الأحد 1 حزيران 2025

الأحد 1 حزيران 2025

28 أيار 2025

الأحد 1 حزيران 2025
العدد 22
أحد آباء المجمع المسكونيّ الأوّل
اللحن السادس، الإيوثينا العاشرة


أعياد الأسبوع:

1: الشَّهيد يوستينوس الفيلسوف، 2: نيكيفورس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، 3: الشَّهيد لوكليانوس، الشَّهيدة بافلا، 4: مطروفانس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، مريم ومرتا أُختا لعازر، 5: الشَّهيد دوروثاوس أسقُف صور، 6: وداع الصُّعود، إيلاريون الجديد رئيس دير الدلماتن، الشَّهيد غلاسيوس، 7: سبت الأموات، الشَّهيد ثاودوتُس أسقُف أنقرة، الشَّهيد باييسيوس (كفالونيَّة).
 

آباء المجامع المسكونيّة المقدّسة

هذه المجامع مفعمة بوحي الروح القدس لإعلان وتوضيح العقائد، عقائد الكنيسة المقدّسة ودحض الهرطقات Hérésies
 هي على صورة شركة الثالوث القدّوس ممثلًا بأيقونة الملائكة الثلاثة لأندره روبلاف André Roublev
هذه المجامع المسكونيّة حافظت على إيمان الكنيسة المقدّسة ضدّ الهراطقة والهرطقات  Hérésies
ليس في الكنيسة المقدّسة فرقٌ بين العقيدة والحياة الروحيّة أعني إيمان الكنيسة الأرثوذكسيّة القويم.
الكنيسةُ على سبيل المثال تدحض أقوالَ آريوس Arius الذي كان يرفض ألوهيّة المسيح.
هذا الرفض لو قبلناه لجعلنا لا نحمل معنا وفينا صورةَ الله التي تشكّل سرَّ الإنسان نفسه.
هذه الصورة التي تجعلنا مدعوّين إلى التألّه بنعمة الروح القدس.
هكذا وقد أكّدت المجامعُ الخريستولوجيّة المسكونيّة أيضًا على ألوهيّة المسيح التامّة وأيضًا على تجسّده من العذراء والدة الإله Théotokos
وكذلك أن المسيحَ هو إلهٌ تامّ وإنسانٌ تامّ. تجسّدَ واتّخذ على عاتقه خطيئةَ الإنسان دون أن يخطئ.
هذا كلّه لكي يقضي بموته على الصليب، على الخطيئة والموت والشيطان.

بقيت الكنيسةُ تصلّي لآباء المجامع المسكونيّة الذين اعترفوا وأعلنوا مثل هذا الإيمان من خلال هذه المجامع المسكونيّة المقدّسة.

 + أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 

طروباريَّة القيامة باللَّحن السادِس
إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَروا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
 
طروباريَّة الآباء باللَّحن الثامِن
أنتَ أيُّها المسيحُ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقيّ، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك.
 
طروباريَّة الصُّعود باللَّحن الرَّابِع
صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرُّوح القُدُس، إذ أيقَنُوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ابنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.
 
القنداق باللَّحن السَّادِس
لـمَّا أَتْمَمْتَ التَّدبيرَ الَّذي من أجلِنا، وجعلتَ الَّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ افتِرَاق وهاتِفًا: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.
 

الرِّسَالَة: أع 20: 16-18، 28-36
مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إلهُ آبائِنَا    
فإنَّكَ عّدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا


في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ. لأنَّه كان يَعْجِلُ حتَّى يكون في أورشليم يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قال لهم: احْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الَّتي أقامَكُمُ الرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوُا كنيسةَ اللهِ الَّتي اقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعد ذهابي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، اسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ أسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ أَنْ تبنيكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الَّذين معي خَدَمَتْها هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفَاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.
 
الإنجيل: يو 17: 1-13

في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مّجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والَّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الَّذي أعطَيْتَني لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الَّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ اسْمَكَ للنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الَّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرَجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ احْفَظْهُمْ باسمِكَ الَّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم باسمِكَ. إِنَّ الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ابْنُ الهَلاك لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.
 

في الإنجيل

نبلغ بنعمة الله أحد آباء المجمع المسكونيّ الأوّل، بعد أن ودّعنا الفصح المقدّس يوم الأربعاء الماضي وعيدنا لعيد الصعود الإلهيّ والذي ما زلنا نحيا في بركاته وبهجته. ولهذا المجمع أهمّيّة خاصّة من بين سائر المجامع، لأنّه أقرّ القسم الأوّل من دستور الإيمان وبذلك خطّ طريق المحافظة على الإيمان، وأشار إلى ضرورة وحدة الحياة والغايات، لتبقى التعاليم واحدة. آباء المجمع المسكونيّ الأوّل، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، القدّيس نيقولاوس العجائبيّ، القدّيس إسبيريدون العجائبيّ والقدّيس أثناسيوس الكبير، هم الآباء الذين حملوا التقليد ودافعوا عنه دفاع الأبطال ودحضوا كلّ ما هو غريب وشاذّ، حملوا التقليد لأنّهم حملوا الروح القدس، مدافعين عن الإيمان بمعرفة الإله الحقيقيّ والذي أرسله يسوع المسيح.

