الأحد 29 نيسان 2018

الأحد 29 نيسان 2018

29 نيسان 2018

الأحد 29 نيسان 2018
العدد 17

أحد المخلّع

اللَّحن الثّالث        الإيوثينا الخامسة


* 29: الرَّسولان ياسنوس وسُوسيباترس ورفقتهما، * 30: الرَّسول يعقوب أخو يوحنَّا الثاولوغوس، * 1: إرميا النبيّ، البارّة إيسيذورة، * 2: انتصاف الخمسين، نقل جسد القدّيس أثناسيوس الكبير، * 3: الشّهيدان تيموثاوس ومفرة، * 4: الشّهيدة بيلاجيا، البارّ إيلاريوس العجائبيّ، * 5: الشّهيدة إيريني، الشّهيد أفرام الجديد.

الفصح المقدَّس

ما زلنا نعيش في غمرة عيد الفصح المجيد المقدّس، عيد قيامة الرّبّ يسوع المسيح الخلاصيّة. الفصح المقدّس هو عيد الأعياد وموسم المواسم. عيد العبور من الموت إلى الحياة ومن  الأرض إلى السماء.

القيامة هي العيد الأساسيّ في حياة الكنيسة لأنّها تخصّ ليس قيامة المسيح فقط ولكن قيامة كلّ إنسان، وبالتالي قيامتنا. من هنا نعيّد للقيامة في كلّ يوم أحد قي القدّاس الإلهيّ.

القراءة الإنجيليّة في القدّاس الإلهيّ هي من البشير يوحنّا 1: 1- 17، وهي لا تمتّ بصلة مباشرة إلى قيامة المسيح إذ أنّ إنجيل حدث القيامة يُقرأ في صلاة الهجمة (السَّحر) التي تسبق القدّاس الإلهيّ في يوم الفصح. أمّا في القدّاس فالقراءة الإنجيليّة تتكلّم على المخطّط الإلهيّ الذي وُضع لخلاصنا. الإنجيل يتكلّم على أن الله محبّة، على النور الذي يُضيء في الظلمة وعلى الخليقة الجديدة. بشكل عامّ يتكلّم الإنجيل على التجديد الصائر في يوم القيامة.

لقد دخلت الخطيئة والموت إلى العالم وأصبح الموت "آخر عدوّ يُبطل" (1كور 15: 26). كلّ الفلسفات، على مرّ العصور، والإيدولوجيّات، حتّى الطّبّ والعلم، تحاول جاهدةً أن تضع حدّاً للموت، وما هي إلّا محاولات لتأخير الموت ودفعه بعيداً عنّا، ولكن، في الحقيقة، الموت هو أيضاً الحتميّة لكلّ إنسان ولكلّ خليقة. وحده المسيح القائم من بين الأموات وضع حدّاً للموت إذ، كما نرتّل في ترتيلة المسيح قام، "وطئ الموت بالموت ووهب الحياة للّذين في القبور". أي أنّه داسَ الموت وحطّمه بموته ومن ثم بقيامته.

إنّ حدث القيامة هو أمر حتميّ لشخص المخلّص كونه هو الإله - الإنسان. لم يكن باستطاعة الموت أن يضبطه في القبر ويُبقيه تحت سلطانه. لقد برهن الرّبّ يسوع، من خلال قيامته، أنّ نهاية الإنسان ليست الصليب والموت وإنّما القيامة. ليست الآلآم هي الهدف والغاية في الكنيسة وإنّما القيامة والقبر الفارغ. "توبوا فقد اقترب ملكون السموات". القيامة ليست حدثاً حصل فقط ليسوع أو سيحدث لنا في المستقبل، فنحن اليوم يُمكن أن نختبرها شخصيّاً عندما نستدعي الرّبّ يسوع في حياتنا ونتّخذه ربّاً ومخلّصاً.

