الأحد 5 آذار 2017

الأحد 5 آذار 2017

05 آذار 2017
 
الأحد 5 آذار 2017 
العدد 10
 أحد الأرثوكسيّة
اللّحن الرابع الإيوثينا الرابعة
 
* 5: الشّهيد قونن، البارّ مرقس النَّاسك، * 6: الإثنان والأربعون شهيداً الّذين في عموريَّة، البارّ أركاديوس، * 7: الشُّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط، * 8: ثاوفيلكتس أسقف نيقوميذيَّة،* 9: القدِّيسون الأربعون المستشهدون في سبسسطية، * 10: الشّهيد كدراتُس ورفقته، المديح الثاني،* 11: صفرونيوس بطريرك أورشليم. *
 
الأرثوذكسيّ الذي لا غشّ فيه
"هوذا إسرائيليّ حقًّا، لا غشّ فيه" (يوحنّا 1: 47) هذا ما قاله الربّ يسوع المسيح عن نثنائيل أمام فيليبّس. فقد عرف الربّ يسوع أفكار نثنائيل وإيمانه ورجاءَه في المسيح المنتظر مخلّص الشعب المختار.
 
"من أين تعرفني؟" سأل نثنائيل المسيح، فأجابه المسيح لامساً أوتار قلبه: نعم أنا أعرف ما في القلوب والأفكار، أنا هو إلإله المتجسّد نفسه الذي يكشف عمق أفكارك، رغباتك، تطلّعاتك، ولي المعرفة الإلهيّة غير المحدودة. هذا الأمر جعل نثنائيل يتفوّه بكلام الخلاص "أنت ابن الله".
 
 يُقرأ هذا الإنجيل في أحد الأرثوذكسيّة، لأنّ كلام الربّ لنثنائيل كشف ما يميّز المؤمن الأرثوذكسيّ، أي المستقيم الرأي، وأيضًا ميزة كنيسة المسيح الحقيقيّة.
"هوذا إسرائيليّ حقًّا، لا غشّ فيه": لم يقصد الربّ أن يقول عن نثنائيل إنّه قوميّ أو ينتمي إلى إتنيّة معيّنة، ولكنّه قصد أن يصف استقامة نثنائيل، جدّيّته، صرامته، إيمانه، رجاءَه وأعماله. 
 
 ألا يجدر بكلّ مؤمن مسيحيّ حقيقيّ، كل مؤسّسة ودير أن يكونوا على مثال الرسول نثنائيل أمام عينَي الربّ لا غشّ فيهم؟
 
يا لها من كلمات عظيمة مدح بها الربّ يسوع بنفسه نثنائيل الرّسول، الذي هو صورة لآباء الكنيسة، الذين كانوا حازمين غير متزعزعين في الإيمان وتحديد العقيدة. لقد جعلوا من الكنيسة، بواسطة نعمة الرّوح القدس المنحدر عليهم وعلى أبنائهم، صرحًا لا مكان فيه للغشّ ولعبث الإنسان وتلفيقه. جعلوها، كما يقول بولس الرّسول، "كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن ولا شيء مثل ذلك". للمحافظة على نقاء هذه الكنيسة واستقامتها أهرقت أنهار دماء للرّسل، الأنبياء والشّهداء. عُذِّب كثيرون من الآباء و أبطال الإيمان.
 
فأين نحن اليوم الذين ندّعي أنّنا أرثوذكسيّون ونفاخر بأرثوذكسيّتنا؟ هل نتّبع تعاليمها، وصاياها وقوانينها؟ هل نعرف شيئاً عن مجامعها؟ هل نحاول أن نتحوّل من الإنسان العتيق إلى إنسان جديد، مقدِّسين نفوسنا ونفوس الآخرين في كلّ يوم؟ هل نسعى لبلوغ الكمال الذي بلغه القدّيسون أجمعون؟ هل نحن كاملون في محبّة الله والقريب؟ هل ننظر إلى رحمة الله على أنّها أعظم شيء قد نناله في حياتنا؟ ما هي الأجوبة التي نعطيها عن هذه الأسئلة؟
 
للأسف، إنّ الإيمان الأرثوذكسيّ غائب ليس فقط عن قلوب معظم أبنائنا وإنّما عن ألسنتهم أيضاً. معظم أبناء كنيستنا يجهلون إيمان الكنيسة وتاريخها وخدمها، على الرغم من توفّر الآباء والأبناء المتعلّمين الحاضرين لمساعدتهم وتوفّر الكتب والمواقع الإلكترونيّة للقيام بالبحث والغوص في بحر كنيستنا الواسع.
 
