الأحد 25 حزيران 2017

الأحد 25 حزيران 2017

25 حزيران 2017

الأحد 25 حزيران 2017 
العدد 26
الأحد الثالث بعد العنصرة
اللَّحن الثاني الإيوثينا الثالثة
 
* 25: الشّهيدة فبرونيَّة، الشّهداء أورنديوس وإخوته الستّة، * 26: البارّ داوُد التسالونيكيّ، * 27: البارّ شمشون مضيف الغرباء، يُوَنَّا إمرأة خوزي، * 28: نقل عظام كيرُس ويوحنَّا العادمَي الفضّة، * 29: بطرس وبولس هامتا الرُّسل، * 30: تذكار جامع للرُّسل الاِثني عشر، * 1: الشّهيدان قزما وداميانوس الماقتا الفضّة.
 
قواعد التقدّم إلى المناولة المقدّسة
 
"إذا عزمت، أيّها الإنسان، أن تأكل جسد السيّد، تقدّم بخوف لئلّا تلتهب، فإنّه نار".
 
"ها أنذا أسعى ماضيًا إلى الشّركة الإلهيّة، فلا تحرقني يا جابلي بتناولي إيّاها، لأنّك نارٌ تُحرق غير المستحقّين".
 
الراغبون في التقدّم إلى تناول القرابين السرّيّة، عليهم أن يتهيّؤُوا بحسب القواعد التي وضعتها الكنيسة لكي ينالوا نعمة بدل الدينونة. ليس هناك من حلّ وسط عند تقدّمنا إلى القرابين المقدّسة. فبعد تناولنا القرابين سنكون في إحدى حالتين: إمّا أن نكون قد حصلنا على نعمة وإمّا أن نكون قد حصلنا على دينونة.
 
التهيّؤ للمناولة لا يبدأ في اليوم الذي سنتناول فيه جسد الربّ ودمه، إنّما يبدأ قبل عدّة أيّام؛ لذلك نسمّيه التحضّر أو التهيّؤ.
 
كيف أتهيّأ للمناولة المقدّسة؟
الأب الروحيّ، الذي يرشدنا إلى طريق الخلاص، هو نفسه يساعدني على إيجاد الطريقة المناسبة التي بها سأتهيّأ، وذلك حسب إمكاناتي، صحّتي وطاقة تحمّلي. نعم، على كلّ مسيحيّ أن يكون لديه أب روحيّ يرشده إلى طريق الخلاص، فالمناولة والاِعتراف يشكّلان عَمودين أساسيّين لها.
 
الاِعتراف أمر هامّ في حياة كلّ مؤمن، فنحن بواسطته ننال بركة، بواسطة حلول الرّوح القدس علينا، لأنّ الاِعتراف سرّ من أسرار الكنيسة. بواسطة الاِعتراف أكشف لإلهي، بواسطة أبي الروحيّ، عن مَكمَن الألم وأطلب المسامحة والشفاء من طبيب النفوس و الأجساد، و أجاهد الجهاد الحسن، لأنقّي ذاتي لأنال الجعالة، على حسب قول الرسول بولس (1كور 24:9).
 
التحضّر أيضًا يكون في غرفتي، بواسطة قراءتي قانون صلاة خاصّة وقراءتي قانون المطالبسي الموجودين في كتاب الصّلوات اليوميّة أو في كتاب السواعي الكبير. كلّ مَن لا يقرأ قانون المطالبسي لا يستطيع التقدّم إلى المناولة المقدّسة. كما أنّ مَن يرغب بالتحضّر أكثر، يمكنه أن يختار، إضافة إلى المطالبسي، صلوات وقوانين يصلّيها فرديًّا كمديح الربّ يسوع، مثلاً، وغيره من الصّلوات.
 
طلب الغفران والمسامحة من الذين أسأنا إليهم أو أحزنّاهم أمر في غاية الأهمّيّة قبل تناولنا القدسات الإلهيّة. لأنّنا، إن تقدّمنا إلى القرابين ونحن على خلاف مع أحد ما، نكون قد آذينا نفوسنا. فالكنيسة تعلّمنا التالي: "إذا عزمت أيّها الإنسان أن تأكل جسد السيّد .... وأن تشرب الدّم الإلهيّ للشركة، اصطلح أوّلاً مع الذين أحزنوك".
 
