الأحد 27 أيلول 2015

الأحد 27 أيلول 2015

27 أيلول 2015

الأحد 27 أيلول 2015
العدد 39
الأحد السَّابِع عَشَر بعد العَنْصَرَة
اللَّحن الثَّامِن الإيوثينا السَّادِسَة
 
* 27: كليستراتُس والـ 49 المستشهدون معه. * 28: خاريطن المعترف، النَّبيُّ باروخ. * 29: كرياكس السَّائح. * 30: الشَّهيد غريغوريوس أسقف أرمينية العُظْمَى، الشَّهيد ستراتونيكس. * 1: الرَّسول حنانيا أحد السَّبعين، رومانوس المرنِّم. * 2 : الشَّهيد في الكهنة كبريانوس، الشّهيدة إيوستينة. * 3: الشَّهيد في الكهنة ديونيسيوس الأريوباغيّ أسقف أثينا.
 
موضوع الكرمة (أيضًا وأيضًا) جنونُ الله
 
"أنا الكرمة الحقيقيَّة وأبي الكَرَّام"، "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يوحنَّا 15: 1 و5). إنّه الاتِّحاد الكُلِّيّ، بدونه لا نستطيع أن نفعل شيئًا (Périchorèse).
 
الموضوع له علاقة بسرّ الشّكر، فيه تأمّل سرّي عن الخليقة. الكرمة تنضح الماء وتنتج الخمر، والخمر......... رسمٌ للدّم، دم المسيح. والخمر كحول، مشروبات روحيّة (spiritus). في آخِر لحظة من حياة الرّبّ على الصّليب قال: "قد تمّ وأَسْلَمَ الرّوح... ثمّ واحد من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دمٌ وماء" (يوحنّا 19: 30 و34).
 
فإذا كان الخمر كحولًا فهو يمثِّل اللَّهب، والنّار الّتي يفضي إليها الخمر والدّم فما هي إلّا الرّوح القدس الخارج من فم المسيح.
 
* * *
 
تذكرون مثل الكرّامين القتلة (في متّى 21: 33-43) حيث يرسل صاحب الكرم (وهو يرمز إلى الله الآب) ابنه الحبيب إلى الكرّامين المَرَدَة وهو عالِمٌ تمامًا أنَّهم سيقتلونه بعد أن جلدوا وجرحوا وقتلوا عبيده المُرْسَلِين قبله (وهم الأنبياء)، إنّه فعلًا "جنون الله" كما يزعم القدّيس غريغوريوس النّيصصيّ أو "الحبّ الجنونيّ" كما يقول القدّيس نيقولا كبازيلاس.
 
وأيضًا عن الكرمة يقول الرّبّ: "كلّ غصن فِيَّ لا يأتي بثمر ينزعه وكلّ ما يأتي بثمر ينقِّيه ليأتي بثمر أكثر" (يوحنَّا 15: 2). الـتَّـنـقـيـة فـي الـمـفـهـوم الزّراعيّ هي "الشّحالة"، أمّا تنقية التّلاميذ (الأغصان) بالمفهوم الرّوحي فهي الطّهارة. هنا أيضًا مفهوم الشّهادة للمسيح إن كانت شهادة الدَّم، الموت من أجل المسيح، أم الشّهادة البيضاء وهي حياة الأبرار المُكَرِّسِين حياتهم كلّها للرّبّ يسوع. في كلّ ذلك دعوة إلى الذّبيحة: إنّ ثمر التّلاميذ (الأغصان)، الّذي هو روح الّذبيحة والفرح والنّور، إنّما سيأتي من الكرمة من النُّسْغِ السّائل فيها....
الملاحَظ هنا أنّ خشب الكرمة أردَأ من كلّ خشب آخَر لا يعمل منه مصنوع، إنّما دعوته "روحيّة" أعني أن يحمل ثمرًا خاصًّا يصنع منه الخمر المُعَدّ للذّبيحة الإلهيّة كحامِل للرّوح كناقِل للحبّ الإلهيّ في ذبيحةٍ فصحيّة. هذا التّوصيف للكرمة يتميّز بالتّضاد Paradox كما في قضيّة الملح الّذي يعطي معنًى للطّعام. إن فَقَدَ ملوحته يُطرَح خارجًا ويُدَاس من النّاس غير نافع (متّى 5: 13) كخشب الكرمة الّذي لا يأتي بثمر.
 
