عندما يأتي المسيح

عندما يأتي المسيح (1)
للمتقدّم في الكهنة الأب سرجيوس بارانوف (2)
في 3/7/2021


عندما يتعلّق الأمر بالهدف الذي خُلقنا لأجله في الحياة، علينا أن نسعى ونجاهد لاكتسابه. هناك عبارة غالبًا ما يستخدمها أهل العالم، تقول: "يجب عليك أن تبني منزلًا، تزرع أشجارًا". لكن منذ أن أخذت أقيّم حياتي مطابقةً مع هذه المعطيات، استنتجت أنّني غرست أكثر من شجرة، بنيت منزلًا، أنشأت ستّة أولاد، والآن لدي أحفاد، علاوة على الكنائس والكاتدرائيّة التي شيّدتها والجداريّات التي كتبتها في بعض قلالي الجبل المقدّس. خدمت ولمدّة 23 سنة المساجين، ونظّمت بيوتًا للمعوزين، وصرت مديرًا لمؤسّسات خيريّة عديدة عملت فيها لمدّة 13 سنة، وألّفت كتبًا وأخرجت أفلامًا سينمائيّة وكتبت سيناريوهات للمسرح. هذا كلّه إلى جانب عملي في مجالات عدّة تخصّ الكنيسة، ورتّلت في جوقة للمحاربين السوفيّات القدامى في موسكو. 

12.jpg
وماذا عن الآن؟ هكذا يسألني الشباب، دائمًا، أثناء لقاءاتي معهم، هل أنت راضٍ، أيّها الأب، عمّا أنجزتَه؟ لا أعلم بماذا أجيبهم. أشعر بالفراغ بعد كلّ ما صنعته في حياتي، تحقّقت أنّ كلّ شيء باطل الأباطيل. العمل الأخير الذي عملته واعتبره الأهمّ والأثمن والأقدس من بين كلّ ما أحرزته هو دير الإيفيرون  للراهبات في أورسك (روسيا). فعندما أبتعد عن الدير لثلاثة أيّام (كوني أقيم فيه كمعرّف وأب روحيّ للشركة الرهبانيّة)، أفتقد إليه وإلى الخدم الليليّة التي تقوم بها الراهبات، وإلى النظام وقوانين الصلاة كصلاة يسوع غير منقطعة التي تتردّد في القلالي "ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ"، وإلى السلام الذي يخيّم على الأجواء والسكون، وأتمنّى العودة إليه سريعًا، ففيه وجدت هدفي المنشود. 


لا أهمّيّة لأيّ شيء آخر إلّا إذا تمحور حول الأهمّ، الذي هو المسيح، فكلّ شيء في الأرثوذكسيّة ينبع منه ويعود إليه. من دون المسيح، كلّ شيء باطل. من المؤسف جدًّا أن أرى أحيانًا أناسًا يذهبون إلى الكنيسة، ولخمسين سنة متتالية وأكثر، إلّا أنّهم لم يلتقوا المسيح أبدًا. يعرفون الكثير عن المسيح ويشاجرون عليه ويدرسون عنه، ولكن تنقصهم الخبرة معه. لذلك، فهم يُشبهون من يضلّون الطريق ويتيهون في منعرجات خاطئة، وإن كانوا صادقين متحمّسين ومستقيمين، إلّا أنّهم أضاعوا الهدف الحقيقيّ لحياتهم على الأرض.


إن سعى أحدهم لإحراز وظيفة، فإنّه يجدّ بكلّ وسيلة مهما صدّته الصعوبات والمستحيلات، للوصول إلى هدفه المنشود، إلّا أنّه ما زال يمشي في الدرب المعوّج، فبغيته الحقيقيّة ليست المسيح! فكّروا جيّدًا بما أقوله لكم. نحن نجتهد لكي نحيا بطريقة أخلاقيّة جيّدة: نحاول العيش في النقاوة واكتساب الفضيلة، نتحاشى الوقوع في الخطيئة، نحبّ القريب، نجدّ لنكون صالحين في حياتنا مع أزواجنا وأمّهات صالحات مع أولادنا، نهتمّ بعائلاتنا، لا نشرب الكحول، لا ندخّن... بل ويصمّم البعض على القيام بأمور فاضلة أكثر كزيارة المرضى والمسنّين والمساجين، وإيواء المشرّدين وتبنّي الأطفال... أستطيع تعداد الكثير من الأمور المشابهة. ولكنّ السؤال الذي يراودني: ما الذي لا يستطيع الملحدون أن يعملوه من كلّ ما ذكرته لكم؟ إنّهم يقدرون أن يفعلوا كلّ هذه الأمور. فما الذي يميّزنا، إذًا، نحن المؤمنين عنهم؟ ما هو جوهر حياتنا؟ ما الذي لا يعمله الملحدون، بينما من الضروريّ جدًّا أن يقوم به المسيحيّون؟ 


الصلاة هي العمل الأوّل لدى كلّ مسيحيّ مؤمن. وأقصد بكلمة "أصلّي" ليس بالمعنى الشكليّ للكلمة، أيّ ألّا أتمّم واجبات الصلاة من قراءة مزامير وغيرها من قوانين الصلاة، أو أن أحفظ غيبًا بعض مقاطع الصلاة. بل، بالحري، أن تكون لدينا علاقة خاصّة بيسوع، نكون قريبين منه، تتحوّل معرفتنا به  من مجرّد فكرة نبيلة وفلسفة عقليّة بحتة، إلى معرفة حقيقيّة حيّة أختبر حضوره في داخلي وفي العالم، في كلّ أمر، أن يصير الله إلهي أنا، أعبده بالروح والحقّ. 


صلِّوا، والصلاة تعلّمكم كلّ شيء
استخدموا أوقاتكم بشكل مفيد، وكرّسوها للأشياء المهمّة
واجعلوا الله إلهكم أنتم، إلهكم الشخصيّ.

------------

[1] عن الموقع الروسيّ: Lorgnette تعريب راهبات الدير.
[2] هو كاتب أفلام ومؤلف مسرحيّ معروف جدًّا. ألقى حديثه في مقابلة مع شبّان يافعين في دير نوفوسباسكي في موسكو تناول موضوع القداسة كهدف أساس لحياتنا على الأرض، وكيف نحياها من خلال الصلاة. اشتهر الأب سيرجيوس بشكل واسع عبر أفلامه الشعريّة الغنائيّة الدينيّة العميقة. تكلّم في محاضرته الأولى من خلال عرضه لفيلم قصير بعنوان "ثمن حياتي". ويعلّق بقوله: "وإن بدت الحياة ثمينة جدًّا، فهدفها الأوّل هو القداسة". هذا المقال هو مقطع من حديثه.