدتموه مئاتِ، آلافَ، بل ملايينَ المرّاتِ، لكنّكم لم تُحقِّقوا الوعدَ!!… والآن أنتم مُتُّم وها نحن كلُّنا نقفُ قدّامَ عرشِ الإلهِ الوعدِ، لأنّه هو الغفّارُ، الدّيّانُ والعادلُ وحدَهُ"…

اليومَ سقطَتْ كذبةُ الإنسانِ الميتِ الواقفِ أمام الإلهِ… لكنّ الإلهَ الحملَ أكملَ بعدَ رفعِ رأسِهِ مستديرًا إلى الّذين أجلسَهم الملائكةُ عن يمينِهِ هو وقالَ… "تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكَ المُعَدَّ لكم منذُ إنشاءِ العالمِ"…

هكذا عرفَ الإلهُ الحملُ حملانَهُ الّذين أحبّوا وقعَ كلمتِهِ ووصاياه في آذانِ قلوبِهم: … “لأنّي جِعْتُ فأطعمتموني… عطِشْتُ فسقيتموني… كنتُ غريبًا فآويتموني… عريانًا فكسوتموني… مريضًا فعدتموني… محبوسًا فأتيتم إليّ"… ورفعَ كلُّ الصّديقين رؤوسَهم مستغربين؟!. متى؟!. متى؟! متى؟!… “الحقَّ أقولُ لكم، بما أنّكم فعلتُم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصّغارِ، فبي فعلتموه"… 

اليومَ في يومِ الدّينونةِ هذا العظيمِ، نقفُ مسائلين بعضُنا بعضًا… هلْ تُبنا، أو سنتوبُ إلى كلمةِ الحملِ المذبوحِ في كلِّ خدمةٍ ليتورجيّةٍ أمامَنا ونحن نأكلُهُ لنشفى، أم نأكلُهُ لنعودَ إلى خطايانا؟!…

اليومَ تتتالى الوعودُ والأحكامُ تستصرخُ هباءَ كلمةِ الإنسانِ لربِّهِ، حتّى أولئكَ الّذين لبسوا البزَّ والأرجوانَ للدّخولِ إلى معابدِ الإلهِ وكنائسِهِ، والّذين تبتّلوا عن أنفسِهم إلى توقِ معرفتِهِ، للدّخولِ إلى خدرِهِ، بينما كان هو نائمًا يستريحُ من وعودِ البشرِ الكَذَبةِ، المنافقين، اللّعّابين بعواطفِ الّذين يربّونهم للخلاصِ… وكلِّ الّذين تابوا ولم يتوبوا، وكلِّ الّذين عملوا والّذين لم يعملوا؛ والهمُّ الهمُّ الأوحدُ لجميعِ النّاسِ كان: نحن نريدُ أن نحيا معرفتَكَ (سطحيًا) في عمرِنا هذا هنا، وفي اليومِ الأخيرِ، يومِ الموتِ نترجّاكَ بالصّلواتِ المتلوّةِ على أجسادِنا الميتةِ أن تخلّصَنا برحمتِكَ والّذين يجنِّزوننا، علّنا نرى وجهَكَ قبلَ يومِ الدّينونةِ هذا، اليومَ!!…

سماحُ الله

في مواجهتنا للشرور، نسمعُ قولَ من مَسَّهُ الشرُّ، لماذا سمحَ اللهُ بوقوع مثلِ هذا الشرّ؟ 

ألا يمكن لله المحبّ والصالح أن يمنعَ مثلَ هذا الشّر؟ كثيراً ما نقفْ حائرين أمام أسئلة مماثلةٍ.  وتبقى الحيْرةُ المتواضعةُ أفضلَ من تقديمِ أجوبةٍ لا تتوافقُ مع صورةِ الله الأصيلةِ التي كُشِفتْ لنا بيسوعَ المسيحِ، كمثل أن نقول: "الله أحبّه فأخذه... "الله يستحقُّه أكثر منّا.. هذه إرادة الله وعلينا أن نُسْلَم لها ونرضى بها". هنا لا بدّ أن نوضح ما يلي:

1- لا يمكننا أن ننسبَ الشرَّ الى الله. لكن هل يمكننا أن نميّزَ فعلَ الشرّ عن فعلِ الخير؟ طبعاً نعم؛ إلى حدّ ما، مع الإقرار بوجودها لا يمكن للإنسان الساقط ضمنَه أن يميّز. فالتمييزُ فضيلةٌ ينالها الإنسانُ بعد جهادٍ مرير. أمّا الحروبُ والمجاعاتُ والقتلُ والأوبئةُ هي شرٌ محض لا يمكن أن نُلبِسَها ثوبَ الخيرِ ونردَّها لله بحجّة أنّ الله أرسلها لمعاقبتنِا علىى أخطائنا ولدفعنا للتوبة عنها.

