الأحد 21 كانون الأوّل 2025

الأحد 21 كانون الأوّل 2025

18 كانون الأول 2025

الأحد 21 كانون الأوّل 2025
العدد 51
الأحد قبل ميلاد المسيح
اللحن  الثالث، الإيوثينا السادسة


أعياد الأسبوع:

21: الشَّهيدة يولياني وثاميستوكلاوس، 22: الشَّهيدة أناستاسيَّا، 23: الشُّهداء العشرة المستشهدون في كريت، 24: بارامون ميلاد المسيح، الشَّهيدة في البارَّات أفجانيا، 25: ميلاد ربِّنا وإلهنا ومخلِّصنا يسوع المسيح بالجسد، 26: عمَّانوئيل الإلهيّ، عيد جامع لوالدة الإله، الشَّهيد آفثيميوس، 27: إستفانوس أوَّل الشُّهداء ورئيس الشَّمامسة، ثاوذورس الموسوم.

آباء العهد القديم

إبراهيم إسحق ويعقوب خلفاء العهد القديم قبل المسيح. الخلاص يطال الإنسانيّة برمّتها. التاريخ، تاريخ الإنسان الأوّل، انقسام الإنسانيّة humanité ما هو إلّا ثمر الخطيئة والتكبّر أمام الله.
من إبراهيم بدأ اتّحاد الإنسانيّة وجمعها، هذا الذي سيكتمل في المسيح يسوع.

شعب إسرائيل ما هو إلاّ مقدّمة لمجيء المسيح: الأنبياء، المزامير، الناموس... كلّها تتّضح وتكتمل بمجيء المسيح في حياته، وموته وقيامته.
من هنا أهمّيّة العهد القديم الذي يجمع المحسنين لله الذين يشكلّون مقدّمة وتهيئة لمجيء الربّ يسوع.

بداية الحياة الأبديّة كامنة في سيرة الآباء القدّيسين القدماء المهيّئين لمجيء المخلّص. من هنا نفهم أهمّيّة الآباء القدماء المذكورين في إنجيل أحد النسبة.
إبراهيم مع بطاركة العهد القديم كانوا أمينين لكلمة الله حتّى قبل مجيء المسيح. لذلك يشكّلون أمثلةً Exemples ناجحة لفائدتنا ولخلاصنا حتّى بعد مجيء المسيح.

اليوم نعترف مع القدّيس إيريناوس Lyon القرن الثاني الميلاديّ بوحدة العهد الجديد مع القديم.
سرّ المسيح كامنٌ في مقدّمة العهد القديم.

من هنا النور الآتي من الروح القدس لفهم أهمّيّة العهد القديم تهيئةً لمجيء المسيح.
على ضوء العهد القديم نفهم ما أتى من أحداث في المسيح، في موته وقيامته.


+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما


طروباريّة القيامة باللحن الثالث

لتفرح السماويّات، ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الربَّ صنعَ عِزًّا بساعدِه، ووطِئَ الموتَ بالموتِ، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقدنا من جوفِ الجحيم، ومنح العالم الرحمةَ العُظمى.

طروباريّة أحد النسبة باللحن الثاني

عظيمةٌ هي أفعالُ الإيمان، لأنَّ الفتيةَ الثلاثةَ القدّيسين قد ابتهجوا في يَنبوعِ اللهيب كأنّهم على ماءِ الراحة، والنبيَّ دانيال ظهر راعيًا للسِّباعِ كأنّها غنم. فبتوسّلاتِهم أيّها المسيحُ الإلهُ خلّص نفوسَنا.

قنداق تقدمة الميلاد باللحن الثالث

أليوم العذراء تأتي إلى المغارة، لتَلِدَ الكلمة الذي قبلَ الدُّهور ولادةً لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافَرحي أيَّتها المسكونةُ إذا سمِعْتِ، ومَجِّدي مَع الملائكةِ والرُّعاة الذي سيَظهَرُ بمشيئتِه طِفلًا جديدًا، الإلهَ الذي قبلَ الدُّهور.

