الحياة الروحيّة للمتقدّم في الكهنة سرجيوس بارانوف

الحياة الروحيّة
للمتقدّم في الكهنة سرجيوس بارانوف

(عن موقع الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة. تعريب راهبات الدير.)

** سؤال: كيف يمكننا اقتناء الصلاة في عصرنا اليوم، بينما ليس لدينا الوقت لعمل أيّ شيء آخر مفيد نسبة لما يفرضه علينا نمط حياتنا الحديث والتيكنولوجيا؟

** الجواب: لم يتغيّر الوقت منذ خلق الله العالم، لكن اختلفت طريقة تصرّفنا معه. نضيّع ساعات طويلة للقيام بأشياء غير نافعة ولا نجد الوقت اللازم للأمور التي تستحّق الاهتمام. كيف كان لأجدادنا الوقت الاكافي لتدبير أمور حياتهم الصعبة في مجالات عديدة إن كان في الحقل أو في تأمين الخبز والحطب والزراعة والحصاد والأعمال المضنية الكثيرة، ويشقون طول النهار متحمّلين الفقر وغيره... ومع هذا،  كانوا يجدون الوقت لحياتهم الروحيّة وللكنيسة والصلاة!

t1-copy.jpg

أمّا نحن، فننعم اليوم بكلّ أساليب الراحة والرفاهية وحياة الرخاء الكامل ونملك التجهيز التامّ من آلات كهربائية للتنظيف وغسّالات كهربائية... وغيره من الآليّات التي تسهّل حياتنا الجسديّة وتوفّر علينا الأتعاب الكثيرة. أفلا نجد الوقت الكافي لكي نهتمّ بحياتنا الروحيّة؟!! أقول لكم، وبكلّ بساطة، إنّنا نحيا  اليوم من دون تفكير!

كان الفيلسوف اليونانيّ ديوجين يركض في شوارع أثينا حاملًا بيده مشعلًا في منتصف النهار ويصرخ مفتشًا عن إنسان! هكذا سأفعل، أنا أيضًا، وأخرج وأنادي:

"استخدموا وقتكم بمعرفة. كرّسوه للأشياء المفيدة التي تستأهل الاهتمام. الأيّام قليلة! الوقت قصير! لا نستطيع البقاء هكذا جالسين أمام شاشات التلفزة دون أن نعمل شيئًا، لا بل، ننشغل بأمور باطلة وتافهة.

نجد الوقت لكي نقوم بالأسفار وارتياد أماكن اللهو التي تستهوينا، وكلّها لا أهمّيّة لها في حياتنا. لقد بارك الله أيّام الراحة، لكن ليس إلى درجة الكسل والتهاون بالأوقات المقدّسة والضروريّة لحياتنا الأبديّة. 

هل تعلمون متى يبدأ الناس يحسبون حسابهم لهذا الأمر؟

عندما يجدون ذواتهم في العيادة لمعالجة الأمراض الصعبة، ولمّا يخبرونهم عن سوء حالتهم الصحيّة كمثل ظهور ورم خبيث وغيره من الأمراض الخطيرة. فماذا يحدث، إذًا، مع هؤلاء الأشخاص؟

في الأمس القريب لم يكن لديهم الوقت للاهتمام بأبديّتهم، واليوم يجدون الوقت لزيارة الأطبّاء ولممارسة التمارين الصينيّة من أجل تحسين صحّتهم، ولتأمين المال ثمن الأدوية الغالية. 

لا ندرك أنّ حياتنا نفسها هي موت بطيء. هل يوجد إنسان الآن بيننا لا يشعر أنّه يموت بشكل تدريجيّ وبطيء مع تقدّم السنّ وبروز الأمراض المتنوّعة والكثيرة؟

هذه الصيرورة في جسدنا يمكنها أن تختلف في بطئها أو سرعتها بين إنسان وآخر لكنّنا لا نستطيع إيقافها أو تجاوزها. فالأمر الأخطر من ذلك والأكثر رعبًا هو الموت الروحيّ للنفس غير المائتة.

إنّه أمرٌ مخيف أن يقف المرء أمام هذا الواقع الأليم وحده ويجابه المشكلة المصيريّة من دون معونة الله.

فإذا تداركنا حياتنا وعرفنا كيف نتصرّف لنربح الحياة الأبديّة ونميّز ما هو مضرّ لنا وما المفيد، نستطيع إيجاد الوقت لكي نصلّي ونكون على علاقة جيّدة مع الله. 

فلنسأل نفوسنا من دون مواربة وبجديّة: هل أنا على استعداد لكي أصلّي وأُدخل الربّ في حياتي وأحيا، أو أتجاهله ولا أعمل لخلاصي وأموت إلى الأبد؟ الأمر الأكثر أهميّة في الصلاة هو المسيح.