لَولا القيامة لبدا كلّ شيء وهماً ولكان "إيماننا باطلاً" كما يقول الرّسول بولس. لو لم يقم المسيح ويملأ تلاميذه بقوّته المُحيية وحكمته كيف أمكن، إذن، للتلاميذ الذين كانوا صيّادين ممتلئين خوفاً ومتفرّقين أن ينطلقوا للبشارة حتّى آخر الأرض ويحتملوا ما عانَوه من اضطهاد وتعذيب وصلب وموت وغيرها؟ قوّة القيامة هي التي أعطت هؤلاء القدّيسين القوّة والنعمة وتُعطينا إيّاهما نحن اليوم لنعيش مسيحيّتنا في عالم يُنكر حقيقة القيامة ولا يُريد أن يعيش نتائجها.نحن نعيش في عالم ينكر قيامة المسيح ويرفضها.

في كلّ عام، قبل عيد الفصح، يطلع علينا عدد من المقالات والأفلام الوثائقيّة التي تحاول إنكار قيامة المخلّص وزرع الشكّ في نفوس المؤمنين وزعزعة إيمانهم. ولكن، نحن المسيحيّين متأكّدون من حدث القيامة ومؤمنون به، ولكنّ التحدّي الأكبر لنا اليوم هو في إمكان أن نعكس خبرة القيامة وفرحها في حياتنا اليوميّة وأن نظهر كأبناء للنّور والنهار. أن نكون قياميّين في حياتنا وسلوكنا وتصرّفاتنا اليوميّة. 



ونتيجة لهذا نستطيع أن نحتمل كلّ شيء ونصبر على كلّ شيء في الحياة، حتّى الصلب والموت، طالما أنّها لن تكون النهاية. هذا ما أعطانا الغلبة على اليأس وملأنا بالرجاء. إيماننا نحن المؤمنين بالرّبّ يسوع القائم أنّنا سنقوم نحن أيضاً  معه في اليوم الأخير.

فصح مجيد


+ باسيليوس
متروبوليت أُوستراليا ونيوزيلندا والفيليبّين


طروباريَّة القيامة باللَّحن الثّالث

لتفرحِ السَّماويَّات، ولتبتهجِ الأرضيَّات، لأنَّ الرَّبَّ صنع عِزًّا بساعده، ووطئ الموتَ بالموت، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقذنا من جوف الجحيم، ومنح العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

قنداق الفصح باللَّحن الثامن

ولَئِن كنتَ نزَلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلّا أنَّك درستَ قوَّة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله. وللنِّسوةِ حاملاتِ الطيب قلتَ افرحنَ، ولِرسُلِكَ وَهبتَ السلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.


الرِّسالَة
أع 9: 32-42

رتِّلُوا لإِلهِنا رتِّلُوا، يا جميعَ الأُممِ صَفِّقُوا بالأيادِي



في تلكَ الأيَّامِ، فيما كانَ بُطُرسُ يَطوفُ في جَميع الأماكِنِ، نَزَل أيضًا إلى القدِّيسينَ السَّاكِنينَ في لُدَّة، فوَجَدَ هناكَ إنسانًا اِسمُهُ أَيْنِيَاسُ مُضَطجِعًا على سريرٍ مِنذُ ثماني سِنينَ وهُوَ مُخلَّع. فقالَ لهُ بطرُسُ: يا أينِياسُ يَشفِيكَ يسوعُ المسيحُ، قُمْ وافتَرِشْ لنفسِك؛ فقام لِلوقت. ورآه جميعُ السَّاكِنين في لُدَّةَ وسارُونَ فَرَجَعوا إلى الرَّبّ. وكانت في يافا تِلميذَةٌ اسمُها طابيِتَا الَّذي تفسيرُهُ ظَبْيَة. وكانت هذه مُمتَلِئةً أعمالاً صَالحةً وصَدَقاتٍ كانت تعمَلُها. فحدَثَ في تِلكَ الأيامِ أنَّها مَرِضَتْ وماتَتْ. فَغَسَلُوها ووضَعُوها في عُلِّيَّة. وإذ كانت لُدَّةُ بقُربِ يافا، وسَمعَ التَّلاميذُ أنَّ بطرُسَ فيها، أَرسَلُوا إليهِ رَجُلَيْن يسألانِهِ أنْ لا يُبطِئَ في القُدُومِ إليهم. فقام بطرُسُ وأتى مَعَهُمَا. فَلمَّا وَصَلَ صَعِدوا بهِ إلى العُلِّيَّة. ووقَفت لديِه جميعُ الأرامِلِ يَبْكِينَ ويُرِينَهُ أَقْمِطَةًوثِيابًا كانت ظَبيَةُ تَصنَعُها معَهنَّ. فأخرَجَ بُطرُسُ الجميعَ خارِجًا، وجَثَا على رُكبَتَيْهِ وصَلَّى. ثمَّ التَفَتَ إلى الجَسَدِ وقالَ: يا طابيتا قُومي. فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. ولـمَّا أَبْصَرَتْ بُطرُسَ جَلَسَتْ، فناوَلَهَا يَدَهُ وأنهضَها. ثم دعا القدِّيسيِنَ والأرامِلَ وأقامَها لَديهم حيَّةً. فشاعَ هذا الخبرُ في يافا كلِّها. فآمَنَ كَثيرون بالرَّبّ.

