الأحد 15 آب 2021           

الأحد 15 آب 2021           

10 آب 2021

الأحد 15 آب 2021           
العدد 33
رقاد سيدتنا والدة الإله 
 
اللحن السابع الإيوثينا الثامنة


* 15: رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة، * 16: نقل المنديل الشّريف من الرَّها، الشَّهيد ديوميدوس،
* 17: الشَّهيد مِيرُن، * 18: الشَّهيدان فْلُورُس ولَفرُس، أرسانيوس الجديد الذي من باروس، * 19: أندراوس قائد الجيش والـ 2593 المستشهدون معه، * 20: النَّبيّ صموئيل، * 21: الرَّسول تدَّاوس، الشُّهداء باسي وأولادها. *
 
"النصيب الصالح"
 
إنجيل اليوم يا أحبَّة يتطرَّق بكلماته البسيطة إلى واقع الإنسان المعاصر، يلفت انتباهنا وألحاظنا إلى خدعة وفخ عالم اليوم، وكأنَّه يُحذرنا ويُنذرنا مسبقاً، كي نستدرك ذواتنا بالانتباه واليقظة.
 
يعجُّ عالمنا المعاصر بالهموم والاهتمامات، وتضجّ حياة كلّ واحد منّا بالكثير من التحدّيات والمشاكل والأشخاص. على غرار مرتا التي كانت مرتبكة بأمور كثيرة كما قال لها الرب.
 
بالطبع لم تخطئ مرتا مُطلقًا في كونها تخدم، وأنّها كانت تمارس حسن الضيافة الواجب واللائق، إلا أنَّ الفضيلة العمليّة أو العملانيّة من مخاطرها التشتّت والنسيان وضياع الغاية.
 
عمل مارتا مبارك جدًّا، ولكنّها استحقّت لوم السيد، عندما اهتمَّت بخدمتها إلى حدّ الارتباك والاضطراب، ومن بعدها طلبت من الرب نفسه أن تنقطع أختها عن سماع تعاليمه حتّى تساعدها في خدمتها.
 
خدمة الضيافة هي عملُ إحسانٍ وعملُ فضيلة، لكن ربَّما فكر مرتا تاه أثناء الخدمة عن تتبّع كلمات يسوع، وربّما قد انجرف أكثر وراء اللياقات المجتمعيّة، وأقوال الناس وما قد يبدر منهم من تعليق مواجهةً أو خفيةً، ممّا سحبها من أجواء تعاليم يسوع إلى أجواء المجتمع وأفكار البشر وآرائهم.
 
وهذا ما جعلها تفقد سلامها وترتبك وتضطرب، ومن ثَمّ تطلب من الربّ نفسه عون أختها.
 
عندما نتوقّف عن الإصغاء العميق للمسيح ووصاياه، لا يعود فكر المسيح معيارًا لتفكيرنا،
 
وتبدأ معاييرُ بشريّةٌ، إنسانيّةٌ، أهوائيّةٌ، مجتمعيّةٌ أخرى تجول وتعمل في فكرنا، آنذاك وكنتيجة طبيعيّةٍ وحتميّة، يفقد الإنسان سلامَهُ ويضطرب، ويعكسُ اضطرابَهُ على الناس من حوله.
 
الفضيلة العملانيّةُ هي غايةٌ في الأهمّيّة، ولكنّها سهلةُ التشتّت، ولهذا فهي بحاجة إلى يقظة كبيرة، كي لا تنقطع عن غايتها، ألا وهي خدمة المسيح. كثيرًا ما يَحدُثُ أن نهتمّ بأعمالنا وأخصّائنا إلى حدِّ نسيانِ وجود الله بالكلية، لا بل إلى حدّ عدم معرفةِ الاتّكالِ عليه، أو حتّى إلى الحدّ الأسوأ الذي هو أن نصلَ إلى أن يصبحَ اللهُ شخصًا مجهولًا عندنا، لا نعرف كيف نتصرّفُ ونتعاملُ معه، ولا نعرفُ كيفَ نطلبُه في مسائلِ حياتِنا. لهذا يعرض لنا النصُّ الإنجيليُّ هذه المخاطر، ويؤكّدُ من جهة أخرى أنّنا بحاجةٍ إلى كلا النموذجَين معًا، نموذج مرتا ومريم، حيث تمثّلُ مرتا العملَ والتعبَ والنُّسك، بينما تُمثّل مريمُ التأمُّلَ ومعاينةَ المسيح.
 
