الأحد 15 كانون الثانـي 2017

الأحد 15 كانون الثانـي 2017

15 كانون الثاني 2017
 
الأحد 15 كانون الثانـي 2017    
العدد 3
الأحد (12) من لوقا
اللّحن الخامس   الإيوثينا الثامنة
 
* 15: البارَّان بولس الثيبيّ ويوحنَّا الكوخيّ. * 16: السجود لسلسلة بطرس المكرّمة، الشهيد دمسكينوس.
* 17: القدّيس أنطونيوس الكبير معلّم البرّيّة، الشهيد جاورجيوس الجديد (إيوانينا) * 18 : أثناسيوس وكيرلّس رئيسا أساقفة الإسكندريّة * 19 : البارّ مكاريوس المصريّ، مرقس مطران أفسس * 20 : البارّ أفثيميوس الكبير، الشّهيد إفسابيوس * 21 : البارّ مكسيموس المعترف، الشهيد ناوفيطس.
الشباب التنشئة الروحيّة
يوصي الرسول بولس تلميذه تيموثاوس قائلاً: "لا يستهن أحدٌ بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرّف، في المحبّة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة، إلى ان أجيء. اعكف على القراءة والوعظ والتعليم. لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوّة مع وضع أيدي المشيخة. اهتمَّ بهذا وكن فيه لكي يكون تقدّمك ظاهراً في كلّ شيء. لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك لأنّك، إذا فعلت هذا، تخلّص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1 تيموثاوس 4: 12-16).
 
والربّ يكلّم إرميا هكذا: "قبلما صوّرتك في البطن عرفتك وقبلما خرجتَ من الرحم قدّستك. جعلتك نبيّاً للشعوب. فقلتُ آه يا سيّد الربّ إنّي لا أعرف أن أتكلّم لأنّي ولدٌ. فقال الربّ لي لا تقل أنّي ولدٌ لأنّك إلى كلّ من أرسلك إليه تذهب وتتكلّم بكلّ ما آمرك به. لا تخَف من وجوههم لأنّي أنا معك لأنقذك يقول الربّ..." (إرميا 1: 4-8).
 
الكنيسة تحتاج اليوم إلى شباب مؤسَّس مدرّب تدريباً روحيّاً. والتلميذ الناجح يأتي غالباً من أستاذ ناجح. لذلك، نحن بحاجة ماسّة إلى آباء روحيّين متعلّمين ومختبرين، مستنيرين بنور كلمة الربّ. هكذا يصبح تلاميذهم أبناءً للنور الإلهيّ وليس أبناءً لهذا العالم. القدّيس تيوفان الحبيس يقول "الكنيسة بحاجة إلى وجوه أناس يحبّون المسيح، يحبّون الكنيسة، يحبّون الرعيّة، يشهدون لحضور الله في المجتمع. وحده الأب الروحيّ يستطيع أن يفعل هذا لأنه تحرّر من كلّ عائق أمام سيره في طريق الكمال، طريق الملكوت، غير متعلّق بأيّ شيء يربطه بهذا 
 
 
الدهر كالمال، والشهوة الرديئة وعبادة الجسد..." عندنا هنا مثال الرسول بولس الذي قال لأبنائه الروحيّين: "إن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباءٌ كثيرون لأنّي أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (1 كورنثوس 4: 15). 
 
هذه هي الولادة الروحيّة الجديدة في المسيح. يقول القدّيس مكسيموس المعترف:"إن كان الإنسان بتولاً مكرّساً حياته لله يلد المسيح في قلوب الآخرين. هكذا نصبح مريماً جديدة".
 
الحرّيّة الحقيقيّة عند الإنسان اليوم، عامّة، وعند الشباب، خاصّة، هي في الهروب من المعصية، وذلك باقترابنا من يسوع وتعاليمه، من الكنيسة والإنجيل. هذه هي أيضًا الولادة الجديدة، الخلق الجديد، ممّا يجعلنا أبناءً الله وليس فقط أبناء العالم. هي تظلّلنا بالنعمة التي ظلّلت والدة الإله وقادتها إلى المجد.
 