يا إخوة، إنّ المؤمن المسيحيّ الذي لا غشّ فيه يعرف إيمانه ويعيش التبعيّة للكنيسة، أي المشاركة في صلواتها، تعاليمها و أسرارها. يجب أن ندرس الإيمان بتعمّق وأن نحياه في كلّ عمل نقوم به. والأهمّ من هذا كلّه أن نتصالح مع ذواتنا من خلال توبة حقيقيّة وعميقة، لنكون صورة مشابهة لصورة القدّيسين القدماء والمعاصرين، وكذلك حسب صورة المسيح نفسه الذي قال: "لأنّي أعطيتكم مثالاً حتّى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً" (يوحنّا 13: 15)، وذلك حتّى نسمع ذلك الصوت الحسن قائلاً لنا: "هوذا أرثوذكسيّ حقًّا لا غشّ فيه". آمين.
 
طروباريّة القيامة باللّحن الرابع
إنّ تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهِج. وطَرَحْنَ القضاءَ الجدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
 
طروباريّة أحد الأرثوذكسيّة باللّحن الثاني
لصورتِكَ الطاهرة نسجدُ أيّها الصالح، طالبينَ غُفرانَ الخطايا أيُّها المسيحُ إلهنا. لأنّكَ سُررتَ أن ترتفعَ بالجسدِ على الصَّليبِ طَوعًا، لتُنجّيَ الذينَ خَلَقْتَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوّ. فلذلك نهتِفُ إليكَ بشُكر: لقد ملأتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخلِّصَنا، إذ أتيتَ لِتُخَلِّصَ العالم.
 
القنداق باللّحن الثامن
إنّي أنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُنديَّةً محامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقِذةٍ مِنَ الشَّدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّة التي لا تُحارَب، أَعتقيني من صُنوفِ الشَّدائد، حتّى أصرُخَ إليكِ: إفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.
 
الرِّسالة
عب 11: 24-26، 32--40
مبارَكٌ أنتَ يا رَبُّ إلهَ آبائنا
 لأنَكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صنعتَ بِنا
يا إخوة، بالإيمان موسى لمّا كَبُرَ أبى أن يُدعى ابنّا لابنةِ فِرعَون، مختاراً الشَّقاءَ مع شعبِ اللهِ على التَّمَتّع الوقتيّ بالخطيئة، ومعتبراً عارَ المسيح غنىً أعظمَ من كنوزِ مِصرَ، لأنّه نظر إلى الثَّواب. وماذا أقولُ أيضاً؟ إنّه يَضيقُ بِيَ الوقتُ إنْ أخبرتُ عن جِدعَونَ وباراقَ وشَمشونَ ويَفتاحَ وداودَ وصموئيلَ والأنبياء، الذين بالإيمانِ قَهَروا الممالكَ وعمِلوا البِرَّ ونالوا المواعدَ، وسَدُّوا أفواهَ الأسود، وأطفأُوا حِدَّة النارِ، ونجَوا من حَدِّ السَّيف، وتقوَّوا من ضَعفٍ، وصاروا أشِداّءَ في الحربِ، وكسروا معسكَراتِ الأجانب. وأخَذَتْ نِساءٌ أمواتَهُنَّ بالقيامة. وعُذِّبَ آخَرون بتوتير الأعضاء والضَّرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرون ذاقوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيودَ أيضّا والسِّجن. ورُجِموا ونُشِروا وامتُحِنوا، وماتوا بِحَدِّ السَّيف. وساحُوا في جُلودِ غَنَمٍ ومَعزٍ، وهم مُعْوَزونَ مُضايَقونَ مَجهودون (ولم يَكُنِ العالمُ مستحقّاً لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبالِ والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاءِ كُلُّهم، مشهوداً لهم بالإيمانِ، لم ينالوا الموعد، لأنّ الله سبقَ فنظر لنا شيئاً أفضلَ، أن لا يُكمَلوا بدونِنا.
 