على المتقدّمين إلى القرابين السرّيّة، أن يكونوا منقطعين عن المأكل والمشرب في اليوم الذي سيتناولون فيه جسد الربّ ودمه. فهذا الصّوم نوع من أنواع التهيئة، وقد يختلف الصّوم من شخص إلى آخر وذلك حسب طاقة كلّ شخص وإمكانه وصحّته وأيضًا حسب ما يراه الأب الروحيّ مناسبًا كما ذكرنا في السابق. فهناك من ينقطع عن الزفرين لمدّة أسبوع، تهيئة لتناول القرابين، ومنهم من ينقطع مدّة ثلاثة أيّام، أو ربّما يوم واحد، وذلك حسب عزيمة كلّ شخص. أمّا في حالات المرض والعجز، فليس هناك من مانع لتناول القرابين، حتّى من دون صوم، وخاصّة إذا كانت هناك حاجة لتناول أدوية لأمراض مزمنة. أما الأطفال فبالإمكان مناولتهم من دون صوم، على أن لا ينسى الأهل تدريبهم على الصّوم، الاِعتراف والصّلاة وهم بعدُ في سن مبكرة.
 
الحضور إلى القدّاس من أوّله أمر في غاية الأهمّيّة، وكذلك التركيز أثناء الصّلاة قدر المستطاع. إنّ فهم الكلمات الإلهيّة وتأمّلها والإصغاء بشدّة إلى تلاوة الرّسالة والإنجيل المقدّس يسمحان للنعمة الإلهيّة بأن تسكن فينا وأن تؤهّلنا لتناول جسد الربّ ودمه، فتصير القرابين مؤهّلاً لنا لملكوت السماوات، تحفظنا من تجارب الشرّير وحيله، غفرانًا لخطايانا، وتجعلنا مسكنًا للربّ.
 
اللّباس المحتشم جزء مهمّ، لأنّه يؤهّلنا للدّخول إلى الكنيسة من دون دينونة، فلا يُسمح لنا بأن نكون عثرة للآخرين. لباس الكنيسة عليه أن يكون فضفاضًا، ساترًا الأكتاف، الصدر، الظهر والرجلين، غير ممزّق كما هي الموضة السخيفة اليوم. على الرجال أن يكونوا مكشوفي الرأس، أمّا النساء فعليهنّ أن يُغَطِّينَ رؤوسهنّ وذلك حسب وصيّة بولس الرّسول إلى أهل كورنثوس (1كور:11 :2-5). فعندما نستر جمال أجسادنا نكون كالملائكة، الذين يحيطون بالله، يحجبون بأجنحتهم جمال أجسادهم ووجوههم، لأنّهم يعتبرون أنّ جمالهم لا يساوي شيئًا أمام جمال وجه نور الله.
 
صلاة الشكر أمر ضروريّ بعد تناولنا القرابين السرّيّة وذلك لكي لا نكون عادمي الشكر مثل يهوذا الاِسخريوطيّ، الذي تناول من يد السيّد في العشاء السرّيّ و ذهب لتسليمه. كما أنّ الربّ يسوع علّمنا أن نشكر حين سأل الأبرص، الذي أتى إليه من أصل العشرة الذين شفاهم، "أين التسعة، ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا لله إلاّ هذا الغريب؟" (لوقا 17:17-18). فكم بالأحرى نحن الخطأة الذين قد أهّلنا الله لهذه العطيّة العظيمة التي تشفي أمراض نفوسنا وأجسادنا وتؤهّلنا للملكوت السماويّ. يمكننا تأدية صلاة الشكر في الكنيسة، إن كانت تتلى هناك، أو في منزلنا بعد العودة من الكنيسة.
 