طالما الإنسانُ مؤلَّفٌ من جسد ونفس فهو بحاجة إلى كلا النموذجَين، ولكن ليس بانفصال الأوّل عن الآخر، ليس للبعض أن يأخذوا نموذج مرتا فقط وللبعض الآخر أن يأخذوا نموذج مريم، الواحد بمعزل عن الآخر.
 
لا بل كلا النموذجَين معًا، كدرجاتٍ في سُلَّمِ الفضيلة، بدءًا بالفضيلة العمليّة، فضائلِ الجسد، وصولاً إلى فضائل الروح.
 
من العمل والتعب والنسك إلى معاينة المسيح.
 
وجود المسيح في النصّ الإنجيليّ بجوار مرتا ومريم، رسالةٌ مباشرةٌ إلينا من المسيح نفسه، أنّه موجود بجوارنا في مجتمعاتنا أينما كُنّا.
 
عدم مشاهدتنا له أو عدم إحساسنا بوجوده، لا يُلغي بالطبع وجوده، ولكن هذا يعني أنّنا سَهَونا عنه وارتبكنا إلى حدّ الاِضطراب، ولهذا فإنّنا لم نعد نراه أو نشعر به:
 
"مرتا مرتا إنّكِ مرتبكةٌ ومضطربةٌ في أمور كثيرة، إنّما الحاجة إلى واحد، فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لا يُنزَع منها". حدود الاهتمام بأيّ شيء، من أولاد ومن أعمال... إلخ، ينتهي عند النصيب الصالح. لا شيء يعلو أو يفوق أو يتجاوز أو يتخطّى المسيح.
 
مَنِ اختار المسيحَ اختارَهُ المسيحُ، ومَنِ اختار المسيحَ ربحَ كُلَّ شيء، ومَن فَقَدَ المسيح، ولو ربح العالمَ كُلَّهُ، فقد خسر كُلَّ شيء. ما النفع من أن يربح المرءُ العالمَ كُلَّه، وهو نفسه قد انفسد وانعطب وتعطَّل، في حين مَنِ اختارَ المسيح قد سما عاليًا مستغنيًا عن غنى هذا العالم وأرباحِه.
 
+ يعقوب
مطران بوينس آيرس وسائر الأرجنتين
 
طروبارية القيامة باللّحن السابع
 
حطمتَ بصليبِكَ الموتَ وفتحتَ للّصِّ الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلَكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قُمتَ أيّها المسيح الإله، مانحًا العالم الرحمةَ العظمى.
 
طروباريّة رقاد السيدة باللّحن الأوّل
 
في ميلادِكِ حَفِظْتِ البتوليَّة وصُنتِها. وفي رُقادِكِ ما أهْمَلتِ العِالم وترَكتِهِ يا والدة الإله. لأنَّكِ انتقلتِ إلى الحياة بما أنّكِ أُمُّ الحياة. فبِشفاعاتكِ أنقذي من الموتِ نفوسَنا.
 
قنداق رقاد السيدة باللّحن الرابع
 
إنّ والدةَ الإله التي لا تَغفُلُ في الشَّفاعات والرجاءَ غيرَ المردودِ في النَّجَدات، لم يضبُطها قبرٌ ولا موتٌ، لكنْ بما أنّها أُمُّ الحياة، نقلَها إلى الحياة الذي حلَّ في مستودعها الدائم البتوليّة.
 
الرِّسَالة
في 2: 5-11
 
تعظّمُ نفسي الربَّ    
لأنَّه نظَرَ إلى تواضُعِ أمَتهِ

 
يا إخوةُ، ليكُنْ فيكُمُ الفكرُ الذي في المسيحِ يسوعَ أيضًا، الذي إذ هُوَ في صورةِ اللهِ لم يكُن يعتَدُّ مساواتَهُ للهِ اختلاسًا، لكنَّهُ أخلى ذاتَهُ آخذًا صورةَ عبدٍ صائرًا في شبهِ البشَرِ وموجوداً كبشرٍ في الهيئة، فوضَع نفسَهُ وصارَ يُطيعُ حتّى الموتِ موتِ الصليب، فلذلكَ رفَعَهُ اللهُ ووهبَهُ اسمًا يفوقُ كلَّ اسمِ، لكي تجثُوَ باسمِ يسوعَ كلُّ رُكبةٍ مِمّا في السماواتِ وما على الأرض وما تحتَ الأرض، ويعترفَ كلُّ لسانٍ أنَّ يسوعَ المسيحَ ربٌّ لمجدِ الله الآب.
 