الإنجيل
يو 1: 43--51
في ذلك الزمان، أراد يسوعُ الخروجَ إلى الجليل، فوجد فيلبُّسَ فقال له: "اتبَعْني". وكان فيلِبُّسُ من بيتَ صيدا من مدينةِ أندراوسَ وبطرس. فوجد فيلِبُّسُ نثنائيلَ فقال له: "إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياءِ قد وجدناه، وهو يسوعُ بنُ يوسُفَ الذي من الناصرة". فقال له نثنائيلُ: أَمِنَ الناصرةِ يمكنُ أن يكونَ شيءٌ صالح؟! فقال له فيلِبُّسُ: "تعالَ وانظر". فرأى يسوعُ نَثَنائيلَ مُقبلاً إليه، فقال عنه: "هُوَذا إسرائيليٌّ حقًّا لا غِشَّ فيه". فقال له نثنائيلُ: "مِنْ أين تعرفُني؟ أجاب يسوعُ وقال له: "قبلَ أن يدعوَكَ فيلِبُّسُ وأنتَ تحت التينةِ رأيتُك". أجاب نثنائيلُ وقال له: "يا معلِّمُ، أنتَ ابنُ اللهِ، أنتَ مَلِكُ إسرائيل". أجاب يسوعُ وقال له: "لأنّي قلتُ لكَ إنّي رأيتُكَ تحت التينةِ آمنت. إنّك ستُعاينُ أعظمَ من هذا". وقال له: "الحقَّ الحقَّ أقول لكم، إنّكم من الآنَ تَرَونَ السَّماءَ مفتوحةً، وملائكةَ اللهِ يصعدون وينـزلون على ابنِ البشر".
 
في الإنجيل
نثنائيل يقف تحت التينة. في تفسير الآباء الرمزيّ للتينة أنّها خطايا الإنسان. كلّ واحد منّا عنده تينته وهو يقف تحتها. تينة الإنسان هي همومه وشكوكه وأهواؤُه وتجاربه. يقف تحتها ويظنّ أنّه وحيد ولا أحد يراه أو يهتمّ لما يفعل. لكنّ الربّ يرانا وينتظرنا ويدعونا من تحت التينة إليه؛ فإذا قبلنا الدعوة أراحنا، أمّا إذا تمسمرنا حيث نحن، ظانّين أنّ ظلّ التينة يخفي أهواءنا، فإنّها تتضاعف وتقوى علينا. لكنّ طبعَ الإنسان معاند. فيلبّس يدعو نثنائيل والأخير يسأل: "أمِن الناصرة يخرج شيء حسن؟". هذا سؤال نطرحه كثيراً في حياتنا اليوميّة لأنّنا دائماً نصنّف ونميّز ونميل نحو اعتبار كلّ شيء لا يخرج منّا غير حسن وما يخرج منّا حسناً. كلّ واحد منّا يخلق ناصرته الخاصّة به. لكنّ الحقيقة هي أنّ ناصرة المؤمن في قلبه، لأنّ السيّد يتربّى في الناصرة وينمو فيها. فإذا اهتمّ المؤمن بناصرته تصير مصدر ما هو حسن، أمّا إذا أهملها فيصير السؤال "أمِن الناصرة يخرج شيء حسن؟" سؤالاً ملحّاً وخطراً وعليه يتوقّف الكثير. معنى هذا السؤال، على المستوى الشخصيّ، مهمّ: أمِن قلبي يخرج شيء حسن؟ أأستطيع أنا أن أكون مصدر خير؟ أأستطيع أن أتغيّر؟ أأستطيع أن أتوب؟ أأستطيع أن أمضي من تحت تينتي إلى فيء المسيح؟ هذا معنى السؤال على مستوى قلب الإنسان. أمّا إذا بقي السؤال على مستوى فكره، فهو لن يكون قادراً على تخطّي ما رسمه هو ومجتمعه عن الآخرين، والخانات التي وضع فيها الآخرين، أو حتّى وضع نفسه فيها. كثيرون لا يخرجون من خطيئتهم لأنّهم لا يرون في أنفسهم القدرة على التوبة والتبدّل، لأنّهم لا يعرفون أنّ التوبة والتبدّل هما بالمسيح وأنّ الدعوة تأتي منه، قبل أن نلاقيها أو نبادر إليها. نحن نصنّف الآخرين بإرادتنا وانتباهنا ونصنّف ذواتنا من دون أن نعي ذلك.
 