الإنجيل
يو 5: 1-15 


في ذلك الزَّمان، صَعِدَ يسوعُ إلى أورشليم. وإنَّ في أورشليمَ عند باب الغَنَمِ بِرْكَةً تُسَمَّى بالعبرانيّة بيتَ حِسْدَا لها خمسةُ أَرْوِقَة، كان مُضطجعًا فيها جمهورٌ كثيرٌ من المرضى من عُمْيَانٍ وعُرْجٍ ويابِسِي الأعضاء ينتظرون تحريكَ الماء، لأنَّ ملاكًا كان يَنْـزِلُ أَحيانًا في البِرْكَةِ ويحرِّكُ الماء، والَّذي كان ينـزِلُ أوَّلاً من بعد تحريك الماء كان يَبْرَأُ من أَيِّ مرضٍ اعتَرَاه. وكان هناك إنسانٌ به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. هذا، إذ رآه يسوع مُلقًى وعلم أنَّ له زمانًا كثيرًا، قال له: أتريد أن تَبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيِّدُ ليس لي إنسانٌ متى حُرِّك الماء يُلقِيني في البركة، بل بينما أكون آتِيًا ينـزلُ قَبْلِي آخَر. فقال له يسوع: قُمِ احْمِلْ سريرَك وامْشِ. فللوقت بَرِئَ الرَجُلُ وحمل سريرَه ومشى. وكان في ذلك اليوم سبتٌ. فقال اليهودُ للَّذي شُفِيَ: إنَّه سبتٌ، فلا يحِلُّ لكَ أن تحملَ السَّرير. فأجابهم: إنّ الَّذي أَبْرَأَنِي هو قال لي: احْمِلْ سريرَك وامشِ. فسـألوه: من هو الإنسان الَّذي قال لكَ احملْ سريرَك وامشِ؟ أمّا الَّذي شُفِيَ فلم يكن يعلم مَن هو، لأنَّ يسوعَ اعتزل إذ كان في الموضع جمعٌ. وبعد ذلك وَجَدَهُ يسوعُ في الهيكل فقال له: ها قد عُوفِيتَ فلا تَعُدْ تُخْطِئُ لِئَلَّا يُصِيبَكَ شرٌّ أعظم. فذهب ذلك الإنسانُ وأخبرَ اليهودَ أنَّ يسوعَ هو الَّذي أَبْرَأَهُ.

حول الرّسالة

تخبرنا الرّسالة لهذا الأحد أنّ إنساناً اسمه إِينياسُ كان مضطجعًا على سرير منذ ثماني سنين وهو مُخلّع.
 
فقال له بطرس: يا إينياس، يشفيك يسوعُ المسيح. قُم وافترش لنفسك. فقام للوقت..

أمّا الحدث الثاني فيخصّ تلميذة من يافا اسمُها طابيتا، وكانت هذه ممتلئة أعمالاً صالحة وصدقات كانت تعملها. فبعد أن مرضَت وماتت، أتى بطرس فأخرج جميع الباكين خارجاً وجثا على رُكبتيه وصلّى. ثم التفتَ إلى الجسد وقال: يا طابيتا قُومي. ففتحت عينها. ولمّا أبصرت بطرُس جلست..