الرسالة: عب 11: 9-10، 32-40
مباركٌ أنتَ يا ربُّ إلهَ آبائنا
لأنَّكَ عدلٌ في كلّ ما صنعتَ بنا


يا إخوةُ، بالإيمانِ نَزَل إبراهيمُ في أرضِ الميعاد نزولَهُ في أرضٍ غريبةٍ، وسكَنَ في خيام معَ إسحق ويعقوبَ الوارثَيْن معهُ للموعِدِ بعينهِ، لأنَّهُ انتظرَ المدينةَ ذاتَ الأُسسِ التي الله صانِعُها وبارئُها. وماذا أقول أيضًا. إنّه يضيق بيَ الوقت إن أخبرتُ عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء، الذين بالإيمان قهروا الممالِكَ وعملوا البرّ ونالوا المواعد وسدُّوا أفواه الأسود وأطفأوا حدّة النار ونجَوا من حدّ السيف وتقوَّوا من ضعف وصاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة. وعُذِّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة أفضل. وآخرون ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم ومعز وهم معوزون مضايَقون مجهودون (ولم يكن العالم مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا المواعد، لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل أن لا يكملوا بدوننا.

الإنجيل: متّى 1:1-25

كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود بن إبراهيم، فإبراهيم ولد إسحق وإسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا وإخوته ويهوذا ولد فارص وزارح من تامار. وفارص ولد حصرون وحصرون ولد أرام وأرام ولد عميناداب وعميناداب ولد نحشون ونحشون ولد سلمون وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث وعوبيد ولد يسّى ويسّى ولد داود الملك وداود الملك ولد سليمان من التي كانت لأوريّا. وسليمان ولد رحبعام ورحبعام ولد أبيا وأبيا ولد آسا وآسا ولد يوشافاط ويوشافاط ولد يورام ويورام ولد عزيا وعزيا ولد يوتام ويوتام ولد آحاز وآحاز ولد حزقيا وحزقيا ولد منسّى ومنسّى ولد آمون وآمون ولد يوشيا، ويوشيا ولد يكنيا وإخوته في جلاء بابل. ومن بعد جلاءِ بابل يَكُنْيا ولد شألتَئيلَ وشألتئيلُ ولد زَرُبابلَ وزَرُبابل ولد أبيهودَ وأبيهودُ ولد ألِياقيمَ وألياقيمُ ولد عازورَ وعازورُ ولد صادوقَ وصادوقُ ولد آخيمَ وآخيمُ ولد أليهودَ وأليهودُ ولد ألعازارَ وألِعازارُ ولد مَتَّانَ ومَتَّانُ ولد يعقوبَ ويعقوبُ ولد يوسفَ رجلَ مريمَ التي وُلد منها يسوع الذي يُدعَى المسيح. فكلُّ الأجيال من إبراهيمَ إلى داودَ أربعةَ عشرَ جيلًا، ومن داودَ إلى جلاءِ بابلٍ أربعةَ عشرَ جيلًا ومن جلاءِ بابل إلى المسيح أربعةَ عشرَ جيلًا. أمّا مولدُ يسوعَ المسيحِ فكان هكذا: لمَّا خُطبت مريمُ أمُّهُ ليوسفَ وُجدتْ من قبلِ أنْ يجتمعا حُبلى من الروح القدس. وإذ كان يوسفُ رجلُها صدّيقًا ولم يُرِد أنْ يَشْهَرَها همَّ بتخْلِيَتِها سرًّا. وفيما هو متفكّرٌ في ذلك إذا بملاكِ الربّ ظهر لهُ في الحُلم قائلًا: يا يوسفُ بنَ داود لا تَخفْ أنْ تأخذ امرأتك مريم. فإنَّ المولودَ فيها إنَّما هو من الروح القدس، وستلِد ابنًا فتُسميّهِ يسوعَ فإنَّهُ هو يخلِّصُ شعبهُ من خطاياهم. (وكان هذا كلُّهُ ليتمَّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل: ها إنَّ العذراءَ تحبلُ وتلد ابنًا ويُدعى عِمّانوئيل الذي تفسيرُهُ الله معنا)، فلمَّا نهض يوسف من النوم صنع كما أمرهُ ملاكُ الربّ. فأخَذَ امرأتَهُ ولم يعرِفْها حتَّى ولدتِ ابنَها البكرَ وسمّاهُ يسوع.

في الإنجيل

في الأحد قبل عيد ميلاد ربّنا ومخلِّصنا يسوعَ المسيحِ تضعُ كنيستنا المقدّسة القراءة الإنجيليّةَ مِن مطلع إنجيلِ متّى، نسب يسوع المسيح والأحداث التي سبقت ميلادَه. وفي وسط هذا السرّ العظيم أريدُ أن أسَلِّطَ الضّوءَ على شخصيَّتين محوريَّتين في هذا السَّرد الشَّريف، ألا وهما مريم ويوسف. 

