الأحد 30 حزيران 2013

الأحد 30 حزيران 2013

30 حزيران 2013

الأحد 30 حزيران  2013

العدد 26
أحد جميع القدِّيسين
اللَّحن الثَّامِن    الإيوثينا الأولى
 
* 30: تذكار جامع للرُّسل الإثني عشر . * 1:الشَّهيدان قزما وداميانوس الماقتا الفضَّة * 2: وضع ثوب والدة الإله في فلاشرنس.*3: الشَّهيد ياكنثس، أناطوليوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة. *4: القدِّيس أندراوس الأورشليمي رئيس أساقفة كريت، أندره روبلاف * 5: البارّ أثناسيوس الآثوسي، لمباذوس العجائبي *6: سيسوي الكبير (ساسين).
 
الرُّوحُ الـمَجْمَعِيَّة (L’Esprit de la Synodalité) 
 
"اليومَ نعمةُ الرُّوحِ القُدُسِ جَمَعَتْنَا، وكلُّنا نرفعُ صليبَكَ ونقول: مُبَارَكٌ الآتي بٱسمِ الرَّبِّ، أُوصَنا في الأعالي".
اِخْتَتَمَ المجمعُ الأنْطَاكِيُّ المقدَّسُ أعمالَه، بصلاةٍ وشكرٍ لله، بعد أن ٱسْتَعْرَضَ مواضيعَ هامَّة يمكن الإطِّلاع عليها، مع التَّقارير التَّابِعَة لها، من خلال البيان الصَّادِرِ عن أمانةِ سِرِّ المجمعِ الموزَّع الأسبوع الماضي مع نشرة الكرمة والمؤرَّخ 20 حزيران 2013.
لا شكَّ أنَّ هذا المجمع برئاسة صاحب الغبطة البطريرك يوحنَّا العاشر برهنَ عن تنظيمٍ دقيقٍ وروحٍ مجمعِيَّةٍ واضِحَة من خلال جدِّيَّة الموضوعات المطروحة وطريقة معالجتها.
*    *    *
اليوم أودُّ أن أكلِّمَكُم عن هذه "الرُّوح المجمعِيَّة" الَّتي تُمَيِّزُ كنيسَتَنَا الأرثوذكسيَّة لما فيها من أهمِّيَّةٍ على الرّغم من صعوبتها في آنٍ واحِد.
يبدأ أعضاء المجمع اجتماعاتهم بصلاة ٱستِدْعَاءِ الرُّوح القدس، ذلك وعيًا منهم لضعفاتهم وللحاجة إلى معونة القوَّة الإلهيَّة. الإنجيلُ يكون مفتوحًا في وسط القاعة خلال أعمال المجمع كلّها، إيقاظًا وتذكيرًا للآباء المجتمعين بضرورة الإستنارة من روحه لأجل كلّ كلمة تصدُرُ من فمهم خلال النِّقاش. "الرُّوح المجمعيَّة" ليست قضيَّة سهلة إذ تقتضي من كلّ عضو أن يتجرَّد من أَنَاهُ ومن المجد الباطِل، لكي يُعَبِّرَ عمَّا ينسجم مع الرُّوح الإنجيليَّة.
لا بدَّ له أيضًا أن يتجنَّبَ التَّحَزُّبَ، هذا الَّذي يُجَرِّبُ في كثير من الأحيان رؤساء الكهنة في ٱجتماعهم سويَّة. كَثْرَةُ المعرفة، موقع السُّلْطَة وغيرها... كثيرًا ما تُشَكِّل أيضًا مصدرًا للتَّجربة الكُبْرَى، تجربةُ الأنا الَّتي لا يُقْصِيها إلَّا ذاك الَّذي يُنَزِّهه الله عن أهوائه.
لقد سَادَتْ، بمعونة الله خلال الإجتماعات، المحبَّة وكذلك التَّعَقُّل في معالجة كثيرٍ من الأمور الشَّائِكَة. ما ساعَدَ على ذلك تهيئة المواضيع كلّها مُسْبَقًا مع توزيعها ليتدارَسَهَا الحاضِرُون قبل مناقشتها. كلّ أسقف يأتي إلى المجمع حامِلاً معه قضايا رعيَّتِه وشجونها لينقُلَها إلى الإخوة منتَظِرًا منهم الملاحظات والحلول المناسِبَة. بعض الموضوعات بحاجة إلى أخصَّائيِّين يُسْتَدْعَونَ عند الحاجة لكي ينيروا الأساقفة كون هؤلاء لا يحيطون بكلّ المواضيع والتِّقَنِيَّات اللاَّزِمَة. طبعًا، المعرفة لا تكفي لاستِطْلاعِ الأمور وإيجاد الحلول. إنَّ حكمة الأساقفة الآتِيَة من محبَّتِهِم لله وأمانتهم للإيمان القويم تجعلُهُم يعبِّرُون عن "الكلمة" ((la parole الآتِيَة من فوق بإيحاء الرُّوح القُدُس. المجمع معصوم عن الخطأ لا بمجرَّدِ اجتماع الأعضاء بل بداعي قداسة الحاضِرِين. يقول سفر الأعمال: "لأنه قد رأى الروح القدس ونحن ..." (أع 15: 28). 
يبقى أنَّ علاقةَ السَّيِّد البطريرك بالمطارنة يُحَدِّدُها القانون 34 من القوانين الرَّسُوليَّة (وثيقة من القرن الرابع المسيحي) بقوله: "إنَّ الأساقفة عليهم أن يحترِمُوا رئيسَهُم معتَبِرِين إيَّاه كسيِّدِهِم ولا يعمَلُونَ شيئًا دون مشورته، كما على الأوَّل (أي البطريرك) أن لا يقوم بشيء دون مشورة الآخَرِين. هكذا يتمُّ الوفاق ويتمجَّدُ الآب والابن والرُّوح القدس".
يبقى البطريرك رمز الوحدة، ويتحَلَّى بالحكمة حامِلاً شعارَ الأرثوذكسيَّة في كنيسةٍ رسوليَّة تُعَبِّرُ عن كلمة الحقّ.
"الرُّوح المجمعِيَّة" تأتي من قلوبٍ طاهِرَة ومن عقولٍ مُسْتَنِيرَة فيها العمق والبساطة معًا. كلُّ واحِدٍ يُقَدِّمُ نفسَه إلى الآخَر بشفافيةِ المسيح وبساطته. نظامٌ صعبٌ تحقيقُه، لكن صالحٌ وحده في كنيسة المسيح كونه لا ينتمي إلى هذا العالم.
 