فآمن كثيرون بالرّبّ. أمّا الحدث الثالث فهو في الإنجيل حول شفاء المخلّع عند باب الغنم في أورشليم حيث بركة بيتَ حِسدا. وكان هذا مريضًا منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. "هذا إذ رآه يسوع ملقًى وعلم أنّ له زماناً كثيراً قال له: أتريد أن تبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيّد، ليس لي إنسان، متى حُرِّك الماء، يلقيني في البركة، بل بينما أكون آتياً ينزل قبلي آخر. فقال له يسوع: قم احمل سريرك وامش. فللوقت برئ الرجل وحمل سريره ومشى".

ما يلفت في هذه المقاطع الإنجيليّة كلمة "قُم" الواردة مرّات عدّة. إنّها فعل أمر يقتصر على دعوة الإنجيل للإنسان في هذه الفترة الفصحيّة: قم! انهض من سقطتك، قم من يأسك، انهض من كبوتك... إلى حياة جديدة، كما هي دعوتك في المعموديّة، لتحيا في الله حياة جديدة. لذلك قال الرّسول بولس: "أم تجهلون أنّنا كلّ من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته فدفنّا معه بالمعموديّة للموت حتّى، كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا من جدّة الحياة" (رومية 6: 3-4).

ويضيف "لأنّه إن كنّا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته نصير بقيامته" (رومية6: 5).

أيقونة النزول إلى الجحيم تظهر الرّبّ يسوع منهضاً آدم الساقط، منتشلاً إيّاه من جحيم الظلمة والموت إلى فرح النّور والحياة الأبديّة. لقد نزل إلى أسفل الدركات ليوقظنا صارخاً: قم! انهض من خوفك من الموت، انهض من الخوف من المستقبل، من الحزن على فقدان حبيب، من الوحدة القاتلة، من الإدمان، من عبوديّة الخطيئة... لك أقول قم! أمدد يدي لانتشلك إلى يقين رجاء القيامة. فالموت والمرض والألم والمعاناة هي أمور بشريّة محتّمة. انهض معي، يقول الرّبّ، إلى حيث "لا حزن ولا ألم ولا موت بل حياة لا تفنى". انهض أيّها الإنسان، انهض روحيًّا، فتبرأَ وتقومَ جسديًّا، ونفسيًّا، واجتماعيًّا. ينصح القدّيس بورفيريوس الكافسوكاليفيّ طبيباً يزوره في موسم الفصح، قائلاً: في كلّ حزن، في كلّ فشل، وفي أيّ أمر يسبّب لك معاناة، اجمع أفكارك لنصف دقيقة وقل هذا الترتيلة بتمهّل: "إنّنا  معيّدون لإماتة الموت ولهدْم الجحيم ولباكورة عيشة أخرى أبديّة، متهلّلين ومسبّحين من هو علَّةُ هذه الخيرات، أعني به إلهَ آبائنا المبارك والممجّد وحده" (قانون 7: 3)؛ حينئذ سترى أنّ أهمّ شيء في حياتك وحياة المسكونة قد تحقّق: قيامةَ المسيح والخلاص الذي حصلنا عليه. حينئذ ستدرك أنّ كلّ إخفاقاتك والخربطات هي عديمة الأهميّة ويجب أن لا تدعها تؤثّر على مزاجك.

يتحمّل الإنسان المسيحيّ معاناته بصبر وشكر، لأنّه على صورة خالقه، وخالقه قام من بين الأموات. "إن  كنّا قد متنا مع المسيح، نؤمن أنّنا سنحيا أيضًا معه" (رومية 6: 8). وفي هذا يقول القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ: "المسيح قام من بين الأموات، فقوموا أنتم معه. المسيح عاد واستوى في مكانه، فعودوا انتم معه. المسيح تحرّر من رُبُط القبر، فتحرّروا أنتم من رُبط الخطيئة.

