الأحد 9 تَمّوز 2017

الأحد 9 تَمّوز 2017

16 آب 2017
 
 
الأحد 16 تَمّوز 2017             

العدد 29
 
أحد آباء المجمع المسكونيّ الرابع 
 
اللَّحن الخامس        الإيوثينا السادسة
 
 
 
* 16: الشّهيد في الكهنة أثينوجانس ورفقته، * 17: القدّيسة الشّهيدة مارينا، * 18: الشّهيد إميليانوس، البارّ بمفو، * 19: البارَّة مكرينا أخت باسيليوس الكبير، البارّ ذِيُّس، * 20: النبيّ إيلياس التَّسبيتيّ، * 21: البارَّان سمعان المتباله ويوحنَّا رفيقه في النُّسك، * 22: مريم المجدليَّة المعادلة الرُّسل، الشّهيدة في العذارى مركيلَّا.
 
الأسقف:

مقاربة روحيّة آبائيّة 
 
هناك صلة عميقة بين الأسقف والكنيسة المحلّيّة. هو مرتبط بأبرشيّة معيّنة فعليّة (أسقف على الأرض).

 
يقول القدّيس كبريانوس: "الأسقف موجود في الكنيسة والكنيسة موجودة كائنة فيه". أمّا القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ فيقول: 
"اتبعوا الأسقف كما يتبع الربّ يسوع المسيح أباه..." (رسالته إلى أهل أزمير 8: 1-2).

 
هو الكاهن بامتياز، خليفة الرسل، وهو المعلّم (docteur)، يسهر على الإيمان القويم وعلى الأخلاق الأرثوذكسيّة أيضًا (ethos). كلمة épiskopos تعني الساهر، المراقب، الحافظ والحامي. يرأس الأسقف المجمع الأفخارستيّ synaxe eucharistique ويوزّع الأسرار المقدّسة التي هي ينبوع النعمة والحياة. يبقى الأسقف، رغم كلّ ذلك، مجرّد خادم للأسرار، لأنّ المسيح نفسه هو مصدر النعمة الحقيقيّ التي يمنحها الرّوح القدس عينه.

 
الأسقف المعلّم:
 
"القاطع باستقامة كلمة الحقّ" (راجع القانون 19 من مجمع ترولّو). هذه المسؤوليّة تتطلّب منه تواضعاً كبيراً وبساطة حياة وأخلاقاً مستقيمة (ethos).
 
لا يتكلّم الأسقف باسمه الخاصّ بل باسم الكنيسة، أي باسم الجماعة الكنسيّة جسد المسيح، وأيضًا باسم التقليد المقدّس. هذه النعمة يأخذها من المسيح نفسه عن طريق التسلسل الرسوليّ.
 
الأسقف الراعيّ:
 
هو راعي الخراف الناطقة يسهر عليها: "احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعيّة التي أقامكم الرّوح القدس فيها أساقفة لترعَوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أعمال 20: 28). الأسقف صورة المسيح عندما يتبع إرادة الله في الكنيسة بإرشاد الرّوح القدس. عندها "طاعةُ الأسقف هي طاعة الله" كما يقول القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ في رسالته إلى أفسس 5: 2 ورسالته إلى مغنيسيا 3: 2.
 
هو الحارس، يعتني بخرافه، يشدّد الضعيف ويداوي المريض ساعياً وراء الخروف الضالّ.

 
في الصلاة التكريسيّة الخاصّة برسامة الأسقف نصلّي: "امنح أيّها الآب لخادمك الذي اخترته للأسقفيّة أن يرعى قطيعك المقدّس".
 
+ أفرام
 مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

 
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الخامس 
 
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآب والرّوح في الأزليّة وعدمِ الاِبتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصِنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت ويُنهِضَ الموتى بقيامتِه المجيدة.
 
طروباريّة الآباء باللَّحن الثامن
أنتَ أيّها المسيح الإله الفائق التسبيح، يا من أسّستَ آباءَنا القدّيسين على الأرض كواكبَ لامعة، وبهم هديتنا جميعاً إلى الإيمان الحقيقيّ يا جزيل الرحمة المجد لك.
 