الإنجيل
لو 10: 38-42، 11: 27-28

 
في ذلك الزمان، دخل يسوعُ قريةً فقبِلَتْهُ امرأةٌ اسمُها مرتا في بيتها، وكانت لهذه أختٌ تُسمّى مريم. فجلست هذه عند قدمَيْ يَسُوعَ تَسمَعُ كلامَهُ. وكانت مرتا مرتبكةً في خدمةٍ كثيرة. فوقفت وقالت: يا ربُّ أما يَعنيكَ أنَّ أُختي قد تركتني أخدُمُ وَحْدي؟ فقلْ لها أن تساعدَني. فأجاب يسوع وقال لها: مرتا مرتا إنَّكِ مهتمَّةٌ ومضطربةٌ في أمورٍ كثيرة، وإنَّما الحاجةُ إلى واحدٍ. فاختارت مريمُ النصيبَ الصالح الذي لا يُنزع منها. وفيما هو يتكلّمُ بهذا رفعتِ امرأةٌ من الجَمْعِ صوتَها وقالت لهُ: طوبى للبطنِ الذي حَمَلَكَ والثَدْيَينِ اللذينِ رَضِعتَهما. فقال: بل طوبى للذينَ يسمعونَ كلمةَ الله ويحفظونها.
في الإنجيل
 
إنجيل اليوم هو قصَّةُ لقاءِ مرثا ومريم بالسيِّد المسيح في قرية بيت عنيا.

بيت عنيا تعني "بيت الطاعة" أو "بيت العناء"، وكأنّه في الكنيسة حيث يمتثل الأعضاء بالطاعة لله، محتملين كلَّ عناءٍ كشركةِ آلامٍ مع المخلِّص، يعمل الكلُّ كمرثا مجاهدِين، ويجلسون معه يسمعون صوتَه ويتأمَّلون أسرارَه كمريم، وما نوَدُّ أن نؤكِّدَه هُنا أنّه، وإن مثَّلَت مريمُ جماعةَ العاملِينَ والخُدّامِ في الكنيسة، فإنّ المسيحيَّ يحملُ في قلبِه فِكرَ مرثا ملتحمًا بفكر مريم، فلا جهادَ حقيقيًّا خارجَ حياةِ التأمُّل، ولا حياةَ تأمُّلٍ صادقةً بِلا عمل! حقًّا لِكُلِّ عُضوٍ موهبتُه، فَمِنَ الأعضاءِ مَن يحملُ طاقةَ عملٍ قويَّةً قادرةً على الحركة في الربّ على الدوام، ومنهم مَن يُحِبُّ الهُدوءَ والسُّكونَ لِيَحيا في عبادةٍ وتأمُّل. ولكنْ يَلْزَمُ على الأوّلِ وسطَ جِهادِه أن يتمتَّعَ بِنَصيبٍ مِنَ الحياةِ التأمُّليَّةِ اليوميَّةِ حتّى لا ينحرفَ في جهاده، ويليقُ بالثاني أن يُمارسَ محبَّته عمليًّا بالجهاد، إن لم يكن في خدمة منظورة، فبالصلاة على لسان الكنيسة كُلِّها بل ومن أجل العالم كلِّه.
سوف نقدِّمُ مقتطفاتٍ لِبَعضِ الآباء في هذا الشأن:
 
* صالحٌ هو ما فعلَتْهُ مرثا بخدمتها للقدِّيسين، لكنَّ الأفضل هو ما فعلته أختُها مريم بجلوسها عند قدَمَيِ الربّ واستماعِها كلمتَه.
 
* كانت مرثا ومريم أُختَينِ، قريبتَين حقًّا ليس بالجسد، وإنّما أيضًا بالتقوى، كانتا ملتصقتَين بالربّ، تخدمانِه حين كان حاضرًا بالجسد.
 
استقبلَتْه مريمُ كما تستضيفُ الغُرَباء، كخادمةٍ تستقبلُ سيِّدَها، ومريضةٍ تستقبلُ مخلِّصَها، وكخليقةٍ نحو خالقِها. قَبِلَتْهُ لِتُطعِمَهُ جسديًّا، فتقتاتَ بالروح. لقد سُرَّ الربُّ أن يأخذَ شكلَ العَبدِ (في 2: 7)، لذلك صار الخدَّامُ يُطعمونَه. بِتنازُلِه سمحَ لنفسِه أن يَقُوتَه الآخرون. صار له جسدٌ يَجوعُ حقًّا ويَعطَش. ولكنْ، هل تَعلمُ أنّه إذْ جاءَ في البرِّيَّة، كانت الملائكةُ تَخدِمُه؟! (مت 4: 11).
 