أبواب الجحيم قد فُتحت، والموت ينحلّ. آدم القديم يبتعد والجديد يعود إلينا. فإذا كانت خليقة جديدة بالمسيح، فتجدَّدوا أنتم.
"الفصح فصح الرّبّ".

قيـامةُ الجسدِ

"نحن طبعاً سنموت، يقولُ الذهبيّ الفمّ في تفسيره للرّسالة إلى العبرانيّين، لكنّنا لن نقيمَ على الدوام في الموت، وتالياً ليس لنا أن نموت. فطغيانُ الموت هو الموتُ الحقيقيّ عندما لا تُعطى للمائتِ العودةُ إلى الحياة. أمّا عندما يحيا بعد موته ويحيا حياةً أفضل، فموته لا يُعتبرُ موتاً بل رقاداً".

نحن لا "نؤمن" بقيامة الأموات فحسب بل "نترجّاها" ونشترك بها منذ الآن من خلال الأسرار المقدّسة. الإفخارستيّا الإلهيّة هي، بحسب القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ، "دواءُ الخلود" و"ترياقُ عدمِ الموت". إن أردنا ان ندرك مقدارَ عظمةِ القيامة علينا أن نعترِفَ بهوانِ الموتِ وهَوانِ بأسِه.

إنّ أكثر ما نخطئ به نحن المسيحيّين هو محاولتُنا التخفيف من مأسَويّة الموتِ وطغيانِه وفظاعتِه. هذه كلّها لا تزال قائمةً حتى بعد قيامةِ المسيح. قيامتُه لا تُلغيها بل تجعلُنا نغلبُها ونتخطّاها. لن تُلغى إلاّ بعد القيامة العامّة يوم الدينونة، حينها "سيباد الموت". محاولةُ التخفيفِ هذه ستصيب أوّلاً قوّةَ غلبةِ القيامة. اختزالُ بأسِ العدوّ هو اختزالٌ لقوّة غَلَبته ولمفاعيل هذه الغلبة. قوّة القيامةِ ووههجُها مرتبطان بثِقلِ قوّةِ الموتِ وظلاميّته.

لأوّل مرّة، في المسيحيّة، يُعرضُ، أمامنا وبواقعيّةٍ، عمقُ مأسَويّة الموت. الموتُ تدميرٌ فظيعٌ لمصير الإنسان وانحرافٌ عنه. الموت للإنسان ليس نهايةً طبيعيّة له، كما هي حالُ كلِّ ما هو عابرٌ ووقتيّ. بل هو على العكس، ما دون الطبيعة Paraphicin. "ليس الموت من صنع الله ولا هلاكُ الأحياء يَسرُّه. لأنّه إنّما خلقَ الجميعَ للبقاء.

فمواليدُ العالم انما كُوِّنَتْ معافاةً وليس فيها سُمٌّ مُهْلِكٌ ولا ولايةَ للجحيم على الأرض. لأنّ البِرّ خالدٌ. لكنّ المنافقين استَدعَوا الموتَ بأيديهم وأقوالهم" (حك 4، 13-16).

الموتُ بالنسبة للإنسان هو "أجرةُ الخطيئة" (روم 6: 23)، هو خَلَلٌ وشائبةٌ أصابا العالم.

لكن، ماذا يعني أنّ الإنسان يموتُ؟ الجسدُ يموت أمّا النفسُ فنقول عنها إنّها خالدة. بالموت تنتهي حياةُ الإنسانِ الجسدانيّةُ الأرضيّةُ المرئيّة. لكنّ الإنسان يقول، ببساطة، إن ّ فلاناً مات ولا يقول إنّ جسدَه مات. هذا القولُ ليس سهواً لغويًّا بلّ إنّ "تحريضًا نبويًّا من داخل الإنسان يدفعه لهذا القول". بحسب ج. فلوروفسكي، فالموت، فعلاً، يفكّك أقنوم الإنسان رغم أنّ شخصيّته، بعامّة، لا تتحلّلُ بالموت. يبقى شيءٌ من كيانه مستمرّاً في الحياة وقد أسميناه النفس.