* * *
 
أيُّها الأحبّاء! لقد اختار المثلّث الرّحمات المطران الياس (قربان) عـنـوان الـكـرمـة عن كـثب: لأنّه بدون يسوع المسيح ربّنا وإلهنا لا نقدر أن نفعل شيئًا، لا نستطيع نحن تلاميذ المسيح أن نُثْمِرَ أعمالًا صالِحَة. يختم الرّبّ بقوله: "ليس لِأَحَدٍ حبّ أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبّائه" (يوحنَّا 15: 13).
 
                                                                                                        + أفرام
                                                                                            مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثَّامِن
اِنْحَدَرْتَ مِنَ العُلُوِّ يا مُتَحَنِّن، وقَبِلْتَ الدَّفْنَ ذا الثَّلاثَةِ الأيَّام، لكي تُعْتِقَنَا من الآلام، فيا حياتَنَا وقيامَتَنَا، يا رَبُّ، المجدُ لَك.

 
طروباريَّة للشُّهداء باللَّحن الرَّّابِع
شهداؤك يا ربُّ بجهادِهِم نَالُوا منكَ الأكاليلَ غيرَ البالِيَةِ يا إِلَهَنَا، لأنَّهُم اَحْرَزُوا قُوَّتَكَ، فحَطَمُوا المُغْتَصِبِين، وسَحَقُوا بأسَ الشَّيَاطِينِ الَّتي لا قُوَّةَ لها، فبتوسُّلاتِهِم أيُّها المسيحُ الإلهُ خلِّصْ نفوسَنا.

 
القنداق باللَّحن الثَّاني
يا شفيعَةَ المَسيحيِّينَ غَيْرَ الخازِيَة، الوَسِيطَةَ لدى الخالِقِ غيْرَ المَرْدُودَة، لا تُعْرِضِي عَنْ أَصْوَاتِ طَلِبَاتِنَا نَحْنُ الخَطَأَة، بَلْ تَدَارَكِينَا بالمَعُونَةِ بِمَا أَنَّكِ صَالِحَة، نَحْنُ الصَّارِخِينَ إِلَيْكِ بإيمانٍ: بَادِرِي إلى الشَّفَاعَةِ، وأَسْرِعِي في الطَّلِبَةِ يا والِدَةَ الإِلهِ، المُتَشَفِّعَةَ دائمًا بِمُكَرِّمِيكِ.


الرِّسَالة
(2 كو 6: 16- 18، 7: 1)
صَلُّوا وَأَوْفُوا الرَّبَّ إِلَهَنَا
اللهُ مَعْرُوفٌ في أَرْضِ يَهُوذَا
 
يا إِخْوَةُ أَنْتُمُ هيكَلُ اللهِ الحَيِّ كما قالَ اللهُ إِنِّي: سَأَسْكُنُ فيهِم وأَسِيرُ فيمَا بَيْنَهُم وأَكُونُ لهُم إلهًا وهُم يَكُونُونَ لي شَعْبًا. فلذلكَ اخْرُجُوا مِنْ بينِهِم واعْتَزِلُوا يقولُ الرَّبُّ ولا تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلُكُم وأَكُونُ لَكُم أَبًا وتَكُونُونَ أَنْتُمُ لي بَنِينَ وبَنَاتٍ يقولُ الرَّبُّ القَدِير. وإِذْ لنا هذهِ المَوَاعِدُ أَيُّهَا الأَحبَّاءُ فَلْنُطَهِّرْ أَنْفُسَنَا مِنْ كُلِّ أَدْنَاسِ الْجَسَدِ والرُّوحِ ونُكَمِّلِ القَدَاسَةَ بِمَخَافَةِ الله.
 