لا يسعُنا إلّا أن نتأمَّل في هاتين الشّخصيّتين الهادئتين والصّامتتين؛ فتاةٌ بتولٌ تتقبَّلُ سرّ الفداء ورجلٌ بارٌّ يستقبل الإعلان الإلهي وسِرٌّ خلاصيٌّ يكمن بين السطور، سرٌّ يقلِبُ موازينَ المنطقِ لا موازينَ المحبّة. ها اللهُ يَدخُلُ بصمتٍ تاريخَ البشريّةِ ليُحقِّقَ التَّجسُّدَ لا بمعيارِ القوّةِ بل من بابِ حيرةِ يوسف. ها مريَمُ تقف في وسط كشفٍ إلهيٍّ تعجزُ عن وصفه ويوسفُ يَجِدُ نفسَهُ في صلبِ حقيقةٍ يعجزُ عن فهمها.

هلمّوا لنعطي القدّيسة مريم، والدةَ الإله، المكانةَ التي تليقُ بها. نجِدُها مخطوبةً ليوسُفَ وتُذكَرُ أيضًا في متنِ النَّصِّ كامرأتِهِ. من هي مريمُ إذًا بالنِّسبةِ إلى يوسف؟ أهي زوجتُهُ؟ يقول لنا التقليد النّاموسيُّ العبرانيُّ إنّه إذا كانت امرأةٌ ما مخطوبةً لرجُلٍ فهي قانونيًّا تُعَدُّ له وتحت رعايته. 

ففي الحياة اليهوديّةِ كانت الخُطبة التزامَ قلبين في تطلُّعٍ نحو المستقبل لا قنيةَ رجُلٍ لامرأة. ومن هذا الباب الصّغير دخل اللهُ حياةَ مريمَ في إطار وعدٍ بشريٍّ عاديٍّ، أي الخطوبة ووهبها نعمته التي لا تمحو العلاقات البشريّة بل تُظهِرُها برداءٍ مجيدٍ لتغدو قناةً لظهور مجدِ الله وحمايةً للملتزمين بها. فعلاقة مريم بيوسف كانت تدبيرًا إلهيًّا يُعنى بحمايتها، لذلك دعا الملاكُ يوسُفَ ليقبلها زوجةً له، لا ليشدِّدَ على البعد الجنسيّ للعلاقة بل على البعد العلائقيّ الالتزاميّ مِمّا يُظهِرُ أيضًا كرامةَ يوسف.

فلنرتقِ الآنَ بأذهاننا لنعايِنَ والدةَ الإله حُبلى من الرّوحِ القُدُسِ. ها بطن مريمَ يصبِحُ الهيكلَ الأوَّل للعهدِ الجديدِ. ها هي تحملُ الحياةَ التي لم تخترها لنفسِها بل تسلَّمتها بصمتٍ وبثقةٍ وإيمانٍ عميق بالله. ها صَمتُ مريمَ يُقَدَّمُ للمَلِكِ عِبادةً حيّةً؛ فليس هو بفراغٍ بل مقياسًا للإصغاءِ والطّاعة الخلّاقة. لهذا ندعوها في خِدمنا الكنسيّةِ بصوتِ آباءِ كنيستنا "الخدرَ العرسيّ للكلمة"، وأنَّ "بطنها صار أرحب من السَّماوات"، وأيضًا "عروس الله". ويشدِّدُ الإنجيليّ على أنّها وُجِدَت حُبلى قبل أن يعرفها يوسف، وهذا للإضاءةِ على عذريّة مريم عند حبلها بالمسيحِ من الرّوح القدس. وهنا تظهر حياة مريم الفتاة التي حملت السرَّ بصمتٍ؛ يقول النَّصُّ إنَّها "وجدت حُبلى من الروح القدس". لم تقلق مريم ولم تضطرب ولم تفصح عن السِّرَّ ولكنَّها تركت الأمر لعنايةِ الله.

يوسُفُ عند معرفته بذلك اضطرب وما فتئ يتفكَّر في قلبه في تخليتها سِرًّا. يُضيءُ لنا متّى على شخصيّةِ يوسف اللطيفة. لُطفُه هذا بمريم إنّما هو نابِعٌ من برارته وتقواه لله. يضعُ نفسهُ بتأمُّلٍ وتفكُّرٍ عميقين. لقد استعمل الله حيرةَ يوسف ليحقِّقَ وعد خلاصِه. نعاينُ الظّهور الأوَّل لملاكِ الربِّ في كلّ العهد الجديد ليوسف في متّى. هذا ملاكُ الربِّ الذي كان أيضًا يظهر للأنبياء في العهد القديم ليعلن مشيئة الربّ، يظهر هنا ليشدِّد يوسف ويرسّخ إيمانه وثقته بمريم وليعلن له عن مشروع الله الخلاصيّ للبشر. وتباعًا يشدِّدُ الملاك عليه أن يأخذ مريم زوجةً له ويقبلها حُبلى إذ هذا تتميمٌ لمشيئة الله. وهكذا يحمي يوسفُ بالطّاعةِ السّرَّ الذي عجز عن فهمه. ففعل "أن تأخذَ" (في اليونانيّة παραλαβεῖν) هو أيضًا أن يقبل ويستقبل ويرحِّبَ ويستلمَ ويضع مريم في حياته لكي يتقبَّل المسيّا، المسيح الإله. وبدوره سيُعطي للمسيح الآتي حقيقةَ نسبه لداود بتبنّيه له.