هذا ما عبّر عنه الرسول يوحنّا الإنجيليّ في الإنجيل الذي رتّبته الكنيسة المقدّسة لهذا الأحد المبارك: "هذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك، والذي أرسلته يسوع المسيح". الواضح من هذه الصلاة أنّ وحدة المسيحيّين مرتبطة بحياة الله، وهي على مثال وحدة الثالوث: "ليكونوا واحدًا كما نحن واحد". تقوم الوحدة في الثالوث على رباط المحبّة، فالآب هو مصدر الوحدة، والابن الذي هو مع الآب دائمًا جاء إلى الأرض ليوحّد الناس أي ليعرّفهم إلى الآب. هذا كان عمل الربّ يسوع حتّى الصعود، وهذه هي صلاته الآن، وهذا هو عمل الروح القدس بدءًا من العنصرة المقدّسة.

يضع المسيح أمامنا الغاية الحقيقيّة من حياتنا، وهي أن نشترك في مجده. إنّ اشتراكنا في مجد المسيح يعني اشتراكنا في آلامه وقيامته وكامل رسالته، لنصير نحن أيضًا شهودًا للآب، وبالتالي نتحوّل من أبناء هذا الدهر الحاضر الخدّاع الى أبناء الله، إلى رسل الله، إلى قدّيسي الله، ونسلك كهؤلاء الآباء القدّيسين اللاهجين بالله، كواكب الجلد العقليّ الكلّيّة الضياء، الأبراج المنيعة... أزهار الفردوس العطرة الشذى والأفواه الذهبيّة للكلمة، وبهجة المسكونة (ذكصا أحد الآباء).

التصاقنا بالآباء وبتعاليمهم هو الضمانة لتأكيد استمراريّتنا في الإيمان النقيّ والصحيح لنبقى أحياء في الربّ، سالكين في طرقه، لاهجين طول الحياة ببرّه، عارفين ومعترفين بأنّه "هو الإله الحقيقيّ وحده، ويسوع المسيح الذي أرسله". آمين.
 

لماذا يخسر المسيحيّون في الشرق أرض قدّيسيهم

من العهد القديم نتعلّم دروسًا قاسية، لماذا كان الله يتخلّى عن شعبه الخاصّ ويُسلمهم إلى أعدائهم؛ فيتناقصون لا بل يُسبون كلّيًّا من أرضهم ليسكنها شعب غريب. السبب: أوّلًا، انتهاك الإيمان، ويعني التخليّ عن عبادة الإله الواحد، والسقوط في عبادة آلهة الأمم. ثانياً، انتهاك وصايا الشريعة الإلهيّة. وانتهاك الوصايا هو نتيجة حتميّة للإبتعاد عن الإله الحقيقيّ. حين تتغيّر العقائد التي تُحدّد حقيقة الإله الّذي نعبده، تتغيّر تلقائيًّا كلّ الوصايا المتعلّقة به.

في العهد الجديد، موضوع الإله الواحد وتعدّد الآلهة، أصبح عقائديًّا متجسّدًا في موضوع الكنيسة الواحدة وتعدّد ما يُسمّى كنائس. فالمسيح أتى إلى العالم وترك كنيسة واحدة وإيمانًا واحدًا؛ وهذا كان صراع الكنيسة إلى هذا اليوم، كيف تحفظ حقيقة الكنيسة الواحدة التي هي جسد المسيح الّذي لا يمكن أن يتجزّأ. لولا سهر الكنيسة في مجامعها المقدّسة على فرز كلّ تعليم منحرف ومخالف للإيمان الأوّل لما بقيت الكنيسة كنيسة، ولكان كلّ واحد يؤمن بمسيح من صنعه الخاصّ، فتتحوّل المسيحيّة إلى ديانة وثنيّة. المسيح موجود لأنّ الإيمان الرسوليّ الأوّل موجود ومحفوظ في هذا الإيمان الأرثوذكسيّ.

