الأحد 14 آذار 2021

الأحد 14 آذار 2021

10 آذار 2021
 
الأحد 14 آذار 2021

العدد 11
أحد مرفع الجبن  
اللَّحن السابع - الإيوثينا السابعة


* 14:  البارّ بنادكتس، البارّ ألكسندروس، * 15: بدء الصوم الكبير، الشُّهداء أغابيوس والسّبعة الذين معه،
* 16: الشّهيد سابينوس المصريّ، البارّ خريستوذولس، * 17: ألكسيوس رجل الله، * 18: كيرللس رئيس أساقفة أورشليم، * 19: الشُّهداء خريسنثوس وداريّا ورفقتهما، المديح الأول، * 20: العظيم في الشهداء ثاوذورس التيروني (عجيبة القمح المسلوق)، الآباء الـ 20 المقتولون في دير القدّيس سابا. *
    
رسالة الصوم 
الجسد والروح (فائدة الصوم)


هناك وحدةٌ في التركيب البشريّ بين الجسد والروح. هذه الوحدة حميميةٌ للغاية. يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس: "يمكن للجسد، عن طريق الصوم، أن يصبحَ روحاً عندما تخترقه القوى الإلهيّة غير المخلوقة" أي النعمة الإلهيّة. بينما عندما يتراخى الجسد عن طريق كثرة المآكل، أعني هنا الشراهة، عندها يُعطي الجسد للروح صفةً دُونيّة inférieure فيصبح الإنسانُ كلُّه جسداً. هذا كما حصل مع أولئك الذين لحقهم غضبُ الله قديماً: "لا تحلّ روحي على الإنسان أبداً لأنّه جسدٌ" (تكوين 6: 3).

أمّا عندما لفظت النفسُ كلّ شهوات الجسد عن طريق الصوم والصلاة، عندها تمتلئ بالفرح الروحيّ وترتقي إلى العلاء وترفع هكذا الإنسان فيصبح هذا الأخير كلّه روحاً كما قيل: "المولود من الجسد جسدٌ هو والمولود من الروح هو روحٌ" (يوحنا 3: 6).

الكنيسة الأرثوذكسية تركّز على الصلاة والصوم، لأنّه بحسب خبرة الآباء القدّيسين الهدوئيّين hésychastes الصوم يحفر على الجسد تواضع القلب ومقاومة الأنا الجسديّ: الوصيّة الأولى التي فُرضت على طبيعتنا في بدء الخلق كانت موجهة ضدّ شهوة الأكل. وأيضًا مخلّصنا يسوع بعد معموديّته في الأردنّ، قادَهُ الروحُ إلى الصحراء وصام أربعين يوماً وأربعين ليلة. (متى 4: 1-2). عن طريق هذا السلاح، سلاح الصوم، غُلب الشيطان لأوّل مرّة. تذكّروا أيّها المؤمنون الصائمون
الأحبّاءُ قوّةَ هذا السلاح، سلاح الصوم. إنّهُ قَوِيٌّ في الجهاد ضدّ العدوّ. ما الذي يعطي ثقةً لقلبنا في محاربته ضدّ الأعداء أكثر من الجوع الذي نكابده من أجل المسيح!؟

عندما يظهر هذا السلاح، سلاح الصوم، في يد إنسان، يرتعب الشيطان متذكّراً هزيمته التي كابدها في الصحراء. قوّتُه تتحطّمُ ناظراً إلى مثل هذا السلاح الذي وضعه المسيح في أيدينا.

يقول القدّيس إسحق السريانيّ: "عندما يتعب جسدُ الإنسان من جرّاء الصوم، فإنَّ قلبَهُ يكونُ قويًّا في مواجهةِ هجماتِ جيوشِ الشيطان، مستمدًّا هذه القوّةَ من ثقتِه بالمسيح. والذي يصمد في هذه الحال، يبقى صامداً مشتعلاً على الدوام بحميّته كما بنار".