الشابّ اليوم معرّض، أكثر منه في أيّ وقت مضى، وذلك في سنّ مبكِّرة، إلى التعرّف والإشتراك وتعاطي المخدرات والسكر وما إليه... كما يجرّب أيضًا ممارسة الجنس قبل الزواج، بالعلاقات المثليّة Homosexuality وكذلك بالمشاهد الإباحيّة المتواترة. هذه كلّها يمكن أن تُعرض له عن طريق الإنترنت بالخفاء وبدون علم العائلة. لذلك، هؤلاء الشباب - وما أكثرهم اليوم - بحاجة إلى أن يصادفوا وجهاً آخر صافياً تائباً يعكس وجه المسيح. الشابّ الضائع، على الرغم من ضياعه وغرقه في الخطيئة، يشعر أكثر من غيره بعطش إلى الحيّاة الروحية، إلى قدوة إنسان آخر يشهد له وربّما يدلّه على الطريق الصحيح. لذلك نتذكّر ما قاله الرسول بولس إلى تلميذه تيموثاوس، كما نتذكّر ما جاء 
عند الإنجيليّ متّى: "مَن قبل ولداً واحداً مثل هذا باسمي فقد قبلني. ومن أعثَر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له ان يعلّق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر. ويل للعالم من العثرات، فلا بدّ أن تأتي العثرات، ولكن ويلٌ لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة".. (متّى 18: 5-7)
مّهّمَّة الكنيسة اليوم أن تكون خلاصيّة تعمل لخلاص النفوس وشفائها من السرطان العصريّ. عملها عمل حياة أو موت. الموت الرهيب اليوم ليس الموت الجسديّ بل الموت الروحيّ الذي يقود إلى الظلمة والفناء.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

 
طروباريّة القيامة  باللّحن الخامس
 
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآبِ والرّوح في الأزليّة وعدمِ الابتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت، ويُنهِضَ الموتى بقيامتِه المجيدة.
 
قنداق دخول السيّد إلى الهيكل  باللّحن الأوّل
 
يا مَن بمولدِكَ أيّها المسيحُ الإلهُ للمستودعِ البتوليِّ قدَّستَ، وليَدَيْ سمعانَ كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآنَ أدركْتَ وخلَّصْتَ، إحفظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنين الذين أحبَبْتَهم، بما أنّك وحدَكَ محبٌّ للبشر.

 
الرِّسَالة
كول 3: 4-11 (29 بعد الظهور)
 
ما أعظمَ أعمالَك يا ربُّ. كلَّها بحكمةٍ صنعت
باركي يا نفسيَ الربَّ 
 
يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيح الذي هو حياتُنا فأنتم أيضًا تَظهرون حينئذٍ معهُ في المجد. فأمِيتوا أعضاءَكم التي على الأرضِ: الزِنَى والنجاسة والهوى والشهوةَ الرديئَةَ والطمعَ الذي هو عبادةُ وثَن، لأنَّهُ لأجلِ هذه يأتي غضبُ الله على أبناءِ العِصيان، وفي هذه أنتم أيضًا سلكُتم حينًا إذ كنتم عائشين فيها. أمَّا الآن فأنتم أيضًا اطَّرِحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُخط والخُبث والتجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكم، ولا يُكذِّبْ بعضُكم بعضًا، بلِ اخلعوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعماله والبَسُوا الإنسانَ الجديد الذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورةِ خالقِه، حيثُ ليس يونانيٌّ ولا يهوديٌّ لا خِتانٌ ولا قَلَفٌ، لا بربريٌّ ولا اسكِيثيٌّ، لا عبدٌ ولا حرٌّ بلِ المسيحُ هو كلُّ شيءٍ وفي الجميع.