يتخلّى الله إذًا عن شعبه إذا تخلّى شعبه عنه، لأنّه يحترم الحرّيّة المقدّسة التي أعطاها للإنسان. المشكلّة الأساسيّة هي إيمانيّة وليست سياسيّة أو اقتصاديّة. يبيع المسيحيّون أرض آبائهم ويُهاجرون لأنّ حسّ الإيمان قد ضعف فيهم. يُهاجرون بسبب نقص الإيمان وعدم اتّكالهم على الله وثقتهم بعنايته، أو لأنّهم يُفكّرون في غنى هذا العالم المادّيّ وليس في الغنى الروحيّ. الكنيسة الضعيفة روحيًّا، والمستسلمة لروح هذا الدهر، تعجز كلّيًّا عن تقديم أيّ طعام روحيّ إلى شعبها. لهذا ينتشر عدم الإيمان في الشعب فيهاجر ويُقاد إلى الكثير من الخطايا والارتداد عن المسيح.

كلّ هذا الفساد والأمراض النفسيّة والتأثيرات الشيطانيّة، التي تزداد بشكل مُخيف في الشعب، عدم تحمّل مسؤوليّات الحياة، كثرة الطلاق، عدم الزواج، وإن تزوّجوا لا يُنجبون، الخوف من المستقبل، كلّ هذا سببه الرئيسيّ عدم الإيمان. الإيمان الحقيقيّ هو تسليم كامل لله في مواجهة تحدّيات الحياة. حين نتوب ونطيع وصايا الإيمان يولد فينا هذا اليقين بأنّ الله معنا وفينا، ولن يتخلّى عنّا أبدًا. التوبة ارتبطت دائمًا بالإيمان. إنّ الله يسمح بحروب واضطهادات قاسية على شعبه، لا لكي يخافوا ويهجروا أرض قدّيسيهم، لكن لكي يمتحن إيمانهم ويُذكّرهم بتوبتهم. عبر التاريخ، عانى المسيحيّون في هذا الشرق اضطهادات أقسى بما لا يُقاس من اضطهادات الزمن الحاضر، لكنّهم واجهوها ببساطة الإيمان والتوبة. لقد ثبتوا في أرضهم، لا لأنّهم كانوا غير قادرين على الهجرة، فالتحوّل إلى دين

المضطَّهِدين كان فيه إغراءات مادّيّة ومعنويّة أكثر بكثير من الهجرة المعاصرة. هذا الثبات حتمًا لم يكن بقوّتهم البشريّة، بل بقوّة خفيّة من الله، من نعمته الإلهيّة. وذلك لأنّ آباءنا الّذين أورثونا هذا الإيمان في هذا الشرق كانوا متواضعين وشكورين، لهذا قبلوا الاضطهادات على أنّها تدبير من الله كي يعرفوا إثمهم ويتوبوا. لقد كانوا بتوبة وانسحاق كبيرَين يلجؤون إلى مسيحهم وشفاعة قدّيسيهم. في بساطة إيمانهم وثباتهم فيه كانوا ينمون في التوبة ومحبّة الله، لأنّهم كانوا يُعاينون بالخبرة معونة مسيحهم وعذرائهم وسائر قدّيسيهم، وسرعة استجابة طلبتهم.

 العديد من الأساقفة والكهنة، في هذا الزمن، عوض أن يعظوا عن الإيمان والتوبة، يعظون شعبهم بكثرة ضدّ التعصّب الدينيّ. وهم عن معرفة أو عن جهل، يقتلون الإيمان في نفوس شعبهم. التمسّك العنيد بدقّة القوانين المتعلّقة بالإيمان ليس تعصّبًا، إنّما وصيّة من الله ومن مجامع الكنيسة كلّها. الأمانة للقوانين المتعلّقة بالإيمان وحدها تُغذّي إيمان الشعب، وتحفظ مسيرة الكنيسة من الضلال والانحراف. عظات الكهنة في الأخلاقيّات فقط وإهمال مواضيع الإيمان، تنشر إيمانًا سطحيًّا في الشعب. الإيمان السطحيّ بالله ليس فيه توبة البتّة، ويموت تدريجيًّا في النفوس، لأنّ لا عمق روحيّ له.

هذه التوبة نستمدّها من الإيمان لا من ذاتنا، والإيمان نستمدّ قوّته من الله لا من بشر، وقّوة الله موجودة في كنيسته حصرًا. حقًّا الروح يهبّ حيث يشاء، لكن لا لكي يدع الّذين يهبّ فيهم في الضلال والانحراف، إنّما ليقودهم إلى الحقّ وإلى الكنيسة الواحدة الحقيقيّة، التي تحمل ملء الحقّ.