أرجو أيّها الأحبّاء أن يكون هذا الصوم الكبير في هذه السنة فرصةً لتدريب النفس على الصلاة، المحبّة والعطاء للمُعوِزِين، مداومين عليه بدقّة ونشاط، مؤمنين أنّ الله الذي أحبّ العالم بهذا المقدار حتّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك من يؤمن، لن يتركنا في هذه الأيّام العصيبة، بل سوف يأتي ويخلّصنا من هذا الوباء اللعين الذي يعتري الإنسان والعالم كلّه. آمين.
صوم مبارك!
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

طروباريّة القيامة باللّحن السابع
حطمت بصليبك الموتَ وفتحتَ للّص الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحاً العالم الرحمةَ العظمى.

قنداق أحد مرفع الجبن باللّحن السادس
أيُّها الهادي إلى الحكمةِ، والرازقُ الفَهْمَ والفِطنة، والمؤَدِّبُ الجهّالَ، والعاضِدُ المساكين، شدَّدْ قلبي وامنحْني فَهْمًا أيّها السيَّد، وأعطِني كلمةً يا كلمة الآب، فها إنّي لا أمنعُ شَفتيَّ من الهُتافِ إليك: يا رحيمُ ارحَمْني أنا الواقِع.

الرِّسَالة
رو 13: 11-14، 14: 1-4


رتّلوا لإلِهِنا رتلوا
يا جميعَ الأُممِ صَفِقّوا بالأيادي


يا إخوة، إنّ خَلاصَنا الآنَ أقربُ مِمّا كان حينَ آمَنا. قد تَناهى الليلُ واقتربَ النهار، فَلْنَدَعْ عَنّا أعمالَ الظُّلمةِ ونَلْبَسْ أسلِحَةً النور. لِنَسْلُكَنَّ سُلوكاً لائقاً كما في النهار، لا بالقصُوفِ والسُّكْرٍ، ولا بالمضاجع والعَهَرِ، ولا بالخِصامِ والحَسَدِ. بَل البَسُوا الرَّب يسوعَ المسيحَ، ولا تهتمّوا لأجسادِكُم لِقَضاءِ شَهَواتِها. مَنْ كان ضعيفاً في الإيمان فاتَّخِذوه بغير مباحَثةٍ في الآراء. مِنَ الناس مَن يعتقْدُ أنَّ لهُ أن يأكلَ كلَّ شيءٍ، أمّا الضَّعيف فيأكُلُ بُقولاً. فلا يَزْدَرِ الذي يأكل من لا يأكل، ولا يَدِن الذي لا يأكل من يأكل، فإن الله قدِ اتخّذّهُ. مَنْ أنت يا من تَدينُ عبداً أجنبياً؟ إنّه لمَولاهُ يَثبتُ أو يَسقُط. لكنَّه سيُثبَّتُ، لأنّ الله قادِرٌ على أن يُثبِّتَهُ.

الإنجيل
متى 6: 14-21


قال الربُّ: إنْ غَفَرْتُم للناسِ زَلّاتِهمْ يَغْفر لكم أبوكُمُ السَّماويُّ أيضاً. وإنْ لم تَغْفِروا للناسِ زلّاتِهم فأبوكُمْ لا يغفرْ لكم زلّاتِكُمْ. ومتى صُمتُمْ فلا تكونوا معبِّسين كالمُرائين، فإنّهم يُنكِّرون وُجوهَهْم ليَظهَروا للناسِ صائمين. الحقَّ أقولُ لكم إنّهم قد أخذوا أَجْرَهم. أمّا أنتَ فإذا صُمتَ فادهَنْ رَأسَكَ واغْسِلْ وَجْهَكَ لئلا تَظْهرَ للناس صائماً، بل لأبيكَ الذي في الخِفيةَ، وأبوكَ الذي يرى في الخِفيةِ يُجازيكَ عَلانية. لا تَكنِزوا لكم كنوزاً على الأرض، حيث يُفسِدُ السُّوسُ والآكِلةُ ويَنقُبُ السّارقون ويَسرِقون، لكنِ اكنِزوا لَكمْ كُنوزاً في السّماء حيث لا يُفسِد سوسٌ ولا آكِلَةٌ ولا يَنْقُب السّارقون ولا يسرِقون. لأنّه حيث تكونُ كنوزُكم هناكَ تكونُ قلوبُكم.

في الإنجيل 

الصّومُ والصّلاةُ، مقوِّمان وهبهما الله للإنسانِ لِخَيرِهِ. اللهُ لا يحتاجُ لِصلاتِنا ولا لِصومِنا ولا يرضى بالافتخارِ إذا قمنا بهما. 