 
الإنجيل
لو 17: 12-19 
 
في ذلك الزمان، فيما يسوعُ داخلٌ إلى قريةٍ، استقبلهُ عشَرةُ رجالٍ بُرصٍ، ووقفوا من بعيدٍ ورفعوا أصواتَهم قائلين: يا يسوعُ المعلّم ارحمنا. فلمَّا رآهم قال لهم: امضُوا وأَرُوا الكهنةَ أنفسَكم. وفيما هم منطلقون طَهُروا. وإنَّ واحداً منهم، لمَّا رأى أنَّه قد بَرئ، رجع يمجِّد الله بصوتٍ عظيم وخرَّ على وجههِ عند قدَميه شاكراً لهُ، وكان سامريّاً. فأجاب يسوعُ وقال: أليس العشَرةُ قد طُهروا، فأين التِسعة؟ ألم يوجَدْ من يرجِعُ ليمجّدَ الله إلّا هذا الأجنبيّ؟ وقال له: قُمْ وامضِ، إيمانك قد خلَّصك.

 
في الإنجيل 
 
يروي لوقا الإنجيليّ في المقطع الذي قرأناه اليوم قصّة شفاء أنجزه يسوع، استفاد منه عشرة برص. لم يكن البَرَص مشكلة جسديّة، فقط، بل كانت له عواقبُ اجتماعيّة، أيضًا. فقد كان الشخص الذي يصيبه هذا المرض يُعتبَر نجسًا، ويُعزل بأمر الكاهن عن الناس، إلى أن يبرأ (سفر اللاويّين ١٣: ١-٨؛ ١٤: ١-١١). عملاً بهذا لم يقترب البرص العشرة من يسوع، بل نادَوه من بعيد، طالبين الرحمة. الشفاء الذي كانوا يَنشدونه تعبير عن رحمة الله، وهي وسيعة، متعدّدة المظاهر. اللافت للنّظر أنّ يسوع لم ينطق بكلمة الشفاء، لم ينجز المعجزة بأمر مباشر، كما في قصص عجائبِ شفاء أخرى، بل طلب من الرجال البرص أن يتمّموا ما تفرضه شريعة موسى، بأن يذهبوا ويُرُوا أنفسهم للكهنة، فيحصلوا على شهادة براءة من مرضهم، فيعودوا إلى الاندماج في المجتمع. وقد أطاع الرجال أمر المعلّم، فانطلقوا للتوّ إلى حيث أمرهم، قبل أن يَرَوا أنّهم برئوا من برصهم. وفيما هم ذاهبون، تحقّق فعل الشفاء. أجل، كما هي الحال في معظم العجائب التي أجراها يسوع، هنا أيضًا تأتي المعجزة جوابًا إلهيًّا عن إيمان الإنسان. وقد عبّر الرجال البرص العشرة عن إيمانهم مرّتين: حين استرحموا يسوع، وحين أطاعوا أمره، من قبل أن يتحقّقوا من شفائهم.
 
الإيمان، يا أحبّة، استباق للواقع المنشود. بالإيمان تُجترَح العجائب، لأنّه كفيل بأن ينقل الواقع الراهن إلى واقع آخر جديد. الإيمان لا يكون بما حصل، بل بما لم يحصل، بعد، فيصير. إذا طلبنا أمرًا بإيمان، اعتبرناه بأنه صار، قبل أن يصير، وانتقلنا إلى ما وراءه. إذا صلّيت من أجل أمر، فصلِّ وأنت متأكّد من أنّه حصل، فيحصل. وإن لم تصلّ كذلك، فلا تنتظر حصول شيء، إلّا إذا تقبّل الله عدم إيمانك. قوّة الإيمان أنّه لا يستند إلى واقع معروف، بل يخلق واقعًا لم يكن. أنت لست بحاجة إلى أن تؤمن بما تعرفه، بل بما لا تعرفه، وإن آمنت به، حقًّا، عرفتَه. هذه حال من آمن بقيامة المسيح. من بعد الإيمان حصلت المشاهدة. إلّا توما، كما يخبرنا الإنجيل، آمن من بعد التحقّق. ولم يكن ذلك، إلّا لأنّ الربّ يسوع لم يدعه يقع فريسة الشكّ المُهلك.
 