الكنيسة هي المسؤولة الأولى عن كلّ ما يحصل لشعبها. طاعة الأسقف والكاهن للكنيسة وإيمانها هي التي تُعلّم الشعب الطاعة ومحبّة الكنيسة وإيمانها. توبة الأساقفة والكهنة هي التي تُعلّم شعبهم التوبة ومحبّة الله ووصاياه. المؤمنون الحقيقيّون حين يروا طاعة أسقفهم لقوانين الكنيسة وللإيمان يفرحون بأسقفهم ويطيعونه بشكر. وإن رأوا مخالفته تتزعزع ثقتهم به وبالكنيسة. الأسقف والكاهن هما أكثر من يحتاج إلى التوبة. أن يبكوا خطاياهم وخطايا شعبهم. إنّهم ليسوا كأسياد هذا الدهر، إنّما تائبون. التوبة تفتح أعين ذهنهم الداخليّة ليعرفوا مشيئة الله، وأنّ المشكلة التي يمرّ بها المسيحيّون في هذا الشرق هي في الإيمان وفي تخلّي الله عنهم، لا في الظروف القاهرة والسياسة العالميّة.

لماذا يخسر المسيحيّون وجودهم في هذا الشرق؟ أليس لأنّهم يخسرون نعمة الله. وما يُثبّت خسارة النعمة هو هذا الاستسلام للروح المسكونيّة والعصرنة. هذه الروح المسكونيّة تقتل التوبة في النفس البشريّة، لأنّها تقتل أوّلًا محبّة الإيمان الأرثوذكسيّ في هذه النفوس. في الأرثوذكسيّة، محبّة الله نستمدّها من مصدر واحد، من الكنيسة وإيمانها. محبّة الله ليست عاطفيّة، كما يُروّج لها العقلانيّون، إنّما إلهيّة، هي ثمرة انسكاب نعمة الله في النفس الأمينة لكلّ ما كشفه الله للكنيسة.

إنّ إله الأرثوذكسيّين ليس من هذا الدهر، لا يبحث عن أعداد بشريّة ليزهو أكثر في حبّ السلطة والمجد الباطل، إنّما يبحث عن شهود له ولهذه الحقيقة الأزليّة التي أسلمها لكنيسته. الله يتخلّى عنّا نحن شعبه الخاصّ، لأنّنا أصبحنا شعبًا معاندًا مستسلمًا لروح العصر، شعبًا لا يريد أن يحفظ تسليم الإيمان ويشهد للحقّ.

لا تقولوا إنّنا أصبحنا قلّة في هذا الشرق. مسيحنا لا يعمل في الكثرة أو القلّة، إنّما في الحقّ. لهذا قال: "أتيت إلى العالم لأشهد للحقّ". إنّ هجرة هذا الشعب تدلّ على تخلٍّ متبادل: الشعب يغرق في العولمة الدينيّة ولا يشهد للحقّ، والنتيجة الحتميّة تخلّي الله عنهم. حين كان شعب العهد القديم يخاف على وجوده فيعمل تحالفات مع الأمم الغريبة المحيطة به، ليضمن وجوده في أرضه، كان الله يتخلّى عنه ويُفرّقه. لكنّه حين كان يعرف خطيئته وجحوده ويتوب ويتّكل على إلهه وحده، كان الله يعيد هذا الشعب إلى أرضه ويكثّره فيها. هل سنعود في هذا الشرق إلى الإتّكال على إله إيماننا الأرثوذكسيّ وحده؟ الإيمان الأرثوذكسيّ، الوحيد الّذي لم يتغيّر ولم يتحوّل. ليكون لنا نصيبٌ في هذه التوبة، ويذكرنا الله في أرضنا ويحفظ البقيّة منّا، ويُكثّرنا فيها من جديد.

كما أنّ الخلاص الأبديّ لا يحتاج إلّا إلى إيمان أرثوذكسيّ وتوبة قلبيّة، هكذا أيضًا بقاؤنا في هذا الشرق لا يحتاج إلّا إلى هذين العنصرين، إيمان أرثوذكسيّ نقيّ وتوبة أرثوذكسيّة. ثبّتوا شعبكم في أرثوذكسيّته يا أساقفة الله وكهنته لكي يُثبّته الله في أرضه. لا تجعلوا الإيمان والخلاص ينحدر إلى مفهوم بشريّ اجتماعيّ بل دعوه إلهيًّا، إنّه من الربّ وإليه. لا تمزجوا أرثوذكسيّتنا المقدّسة مع كلّ تلك الانحرافات التي أنتجها كبرياء البشر. الأرثوذكسيّة هي الحقيقة وهي النور، إنّها نور للأمم التي تبحث عن الحقّ، دعوا هذا النور يشعّ للعالم. إنّ العالم يحتاج إلى هذا النور ليُبصر الإله الحقيقيّ، إنّه يحتاج إلى الحقيقة كسلّم أمينة للخلاص. الله هو الّذي وضعنا في هذا الشرق، مع وزنات روحيّة كثيرة، لنشهد للإله الحقيقيّ، فلا نطمرها، بل لنحوّل هذه الأرض التي نسعى إلى أن نثبت فيها من أرض ارتداد، إلى أرض مباركة للشهادة للحقّ وإيمان مسيحنا.