الأحد 2 آذار 2025

الأحد 2 آذار 2025

27 شباط 2025
الأحد 2 آذار 2025
العدد 9
أحد مرفع الجبن
اللحن الثالث، الإيوثينا الثالثة
أعياد الأسبوع
:

2: الشَّهيد إيسيخيوس، بدء الصوم الكبير، الشُّهداء أفتروبيوس وكلاونيكس وباسيليسكس، 4: البارّ جراسيموس النَّاسك في الأردن، 5: الشَّهيد قونن، البارّ مرقس النَّاسك، 6: الاثنان والأربعون شهيدًا الذين في عمُّوريّة، البارّ أركاديوس، الشُّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط، المديح الأوّل، 8: العظيم في الشُّهداء ثاوذورس التّيروني(عجيبة القمح المسلوق)، ثاوفيلكتس أسقُف نيقوميذيَّة.
 
التواضع
رسالة الصوم


الصوم الكبير المقدّس يقودنا إلى الفصح. نتذكّر من خلال هذا الصوم سَيْرَ شعب الله عبر الصحراء إلى أرض الميعاد طيلة أربعين سنةً. وفي الوقت نفسه نتذكّر صوم المسيح أربعين يومًا.

في الأحد الأوّل من التريوديّ نقرأ إنجيل الفرّيسيّ والعشّار الذي يركّز على التواضع لا على الصوم تواضع القلب  Humilité de Coeur
هذا لأنّ الصوم يساعد النفس أوّلًا على التواضع: نصوم أكثر، نصلّي أكثر، نتواضع أكثر. نتشبّه قليلًا بالفقراء والمساكين تعبيرًا عن المحبّة لهم.
التواضع يُتبّل assaisonner  حياتنا الروحيّة كلّها: كلّ عمل خيريّ لا قيمة له في أعين الله إن لم يرافَق بالتواضع.

ترى ما هو التواضع؟!
التواضع عنصر إلهيّ، تعبير عن محبّة الله الفائقة. قال المسيح "تعلّموا منّي أنا الوديع والمتواضع القلب تجدوا راحةً لنفوسكم" (متّى 11: 29). في كيان ألوهيّته "الله محبّة" الله عطاءٌ كامل لنفسه، بهذا العمق هو متواضعٌ.
يُعبّر هكذا عن طبيعته الإلهيّة بفضيلة بشريّة. ونحن بدورنا نتذوّق هذه النعمة من خلال تواضعنا البشريّ.

عندما لا نحكم على الآخرين كالفرّيسيّ، ولا نتكبّر نقترب من التواضع. إن اعتبرنا أنفسنا خطأة أمام الله نقترب أيضًا من التواضع. من هنا أهمّيّة صلاة العشّار: "اللّهمّ ارحمني أنا الخاطئ" يقول القدّيس يوحنّا السلّميّ إنّ الطاعة obeisance  أي التخلّي عن إرادتنا الخاصّة تقود إلى التواضع.

ما يساعدنا أيضًا على التواضع هو التصرّف الخارجيّ: السجود مثلًا خلال الصوم، أن لا ندين ونحكم بسرعة، أن لا ننتقد الآخرين: هناك نكهةٌ خاصّة للتواضع  saveur d’humilité. محاولة إثبات الوجود أحيانًا والصحّة في كلامنا، علامةٌ على تكبرّنا Orgueil، وحتّى الصدقة aumône. لا معنى لها من دون التواضع. لا بدّ للتواضع وللتوبة من أن يتجسّدا عمليًّا s’incarner لأنّ النفس والجسد واحدٌ لا بدّ للجسد عن طريق الصوم من أن يموتَ عن شهوته لكي يحيا بالله. لا بدّ للبزرة أن تموت لكي تثمر روحيًّا.

نصوم لا كرهًا بالجسد، لا لكي نميته (إماتة!) بل طلبًا لإحيائه من جديد هذا هو معنى النسك ascése هو مشاركة الجسد بصليب المسيح للاشتراك بنعمته بسرّ الفرح والقيامة.

+أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما                                                                                                                                                                  
 
طروباريّة القيامة باللحن الثالث

لتفرح السماويّات، ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الربَّ صنعَ عِزًّا بساعدِه، ووطِئَ الموتَ بالموتِ، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقدنا من جوفِ الجحيم، ومنح العالم الرحمةَ العُظمى.
 
قنداق أحد مرفع الجبن باللحن السادس

أيُّها الهادي إلى الحكمةِ والرازقُ الفَهْمَ والفِطنة، والمؤَدِّبُ الجهّال والعاضِدُ المساكين، شدَّدْ قلبي وامنحْني فَهْمًا أيّها السيَّد، وأعطِني كلمة يا كلمة الآب، فها إنّي لا أمنعُ شَفتيَّ من الهُتافِ إليك: يا رحيمُ ارحَمْني أنا الواقِع.
 