هكذا، إذْ سُرَّ أن يُطعمَهُ الآخرون، أظهر لُطفًا لِمَن يُطعمُه. هكذا أيضًا أُستقبِلَ الربُّ كَضَيف، هذا الذي "جاء إلى خاصّتِه، وخاصّتُه لم تَقْبَلْه، أمّا الذين قَبِلُوهُ فأعطاهُم سُلطانًا أن يصيروا أولادَ الله" (يو 1: 11-12)، متبنِّيًا الخدَّام لِيَجعلَ منهم إخوةً، وَمُحرِّرًا المسبِيِّينَ لِيَجعلَ منهم شُرَكاءَ في الميراث.
 
* إذ كانت مرثا تدبِّر الطعام وتعدُّه لتُطعمَ الربّ، كانت منهمكةً في الخدمةِ جِدًّا، أمّا مريمُ أختُها فاختارَتْ بِالحَرِيِّ أنْ يُطعمَها الربّ. إنّها بطريقةٍ ما تركَتْ أُختَها المرتبكةَ بأعمالِ الخدمة، وجلسَتْ هي عندَ قدمَيِ الربِّ تسمعُ كلماتِهِ بِثَبات. لقد سَمِعَتْ أُذُنُها الأمينةُ: "كُفُّوا وَاعلَمُوا أنّي أنا الله" (مز 46: 10).
 
مرثا ارتبكَتْ، أمّا مريمُ فكانت متمتِّعةً (محتفلة)؛ واحدةٌ كانت تدبِّرُ أمورًا كثيرة، والأخرى ركَّزت عينَيها على الواحد.
* صالحةٌ هي الخدمات التي تقدَّمُ للفقراء، بخاصّةٍ الخدماتُ الضروريَّةُ والأعمالُ الوَرِعةُ التي تُقدَّمُ لِقِدِّيسِي الله... ولكن الأفضل منه هو ما اختارت مريم أن تفعله. فإنّ الأعمالَ الأُولى لها متاعبُ كثيرةٌ تُمارَسُ بسبب الضرورة، أمّا الثانية فلها عُذوبتُها وتُمارَسُ بالمحبَّة.


لو أنّ مرثا قد تمتَّعت بالشبع خلال ممارسة هذه الأعمال لما طلبت معونةَ أُختِها. هذه الأعمال متعدِّدة ومتنوِّعة إذ هي أعمال جسدانيَّة مؤقَّتة. حقًّا إنّها أعمال صالحة، لكنّها زائلة. لكن ماذا قال الرب لمرثا؟ "مريم اختارت النصيب الصالح". لستِ أنتِ شرِّيرة، إنّما هي أفضل. هل تريدين أن تعلمي لماذا هي أفضل؟ لأنّها اختارَتْ ما "لا يُنزَعُ منها". فالواجباتُ الضروريّة سوفَ تُنزَعُ منكِ عاجلًا أم آجِلًا، أمّا عُذُوبةُ الحقِّ فأبديّة، لا تُنزَعُ من المرءِ بل تزدادُ بِاطِّراد. في هذه الحياة تزداد، وفي الحياة الأخرى تَكمُلُ ولا تُنزَع.
 
* كانت مرثا تهتمّ بإطعامِ الربّ، وأمّا مريم فاهتمّت بأن يُطعمَها الربّ. بواسطة مرثا أُعدَّت الوليمة للربّ، هذه الوليمة التي ابتهجت فيها مريم.
 
* إنَّ هاتَين المرأتَين تُمَثِّلانِ الحياتَين الحاضرةَ والعتيدة؛ حياةَ الجهادِ وحياةَ الراحة؛ حياةَ الحزنِ وحياةَ االفرح؛ الحياةَ الزمنيَّةَ والحياةَ الأبديَّة.
 
ماذا تحمل هذه الحياة؟ لست أتكلَّم عن حياة شرِّيرة، رديئة، خبيثة، مُترَفة جاحدة، بل هي حياةُ جهادٍ مملوءةٍ آلامًا ومَخاوِفَ، تُفقِدُها التجاربُ سَلامَها... وأقول إنّ الحياتَينِ غيرُ ضارَّتَين، بل ومستحقَّتانِ المديح، لكنّ إحداهُما مملوءةٌ تَعَبًا والأُخرى سهلة...
 
في مرثا نجد صورةً للأُمورِ الحاضرة، وفي مريم الأمور العتيدة.
ما تفعله مرثا نفعله نحن الآن، ما تفعله مريم نترجَّاه لنفعل العمل الأوّلَ حسنًا فننالَ الثانيَ كاملًا.
 
عذراء يا أمَّ الإله
 
عذراء يا أمَّ الإله يا طاهرة، نقيّة، صلِّ إلى ابنك الإله ليتحنن علينا فأنت تشعرين معنا لكونك عاينتِ كل الضيقات التي نعيشها.
 