لكنّ المسيحيّة تقولُ إنّ الكيان البشريَّ بمجمله، جسداً ونفساً، سيستمرّ في الحياة  بعد قيامةِ الأجساد، وإنّ الإنسانَ دون جَسَده ليس إنساناً. ويكشف لنا التعليمُ المسيحيّ حول جَسدانيّة الإنسان أنّ هذه الأخيرة هي، منذ بدء الوجود الإنسانيّ، الشكلُ الوجوديّ الدائم للإنسان. كلّ ما هو عليه الإنسان ليس مُلحقاً أو مُضافاً أو مُلصَقاً به صدفةً.

لقد شكّل هذا التعليم، مضافاً إليه تعليم قيامة الأجساد، عنصراً جديداً عَسُرَ قبولُه عند مفكِّري العالم الوثنيّ وفلاسفته، كما عند الكثيرين في أيّامنا. فالكلامُ على قيامةِ الأجساد "حماقة" و"فضيحةٌ" (1كور 1، 23) وقد نَعَتَ أهلُ اثينا بولسَ "بالغبيّ" لأنّه يحدّثُهم عن يسوع وعن قيامةِ الأجساد (أع17، 18-32).

ذلك لأنّ العالم الهلّينيّ، حينها، كان يحتقر الجسدَ والمادّة عموماً. قيامةُ الأجسادِ عندهم كابوسٌ مرعبٌ يسعَوْن، طوال حياتهم، للتحرّر منه كونَ الجسدِ عندهم سجناً تُحبَسُ داخلَه "الرّوحُ الساقطةٌ".

يقول Kelsos، أحد فلاسفةِ روما في القرن الثاني بعد الميلاد والذي عُرف بتهجّمه اللّاذع على المسيحيّة وعقائدها، "إنّ رجاء قيامة الأجسادِ يليقُ بالأحرى بديدان الأرض". وإنّ هذه القيامة، بالنسبة له، لا تليق إلّا بأُناسٍ فاسقين همُّهم ان يُرضوا رغائبهم الجسديّة. لذا سمّى المسيحييّن "جنساً محبًّا للجسد" philosomaton "وعُبّادَ الجسد".

بالحقيقة إنّ ما نعت به Kelsos المسيحيّين هو صحيح. هم فعلاً محبّون لأجساهم وعابدونها لكن ليس بالمعنى الغريزيّ الإستهلاكيّ بل بالمعنى الخلاصيّ التقديسيّ. لأنّ أجسادهم قد اتّحدت في جسد المسيح وهو رأسها، ولأنّ عبادتَهم للثالوث الأقدس تشملُ عبادة الاِبن المتجسّد الذي أخذ جسدنا وقدّسَه وألّهه وجعله عن يمين الآب.

الجسدُ عند المسيحيّين ليس الفساد وليس الموت، بل هو القداسة، ليس هو اللّحم والدم فحسب بلّ هو ثمرة الجهادِ ضدّ الخطيئة، هو الجسدُ الساعي إلى الفضيلةِ ليكونَ "هيكلاً للرّوح القدس". لذا قال الذهبيّ الفمّ في حديثه عن قيامة الأجساد: "نحن لا نبغي التخلّص من الجسد بل من الفساد، لا من الجسد بل من الموت. فالجسدُ شيءٌ والموُت شيءٌ آخر. الجسدُ شيءٌ والفسادٌ شيء آخر. فلا يُعتبر الفسادُ جسداً ولا الجسدُ فساداً، فالجسد فاسدٌ ولكنّ الجسد ليس فساداً، والجسدُ مائتٌ ولكنّ الجسد ليس موتاً، بل إنّ الجسد هو من عملِ اللهِ أمّا الفسادُ والموتُ فقد حصلا بالخطيئة".

القيامة العامّة هي اكتمال الاِنتصار على الموت وإبادتُه. والكنيسة تتذوّق مسبقاً هذا الكمال من خلال الاِشتراك في الأسرار المقدّسة ومن خلال عيش "سرّ المحبّة" التي لا تطلب ما لذاتها. من لم يختبر هذه المحبّة لن يحيا القيامة وفرحَها ونصرها.