هذه الوسائلُ إنّما هي تعبيرٌ عن عِشقٍ مِن عاشِقٍ لمعشوقه، مِن حبيبٍ لمحبوبه، هي علاقةُ حُبٍّ. ألَم يَصُمِ اللهُ عندما خلق العالمَ والانسان والحيوان والطبيعة؟ 

ألم يخلقْ كياناتٍ تختلفُ وجوهرَه وكيانَه؟ أهو بحاجةٍ إليها أم خلقها بدافعِ الحبّ؟ أَلَم يصُمِ اللهُ عِندما ’’أخلى ذاته‘‘ وتجسَّد وأخذ طبيعتنا الفانية وفدانا مصلوباً وخلَّصنا بقيامته؟ 

ألم يصُمِ اللهُ لمّا أخلى ذاته وبعث الرّوح القدس وأسَّس الكنيسةَ وجعلنا أعضاءً لجسده مشاركين في النور والخلاص والقيامة؟ ألَم يفعل كلَّ هذا بدافعِ الحبّ؟ كلُّ ما يفعله الله للإنسان إنّما هو بدافع حبه للإنسان. 

وكلُّ ما يطلبه الله من الإنسان إنّما يطلبُ فعلَهُ بواسطةِ المحبّة. شَرطُ الصِّيامِ المحبّةُ وشرطُ المحبّةِ الغفران. 

كانَ يسوع في درج الإصحاحِ السّادس قد حذَّر ألّا يصلّي أتباعه كما يصلّي المراؤون الذين يحبّون أن يَظهَروا للعيانِ أنَّهم يصلّون. كما أنّه يَنهانا عن الصلاةِ على نهج الوثنيّين، الذين يكرّرون الكلام من دون فهمه إذ يعتبرون بهذا أنّهم يرضون الآلهة. أمّا يسوع فأعطانا الصلاة الرّبّانيّة ’’أبانا الذي في السَّماوات‘‘. 

في آخر هذه الصلاة تقريباً يقول ’’واترك لنا ما علينا، كما نترك نحن لمن لنا عليه‘‘. ويُكمِلُ في قراءتنا اليوم يقول ’’إن كنتم تغفرون للنّاسِ زلّاتهم، يغفرُ لكم أبوكم السّماوي زلّاتكم‘‘، والعكس صحيح، ’’وإن كنتم لا تغفرون … لا يغفر لكم أبوكم السّماوي زلّاتكم‘‘. الله لا يساوِمُ في موضوع الغفران. 

فالغفرانُ هو أسمى تعبيرٍ عن العشق. فالحبيبُ يغفرُ لمحبوبه. هذا هو مقياس الله في محاسبة الانسان. كم أنتَ، أيُّها الانسانُ، سَعَيتَ لتحبَّ الآخَر؟ كَم جاهَدتَ لتتخلّى عمّا تحبّه لنفسك من أجلِ الآخَر؟ الغفران هو تواضع، هو تخلٍّ عَن الأنا المجروحةِ بزلّاتِ الآخرين. هل آذاكَ أخاكَ؟ فسامِحهُ. هَل خانك حبيبك؟ فاغفر له. الغفرانُ هو علاجٌ بالكَيِّ؛ يكوي الأنانيّة والتعجرف وينفتح للآخر مِن أجلِ التّطهير بالحبّ. لهذا السبب تكلّم يسوعُ عن هذا الموضوع قبل أن يتكلَّم عن الصّوم. الغفران هو شرطٌ لِوُلجُوجِ الإنسانُ في مسيرة الصيام العشقيّة.

أمّا الصومُ فيأتي بعد الغفران. هو أيضاً تعبيرُ عشقٍ صوب معشوقنا، ختن الكنيسةِ، الله، يسوع المسيح. ليس موضوع تباهٍ ولا مباراة في تهيئةِ الأطباق الصياميّة. هو تكريسُ وقتٍ أكثر لنضع نصبَ أعيننا الله، أن نتكلّم أكثر مع حبيبِ نفسنا وعريسها. الإنسان التوّاقُ إلى رؤية مَن يعشقه يهمل كلَّ ما حولَه، ساعياً إلى الاتّحادِ بالذي يحبّه. وهكذا الصوم. تترك ما حولك وأنت تصبو إلى عشيقك المسيح، فيكون هذا تعبيرًا عن حبٍّ وفرحٍ لا عن حزنٍ وَكَرْب. فالحزنُ نافِعٌ فقط في حالةِ الندامةِ على الخطيئةِ التي ارتكبناها تجاه محبوبنا؛ وأمّا هو فيعطينا الصَّفح لأنّنا صفحنا وأحببنا ولأنّه يعشقنا، آمين.