كذلك آمن الرجال البرص العشرة بقدرة يسوع على شفائهم. وبالنتيجة، آمنوا بتحقّق الشفاء، قبل أن تظهر آثاره عليهم. لكنّ واحدًا منهم فقط عاد إلى يسوع، وسجد عند قدميه شاكرًا إيّاه على صنيعه. وكان الشاكر سامريًّا. كان اليهود - ويسوع خرج من بينهم، وتحرّك بينهم، وعلّم، ومنهم اختار تلاميذه - ينظرون إلى السامريّين نظرة دونيّة، إذ لا يعترف هؤلاء إلّا بالكتب الموسويّة الخمسة الأولى من الكتاب المقدّس. لم يُخفِ يسوع الفرقَ العقائديَّ بين اليهود والسامريّين، في حديثه والسامريّة، في الفصل الرابع من إنجيل يوحنّا. في المقطع الإنجيليّ الراهن، يعبّر عن تعجّبه من أنّ الشخص الوحيد الذي عاد ليشكره على شفائه المجترَح كان السامريّ الغريب. أمّا التسعة الآخرون، وهم يهود، فتغاضَوا عن ذلك. وكان من المفترض أن يؤدّوا، هم بالأحرى، الشكر لله على نعمته، وهم من الناحية العقائديّة، أكثر معرفة من السامريّ، إذ لديهم كتب العهد القديم كلّها. لكنّ التراث الدينيّ ليس وحده كفيلاً بأن يجعل المرء قريبًا من الله.
 
الشكر ضروريّ جوابًا عمّا نحصل عليه. إنّه ليس فقط تعبيرًا عن الامتنان على خير أعطي، بل أيضًا تعبير صريح عن حالة وجوديّة من الفرح بما تمّ الحصول عليه. الشكر تواصل يعمّق العلاقة بين الشاكر والمشكور، ويجعلها متبادلَةً بين الطَّرفَين. الشكر المسدى على عطاءٍ شيءٌ من عطاء، يردّ به المتقبِّل العطاءَ على المُعطي. إنّه عطاء مقابل. "والعطاء مغبوط أكثر من الأخذ"، كما يقول الرسول بولس نقلاً عن الربّ يسوع. في الشكر يصير العطاء متابَدلاً، اختبارًا للفرح المتبادَل بين المعطي والمعطى إليه. "وبالشكر تدوم النعم". وقد جعلت الكنيسة الأرثوذكسيّة سرّ الشكر مركز حياتها الأسراريّة، والنبع الذي يغذّيها بالحياة. فبه نرفع ما نقدّمه من صلاة وقرابين شكرًا لله الآب على كلّ ما منحنا إيّاه، من مجرد الحياة إلى سائر العطايا، وخاصّةً الخلاص الذي أنعم علينا به بابنه. يبادِل الآبُ الشكرَ الذي نرفعه إليه بأن يحوِّل روحُه القدسُ التقدمةَ إلى جسد الابن ودمه، يعطَيان للمؤمنين ليتحوّلوا إلى جماعة شاكرة، على الدوام، تحيا بالشكر حالةً من الفرح الفردوسيّ، الذي لا يُنزَع منها، إن تمسكّت به.
 