القنداق باللَّحن الثاني 
 
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودة، لا تُعرِضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأَسرعي في الطِّلبةِ، يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
 
 
الرِّسالَة
تيطس 3: 8-15
 
مباركٌ أنت يا ربُّ  إلهَ آبائنا،
لأنَّك عدلٌ في كلِّ ما صنعتَ بنا 
 
يا ولدي تيطُسُ، صادقةٌ هي الكَلِمةُ وإيَّاها أُريدُ أن تقرِّرَ، حتَّى يهتمَّ الذين آمنوا باللهِ في القيام بالأعمال الحسنة؛ فهذه هي الأعمالُ الحسنةُ والنافعة. أمّا المُباحَثات الهذَيانيَّةُ والأنسابُ والخُصوُمَاتُ والمماحكاتُ الناموسيَّة فاجتنِبْها، فإنَّها غَيرُ نافعةٍ وباطلةٌ. ورجُلُ البدعَةِ، بعدَ الإنذار مرَّةً وأُخرى، أَعرِض عنهُ، عالِماً أنَّ مَن هو كذلك قدِ اعتَسفَ، وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أرتمِاسَ أوتِيخيكوسَ فبادِرْ أن تأتيَني إلى نيكوبولِس لأنّي قد عزمتُ أن أُشتّيَ هناك. أما زيناسُ معلِّم الناموس وأبُلُّوسُ فاجتَهد في تشييعهما متأهِّبَين لئلّا يُعوزَهما شيءٌ. وليتعلَّمْ ذَوونا أن يقوموا بالأعمال الصالِحةِ للحاجاتِ الضَّروريَّة حتَّى لا يكونوا غيرَ مثمرين. يسلّمُ عليكَ جميعُ الذين معي. سَلِّمْ على الذين يُحبُّوننا في الإيمان. النّعمةُ معكم أجمعين، آمين.
 
الإنجيل
متّى 5: 14-19
 
قال الربُّ لتلاميذِه: أنتم نورُ العالَم. لا يمكنُ أن تَخفْى مدينةٌ واقعةٌ على جبلٍ، ولا يُوقَد سِراجٌ ويُوضَعُ تحتَ المكيال لكِنْ على المنارة ليُضيءَ لجميع الذين في البيت. هكذا فليُضئ نورُكم قدَّام الناس ليَرَوا أعمالكم الصالحةَ ويُمجِّدوا أباكم الذي في السَّمَوات. لا تَظُنّوا أنّي أتيتُ لأحُلَّ الناموسَ والأنبياءَ، إنّي لم آتِ لأحُلَّ لكن لأُتممّ.

الحقَّ أقول لكم: إنَّهُ إلى أن تَزولَ السماءُ والأرضُ لا يزولُ حَرْفٌ واحدٌ أو نُقطةٌ واحِدةٌ من الناموس حتّى يَتمَّ الكلُّ. فكلُّ مَن يَحُلُّ واحدةً من هذه الوصايا الصغار ويُعَلّمُ الناسَ هكذا، فإنَّهُ يُدعَى صغيراً في ملكوتِ السَّمَوات. وأمَّا الذي يعمَلُ ويُعلّم فهذا يُدعى عظيماً في ملكوت السَّمَوات.
 
 
في الإنجيل
 
يفاجئنا الإنجيل في هذا المقطع بأنّ يسوع يدعو أتباعه نور العالم. هذا الذي يُدعى، في مواضع أخرى من الأناجيل، "نور إعلان للأمم" (لوقا ٢: ٣٢) ونورًا أتى إلى العالم (يوحنّا ١: ٩؛ ٨: ١٢)، يجعل المؤمنين به شركاءه في النورانيّة. يعلن أنّهم نور العالم، كما هو نوره. الفرق بينه وبينهم هو أنّ نوره مستمَدٌّ من ذاته، إذ إنّه اللاهوت المتجسِّد، بينما هم يستمدّون نورهم منه، حين يتّحدون به. 

النّور جوهريّ في المسيح وأتباعه، على السواء، بصرف النظر عمّا إذا كان هذا النور ذاتيًّا، كما في المسيح، أو مستمَدًّا منه بالاِتّحاد به.