الصوم

في زمن ساد فيه الفساد معظم المجتمعات البشريّة الكائنة على سطح الأرض، وفي عصر طغت فيه حضارة الاستهلاك وكلّ المفاسد والمغريات المهلِكة للنفس والجسد، بعد أن أصبح  "ربّ" هذا العالم (أي المال) هو العنوان والمشتهى، أمام كلّ هذه العظمة والجبروت والطغيان الآسر لإنسان هذا العصر، يحلّ الصوم كشهادةٍ لا بدّ منها لربّ الأرباب ومخلّص العالم الوحيد، الربّ يسوع المسيح، وكدرع حقيقيّ للدفاع عن إنسانيّة الإنسان المدعو دوماً للاشتراك في مثل هذه الحلقة التدريبيّة الخلاصيّة المتواترة بحسب إكليل السنة الطقسيّة، تعبيراً عن التزامه الحرّ في صليب المسيح، واستعداده الطبيعيّ للتأهّل لمعاينة نور القيامة المجيد.

إنّ عناوين الصوم عديدة ومتنوّعة، قالَبُها تدريبيّ، بسيط، ومتدرّج، كما يشير الى ذلك كتاب "سلّم الفضائل" بشكلٍ خاصّ، أمّا العنوان الأبرز فهو من دون شكّ "التوبة" كما تعبّر عن ذلك بدايات الصوم عبر الفترة التمهيديّة القصيرة التي رتّبتها الكنيسة وسمّتها "فترة التريودي"، والتي هدفها لفت الانتباه إلى مُسلَّماتٍ أساسيّةٍ لا بدّ من توفُّرها لدى النفوس العطشى للحياة الروحيّة وهي، التوبة والصلاة والصوم، تترافق معها مقتضيات لا بدّ منها، أهمّها "الرحمة" بكلّ أبعادها المعنويّة والماديّة، و"اليقظة" أو "السهر" تهيُّؤاً للقاء "الختن" في أيّة لحظة دون أيّ تلكُّؤ أو تراخٍ.

نستنتج من تعليم الكنيسة إذاً، أنّ الصوم أيّام مقدّسة، يحياها الإنسان في قداسة الفكر والقلب والجسد، فيها نريد أن نقترب إلى الله بينما الخطيئة تبعدنا عنه. ولا شيء يغلبُ الخطيئة إلّا التوبة. فنستطيع حينها الاِلتصاق بالله. أمّا بخصوص الطعام فهو لازمة ضروريّة لتأكيد قداسة الإنسان، هيكل الله، باتّحاد تام بين الجسد الروح. إذ يشترك كلاهما وبانسجامٍ تامّ في تحقيق الهدف الواحد لخلاص الكيان الواحد.

مع التذكير بأنّ الصوم كان أقدم وصيّة عرفتها البشريّة، عندما طلب الله إلى آدم أن يمتنع عن الأكل من شجرة معيّنة (تك 2: 16-17). والمقصود هو "الطاعة" لأنّه بالامتناع عن الأكل يرتفع الإنسان فوق مستوى الجسد والمادّة، فلا يعود للشهوة من سلطة على أجسادنا لأنّنا نكون قد اتّحدنا بالله، بطاعتنا له.

أخيراً، إنّ الحياة الروحيّة ليست مجرّد محاكاة أو تأمّل، إنّما هي تدرّج وتدريب طويل. ومن المفيد أن نشتاق للقدّيسين. لكن لننتبه ولا ننظر إلى أواخر حياتهم أو نهاياتها، بل فلننظر إليهم في بداية جهاداتهم، ولنماثلهم عَلَّ في السعي الصادق ينفتح باب أمل لخلاص الإنسان.