إنَّ مريمَ تحملُ المسيح في الجسد وأمّا يوسف فيحملُ السرَّ بحالٍ روحيّةٍ. التجسُّدُ يبدأ مع شخصينِ يتعلّمان أن يثقا بالله أكثر من أن يثقا بفهمهما. وهذه رسالةٌ موجّهة إلى المؤمنين المدعوّين إلى أن "يقبلوا" و"يتقبّلوا" ما يرسله الله لهم حتّى ولو قلب موازين توقّعاتهم.

عند باب المغارة
 
أيّام قليلة تفصلنا عن تمجيد الملائكة وبشارتهم بولادة المسيح على الأرض، الحدث العظيم الذي تنتظره البشريّة منذ سقطة آدم وتغرّبه عن الفردوس، وقد وَرَد في عدّة أماكن في الكتاب المقدّس بعهديه، آيات تذكر هذا الوعد مثل (أش 7: 14) "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتسمي اسمه عمّانوئيل"، (يو3: 16 -17) "لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".

"ولمّا جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني" (غلا 4: 4).

ما هو ملء الزمان؟ إنّه الموعد الذي حدَّده الله بتدبيره، لظهور ابنه الوحيد على الأرض، بالجسد، لكي يتمّم الوعد الإلهيّ بإرسال مخلّص للبشريّة. 

يذكر الإنجيليّان متّى ولوقا حادثة ميلاد المسيح، (مت1: 18 -22. لو2: 1 -7)، لقد تمت ولادة الطفل يسوع في إسطبل البهائم "وأضجعته في المذود "(لو2: 7)، "إذ لم يكن لهما مكان في المنزل" (الآية عينها).
لقد حدث هذا الأمر في مكان مظلم بعيد عن العيون، إلا أنّ خبره انتشر إلى أماكن مختلفة، قريبة وبعيدة، وصل إلى الرعاة في الجبال، واجتاز أصقاعًا وحدودًا وبلغ بلاد فارس.

سمع الرعاة البشارة من الملائكة (لو2: 8 - 14) فتركوا قطعانهم وهرعوا إلى حيث الصبيّ وأمّه (لو2: 16) "فجاؤوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مُضْجَعًا في المذود".

كذلك المجوس إذ رأوا نجمه في المشرق جاؤوا للبحث عنه (مت2: 1- 2) "إذا مجوس من المشرق قد جاؤوا إلى أورشليم... فإنّنا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له... وأتوا إلى البيت ورأوا الصبيّ مع أمّه فخرّوا وسجدوا له".

  لم يكتفِ الرعاة والمجوس بالمجيء إلى حيث الصبيّ المولود وأمّه، لكنّهم دخلوا وسجدوا له فرحين.

أمّا هيرودس فإذ سمع بخبر الملك المولود، أرسل جنوده لقتل جميع الصبيان في بيت لحم، لعلّ المولود الإلهيّ يكون بينهم. (مت2 : 16).

ها نحن اليوم نسمع الخبر في هذه الأيّام في قراءات الكنيسة – لمن يحضر ولمن يسمع ويقرأ – إنّنا نسمعه لسنوات وسنوات كلٌّ بقدر ما بلغه من السنين على هذه الأرض. فماذا نفعل؟ هل نترك قطعاننا (اهتماماتنا الدنيويّة) ونهرع إلى حيث الصبيّ؟ هل نحدِّق في السماء لنسأل نجومها ونستدل منها على مكان المخلِّص؟ وعندما نعاين بريق النجم –الدليل- هل نحزم هدايانا ونقطع المسافات متجاوزين العقبات للوصول إلى حيث هو والسجود له؟ 

تتحرّك الكرة الأرضيّة كلّها في هذه الأيّام وتستبق الموعد بمظاهر وزينات، أضواء وأسواق وحفلات، صخب وضجيج وألوان، كلّها تتمّ خارج المغارة، عند أبوابها، قليلون هم من يدخلون ويسجدون فرحين، أمّا الباقون فيقفون خارجًا منشغلين بكلّ شيء ما عدا المخلّص المولود.