الإنجيل
لو 5: 1-11 (لوقا 1)
في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ واقِفٌ عند بحيرةِ جَنِّيسَارَت رأى سفينَتَيْنِ واقفَتَيْنِ عند شاطِئِ البُحَيْرَةِ وقد انْحَدَرَ منهما الصَّيادونَ يَغْسِلُونَ الشِّبَاك. فدخَلَ إِحْدَى السَّفِينَتَيْنِ وكانَتْ لسمعانَ وسَأَلَهُ أنْ يتباعَدَ قليلًا عن البَرِّ، وجلسَ يُعَلِّمُ الْجُمُوعَ من السَّفينَة. ولمَّا فَرَغَ من الكلامِ قالَ لسمعانَ: تَقَدَّمْ إلى العُمْقِ وأَلْقُوا شِبَاكَكُم للصَّيْد. فأجابَ سمعانُ وقالَ له يا معلِّمُ إنَّا قد تَعِبْنَا اللَّيلَ كلَّهُ ولم نُصِبْ شيئًا، ولكنْ بكلمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَة. فلمَّا فعلُوا ذلك احْتَازُوا من السَّمَكِ شيئًا كثيرًا حتَّى تَخَرَّقَتْ شبكتُهُم، فأَشَارُوا إلى شركائِهِم في السَّفينةِ الأُخْرَى أن يأتُوا ويعاوِنُوهُم. فأَتَوا ومَلَأُوا السَّفينَتَيْنِ حتَّى كادَتَا تَغْرَقَان. فلمَّا رأى ذلك سمعانُ بطرسُ خَرَّ عند ركبتَي يسوعَ قائلًا: اخْرُجْ عَنِّي يا رَبُّ فإنِّي رجلٌ خاطِئ، لأنَّ الانْذِهَالَ اعْتَرَاهُ هُوَ وكلَّ مَنْ معَه لصيدِ السَّمَكِ الَّذي أَصَابُوهُ، وكذلكَ يعقوبُ ويوحنَّا ابنا زَبَدَى اللَّذانِ كانا رفيقَيْنِ لسمعان. فقالَ يسوعُ لسمعانَ لا تَخَفْ فإنَّكَ مِنَ الآنَ تكونُ صائدًا للنَّاس. فلمَّا بَلَغُوا بالسَّفينَتَيْنِ إلى البَرِّ تَرَكُوا كلَّ شيءٍ وتَبِعُوه.
 
في الإنجيل
ليس من السَّهل إِرْضَاء الله من دون التَّجارب، لذلك ينبغي أن نشكر الله على كلّ ما يحدث لنا. لولا فشل الرَّسول بطرس في اصطياد السَّمك في اللّيل، لما نجح في النّهار ولما أُعْطِيَ بركة المسيح الّتي ملأت الشِّباك إلى درجة عدم احتمال ثقل السّمك. فالفشل أوصل إلى النّجاح، وحيث توقَّفَت القوى البشريّة أَتَتْ بَرَكَة المسيح بين فشل اللّيل ونجاح النّهار تَمَّتْ أحداث تُظْهِرُ كيف يُصبح غير المُسْتَطَاع مُمْكِنًا، وكيف يُصبح العمل العقيم كثير الثَّمَر.
 
عرف سمعان بطرس المسيح عن طريق أخيه أندراوس، كما من خلال شفاء حماته. رأى يسوع يشفي المرضى ويُخْرِجُ الشَّياطين، لذلك عندما طلب منه المسيح أن يَدنو بالسّفينة إلى الشّاطئ ليكلِّم الجموع، أَطَاعَ في الحال. إنَّ تَعَبَ اللَّيل والفشل في العمل لم يُعِيقَا استعدادَهُ لطاعة الكلمة وخدمتها، حتَّى إنّه جعل أداة عمله الفاشل منبرًا للمسيح. في هذه النّقطة يَكْمُنُ مصدر "نجاح النّهار" وصيدا السّمك الوافِر. فلو أردنا أن نشير إلى صفة من صفات تصرُّف بطرس السَّامية لَقُلْنَا طاعة بطرس لوصيَّة المسيح. فبعد أن أَنْهَى المسيح كلامه من متن سفينة بطرس قال له: "ابْتَعِدْ إلى العمق وأَلْقُوا شباكَكُم للصّيد" أي ارْمُوا شباكَكُم ثانية في المياه العميقة لتصطادوا السَّمَك.
 
كان هذا الأمر يتعارض وخبرة الرّسول بطرس في مهنته. ولكن الكلمة الّتي سمعها من المسيح والعجائب الّتي رآها أَقْنَعَتْهُ أن لا يعتمد على خبرته البشريّة. أَطاع الأمر وتخطّى نفسه، "قد تعبنا اللّيل كلّه ولم نأخذ شيئًا، ولكن على كلمتك أُلْقِي الشَّبَكَة" (لو 5 : 5). هكذا أَتَت البركة وأظهرت الطّاعة ثمارها، كشفت عن إحدى خفايا سرّها. برهنَت أنّها نتيجة الإيمان لا الإكراه، وأنّها تجعل غير المُسْتَطَاع مُمْكِنًا. هكذا فإنّ الطّاعة تختلف جذريًّا عن النّظام. الثّاني في غَصْبٍ وإِجْبَار أمّا الأُولى فترتبط بالمحبّة والحرّيّة. نطيع الّذين نحبّهم حقًّا بحرّيّة. الطّاعة في الكنيسة أسلوب علاجِيّ: نرغب في الشّفاء، لذلك نطيع من يقدرون على شفائنا. إنّها اخْتِبَارٌ حُرٌّ يرتبط بمعرفة مرضنا والرّغبة في إيجاد طبيب.
 