السامريّ الشكور، مثل السامريّ الشفوق الذي يعطيه يسوع مثلاً للرحمة التي تأتي من الغريب فتخلق قربى لم تكن في الحسبان، تحَدِّيًا للحدود العرقيّة، والعصبيّات. أجَل، قد يكون الغريب أقرب إلى المرء من أقاربه بالجسد. علاقة الانسان بالله لا تمرّ بالروابط البشريّة، ولا بالنَّسَب الإثنيّ. ما من جماعة أقرب إليه من أخرى. ليس الأرثوذكس، لأنّهم أرثوذكس، أقرب إليه من سواهم من المسيحيّين. ولا المسيحيّون، كونَهم مسيحيّين، أقرب إلى الله من سواهم من أتباع الديانات الأخرى، أو حتّى الذين لا ينتظمون في دين. وليس الإكليريكيّون، لأنّهم إكليريكيّون، أقرب إليه من العلمانيّين.
 
قربى الله ليست نتيجة حتميّة للانتماء إلى جماعة بشريّة، أيًّا كانت هذه الجماعة. أقرب الناس إلى الله هم الشاكرون. يسجدون أمامه في اعتراف وامتنان، عارفين أنّ كلَّ ما هم فيه نعمةٌ منه. حتّى ما يبدو لنا نقمة، يتحوّل، بالشكر، إلى نعمة.
 
 
الأعداد في الكنيسة 
 
تنقل إلينا الأرقام أشياء كثيرة كدرجات الحرارة، وعلامات المدرسة، وأسعار الأشياء، والوحدات الحراريّة التي صارت هوس الكثيرين، وسرعة السيّارة التي صارت أحد أوائل المخاطر التي تهدّد حياة شبابنا، والوقت، والتاريخ، والعمر، و أموراً كثيرة غيرها. لقد بتنا نلجأ إلى الأرقام تقريباً في كلّ شيء: لنميّز بين الناجح والراسب، بين الرابح والخاسر، بين المقبول والمرفوض، بين الغالي والرخيص. وبلغ الأمر بالبعض أن يستعملوا الأرقام لتحديد أشياءَ ذاتِ طبيعة يصعب قياسها، كالصداقة على شبكات التواصل الاجتماعيّ، والجمال في مسابقات الجمال، والرحمة في برامج التبّرعات التي تملأ شاشات التلفزة، خاصّةً في فترة الأعياد… صارت الدنيا كلّها أرقاماً بأرقام.
 
هل الكنيسة بمنأًى عن ذلك؟ طبعاً لا. والمقصود هنا ليس الميزانيّات والموازنات وشؤون الإدارة. المقصود هو الممارسات. فمن جهة، يتزايد الاهتمام بالإحصائيّات، فتُطرَح أسئلة من نوع: مساحة الكنيسة، عدد العائلات في الرعيّة، عدد المرتّلين، ومعدّل الحضور في القدّاس، عدد المعتمدين، عدد القداديس... ما الفكرة التي تعطينا إيّاها هذه الأرقام؟ هل يُقاس نجاح الرعيّة بالأرقام، كمثل عدد الحضور في القدّاس يوم الأحد؟ إذا أخذنا أحد الشعانين نموذجاً، فالحضور يملأ الكنيسة وما حولها. لكن بماذا ينشغل الحضور؟ أليس بالتصوير والأحاديث والأشواق والتهاني؟ هل يمكن اعتبار هذا الحشد دليل نجاح؟ هل يمكن اعتباره دليلاً على قوّة الإيمان؟ ما لا يمكن إنكاره أنّ الحشد في أيّام الأعياد يُفرِح لأنّ الحاضرين هم نظريّاً من الجماعة، لكن ماذا عن الأحد الذي يلي أيّاً من الأعياد؟ في الكنيسة، أغلب الإحصائيّات لا يقدّم إلا الإحباط، لأنّ الأرقام ليست مقياساً للنجاح.
 
نجد في الكتاب المقدّس أنّ الربّ لم يعطِ الأرقام الأهمّيّة التي لها اليوم. ففي متّى: 18: 20، يكتفي الربّ بالقليل ليحضر: "حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ". بالنسبة للربّ، المطلوب هو وجود الجماعة لا حجمها. وفي لوقا:17: 17-18  "أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟" هنا يريد الربّ أن يثبت لنا أنّ الأرقام ليست دليلاً على النجاح ولا على قوّة الإيمان.
 