 
ثنائيّة النور والظلام قديمة جدًّا في تاريخ الأديان والميثولوجيات. آمنت الديانات الإيرانيّة القديمة، مثلاً، بإلهين: أهورامزدا إله النّور، وأهريمان إله الظلمة. الأوّل خيّر والثاني شرّير، وهما في صراع دائم إلى أن ينتصر النور. هذا الطابع الكونيّ للصراع بين النّور والظلام، كإلهين، ترفضه المسيحيّة، وهي لا تؤمن إلّا بالله الأحد. في المقطع الراهن، لا حديث عن صراع كهذا. الظلام لا يُذكر صراحة، بل يُشار إليه على أنّه الجوّ الذي للنّور أن يضيئه، أيّ أن يقضي عليه. وكأنّ يسوع يريد أن يعلن للمؤمنين به أنّ الظلام لا حول له أمام النور الذي فيهم، ولا قوّة، وأنّه يضمحلّ أمامهم، إن سطع نورهم في العالم. في القرون اللاحقة، دفع اعتقاد بعض فلاسفة الأفلاطونيّة المحدَثة ومن تأثّر بهم من الآباء اللاهوتيّين بأن لا كيان للشرّ، ولا قوام له، بحدّ ذاته، دفع بهم هذا الاعتقاد إلى القول إنّ الشرّ ليس إلّا ظاهرة طفيليّة، ملتصقة بالخير، وإنّه نقص الخير، فقط. كما الخير، النّور هنا وحده يبرز، والظلام وجود ثانويّ، على هامش النّور.

 
النّور مسؤوليّة، شأنه في ذلك شأن كلّ ما في الناس من المواهب والقدرات. والمسؤوليّة هنا مزدوجة. فعلى أتباع المسيح أن يأتوا بالأعمال الصالحة، أوّلاً. ثمّ يظهرونها للعالم، فيستنير بها. وقد يتساءل القارئ عمّا إذا كان في وصيّة أن يبرز المؤمنون بالمسيح أعمالهم الصالحة للعالم تعارضٌ ووصيّةَ التواضع ونبذ الكبرياء. الجواب بسيط: لا تعارض أبدًا بين الوصيّتين، إذا حافظ المؤمن على وعيه أنّ النّور الذي يحمله ليس إلّا امتدادًا لنور المسيح. لا فضل له إن أنار، فاستنار به العالم، فهو، فقط، باتّحاده بالمسيح صار نورًا. مسؤوليّته، واجبه الحتميّ، مذّاك، أن ينير. إن لم يفعل، شابَهَ الشجرة المثمرة التي لا تعطي ثمرًا. فما الحاجة لها، من بعد؟
 
يؤكّد يسوع، تأكيدًا لا مجال فيه للشكّ، أنّه طبيعيّ تمامًا أن ينير المؤمنون بالمسيح عالمهم. كما أنّه من الطبيعيّ ألّا تخفى مدينة مبنيّة على جبل، وألّا يَخفَى المصباح المضيء في البيت. غير طبيعيّ البتّة ألّا يحصل هذا. بذلك، يحمّلهم مسؤوليّة وجوديّة، تضفي على حياتهم معنًى إضافيًّا. إنّهم شركاؤه في إنارة العالم بالأعمال الصالحة. وكما نعلم من حياة يسوع، وما عَلَّمَه وعمله، ليست المسألة مسألة سطحيّة، بل التزام كيانيّ، يستغرق حياة الإنسان كلّها، حتّى الموت.

 
ما النتيجة من ذلك؟ يلخّصها المقطع بتمجيد الناس الله. والله هنا ليس كائنًا غريبًا، منقطعًا عن العالم. إنّه أبو المؤمنين الذين يحصلون على بنوّتهم له باتّحادهم بالمسيح ابنه في الجوهر، منذ البدء. هم يصيرون أبناء الله بواسطة اتّحادهم بالاِبن الأزليّ. هو جسر البشر إلى اللّاهوت، إذ صار إنسانًا، طبيعته الإنسانيّة لا نقص فيها، وصار، بذلك، في تجسّده، معبرًا لمن يتّحد به إلى الله.

 
تمجيد الله الذي يرفعه الناس المستنيرون بأعمال المؤمنين الصالحة إشارة إلى حال عامّة من الفرح والشكر، حال إفخارستيّة يشكر فيها الناس الله بسبب أفعال المسيحيّين. هذه الحال تعمّ أَتباع المسيح وسواهم. والمقطع يعترف بالتعدّديّة.  تلاميذ المسيح، أتباعه المخلصون الذين يتّحدون به، قلّة في العالم؛ وعلى قلّتهم عليهم أن يكونوا نوره. لن يصبح هذا العالم كلّه نورًا، حتى يكون المنتهى. ولا نعرف متى ذلك. لكنّ هؤلاء الذين اختاروا أن يتبعوا يسوع، جيلاً بعد جيل، وهُم قلّةٌ في العالم، يحملون على عاتقهم أن يكونوا النّور فيه، وأن يجعلوا منه، على  علّاته، مطرحًا للفرح الإفخارستيّ التمجيديّ. أعمالهم الصالحة هي بشارتهم في العالم.
 