لم يكن الحكم يكفي الحاكم بل أراد قتل الطفولة لئلا تحلم يومًا بأن ترفع رأسها كي لا يكون المستقبل يحمل رأيًا آخر وفكرًا آخر. فتَمَّ سَفكُ دِماءِ الأطفالِ عَلَّهُم يقتلون المستقبل الآتي مِن جذوره، فكانت هجرةُ ابنِكِ إلى بلاد الاغتراب، إلى مصر، حينها هربًا من سفك دم الأمل المنتظر. الفُقَهاءُ بُهتُوا من تعليم ابنك في الهيكل، منهم مَن تعجّب ومنهم مَن استنكر الكلام النازل على شفتيه لكونه يحاكم ضمائرهم، وأنت يا والدة الإله كنتِ تحفظين كلامه في قلبك.
 
اهتمَّ بإخوته البشر، كواحد منهم، كمواطنٍ عاديٍّ ينتمي إليهم وإلى وطنهم، وأنار بصائرهم، وكانت هذه الإنارة سببًا للطغاة أن يعودوا ليفرضوا العتمة على الجميع. أرادوهم أن يكون الشعب عبيدًا ليبقوا أسيادًا، فَقُوّةُ الطاغي لا تُستمَدُّ إلّا مِن صمتِ العبيد. لذا رأَوا بيسوعَ ابنِك تهديدًا، لِكَونِه كان يردّد على مسامع الكلّ أنّ "الحقّ يحرركم"، فسعَوا لِقَتلِ كُلِّ أشكال النور التي فيه لمعرفتهم أنّه سيكون سبب زوالهم، وكان قلبك يا عذراء ينقبض من الألم لمّا تنظرين.
 
سمعتِ يا أُمَّنا أنّ ابنَكِ قد طَردَ تُجّارَ الهيكل، المستفيدين حتّى من العبّاد لله، من انتمائهم لله. فباعوا واشتروا ليكون رِبحُهم ناتجًا عن البُسَطاءِ في الإيمان أو الخائفين من أن يكسروا حملاً باسم الدّين وضعه الفريسيّون لتبقى سطوتُهم على رقاب الناس وتزدادَ أرباحُهم، لإدراكهم أنّ للمالِ سُلطانًا. أمّا ابنُكِ فكان صوتَ الضمير أن " لا تقدرونَ أن تعبدوا ربَّين الله والمال".
 
وآلمك، يا عذراء، أنهم "أصموّا آذانهم لئلّا يسمعوا وأغمضوا عيونهم لكيلا يَروا".
 
ما كانت رغبة ولدك، كما رغبتك، إلّا أن يحيا الناس بالسلام الآتي من الله، أن يكون اتّكالُهم الأوّل عليه لكونه الجوّاد الرحيم، وبهذا أيضًا رأوا فيه تهديدًا خطيرًا يزعزع قدرتهم على التسلُّطِ في رقاب العباد، لذا شاؤوا إخضاع الناس بشراء ضمائرهم.
 
 لذا، يا طاهرة، لمّا ارتفعَ صوتُ الآتي باسم الرّب، رأيتِ البراءةَ في ابنِك كالحَمَلِ أمامَ الحُكّامِ قُساةِ الرقاب، فصمتَ الحقُّ ظاهريًّا أمامَ تصلُّبِ القلوب، ورأيتِ العدلَ يسقطُ عند محاكمة ابنِكِ. والعدلُ سقط عندما سادت السلطةُ الجائرةُ على البريء. وكأنّ سيفًا يجوز في صدرك عندما حكموا على الحبّ بالموت وعلى الحياة بأن تثويَ في القبر. وصرخ المشترَونَ بأموالِ السادة ... إصلِبْهُ...اقتُلْهُ.


ما بدا، وكأنّ الظلم قد ساد وأنّ العدلَ قد اضمحلّ، واليأس تسرّب إلى كلّ القلوب التي تترجّى الخلاص. ولكنّكِ يا نقيّة، كنتِ أوّلَ مَن بُشِّر، ومَن بشَّرَ، بأن لا غلبةَ للموتِ على الحياة، ولا غلبة للباطل على الحقّ. وأنّ الله حيٌّ، قَيُّوم، قادرٌ أن يقيم، عبرَ أتقيائه، مِنَ العظام ما اعتُبر أنه قد هلك.
 
وفي رقادك، اليوم، حضورٌ أبديٌّ أمامَ ابنِكِ مُقيمِ الأموات، فَمِن أمامِ عرشِه صلِّ إلى ابنك الإله ليتحنّنَ علينا نحن الذين نُعاني في هذا الوطن. آمين.