الرسالة:
رو 13: 11-14، 14: 1-4
رتّلوا لإلِهِنا رتّلوا                                                     
يا جميعَ الأُممِ صَفِقّوا بالأيادي


يا إخوة، إنّ خَلاصَنا الآنَ أقربُ مِمّا كان حينَ آمَنا. قد تَناهى الليلُ واقتربَ النهار، فَلْنَدَعْ عَنّا أعمالَ الظُّلمةِ ونَلْبَسْ أسلِحَةَ النور. لِنَسْلُكَنَّ سُلوكًا لائقًا كما في النهار، لا بالقصوفِ والسُّكْرٍ، ولا بالمضاجع والعهرِ، ولا بالخِصامِ والحَسَدِ. بَل البَسُوا الرَّبّ يسوعَ المسيحَ، ولا تهتمّوا لأجسادِكُم لِقَضاءِ شَهَواتِها. مَنْ كان ضعيفًا في الإيمان فاتَّخِذوهُ بغير مباحَثةٍ في الآراء. مِنَ الناس مَن يعتَقِدُ أنَّ لهُ أن يأكلَ كلَّ شيءٍ، أمّا الضَّعيف فيأكُلُ بُقولًا. فلا يَزْدَرِ الذي يأكل من لا يأكل، ولا يَدِنِ الذي لا يأكل من يأكل، فإنّ الله قدِ اتّخَذَهُ. مَنْ أنت يا من تَدينُ عبدًا أجنبيًّا؟ إنّه لمَولاهُ يَثبتُ أو يَسقُط. لكنَّه سيُثبَّتُ، لأنّ الله قادِرٌ على أن يُثبِّتهُ.
 
الإنجيل: متّى 6: 14-21

قال الربُّ: إنْ غَفَرْتُم للناسِ زَلّاتِهمْ يَغْفرْ لكم أبوكُمُ السَّماويُّ أيضًا. وإنْ لم تَغْفِروا للناسِ زلّاتِهم فأبوكُمْ لا يغفرُ لكم زلّاتِكُمْ. ومتى صُمتُمْ فلا تكونوا معبّسين كالمُرائين، فإنّهم يُنكِّرون وُجوهَهْم ليَظهَروا للناسِ صائمين. ألحقَّ أقولُ لكم إنّهم قد أخذوا أجْرَهم. أمّا أنتَ فإذا صُمتَ فادهَنْ رَأسَكَ واغْسِلْ وَجْهَكَ لئلّا تَظْهرَ للناس صائمًا، بل لأبيكَ الذي في الخِفيةَ، وأبوكَ الذي يرى في الخِفيةِ يُجازيكَ عَلانية. لا تَكنِزوا لكم كنوزًا على الأرض، حيث يُفسِدُ السّوسُ والآكِلةُ ويَنقُبُ السّارقون ويَسرِقون، لكنْ اكنِزوا لَكمْ كُنوزًا في السّماء حيث لا يُفسِد سوسٌ ولا آكِلَةٌ ولا يَنْقُب السّارقون ولا يسرِقون. لأنّه حيث تكونُ كنوزُكم هناكَ تكونُ قلوبُكم.
 
في الإنجيل

وصلنا إلى الأحد الرابع والأخير من فترة التهيئة للصوم الكبير وهو المعروف بأحد الغفران، وفيه نرفع السمك والأجبان ومشتقّاتها عن موائدنا لنبدأ غدًا رحلة الصوم الأربعينيّ ونصل إلى سبت قيامة لعازر فأحد الشعانين والأسبوع العظيم، ناشدين تسبيح الظفر والنصر والغلبة على الموت بقيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات.

علّمتنا الكنيسة أنّ التواضع (أحد الفرّيسيّ والعشار) هو رأس الفضائل جميعها فمن دونه لا يكمل جهادنا لأنّ التواضع الحقيقيّ يوصل الإنسان إلى التوبة الحقّانيّة (أحد الابن الشاطر)، إذ التوبة هي مسيرة حياة لا تنتهي إلّا بتركنا شهوات هذا العالم الخدّاع. هكذا من يعيش في هذا السرّ فهو منتظر مجيء ربّنا (أحد الدينونة) لكي يمنحنا الأكاليل أحياء وراقدين. وتعود الكنيسة بنا من هذا الأحد لتدلّنا على أمر يسهّل لنا الطريق إلى الملكوت، وهو أنّك إن غفرت لأخيك زلّاته سيغفر لك أبوك السماويّ أيضًا زلّاتك فتغدو مواطن الملكوت.