            + أفرام
                   مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثَّامِن
 
إِنْحَدَرْتَ من العُلُوِّ يا مُتَحَنِّن، وقَبِلْتَ الدَّفْنَ ذا الثَّلاثَةِ الأيَّام لكي تُعْتِقَنَا من الآلام. فيا حياتَنَا وقيامَتَنَا، يا رَبُّ، المجدُ لك.
 
طروباريَّة الرُّسُل   باللَّحن الثَّالِث
 
أيُّها الرُّسُل القدِّيسون تَشَفَّعُوا إلى الإله الرَّحيم أن يُنْعِمَ بِغُفْران الزَّلات لنُفوسِنا.
 
طروباريَّة أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرَّابِع
 
أيُّها المسيحُ الإله، إِنَّ كنيسَتَكَ إذ قد تزيَّنَتْ بدماءِ شُهَدائِكَ الَّذين في كلِّ العالم، كأنَّها ببرفِيرَةٍ وأُرْجُوَان. فهي بهم تهتِفُ إليكَ صارِخَة: أَرْسِلْ رأفَتَكَ لشعبِكَ، وٱمْنَحِ السَّلامَ لكنيسَتِك، ولنفوسِنَا الرَّحمة العُظْمَى.
 
قنداق أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرَّابِع
 
أيُّها الرَّبُّ البارِئُ كلَّ الخليقةِ ومُبدِعُها، لكَ تُقَرِّبُ المسكونَةُ كبواكير الطَّبيعة الشُّهَدَاءَ اللاَّبِسِي اللاَّهوت. فبتوسُّلاتِهِم اِحْفَظْ كنيسَتَكَ بسلامَةٍ تَامَّة لأَجْلِ والِدَةِ الإله، أيُّها الجَزِيل الرَّحْمَة.
 