 
الغَيرة المقدّسة 
 
غالباً ما يتحدّث الناس عن الغَيرة السلبيّة النابعة من دوافع أنانيّة، وقد تتراوح بين الحبّ النزيه والحسد الرديء. ولكن ثمّة نوع من الغَيرة المقدّسة يتحدّث عنه الكتاب المقدّس، وهذه هي موضوعنا.

 
إحدى الصعوبات التي يواجهها المؤمن الغيور على الكنيسة أنّ كلامه يُفهَم على أنّه إدانة. فالغَيرة المقدّسة، عندما تتّقد في قلب المؤمن، تكون كالنّار تُلهِب. وكثيراً ما يندفع بحماس وبكلّ جهد لأجل الكنيسة ولأجل خلاص الناس. هوذا داود النبيّ -كغيره من الأنبياء - تتملّكه الكآبة من أجل الخطأة الذين انحرفوا فيقول: "أَهْلَكَتْنِي غَيْرَتِي، لأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلاَمَكَ" (مزمور 139:119). 

وهذا، للأسف، قد لا يفهمه حتّى الآباء الروحيّون أنفسهم حين يشتكي المؤمن من وضع الكنيسة والقيّمين عليها أو من الإخوة المقرّبين منهم،  فينعتونه بالدّيّان. إنّ الذي يحبّ الله يريد أن يكون الكلُّ لله، وأنّ الكلّ يخلصون، وهذا ما عبّر عنه الرّسول بولس بقوله: "مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟" (2كورنثوس 29:11). وقد يعتبر البعض أنّ الغَيرة تنفي الوداعة والتواضع، فهل السيّد المسيح، وهو المثال في الوداعة والتواضع، قد فقد هاتين الفضيلتين حين طرد الباعة من الهيكل؟ (أنظر متّى 12:21-13)؛ أو هل كان الرسول بولس ديّاناً حين احتدّت روحه لرؤيته مدينة أثينا مملوءة أصناماً (أعمال 16:17)؟ أمْ كيف نفسّر غَيرة النبيّ موسى التي بلغت به أن يحطّم لوحَي الوصايا عند رؤيته شعبه قد رفع العجل الذهبيّ؟ وماذا نقول عن إيليّا والأنبياء في العهد القديم وعن الرسل والقدّيسين في العهد الجديد؟

 
لكن، ممّا لا شكّ فيه أنّ الغيرة المقدّسة لا تؤثّر في الناس ما لم تصحبها سيرة صالحة، لأنّ أفضل دفاع عن وصيّة الله وتقاليد الكنيسة هو في أن يراهما الناس مَعيوشَتَين في المدافعين عنهما، وإلّا فباطلة هي هذه الغَيرة ومُعثِرة. المتكلّم على وصايا الله بغَيرة من دون السيرة الصالحة هو كمن يقرع الجرس داعيًا الناس إلى الكنيسة ويبقى هو خارجاً.

 
يخطئ مَن يتعاطى مع الغَيرة المقدّسة على أنّها تحزّب أو ثورة من أجل الإصلاح، وأنّ هذه الثورة تكون بالشتائم والتوبيخ والخروج على اللّياقة، تماماً كما يجري على شبكات التواصل الاجتماعيّ حيث لا ضوابط إلّا تلك التي يضعها الإنسان لذاته.

 
إنّ هذا النوع من الغَيرة يوبّخ عليه الرّسول يعقوب في قوله: "وَلكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقّ.ِلَيْسَتْ هذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ" (يعقوب 14:3-17).

ليست الغَيرة مجرّد كلام، إنّها كالنّار التي تُنضِج لا كالنّار التي تُحرِق. إنّها بذل، مثلما فعل السيّد من غيرته لخلاص الناس. فهو كان وديعاً ومتواضعاً، لكن أيضاً قويّاً وشجاعاً. وهكذا يجب أن يكون كلّ مؤمن، على صورة سيّده، قويّاً في الدّفاع عن الإيمان والحقّ. فالغيرة من الصفات والأسماء الإلهيّة، "فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ." (خروج 14:34).

 
لقد تذكّر التلاميذ أنّه مكتوب "غَيرة بيتك أكلتني" (يوحنّا 17:2) بعد أن صنع الربّ سَوطاً من حِبال وطَرد الباعة والصّيارفة من الهيكل. هذه الغَيرة دفع ثمنها على الصليب ومات عنها. إنّها الغَيرة التي فيها الحبُّ والبذل. إنّها الغَيرة التي تطلبها منّا صورة الله التي فينا، والتي نحقّق مثاله في اكتسابنا إيّاها.