2- وجود الشيطان وملائكته حقيقةٌ لا يمكن أن ننكرها، لانّ الشرَّ ليس كياناً شخصانيًّا بل هو غيابُ للخيرِ الشخصانيّ، غيابٌ عن الله. الخيرُ موجودٌ بحدِّ ذاتِه وُجِدَ الإنسانُ أم لم يوجد. أمّا الشرُّ فلا وجودَ ذاتيًّا لَهُ خارجَ الأشخاص، ملائكةً كانوا أم بشراً. لأنّ الشرّ نابعٌ من حريّةِ فاسدةٍ. والحرّيّةُ لا تُوجد إلّا في أشخاص إن رفضت الشيطان وملائكته كأشخاصٍ ترفض إمّا وجود الشرّ أو تردّ الشرّ الى شخصٍ تجعلُه إلهاً للشرِّ يتصارعُ مع إلهِ الخير. والمسيحيّةُ ترفض هذه الثنائيّة الإلهيّة.

3- خلقَ الله الملائكةَ والبشرَ أحراراً وأخياراً تقبلُ محبّةَ اللهِ أو ترفضُها. هؤلاء أساؤا استعمالَ حرّيتهِم فتغربّوا عنِ الله وصلاحهِ وسقطوا في حبائلَ الشرّ والله المحبّ احترمَ خيارَهم ولم يجرّدْهم من حرّيتِهم التي زَيَّنَهُم اللهُ بها لتكونَ أداةَ شركةِ حرّةٍ ومسؤولةٍ.

4- كيف لنا إذاً أن نفهمَ سماحَ الله بالشرِّ وهو القادرُ على إبادتِه؟ كيف نفهمُ عدمَ تدخُّلِ اللهِ لوقفِ الشرِّ في العالم؟ الجواب بسيط: الشرُّ هو نتيجة سوءِ استعمالِ الحريّة، والله لا يندمُ على فعل خلقِه ولا على منحِ البشرِ حرّيتَهم، لأنّها أداةُ خيِّرةٌ لبلوغنِا إليه. لا يمكنُ لكائنٍ غيرِ حرٍّ أن يبلغَ الى الله الحرّ.

الشيطانُ والشرُّ أحرارُ ويعملون بحرّية ضدَّ ارادةِ اللهِ واللهُ لا ينتزعُ منهم حرّيتَهم لأنّها وجهٌ من وجوهِ محبّتِه. "إن قيّدت حرّية الكائناتِ البشريّة والملائكيّةِ تكونُ قد جعلتَ من اللهِ مصدراً للشرّ" (ي. رومانيذيس).

5- هل نحن متروكون لفخاخِ الشرّ وإهلاكهِ لنا؟ بماذا تنفعُنا إذن ذبيحةُ الصليب؟ لقد أعطانا المسيحُ من على الصليب القدرةَ على محاربةِ الشرّير. هناك مسيحٌ انتصرَ على الشرّير وكبّله ولم تَعُدْ عليه سلطةٌ، وذلك بطاعتِه للآبِ وجهادهِ ضدَّ الشَّرير وأزلامهِ. الاِنتصارُ على الشيطانِ لن يُتِمَّه اللهُ نيابةً عنّا وحدَه بل بمؤازرةِ الإنسانِ الذي يسيرُ على خطى سيّده، الإنسانِ الجديدِ والإلهِ المحبِّ والمجاهدِ المصلوب. مواجهةُ الشرير فعلٌ بشريٌّ- إلهيٌّ، شخصيٌّ وجماعيٌّ. ذبيحةُ الصليبِ لم تُعْفِنا من مواجهتِنا للشرِّ، فالأخيرةُ هي التي تقّدسُنا وتقودُنا، بمعيّة اللهِ، إليه.

إن أردنا أن يجاهدَ اللهُ عنّا، لا معنا، نصيرُ عبيداً لا أحرار، وإن أردنا لله أن يقيّد الشيطانَ فلن يكون لجهادِنا معنى ولن ننالَ إكليلَ الظَّفَر، لأنّنا نجاهدُ ضدَّ شرٍّ مكبَّلٍ ومغلوبِ أصلاً.

6- سماحُ الله بفعلِ الشرّ أُعطي منذ بدء الخلق، منذ أن خلقَ الكائناتٍ أحراراً. ولن يحتاجَ الشريرُ لإذنٍ من الله ليُبتَّ شرورّه.

قدرةُ الله الكليّةِ وإرادتُه لا تقومان على الحدِّ من حرّيّةِ الكائناتِ عبرَ تَدَخُّلٍ سِحريٍّ يُريحُنا ولا يُكلِّفُنا العناءَ والصليب. ولكن كيف للبشر وحدَهم أن يواجهوا الشرّير؟ الله عونٌ لهم ومعهم في هذه المواجهة، لأنّه كان ضحيّةَ الشرّ. هو بهم مجتمعين وبكلّ واحدٍ منهم يعيدُ انتصارَه على الشرير شرط أن يُظهر البشرُ نواياهم في الجهادِ وعدمِ استسلامِهم للشرّير.