الرِّسالَة
1 كو 4: 9-16
 
لتكُنْ يا ربُّ رحمتُكَ علينا
اِبْتَهِجُوا أيُّها الصدِّيقونَ بالرَّبّ
 
يا إخوةُ، إنَّ الله قد أبرزَنا نحنُ الرُّسلَ آخِرِي النَّاسِ كأنَّنا مجعولونَ للموت. لأنَّا قد صِرنا مَشهدًا للعالم والملائكةِ والبشر. نحنُ جهَّالٌ من أجلِ المسيحِ، أمَّا أنتمُ فحكماءُ في المسيح. نحنُ ضُعَفاء، وأنتم أقوياءُ. أنتم مُكرَّمون، ونحن مُهانون. وإلى هذه الساعةِ نحنُ نجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى ونُلطَمُ، ولا قرارَ لنا، ونَتعَبُ عامِلين. نُشتمُ فَنُبارِك. نُضطَّهدُ فنحتمل. يُشنَّعُ علينا فَنَتضَرَّع. قد صِرنا كأقذارِ العالم وكأوساخٍ يستخبِثُها الجميعُ إلى الآن. ولستُ لِأُخْجِلَكُم أكتبُ هذا، وإنَّما أعِظُكُم كأولادي الأحبَّاءِ. لأنَّه ولو كانَ لكم رِبْوَةٌ منَ المُرشِدينَ في المسيح فليسَ لكم آباءُ كثيرون. لأنِّي أنا وَلَدْتُكُم في المسيحِ يسوعَ بالإنجيل. فأطلبُ إليكم أن تكونوا مُقْتَدِينَ بي.
 
الإنجيل
متى 10: 32-33 و37 و19: 27-30(متى 1)
 
قال الرَّبُّ لتلاميذِه: كلُّ مَنْ يعترفُ بي قدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أنا بهِ قدَّامَ أبي الَّذي في السَّماوات. ومَن يُنْكِرُني قدَّام النَّاس أُنْكرُهُ أنا قدَّامَ أبي الَّذي في السَّماوات. مَن أَحَبَّ أبًا أو أُمًّا أكثرَ مني فلا يستحقُّني. ومن أحبَّ ابنًا أو بنتًا أكثر منِّي فلا يستحقُّني. ومَن لا يأخذْ صليبَهُ ويتبعْني فلا يستحقُّني. فأجابَ بطرسُ وقال لهُ: هوذا نحنُ قد تركنا كلَّ شيءٍ وتبعناك فماذا يكونُ لنا؟ فقال لهم يسوع: الحقّ أقولُ لكم، إنَّكم أنتمُ الَّذين تبعتموني في جيل التَّجديد، متى جلس ٱبْنُ البشر على كرسيِّ مجدِهِ تجلِسُون أنتم أيضًا على اثْنَيْ عَشَرَ كرسِيًّا تَدينُونَ أسباطَ إسرائيلَ الاثني عَشَرَ. وكلّ من تركَ بيوتًا أو إخوةً أو أَخَوَاتٍ أو أبًا أو أُمًّا أو ٱمرأةً أو أولادًا أو حقولاً من أجل ٱسمي يأخُذُ مِئَة ضِعْفٍ ويرثُ الحياة الأبديَّة. وكثيرون أوَّلون يكونون آخِرِين وآخِرُون يكونون أوَّلين. 
 