لقد وجد بطرس "الّذي كتب عنه موسى" وأطاع أمره. فإن رَغِبْنَا نحن أيضًا في لقاء المسيح، ينبغي أن نطيع الَّذين يُرشدوننا في سَعْيِنَا إليه. هكذا يمكننا أن نرجو بعد كلّ انتظار أنّ الخُبُرَات ستُعْطَى لنا بالبركات. 
 
والسُّبْحُ للهِ دائمًا


 
شريك العمر
ثَمَّةَ جرح بليغ في كنيستنا، وقليلون هم الَّذين يلاحظونه أو يدركونه، يَكْمُنُ في سوء اختيار الشَّريك. لقد كتب الكثيرون عن لاهوت سرّ الزّواج وحَلَّقُوا به إلى السّماء ولكن يبقى التّطبيق على الأرض.
 
مَن كان يظنّ قطّ أنّ اختيار الشّريك المؤمن سيصبح صعبًا إلى حدٍّ كبير وقد يكون مستحيلًا. قد يرى البعض في هذا تشاؤمًا ولكن مَن يُنْصِتْ إلى هواجس الشَّباب المؤمن، والشّابّات بخاصّةٍ، ويشاطرهم مشاكلهم يعي ما يعانوه في هذا الموضوع. ومَرَدّ ذلك أنّ القِيَم المتعلِّقَة بالزّواج بَدَأَتْ تتدهور بشكل سريع وعنها تنتج الاختيارات الخاطئة، فلم يعد الرِّباط يتخطَّى، في أحيان كثيرة، الحاجة النّفسيّة والجسديّة أو البروتوكول الاجتماعيّ. ومن أهمّ اﻷحاديث الّتي باتَتْ تُسمَع أصداؤها بين الشّباب، والّتي تدلّ على تدهور القِيَم المذكور: "لماذا يهرع الشّاب إلى الفتاة الدَّلُّوعة، المدلَّلَة، المُغْرِيَة، ذات الجسد البارِز… وينفُر من الفتاة المحتشمة، الخجولة، التّقيّة ويصفها بأنّها معقَّدَة؟ أو العكس: "لماذا أصبحت الشّابّة، ولو كانت مؤمنة، لا يلفت انتباهها إلّا الشّابّ الّذي يضع حلقة في أذنه أو يتباهى بممارسة كمال اﻷجسام، أو تظهر عليه علامات الثّراء… ﻷنّ في رأيها أيضًا مَن هو على خلاف ذلك ليس على الموضة ومعقَّد؟".
 
فأين أصبحت تلك القِيَم الّتي يتحدّث عنها لاهوت الزّواج؟ أين دور الكنيسة كطبيب لشفاء هذا الجرح؟ أين دور اﻷهل في تنشئة أوﻻدهم على معرفة اﻷولويّات في اختيار شريكهم؟ مَن سيشهد للحقّ، من العلمانيّين أو الإكليروس، ويُعيد للرِّباط قدرته على الشّهادة للمسيح وبناء عائلة مسيحيّة أرثوذكسيّة تكون كنيسة صغيرة حيّة شاهِدَة لله بحياتها وسلوكها؟. 
 
فالله هو الَّذي أَوْدَعَ في قلب الإنسان رابط الزّواج والشّركة واﻹنجاب، لكن يبقى للإنسان القبول أو الرّفض. فلا يحتجّ البعض بأقوال مثل "الحياة قسمة ونصيب" أو "الدّني نصيب" أو "هيك الله راد"، فهذا لا يمتّ إلى الإيمان بصِلة ﻷنَّ الله خلق اﻹنسان حرًّا لكي يختار بنفسه ما لنفسه.
 