الأمر الثاني الذي يتكلّم عليه الربّ هو الصوم نفسه. فإن صمتَ ففيه منفعة لنفسك. فإن قدرت على الإمساك عن الطعام ستقدر على الإمساك عن الشهوات. الله لا يهمّه إن أكلنا أم لم نأكل. فهو لا يريدنا أن نتعذّب لكنّه يريدنا أن نتعلّم حتّى نصل إلى ملء قامة المسيح كما يقول الرسول بولس.

آدم أبونا مات قديمًا بسبب الأكل، ونحن بصومنا عن المآكل إنّما نعود إلى فردوسنا الذي فقدناه، وإلّا فما الداعي لانقطاعنا عن الطعام. إذًا الصوم هو ليس صوم الجسد فقط، بل هو يتعدّاه إلى صوم النفس عن الخطيئة التي تدنّس الروح والجسد معًا. وهذا واضح في الأمر الثالث الذي ينهانا عنه الربّ وهو أن نكنز لأرواحنا بقلوبنا كنوزًا لا يفنيها السوس. فلنأت إلى ربّنا في كلّ أحد لكي يعطينا الزاد الأبديّ أي جسده ودمه الكريمين فترتاح قلوبنا فيه، وتثبت فيه لأنّه يقول من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه.

ويقول الرسول بولس في الرسالة "لا تهتمّوا لأجسادكم لقضاء شهواتها بل البسوا الربّ يسوع المسيح". وكلّنا في المعموديّة لبسنا الربّ يسوع "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم"، فيجب علينا أن نحافظ على هذا اللباس الذي منحنا إيّاه ربّنا عطيّة مجانيّة لكي لا يقدر إبليس وأعوانه على الانتصار علينا من جديد.

والمحافظة على هذا اللباس تتطلّب منّا أن نقتني أسلحة النور، وتتطلّب أيضًا الصوم والصلاة والتدريب على مكافحة الشهوات الرديئة من نفوسنا وكلّ ما يقرّبنا إلى الله آمين.
 
لماذا نصوم؟

غدًا ندخل صومنا الكبير، إنّه بركة لأحبّاء الله، لأنّه المعين الأوّل في حربنا ضدّ الأهواء والخطايا كلّها التي تفصلنا عن ربّنا يسوع المسيح. الصوم، بالانقطاع عن الطعام، مارسه المسيحيّون منذ بداية الكنيسة، فمسيحنا نفسه صام وعلى مثاله صام الرسل والتلاميذ الأوّلون. وفي كلّ العهد الجديد تتردّد الوصيّة بالصوم لنصير قادرين أن نحبّ الله، ونقوى على تجارب الشياطين.

الصوم ماذا يعني؟ إنّه رفضٌ لملذّات هذا العالم، زهد بالمادّة وغلبة الروح فينا على الجسديّات. هدفه ضبط شهوة البطن ومن خلالها ضبط الشهوات الأخرى كلّها. لا بدّ للمسيحيّ من مقاومة الرفاهيّة والكماليّات التي يُروّج لها روح العالم بكثافة، ويجعلها من أساسيّات الحياة. الترويج المكثّف لهذه الأشياء تقتل في الإنسان روح البساطة والتقشّف، وتجعله ضعيف الإرادة مستسلمًا لكلّ ما يُعرض عليه من الأشياء الفاسدة ويُستعبد لها.

كثيرون يتساءلون، أيحتاج الله إلى هذه الأصوام كلّها، وإلى تعذيب الجسد؟
الصوم ليس تعذيبًا للجسد، إنّما هدفه رَوْحَنة الجسد، حين ينتصر على كثافة الأهواء التي فيه. ليس الله من يحتاج إلى أصوامنا إنما نحن. كلّ هذا لتتغيّر طبيعتنا وتصير نقيّة، محبّة لله وللصلاح. الله هو القدّوس الكامل الّذي لا يحتاج لا إلى ألم البشر ولا إلى صلاحهم، إنّما يريد هذا كلّه لأنّه يريدنا أبناءً أحرارًا، نجاهد ضدّ أهوائنا ونصير قادرين أن نُحبّه بملء كياننا ونعبر إلى ملكوته.

حالتنا الطبيعيّة الّتي خُلقنا عليها كانت تتّجه تلقائيًّا نحو الله، أصبحت تتّجه نحو الأرضيّات. لقد سقط الإنسان من اشتهاء السماويّات الأبديّة إلى اشتهاء الأرضيّات الزائلة. وممّا لا شكّ فيه أنّ سيطرة شهوة البطن والانغماس في الأرضيّات مرتبطان ببعضهما البعض. هذا يظهر بوضوح في كلام بولس الرسول عن الّذين، "إلههم هو بطنهم"، بقوله عنهم، إنّهم أولئك "الّذين يفتكرون في الأرضيّات". لكنّ بولس يُكمل محدّدًا ما ينبغي أن تكون عليه سيرة المسيحيّ الحقيقيّة: "إنّ سيرتنا نحن هي في السماوات" (فيل19:3-20).