في الإنجيل
 
لولا حلول الرُّوح القدس لَما وُجِدَ في الكنيسة قدِّيسون. لذلك، من الطَّبيعي بعد أحَدِ العنصَرَة أن نُعَيِّدَ لجميع القدِّيسين، لأنَّهم بالعنصرة تقدَّسُوا. كذلك، يوجد قدِّيسون لا نعرفهم وليس لهم أعياد خلال السَّنة، فنُعَيِّدُ لهم في هذا العيد الجامِع لكلِّ القدِّيسين المعروفين وغير المعروفين.
كلُّ مَنْ يعترفُ بي قدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أنا بهِ قدَّامَ أبي الَّذي في السَّماوات. أنت تؤمن بالرَّبِّ في قلبك، وهذا لا يكفي، لأنّ الإيمان بدون أعمال ميت، كما يقول القدّيس يعقوب. لذلك، يكون الإيمان مرافِقًا للاعتراف والاعتراف يكون بالمجاهَرَة بهذا الإيمان أمام النَّاس قولاً وعملاً. "أمَّا الَّذي يعمل ويعلِّم فهذا يُدْعَى عظيمًا في ملكوت السَّماوات". وفي كلّ وقت، كما يقول الرَّسُول بولس، "بَشِّرْ في وقتٍ مناسِب وغير مناسِب". والشَّهادة هذه يجب أن تكون نابِعَة من قلبٍ مؤمِنٍ جَرَحَتْهُ المحبَّةُ الإلهيَّةُ، فَتَحَوَّلَ بدوره إلى مُحِبٍّ للآخَرِين كما أحبَّنَا المسيح. وبهذا يعرف الجميع بأنَّنَا تلاميذه: "أَحِبُّوا بعضكم بعضًا لكي يعرف الجميع أنَّكم تلاميذي"، وإلَّا لن يصدِّقَكُم النَّاس وتصبِحُون شهودَ زورٍ لي "فأُنْكِرُكُم حينئذٍ أمام أبي الَّذي في السَّماوات". 
"مَن أَحَبَّ أبًا أو أمًّا أو ابنًا أو بنتًا أكثرَ منِّي فلا يستَحِقُّنِي". المحبّة العائليّة هي حبٌّ طبيعيٌّ بين الأهل والأصدقاء، لا يخلو أحيانًا كثيرة من الأنانيّة والعاطفة الزَّائِدَة الَّتي تكون عائِقًا في انطلاقَةِ الإنسان. لذلك، لا يستطيع الإنسان أن يحبَّ عائلتَهُ حُبًّا حقيقيًّا خالِيًا من حُبِّ الذَّات، إن لم يُحِبَّ اللهَ حُبًّا حقيقيًّا أوَّلاً. فالمطلوب "أن يُحِبَّ الرَّبَّ الإله من كلِّ قلبِه ومن كلِّ نفسِه ومن كلِّ قدرتِه، وقريبَه كنفسِه"، عندئذ يكون حبُّه للآخَرين حبًّا صادِقًا حقيقيًّا، فيبذل ذاته لأجلهم، كما فعل المسيح معنا عندما مات لأجل خلاصنا، "ما مِنْ حُبٍّ أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبَّائه"، فيتحوّل الحبّ في العائلة إلى خدمةٍ وبذلٍ للذَّات، وهذا يتطلّب أن يحمل صليبه كلّ يوم وكلّ ساعة، أن يصلب الأنانية الَّتي تمنع المحبَّة، أن يصلب الأهواء الَّتي تستَغِلُّ الآخَر وتُسَخِّرُه لخدمة رغباته...، "مَن لا يأخذْ صليبهُ ويتبعْني فلا يستحقُّنِي".
"أنتمُ الَّذين تبعتموني في جيل التَّجديد...". نحن جيل جُرْنِ المعموديَّة الَّذين تَعَمَّدْنَا على ٱسم الثَّالوث وأَخَذْنَا الرُّوح القدس، فصرنا أبناء الله بالتَّبنِّي، فلم نعد ننتمي إلى هذا العالم، بل ننتمي إلى ملكوت السَّماوات، "أنتم في العالم ولكنَّكم لستم من العالم". هذا هو  القدّيس، هو الَّذي عَلِمَ أنّ غاية الحياة هي ٱقتنَاء الرُّوح القدس، فٱقْتَنَى روحَ الله ساكِنًا فيه ومحرِّكًا له ومُتَرَئِّسًا عليه. ومَنْ فيه روحُ الله سيَدِينُ العالم وحتَّى الملائكة.
قدّيسونا الَّذين نعيِّدُ لهم اليوم قد تعرَّضُوا للوحوش والنَّار والسَّيف وتقطيع الأعضاء والضَّرب والرجم والجَلد والهُزْءِ والسّجن، واحتملوا هذه التعذيبات كلّها لأجل اسم يسوع المسيح. هؤلاء لم يَثْنِهِمْ عن محبَّة المسيح أيَّة محبَّة أُخْرَى، لا بيوتًا أو إخوة أو أخواتٍ أو أبًا أو أُمًّا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا. 
القدِّيسُون كانوا أبطالًا في المحبَّة وبذل الذَّات، فهل نحن على هذه الطَّرِيق سائِرُون؟ نحن نتعرَّضُ كلَّ يوم لحروب إعلاميَّةٍ ووحوش إعلانيَّةٍ لتُقْنِعَنَا بثقافةِ الاستهلاك وشراء ما لا نحتاجه والتَّمَتُّعِ بما لا يفيدنا، وبالتَّسلية وإضاعة الوقت الثَّمين على التِّلفزيونات والإنترنت وغيرها الكثير... فنسينا أهلنا وعائلتنا وأحبّاءَنا وحتَّى ذواتنا، فبات شبابنا مثالهم الأعلى هذا الممثِّل أو تلك المغنِّيَة وليس هذا القدِّيس أو تلك الشَّهيدة... 
هل نحن أبطال لنقول كفى بجرأة ونعود إلى "مَنْ أحبَّنَا أوّلاً"، إلى "محبّتنا الأولى"، نُسَخِّرُ التِّكنولوجيا لخدمتنا وخدمة الإنسان بدلا أن نكون عبيدًا لها وأَسْرَى ألعابها (ألاعيبها)، نقهر الممالك التِّكنولوجيَّة ونعمل البِرّ مع الآخَر ونسُدّ أفواه الأسود الإعلانيّة ونطفئ حِدَّة نار أهوائنا الأنانيّة فننجو من حَدِّ السَّيف نار جهنم... اِغْلِبْ يا بطل، "فالغالب سأعطيه مَنًّا خَفِيًّا وحصاةً بيضاء منقوشة فيها اسم جديد لا يعرفه إلّا الَّذي يناله". كن قِدِّيسًا وٱنْتَصِرْ، كن أمينًا حتَّى الموت فسأعطيك إكليل الحياة. أَحْبِبِ الرَّبَّ وٱبذل نفسك، "فما لم ترَ عينٌ وما لم تسمَعْ به أُذُنٌ وما لم يخطر على بال إنسان ما أعدَّه الله للَّذين يحبّونه"، عندئذ لن تكون من الآخِرِين بل سأجعلك من الأوَّلِين.
 