بعد تناولنا القرابين، لايجوز لنا، مبدئيًّا، تقبيل يد الكاهن، لأنّنا نلنا أعظم بركة بواسطة اتّحادنا بالمسيح نفسه بواسطة تناولنا جسده. وعند خروجنا من الكنيسة علينا أن نحافظ على صلاتنا وسلامنا الداخليّين، وأن نعمل الأعمال الحسنة، وأن نجاهد لكي لا نعود إلى الخطيئة التي تَطَهّرنا منها للتوّ، فنصبح أبناء الملكوت السماويّ.
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثاني
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.
 
القنداق باللَّحن الثاني
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطلبةِ، يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
 
الرِّسالَة
رو 5: 1-10
قوَّتي وتسبحتي الربُّ أدبًا ادَّبني الربُّ
 
يا إخوةُ، إذ قد بُرّرنا بالإيمان فلنا سَلامٌ معَ اللهِ بربِّنا يسوعَ المسيح، الذي بهِ حصلَ أيضاً لنا الدُخولُ بالإيمان إلى هذه النعمةِ التي نحنُ فيها مُقيمون ومفتَخِرون في رجاءِ مجدِ الله. وليسَ هذا فقط بل أيضاً نفتَخِرُ بالشدائدِ عالِمينَ أنّ الشِّدَّةَ تُنشئُ الصبرَ والصبرَ يُنشئ الاِمتحانَ والاِمتحانَ الرجاءَ والرجاءَ لا يُخزي.
 
لأنَّ محبَّة اللهِ قد أُفيضَت في قلوبِنا بالروحِ القدسِ الذي أُعطيَ لنا. لأنَّ المسيحَ، إذ كُنَّا بعدُ ضُعفاءَ، ماتَ في الأوانِ عنِ المنافقين ولا يكادُ أحدٌ يموتُ عن بارٍّ؛ فلعلَّ أحداً يُقدِمُ على أن يموتَ عن صالحٍ. أما الله فيَدُلُّ على محبّتهِ لنا بِأنَّه، إذ كنَّا خطأةً بعدُ، ماتَ المسيحُ عنَّا.
 
فبالأحرى كثيراً إذ قد بُرّرنا بدمِه نخلُصُ بهِ من الغَضَب، لأنَّا، إذا كنَّا قد صُولِحنا معَ اللهِ بموتِ ابنِهِ ونحنُ أعداءٌ، فبالأحرى كثيراً نَخلُصُ بحياتِه ونحنُ مصالَحون.
 
الإنجيل
متّى 6: 22-33 (متّى 3)
 
قال الربُّ: سراجُ الجسدِ العينُ. فإنْ كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيِّرًا. وإن كانت عينُك شرّيرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظْلماً. وإذا كان النورُ الذي فيك ظلاماً فالظلامُ كم يكون! لا يستطيع أحدٌ أنْ يعبُدَ ربَّينِ، لأنُّهُ إمَّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ أو يلازِمَ الواحِدَ ويَرْذُلَ الآخَر. لا تقدرون أن تعبُدوا اللهَ والمالَ. فلهذا أقولُ لكم لا تهتمُّوا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادِكم بما تلبَسون. أليستِ النفسُ أفضلَ مِنَ الطعامِ والجسَدُ أفضَلَ من اللباس؟ أنظروا إلى طيور السماءِ فإنَّها لا تزرعُ ولا تحصِدُ ولا تخزُنُ في الأهْراءِ وأبوكم السماويُّ يَقوتُها. أفلستم أنتم أفضلَ منها؟ ومن منكم، إذا اهتمَّ، يقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامتهِ ذراعاً واحدة؟ ولماذا تهتمّونَ باللباس؟ اعتبِروا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو. إنَّها لا تتعبُ ولا تَغْزِل، وأنا أقولُ لكم إنَّ سليمانَ نفسَه، في كلِّ مجدِه، لم يلبَسْ كواحِدَةٍ منها. فاذا كان عشبُ الحقلِ الذي يُوجَدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التنُّورِ يُلبِسُهُ اللهُ هكذا أفلا يُلبِسُكم بالأحرى أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكلُ أو ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ، فإنَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأُمم. لأنَّ أباكُمُ السماويَّ يعلمُ أنَّكم تحتاجون إلى هذا كلِّهِ. فاطلُبوا أوّلاً ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم.
 