يشدِّد قدّيسو الكنيسة ومعلّموها وآباؤها على معنى وأهمّيّة مجيء المسيح إلى الأرض، لقد جاء لينقلنا من الوقتيّات إلى الأبديّات، من الجسديّات إلى الروحيّات، من الأرض إلى السماء، من الموت إلى الحياة.

إذا كان من سؤال نفحص به أنفسنا في هذه الأيّام المجيدة الخلاصيّة. أين أريد أن أكون؟ خارج المغارة مشغولًا بالدنيويّات والأرضيّات والإعداد للحفلات والمآدب؟ أم أن أرافق الرعاة والمجوس وأدخل معهم وأسجد للمخلّص فَرِحًا؟

هذه هي الدينونة، أنّ النور جاء إلى العالم وأحبَّ الناس الظلمة أكثر من النور لأنّ أعمالهم كانت شرّيرة، لأنّ كلّ من يعمل السيّئات يبغض النور ولا يأتي إليه لئلّا تُوَبَّخَ أعماله، وأمّا من يفعل الحقّ فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنّها بالله معمولة. (يو3: 19 – 21).

فليعطِنا الربّ فطنة وحكمة لنختار الأفضل.
ميلاد مجيد مبارك

ألوهة المسيح والتجسّد الإلهيّ.

منذ بداية وجود الإنسان، وهو يبحث عن سرّ الوجود والخالق، ومع مرور الزمن ظهرت تعدديّة الآلهة والفلسفات المختلفة، لكنّها بدأت تدريجيًّا تميل نحو إله أعلى كونيّ غير منظور، حيث يشبه الاتّحاد به ذوبان نقطة ماء في محيط واسع.

في المقابل، جاءت النبوءات لتتحدّث عن مجيء المخلّص الإلهيّ، بدءًا بالوعد الذي أعطاه الربّ للإنسان الأوّل عند سقوطه في الخطيئة، موجّهًا كلامه إلى الحيّة، رمز الشيطان: "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تكوين 3: 15).

فالعبارة "يسحق رأسك" تشير إلى انتصار يسوع بقيامته، أمّا "تسحقين عقبه" فتعني أنّه سيصلب، علمًا أنّ الربّ جاء إلى الصليب طوعًا. واستمرّ الوعد والنبوءات ومن أبرزها: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ" (إشعياء 9: 6). 

وشملت النبوءات الأمم أيضًا، كما يظهر مثلًا في مجيء المجوس ليسجدوا له. وبذلك كان يسوع المسيح المنتظر ومشتهى الأمم، واسم "يسوع" يعني: "الكائن – الله يخلّص". 

بولس الرسول، أعاد قراءة النبوءات بعد أن هداه المسيح، فكتب: "وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ" (غلاطية 3: 16).

بقي موضوع التجسّد الإلهيّ صعب القبول لدى البعض، وعند البعض الآخر تشريكًا بين الألوهة والإنسانيّة وبالتالي لا يعود الله منزّهًا. إلّا أن الإيمان المسيحيّ أكّد على أنّه اتّحادًا إلهيًّا - بشريًّا كاملًا في شخص الربّ يسوع المسيح، دون اختلاط أو انقسام، أي لا وجود لأيّ تشريك، مع التأكيد على الثالوث القدّوس الواحد في الجوهر بين الآب والابن والروح القدس، والثلاثة إله واحد بلا فارق زمنيّ في الوجود. 

كما أنّه لا يمكن لأيّ شيء أن يسيء إلى نزاهة الله لأنّه الله، وإلا أصبح الذي يمسّ بنزاهته أقوى منه. لذا لا يمكن تقييد الخالق بمحدوديّة المخلوق وفرض آرائنا الشخصيّة عليه.

التجسّد الإلهيّ هو من فيض محبّة الله لنا، وإدراكه يكون بتلقّفه. ومن دون التجسّد، لا وجود للمسيحيّة على الإطلاق. فلو سألنا: من يستطيع أن يمنع الله من أن يتجسّد؟ الجواب: لا أحد. وماذا كانت لتكون محبّة الله لنا لو لم يتّحد بنا؟ لا شيء. وعلى أيّ حبّ إلهيّ كنّا سنتكلّم لو لم يتجسّد الله؟ لا كلام.