إن لم يكن ما يخرج من قلب الإنسان حسناً فأيَّ إنسان يكون هو؟ على كلّ إنسان أن يأتي وينظر إلى قلبه وما يخرج من قلبه. كلّنا نعاني من الشكّ ومن عدم الثقة التي تتطلّب الإيمان. وهنا تأتي دعوة فيلبّس في محلّها "تعالَ وانظر". هذه الدعوة تقدّمها لنا الكنيسة لننظر ما فيها، لنغلب شكّنا ونستعيد ثقتنا بالربّ ونسلك بحسب إيماننا. إنّ أهواءنا تجرّبنا بقوّة أكبر خلال الصوم، وخاصةّ في الأسبوع الأوّل، لهذا يتراجع الكثيرون بعد هذا الأسبوع، فيضعفون ويوقفون صومهم أو يفصّلون قوانين صياميّة على قياس ما يريحهم. ليس الجميع يتحمّلون ما يترافق مع بَدء الصّوم من الأهواء والشكوك والتجارب. لكن ينبغي أن نتيقّن أنّنا، ونحن تحت تينة أهوائنا، غير متروكين ولا مستفرَدين، وأنّ المسيح سوف يدعونا ليريحنا. لهذا تقول الكنيسة للمؤمن تعالَ وانظر أنّ كلّ أسبوع من الصوم سوف يتكشّف عن تمجيد جديد وفرح جديد ونصر جديد. إنّ السؤال حول ما يخرج من القلب، عن ناصرة الإنسان التي في قلبه، ضروريّ، خاصّةً عند نهاية الأسبوع الأوّل من الصّوم، لأنّ ما يجري في هذه الناصرة هو ما سوف يحدّد مسيرة هذا الصّوم. لا يظنّنَّ أحد أنّه كامل ولكن لا يترك نفسه للمجرّب يحطّم معنويّاته قائلاً له إِنْ لا شيء حسنًا في ناصرتك. أن نلبّي دعوة الكنيسة فنأتي وننظر ونتعلّم ونتغيّر هو هدف الصّوم الحقيقيّ.
 