"اِذْهَبُوا..."
 
لمناسبةِ عيدِ الرّسلِ اليومَ تحضُرُنا جملةٌ قالَها الرَّبُّ يسوعُ للتَّلاميذِ: "اِذهبُوا وتَلْمِذُوا كلَّ الأممِ وعَمِّدوهُم على ٱسمِ الآبِ والابنِ والرُّوحِ القدس". مهمَّةُ الرُّسُلِ، حَسْبَما طلبَ منهم الرَّبّ، هي الذَّهَابُ إلى العالَمِ (الأُمَم) وتعليمُهم، وبالتَّالي تعميدُهم.
بعدَ هذا التّمهيدِ تعالَوْا نتأمَّل فيما نقصدُ بالرَّسولِ. إنّهُ، لغةً، المُرْسَل. يرسِلُهُ الرَّبُّ يسوعُ إلى الأرضِ كلِّها، "إلى كلِّ الأرضِ خرجَ منطِقُهُم وانْبَثَّ في كلِّ المسكونةِ كلامُهم". الرَّسُولُ الحقُّ هو الَّذي يَخْضَعُ لمُرسِلِه ويُطيعُه. يقول له الرّبّ :"اِذهَبْ"، فيترك كلَّ شيءٍ ويذهبُ دونَ أَن يتطلَّعَ إلى الوراء. يترُكُ وضعًا أَلِفَهُ وناسًا ٱعتادَ على معايَشَتِهِم، على لغتِهِم، على هواجسِهِم ويتوجَّهُ نحوَ جديدٍ ومجهولين. قِبْلتُهُ النَّاسُ، الأممُ جميعًا. قَدْ يعرفُهُم، وغالبًا هو لا يعرِفُهُم. يذهبُ إليهِم لينقُلَ لهُمْ رسالةً حمَّلَهُ إيَّاها مُرسِلُه. الرَّسولُ لا ينتظرُ أن يأتيَ النَّاسُ إليهِ ليعلِّمَهُم، بلْ يقتَحِمُ هو مكانَهُم، يتعرَّفُ عليهم وعلى أوضاعِهِم وأفكارِهِم ومشاغلِهِم. يُحِبُّهُم بالرّغمِ ممّا يلاحظُهُ فيهم مِنْ وَحْلٍ وزَغَلٍ. إذ ذاك يُجِيدُ مخاطبتَهُم ويبلِّغُهُم الرّسالَةَ.
الرّسولُ راعٍ أيضًا، يتركُ الـ 99 خروفًا ويذهبُ إثْرَ الخروفِ الضّالِّ ليُدخلَهُ إِلى حَظِيرةِ الأَمانِ.   
ما هي الرّسالةُ التي حَمَلَها الرّسلُ إلى العالمِ؟ 
لَقَدْ أذاعوا أنّ الخلاصَ أتانا بالمسيحِ، الإِله المتجسِّدِ النّاهضِ مِنَ القبر. إنّهُ الخبرُ السّارُّ الّذي بَثَّهُ رسلُ المسيحِ في أَرْجَاءِ المَعْمُوْرَةِ. 
ونَحْنُ المؤمنينَ رسلٌ أيضًا. إنّنا أبناءُ كنيسةٍ رَسُوليّةٍ. مهمَّتُنَا أَنْ نُبَلِّغَ عالَـمَنا أنَّ الخلاصَ أتاه بالمسيح، وأَنَّهُ يَتَحَرَّرُ، إذا شاءَ، مِنَ الموتِ والفسادِ. هذه الرّسالةُ ننقلُهَا إِلى واقعِنَا الرّاهنِ بٱنفتاحِنَا عليهِ والتّفَاعلِ مَعَهُ. الرّسولُ لا يُغَرِّبُ نفسَه عن محيطِهِ ولا يَتَقَوْقَعُ دونَه. إنَّهُ فيهِ ومَعَهُ، يَسْعَى ليُخمّرَهُ مِنَ الدَّاخِلِ، الرّسولُ سَبيلُهُ الإِنْصِهارُ. مِنْ أَجْلِ ذلكَ يحبُّ العالمَ ويَجتهدُ ليحوّلَهُ إلى عالمٍ للهِ، ليحوّله عالمًا تتجلّى فيه قيامةُ المسيحِ سلامًا وفرحًا وعدلاً وضياءً.
