أفكار في التوبة كأساس للحياة مع المسيح للقدّيس صفرونيوس ساخاروف
أفكار في التوبة كأساس للحياة مع المسيح
 للقدّيس صفرونيوس ساخاروف[1]
 
** تبدأ البشارة السارّة وتنتهي بدعوتنا إلى التوبة.
 
** ما هي التوبة؟ إنّها شعور قلبيّ عميق يرافقه سلام داخليّ بأنّ حياة الإنسان مغايرة لما يريدها عليه المسيح، لا ترضيه.
 
** الطريق إلى الثاوريا وإلى محبّة المسيح هي واحدة: التوبة. إنّها البداية الحقيقيّة والمستقيمة لحياة روحيّة عميقة تفضي بنا إلى معرفة صحيحة لا زيغ فيها بأنّنا أولاد الله.
 
** ليس أمرًا مفرّحًا ولا مبهجًا أن يرى الإنسان نفسه فقيرًا؛ أن يصل إلى معرفة ذاته بأنّه أعمى. لا يوجد، في الوقاع، ألم أكبر من الإحساس بأنّنا أسوأ من كلّ البشر. ولكن وبسبب وعي حالتنا هذه، يتولّد داخلنا روح صلاة تغرّقنا في بحر من الدموع، دموع التوبة. فعندما ندرك حقيقة الظلام الموجود فينا، عندما تنكشف أمامنا جحيم الخطيئة التي نعيشها، عندها، فقط، نصبح أهلًا لقبول النعمة وعملها فينا.
 
** كلّ من يؤمن إيمانًا لا ريب فيه بالمسيح أنّه خالقنا، إلهنا، مخلّصنا، يقتني من خلال توبة صادقة خبرة الجحيم والقيامة معًا قبل أن يموت. لأنّ التوبة ليست عملًا بسيطًا، إنّما يصحبها شعور من المرارة لا يطاق لعدم صلاحنا ورداءتنا مع إحساس بألم قلبيّ حادّ لانفصالنا عن الله.
 
** نحن لا نعرف جميع أشكال الأحزان التي سنصادفها بعد خروجنا من هذا العالم. وأعتقد أنّ حالة الجحيم لا تتعلّق، فقط، بمعاناة العذابات والنار المعدّة بمقدار ما تتعلّق بعدم أهليّتنا لدخول ملكوت السموات، ملكوت محبّة الله. لذلك علينا أن نفرح ونبتهج بالتوبة التي تخوّلنا لهذا الدخول.
 
** يقول الآباء القدّيسون بأنّ الإحساس بالخطيئة هي الهديّة السماويّة العظمى للإنسان. إنّها أعظم من رؤية الملائكة؛ فبناء عليه صارت التوبة هي العطيّة التي لا تقدّر بثمن للإنسانيّة.
 
** التوبة هي الأعجوبة الإلهيّة لاستعادتنا بعد سقطتنا، إنّها القوّة التي بها نصعد نحو الله أبينا، لكي نعيش معه أبديًّا في نور محبّته.
 
** التوبة هي الجسر الذي يصل بنا إلى مرحلة التألّه، هذا الحدث الذي لا يفسَّر لعظمته. إنّه عطيّة الله لنا، والتي صار تحقيقها ممكنًا بعد صلاة يسوع في الجثمانيّة، بعد موته في الجلجلة وبعد قيامته المجيدة.
 
** تبعث التوبة داخلنا قوّة جديدة للحياة، تجدّد قيمة الإنسان التي فُقدت بسقطة آدم. تستردّ دموع التوبة ذاك الذي مات في الإنسان، أي إمكانيّة انبثاق النور غير المخلوق الذي لله الثالوث القدّوس فيه.

** كيف نفسّر عمل الله في إعادة تشكلينا من خلال التوبة؟ إنّ صورة الابن الوحيد المساوي للآب، الابن الكلمة يخلق داخلنا شوقًا حارًّا لكي نتشسبّه به، فنجد أنفسنا، مجدّدًا، في حالة مضادّة: نتألّم، ولكنّه نوع آخر من الألم كنّا نجهله قبلًا؛ ألم لا يعود يقتلنا الآن، بل ترافقه قوّة غير مخلوقة تدفعنا لكي نسلّم ذواتنا بثقة تامّة إلى العناية الإلهيّة.
يأتي الربّ لكي يعانقنا تمامًا كما فعل الأب المذكور في الفصل الإنجيليّ الخاصّ بالابن الشاطر (لوقا: 15: 20)، فنبقى متحيّرين لما يجري داخلنا لأنّ عظمته تتجاوز إدراكنا البشريّ، إذ ينهزم خوف الخطيئة ورعدة العقاب تاركيْن محلّهما للتعجّب والانذهال اللذين يشملاننا ونحن في حضرة الله. لقد تحوّل ألم التوبة الأوّل المحزن إلى فرح وعذوبة المحبة. الآن المحبّة تأخذا شكلًا جديدًا: الشفقة على كلّ مخلوق محروم من نور الله وضيائه.
لقد جاهدنا مع الله في سبيل إصلاحنا وتقويمنا وقيامتنا من السقطة التي شوّهتنا وأفسدتنا، لذلك فالحميّة والحماس الآن يتعاظمان فينا لبدء حياة جديدة. هذه هي نتجية إعادة ولادتنا بالروح القدس بواسطة التوبة، هذا هو إعادة تشكيل الله لنا.
 
** إنّ الطريق إلى ملكوت السموات لا بدّ له من أن يمرّ في معاناة جهنّم. علينا أن نعتبر أنفسنا غير أهل لرحمة الله، إنّما مستحقّون، فقط، للحكم علينا بسبب شرورنا وبؤسنا ومقاومتنا لله. وبلغة أخرى، نحن أهل لعذابات جهنّم الأبديّة وحسب. إنّ مجرّد هذا الشعور المتواضع  كفيل لأن يزرع في النفس الرجاء برحمة الله الواسعة، ويحفظها من اليأس والكآبة.
 
[1] عن نشرة دير غريغويّو/آثوس. العدد 47 لعام 2022.