في الإنجيل
 
يتبادر لنا، فور سماعنا الإنجيل والرسالة، أنّه علينا ترك كلّ ما هو مادّيّ والزهد في الدنيا، إن كان بالأكل او اللّباس. لا بل أكثر من ذلك: مَنْ يهتمّ بهذا فهو قليل الإيمان، فالمؤمن يتّكل على الله لأنَّ كلّ شيء هو بيده.
 
باختصار، استسلامٌ كلّيٌّ للربّ يسوع لأنَّ كلَّ شيء مُعطًى لنا هو منه. علينا أن نعي أنّ هذا الاِستسلام ليس عن يأس بل يجب أن يكون عن إيمان وقناعة وثقة بأنَّ كلّ هذا صادر عن محبّة لا تُقاس بأيّة محبّة على الأرض؛ أليس هو مَن مات لأجلنا ونحن خطأة؟ فكيف سيتركنا بعد أن صالحنا مع الله بموته، على حسب تعبير الرّسول في رسالة اليوم؟
لهذا، فليُلقِ كلٌّ منّا على الربِّ همّه، فهو معيلنا الوحيد في هذه الحياة.
 
العقيدة الأرثوذكسيّة وخلاص الإنسان
 
في زمننا الحاضر، نشهد تهميشًا مبرمجًا للعقيدة الأرثوذكسيّة، والترويج لنوع من مسيحيّة أخلاقيّة، لاعقائديّة، تشدّد على فكرة أنّ المهمّ هو ما هي أعمالنا، لا بمن نؤمن أو بماذا نؤمن.
 
التاريخ كلّه يشهد أنّ اهتمام الكنيسة الأوّل كان دائمًا ينصبّ على حفظ عقائد إيمانها المقدّس. حين تصبّ الكنيسة اهتمامها على الأمور الأخلاقيّة والعلاقات العامّة، وتهمل، في الوقت ذاته، الكلام في العقيدة والسهر على دقّة الإيمان، فأنّها تتحوّل، بسهولة، من جسد المسيح إلى كنيسة أرضيّة. تهميش العقيدة الأرثوذكسيّة له أثران مباشران على الكنيسة: أوّلاً، الدخول الحتميّ في العولمة الدينيّة؛ فكلّ سعي إلى تهميش العقيدة الأرثوذكسيّة هو سعي لعلمَنَة الكنيسة والإيمان، من نتائجه تحوّل المسيح، الإله-الإنسان، إلى مجرّد إنسان، مُصلح اجتماعيّ. بهذه الطريقة، يضرب إبليس كلّ الإيمان المسيحيّ وكلّ عمل المسيح لخلاص الإنسان. ثانيًا، بدون العقيدة المستقيمة، يتحوّل جهاد المؤمن وهدفه إلى هذا العالم الحاضر، حيث حياته كلّها تتغيّر بحسب تغيّر روح هذه الحياة الحاضرة ومفاهيمها. حين نخلق في نفوس الأرثوذكسيّين محبّة الإيمان الأرثوذكسيّ، فإنّنا نخلق فيهم شوقًا عظيمًا لدخولٍ أعمق في سرّ يسوع المسيح الحقيقيّ. وإلّا فإنّ حياتهم تتّجه نحو الشكليّات لتطغى عليها أخلاقيّات الحياة.
 
فعالم اليوم يدغدغ عواطف المؤمن بدفعه إيّاه لإقامة تعارض بين العقيدة والمحبّة. بالنسبة للأرثوذكسيّ الحقيقيّ، كلّ شيء يأتي من العقيدة المستقيمة، حتّى المحبّة. لأنّ المحبّة الحقيقيّة هي عمل النعمة الإلهيّة غير المخلوقة، التي يمنحها الله للمؤمنين به بالحقّ. حين تُصبح المحبّة فوق العقيدة تبطل المسيحيّة، "الطريق إلى الحياة الأبديّة"، وتتحوّل إلى ديانة أخلاقيّة. المحبّة هي فوق العقيدة حين يتعلّق الأمر بعمل الرحمة؛ لكن، حين يتعلّق الأمر بالإيمان الأرثوذكسيّ، فالعقيدة هي فوق المحبّة وكل شيء آخر.
 