الصّوم الكبير
اليوم تُفْتَحُ أَبواب الفردوس الأَرضيّ أَمام الإنسان خِلقة الإله وصنوه في معرفة الخير والشّرّ... إنْ صام!!...
كيف تَعَرَّف الإنسان على قصد الإله وهو الّذي كان معه في فردوسه السّماويّ؟!...
بالصّوم!!... كان آدم وحوّاء يحييان في المُلك الإلهيّ... كلّ الفردوس كان موطئًا لأقدامهما... كانا عشيرَي كلّ الحيوانات والطّيور وكانا يتنفَّسان ريح الفردوس ويفرحان بدون حساب بالرّوح الإلهيّ...
الوقت كان لهما هديّة من ربّهما... الشّمس والنّور واللّيل والأَجرام السّماويّة، وكانا يسهران مع شعاع القمر... يأكلان فاكهة السّماء ويشربان من ينابيع الأَنهار المنسكبة على مزروعات الإله... لهما...
وكان كلّ شيء حسنًا!!... كلّ شيء كان هديّة مجّانيّة من الله... كذلك هما!!.
زمن وجود آدم وحوّاء في الفردوس مع الله لم يكن له بَداءَةٌ ولا نهاية...
لم يعرفا الشّرّ ولم يقترفاه في الفردوس... لأنّ شركتهما مع الإله لم تنفصم ولم يعترِها فساد... كانا مع الله وكانا سعيدَين...
والسّعادة هي الاكتفاء... لم يبحثا عن شيء... كانا يعيشان في الغبطة... في سلام الله... وفي انكشاف القلب على القلب بينهما... وهما بكلّيّتهما كانا للإله...
ثمّ سقط الملاك الجميل. وإذ كانا يتمشّيان في أَرضهما الفردوسيّة... أَحسَّا باختلال الأَرض تحت أرجلهما... وإذ أَعليا الرّأس، كانت العتمة تسيطر على الفَلَكِ فاحتارا... وإذ ركضا باحثَين عن الإله ليسألاه ما الخبر... إلتقيا بالحيّة تخاطبهما... رفعت رأسها وقالت لهما: أَتريدان أَن تبقيا بسيطين، أو تسمعانِني لتعرفا "الحقيقة"؟!... فتصيرا إلهَين كالإله الّذي خلقكما؟!...
أَجاب آدم: نريد أَن نعرف!!... مَشيا... وتبعا الشّيطان... لأنّهما كانا يأمنان للإله إذ سكنا معه كلّ زمان حياتهما... وصلا إلى وسط الفردوس...
هذه هي شجرة معرفة الخير والشّرّ... كُلا ثمرها فتصيرا إلهَين مثل خالقكما... سمعا... صدّقا... أَكَلا أَكْلًا... ناداهما الرّبّ الإله فاختفيا من أَمام وجهه... فسألهما: ما بكما؟!... نحن خجلان منك!...
 سمعتما صوت الشّيطان... صدَّقتماه... أَنكرتماني... إذًا اذهبا إليه... ولن تعودا إليَّ إلّا بالآلام والتّجارب والضّيقات والموت، لأنّكما لم تحملا حبّي وقلبي لتستقيا منه الحياة الأبديّة...
 وَيلَنا ويَلَنا... مَن يخلِّصنا من جسد الموت هذا؟!..
وصار كلّ شيء متعبًا، قبيحًا في عينَي قلب آدم وحوّاء... نزلا مطرودَين، بل هما اللَّذان طلبا الطّرد... فصارت الطّاعة ثمن الجحود!!. ونزلا إلى جحيم موتهما، بكرههما واحدهما للآخر...
 مات الإله في قلبيهما... مات الحبّ... صارت السّلطة هي الإله الرّبّ... والحسد، الكذبة وحبّ القنية الحياة...
أَولدا قايين وهابيل... فقتل قايين أَخاه لأَنّه صار شريكه في المُلك، في الحياة التّملّك...
 هكذا أَولد آدم جحيمه وحوّاء... وبدأ نَوْح الفردوس...
صمت الإله!!. أَدار وجهه عن خلقته... فصارت الحياة موتًا... والحبّ كرهًا... والبَرَكة لعنة!!...
 اليوم، في بداءة هذا الصّوم الكبير، نقف مكتوفي الأيدي مطأطئي الرّأس ويبقى السّؤال... إبنَ مَن تريد أَن تكون يا إنسان كي تتجدَّد مولوديّة حياتك؟!... إبن "قايين" الشّيطان القاتول، أَم "هابيل" العامل الأَرض ليأكل خبز فريضته بعرق جبينه ويحيا نائحًا حتّى يستردّه ربّه إليه...
اليوم تعود ذرّيّة "هابيل" إلى مسيحها المولود من حشا حوّاء الجديدة بالرّوح القدس صارخًا لخالقه، لإلهه: "أعدني إليك ربّي بصيامي عن كلّ أُكُل الأَرض، لآكلَ جسدك وأَشرب دمك وأَنتَ معلَّقٌ على الصّليب الّذي ارتضيته أنت الإله، حتّى يتوب الإنسان بحبّ الصوم تنقية لحسّ كيانه، فيرجع إلى خالقه ليولد منه أيضًا وأيضًا"..