إذاً، من أين أتى الاهتمام بالأعداد في الكنيسة؟ من عقليّة مجتمع الاستهلاك الذي يريد أن يحصي كلّ شيء. في مجتمع الاستهلاك، للأرقام الكلمة الفصل، فهي تحدّد الضرورات والمنافع والأرباح والمردود والأحجام. ومن أهمّ مبادئ هذه العقليّة تَحوّل الناس إلى زبائن يطلبون الخدمات التي تعرضها الكنيسة، والزبون دائماً على حقّ وعلينا إرضاؤه لكي يعود إلينا مرّة أخرى، لأنّ مقياس النجاح هو كثرة الزبائن. هذه العقليّة، للأسف، تسرّبت إلى الكنيسة. ثمّة كنائس صارت عندها تسعيرات في الأعراس والمآتم والعمادات: فللكاهن تعرفة وللمرتّل تعرفة ولكلّ خدمة من الخدمات تعرفة. وينسحب الأمر على كلّ ما تبقّى. فتوقيت العرس، وما يجري في الكنيسة من زينة وتصوير وغيره،  يحدّده الزبون أي العريسان. وإن لم يجدا طلبهما عند هذا الكاهن أو هذه الكنيسة ينتقلان إلى كاهن آخر أو كنيسة أخرى. بهذا تحوّل الكاهن إلى "نفدة" في العرس مثل الفيديو والكوكتيل والزفّة. وفي الجنّاز صار الزبون، أي أهل الميت، يحدّد عدد الكهنة. وفي العمادات أيضاً لا يجوز إغضاب الزبون، أي الأهل والعرّاب. حتّى أوقات القداديس والأعياد أُخضعَت للأرقام فصارَت تُنقَل بحجّة إتاحة الحضور لعدد أكبر من المؤمنين.
 
وصيّة السيّد الأخيرة كانت "اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ" (متّى: 28: 19). المهمّ في هذه الوصيّة ليس الكمّيّة "جميع الأمم" بل التلمذة “تَلْمِذُوا". فالربّ رضي بأن يحضر في أيّ مكان يجتمع فيه اثنان أو ثلاثة باسمه، لكنّه حدّد الكون حدوداً للبشارة. قد نستطيع ملء الكنائس بالشعب، كأجساد وأرقام، لكنّ الأهمّ أن يكونوا تلاميذَ ليسوع. وجود الكثرة في الكنيسة مفرِح لأنّ الإخوة معاً. لكنّ الكثرة في المناسبات فقط تطرح السؤال حول فعّاليّة التلمذة وحول جدّيّة الاستجابة للدعوة. الكلّ مدعوّون، لكنّ المشكلة هي أوّلاً في الرسل الذين شكّوا في قدرة الربّ على إطعام خمسة آلاف من خمسة أرغفة وسمكتين، وثانياً في عقليّة الحاضرين.
 
إنّ الحضور الفعليّ في الكنيسة لا تحدّده الأرقام بل وجود التلاميذ الثابتين الذين يسمعون تعليم الكنيسة ويعملون به ويلتجئون إليها كأبناء يعرفون أنّ طلبهم هو الخلاص الحاصل في كنيستهم، وهو دائماً معروض بالثمن نفسه الذي دفعه المسيح، بغضّ النظر عن عدد الطالبين.
 
أخبــارنــا
 صدور CD جديد
صدر عن حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة - فرع المنية CD بعنوان "إلى والدة الإله..." بصوت الشابّة ناي قليمة. يتضمّن اﻟ CD باقة تراتيل مختارة لوالدة الإله، وتتخلّله تأمّلات بصوت المتروبوليت أنطونيوس الصوري.
 
يُطلب من الأب نقولا رملاوي في دار المطرانيّة أو من مكتبات الأديار. ثمن اﻟ CD: 10000 ل.ل.