إنّ خلاصنا لا يتحقّق ببعض الأعمال الخارجيّة مهما كانت عظيمة وصالحة. إنّنا نخلص بإيماننا المستقيم بالإله الواحد المثلّث الأقانيم، وقبولنا لملء تجسّد المسيح، بكمال طبيعتيه وإرادتيه الإلهيّة والبشريّة، وعمل النعمة الإلهيّة غير المخلوقة، والخضوع لكلّ ما تعلّمه كنيسته الواحدة غير المنقسمة. الإيمان المستقيم يلد جهادًا شرعيًّا. حينها مسيرة الأرثوذكسيّ، للتطهّر من الأهواء والخطيئة، ولاقتناء النعمة الإلهيّة، تنعكس على حياته وتصرّفاته وأعماله في هذا العالم. لا يمكن للمسيحيّين الأرثوذكسيّين أن يكونوا متّحدين مع المسيح، وبعضهم مع بعض، عبر الأعمال الأخلاقيّة، إنّما عبر الإيمان الواحد المعيُوش في أسرار الكنيسة الواحدة. هكذا عبّر بولس الرّسول عن وحدة الكنيسة بقوله: "ربّ واحد، إيمان واحد، معموديّة واحدة" (أف5:4).
 
كلّ عقيدة في الأرثوذكسيّة تشهد لحقيقة إلهيّة معيّنة. تشهد لحقيقة الإله الّذي نؤمن به. لهذا، لم تَخَفِ الأرثوذكسيّة يومًا أعداءها الخارجيّين. الخطر الحقيقيّ علينا هو من الداخل، حين نفقد حسّنا العقائديّ، فنبني إيماننا، لا على العقائد الصحيحة، إنّما على مجموعة وصايا ناموسيّة. يقول الأب جورج فلورفسكي إنّ كلّ مشاكل الكنيسة والإنسان المعاصر هي بسبب أنّ المؤمنين لا يعرفون عقائد إيمانهم. لهذا يدعو إلى التبشير بعقائد الكنيسة وبدستور إيمانها الذي يحوي كلّ أسس العقيدة الأرثوذكسيّة.
 
حين نتخلّى عن العقيدة تسقط الحدود بين كنيسة المسيح الحقيقيّة وبين الهرطقة. لهذا شدّدت الكنيسة دائمًا على "أحد الأرثوذكسيّة"، أحد انتصار الكنيسة على كلّ الهرطقات. هذه العقائد هي مُلزمة لكلّ من يريد أن يكون مسيحيًّا أرثوذكسيًّا. مَن يُقاوم عقائد الكنيسة يُقاوم الكنيسة نفسها. الكنيسة كلّها، وفي كلّ تاريخها، سارت مستندة إلى هذه العقائد. في كلّ مجامعها المقدّسة كان همّها أن تحفظ وحدة الكنيسة في الإيمان الواحد.
 
التعاقب الرسوليّ، المنتقل عبر شرطونيّة الأساقفة، كان تعاقبًا في حفظ الإيمان والعقيدة. وهذا يبقى دائمًا المعيار لأيّة خلافة رسوليّة تسلسليّة. الأسقف الّذي يتهاون في فرز الإيمان الأرثوذكسيّ عن الإيمان المنحرف يأتي يوم تتخلّى فيه النعمة الإلهيّة عنه كلّيًّا. إنّنا نحتاج إلى مجمع مسكونيّ حقيقيّ يُعيد إلى العقيدة الأرثوذكسيّة مكانتها المقدّسة في مسيرة خلاص الإنسان، كما فعلت كلّ المجامع المسكونيّة السابقة، لا إلى مجمع يرضخ لواقع العولمة الدينيّة، الّذي سيقودنا حتمًا إلى مسيح كونيّ دجّال، يُبطل كلّ مسيرة الأنبياء والرسل والشهداء والمعترفين...