المهمّةُ صعبةٌ ولكنَّهَا ليسَتْ بالمستحيلةِ لأنَّ "الرّوحَ الّذي فينا أَقوَى مِنَ الّذي في العالَمِ". فَلْنَعْمَلْ على ٱقتناءِ هذا الرّوحِ الحقِّ، والزّمنُ زَمنُ العنصرةِ، ليقوِّيَنا على مَحَبَّةِ العالمِ والنّاسِ قاطِبَةً. تلكَ المحبّةُ الَّتي تَدُكُّ الحواجزَ وتزيلُ السُّدودَ الفاصِلَةَ بَيْنَنَا، وتجعلُنَا نعرِفُهُم ونعرفُ أحوالَهُم وهمومَهُم وأوضاعَهُم. الأمرُ الّذي يقودُنَا إلى اختيارِ اللّغةِ الملائِمَةِ الّتي يفهمونها لنستخدِمَها وسيلةً ناجِعَةً لتبليغِهِم رسالةَ الخلاصِ. الرّسولُ ٱبنُ حاضِرِهِ، يعرفُهُ جيِّدًا لينحَتَ منْهُ إطارًا يَقْبَلُ الإلهَ المخلِّصَ والمحيي. مشكلتنا الأولى كامِنَةٌ في اللّغةِ.
الرّسوليّةُ مهمّةُ كلٍّ منّا في حياتِنَا اليومَ، في البيتِ والمَعْملِ، في حَلِّنَا وتَرْحَالِنا، في المَكْتَبِ والمَتْجَر... وهذه المهمّةُ تفرضُ علينا أنْ نتَّبِعَ الطَّرائقَ الحديثةَ ونعتمدَ الوسائلَ المناسِبَةَ والموافِقَةَ للعالمِ اليومَ، وأَنْ نستعملَ لغةً يفهمُهَا الإنسانُ المعاصِرُ ويقبلُهَا كيانُه، هو ابن العقلانيّة السّكرانِ بالمنطقِ والمنتشي بالعلومِ والتّكنولوجيا. الرّسول عليه أن يتحلّى اليومَ بفكرٍ مُتَّقِدٍ وقوّةِ إبداعٍ وبساطةٍ كبيرةٍ. هذا زيادة على المحبّة الّتي هي الأَساسُ. ولكنْ، حَذَارِ أن نخلطَ بينَ البساطةِ الإنجيليّة المطلوبة والسّذاجَةِ والجَهْل. "كونوا حكماءَ كالحيَّاتِ وودعاءَ كالحَمَامِ".
 
أخبـــارنــــا
 عيد القديس ساسين في رعية دارشمزين
ببركة وحضور راعي الأبرشية المتروبوليت (أفرام) كيرياكوس الجزيل الإحترام، تحتفل رعية القديس ساسين بعيد شفيعها بإقامة صلاة الغروب نهار الجمعة 5 تموز الساعة السادسة مساءً. أما خدمة السحر والقداس الإلهي فتكون نهار اﻷحد 7 تموز عند الساعة 8:30 صباحاً، ويليها مائدة محبة.