وثمّة أسطورة صغيرة جميلة تتحدّث عن حرّيّة اﻹنسان في قبوله أو رفضه لعيوب شريك عمره. فهي تقول بأنّ الله أخذ جمال القمر ورشاقة القصب وطراوة الورد، حنان النّظرة وتقلّب النّسيم، دموع السّحاب وابتسامة الشّعاع، حياء الأرنب وكبرياء الطّاووس، حلاوة العسل وحرارة النّار، ثرثرة صرّار اللّيل وهدهدة الحمام، ثمّ جبله، فكانت المرأة، وكانت ظريفة مغرية، جميلة والله أُعْجِبَ وافْتَخَرَ بها، ثم وهبها للرّجل. وبعد ثمانية أيّام أعادها الرّجل إلى الله قائلًا: "ربّ! إنّ المخلوقة الّتي وَهَبْتَنِي تُعَكِّرُ عليّ صفاء العيش، فهي تُثرثر بلا انقطاع، تندب حظّها، تبكي وتضحك في آن واحد، إنّها قلقة، نكدة، مزعجة، لا تترك لي مجالًا للرّاحة... رَجَوْتُكَ، ربّ، اسْتَعِدْهَا، فإنّي لا طاقة لي على العيش معها". هَزَّ الله رأسه واستعادها… بعد ثمانية أيّام أخرى، عاد الرّجل إلى الله يقول: "ربّ، ما أوحش الحياة، منذ أن رددت لك تلك المخلوقة العجيبة! ما كان أعذبها وهي ترقص أمامي وتغني، تسرح وتمرح... لا، ليس فوق الشّجر من طيب الثّمر ما يفوق معانقتها طِيبًا. رجوتك، أعدها لي، فإنّي لا طاقة لي على العيش بدونها. هزّ الله رأسه وأعادها… وبعد ثمانية أيّام أخرى، وإذا بالرّجل يسير بامرأته إلى الله ويقول: "لست أدري ما بي، لكنّي على يقين من أنّ هذه المخلوقة سبب انزعاج أكثر منها سبب ارتياح. رجوتك، ربّ، استعدها، فإنّي لا أريدها". أجابه الله: "عُدْ بها إلى كوخك يا هذا، وتعلّم كيف تعايشها. لا، لن استعيدها هذه المرة، لأنّك سوف تعود إليّ، بعد ثمانية أيّام، وتطالبني بها بشدّة. اذْهَبْ عنّي". انسحب الرّجل وهو يردّد في ما بينه وبين نفسه قائلًا: "آه ما أشقاني! شقيّ أنا إن عشتُ معها، وشقيّ إن عشتُ بدونها". 
 
ما يمكن تعلّمه من هذه القصّة أنّ المؤمن الحقيقيّ يؤثِر الإيمان على أيّ شيء آخر وحبيبَه على نفسه، ويقبل كلّ صفات معشوقه ويدرك كلّ الإدراك أن ليس أحد كاملًا على اﻷرض إلَّا الله وحده، وأنّ العلاقة مع الشّريك ليست دائمًا "عذوبةً وطيبَ ثمر" وﻻ هي كلّها نَكَدٌ وإزعاج. فللحياة صعوبتها وحلاوتها لكِلَا الشّريكَيْن. والدّواء هو أن يجعلا المسيح ثالثهما، بإيمانهما الواحد وفكر المسيح الواحد، فيتخطّيا كلّ هذه اﻷمور إذ "يجاهدان معًا بمؤازرة الرّوح القدس" لتحقيق الصّورة النّقيّة الأولى الّتي رَسَمَهَا الله للزوجين الأوَّلَين (آدم وحواء) والّتي لم يحافظا عليها، وهي صورة الحبّ الحقيقيّ والاتّحاد الكيانيّ فينمُوَا بالقداسة والارتفاع الرّوحيّ الدّاخليّ، سعيًا نحو ملكوتٍ أَضَاعَتْهُ الكبرياء والأنانية والعناد.
 
أقوال آبائيّة: الأرشمندريت صوفروني (سخاروف)
ليس بإمكان حكمة هذا العالم أن تخلِّص العالم. المجالس النِّيابيَّة، الحكومات، والمؤسَّسات "المعقَّدَة" للدّول العصريّة الأكثر تقدّمًا على الأرض؛ كلّها عاجزة. البشريّة تتوجّع بلا حدّ. المَنْفَذ الوحيد هو أن نجد في أنفسنا الحكمة، والتّصميم على أن لا نحيا بحسب حكمة هذا الدَّهر، بل أن نتَّبِعَ المسيح.
 
اتَّبعوا المسيح الصَّاعد إلى الجلجلة. ليس الصُّعود إلَّا هذه الحرب الّتي خاضها المسيح حبًّا بالعالم كلّه. عندما تدور رحى الحرب على مستوى العالم والأهواء، فإنَّ البشر يُرْهَقُون ويَشِيخُون بسرعة. وبالعكس، متى أَتَتِ الآلام من الصِّراع ضدّ الأهواء بروح المسيح، فالبشر إذ ذاك يُولَدُون من جديد.
 
"أن نكون على شبه الله". هذا يعني أن نصل إلى طاعة مماثلة لطاعة المسيح ولطاعة العذراء ولكلّ الّذين اتّبعوا خطاهم.