بالتالي، هدف الصوم تحويل هذه المسيرة إلى اتّجاهها الصحيح، وهو تحويل الذهن من العالم إلى الله. هذا كان معنى الصوم عند المسيحيّين القدماء، أن يوجّه عين النفس ويُثبّتها على الخيرات الأبديّة. صوم الجسد يُشدّد ويُنير الذهن. يقول القدّيس إسحق السريانيّ، "في بطن امتلأ من الأطعمة لن يوجد مكان لمعرفة أسرار الله".

لهذا فالأرثوذكسيّ الحقيقيّ لا يمكن أن يتخلّى عن الصوم لأنّه بهذا يتخلّى عن القداسة.
لكنّ قومًا من العقلانيّين لا يرون في الصوم منفعة. إنّما يركّزون على الأعمال الحسنة. لماذا يصوم الإنسان، إنّنا سندان على أعمالنا، كما يقولون، وليس على أصوامنا. وكما يقول المسيح سيأتي "ليجازي كلّ واحد حسب أعماله" (رو6:2). بالطبع يتكلّم الرسول على أعمال الإيمان، الإيمان الحقيقيّ والمستقيم بالربّ يسوع المسيح. حتّى في العهد القديم كان الربّ يطلب مثل هذا الإيمان المستقيم، كشرط لتطبيق الشريعة والخلاص.

الأعمال تحتاج إلى نسك وإنكار محبّة الذات حتّى تصير أعمالًا صالحة، أعمالًا لا تحرّكها أهواء الإنسان. هناك أعمال صالحة تصدر عن نفس تنقّت بالأصوام فأتت أعمالها لمجد الله، وأعمال تصدر من أهواء الإنسان، تُعمل بأنانيّة للمجد الباطل. لهذا، في الأرثوذكسيّة، الأصوام والجهادات النسكيّة الأخرى كلّها، اعتُبرت مسيرةَ إنكارٍ لمحبّة العالم ومحبّة الذات. هذه الجهادات هي التي تجعل أعمالنا صالحة، ولها أجر لدى الله، وفي الوقت ذاته تقوّي إيماننا بالله وتثبّته. من دون جهادات روحيّة وأصوام يفتر الإيمان حتمًا ويتحوّل إلى إيمان نظريّ مجرّد لا حياة فيه.

القدّيس غريغوريوس بالاماس، في كلامه عن الصوم، يعتبر أنّ جهد الجسد ينعكس حياة في النفس. الجسد عمله هو خدمة النفس. كلّما ضعفت أهواء الجسد كلّما هدأت الأفكار في النفس، وصار مستطاعًا السيطرة عليها. يقول الذهبيّ الفم في تعليقه على آية بولس الرسول: "إن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدّد" (2كور16:4)، إنّ الصوم من جهة يربط شهوات الجسد غير اللائقة، وأمّا من جهة النفس فيحييها ويجعلها أكثر نقاوة وأكثر توقّدًا وخفّة. لهذا فاهتمام الإنسان ينبغي أن ينصبّ على النفس لأنّها هي خالدة على صورة الله والجسد يُعطى ما هو ضروريّ له. بالنسبة إلى القدّيس باسيليوس، الاهتمام الزائد بالجسد يجعله عدوًّا للنفس.

في زمن العولمة الّذي يُسيطر على كلّ أصعدة الحياة المختلفة، تبرد حرارة الصوم في نفوس المسيحيّين، بخاصّة المستسلمين لروح العصرنة، روح تبنّي أفكار العصر التي تنتشر في كنيسة المسيح نفسها. مَن لا يصوم، من دون سبب صحيّ، مُقتنعًا فقط بمبادئه العقلانيّة، هو حتمًا لا يُصلّي، ولا يمكن أن يعرف معنى الصلاة أو محبّة الله. التوبة تحتاج إلى نفس متواضعة، تُطيع الإيمان والكنيسة. لهذا تسيطر الأهواء وتتكاثر الخطيئة في المجتمع ويزداد روح الارتداد في الكنيسة ذاتها، لتتحقّق نبوءة الكتاب، أنّه في الأيّام الأخيرة سيكون الناس "لَهُم صورة التّقوى، ولكنّهم مُنكِرون قُوّتها" (2تيم5:3).

لهذا، على الكنيسة أن تشدّد رعاياها على ممارسة الأصوام والصلوات الكاملة والاعتراف، لأنّها عودة إلى الذات والتوبة. فالتوبة الحقيقيّة تحتاج حتمًا إلى الصوم والصلاة والاعتراف أمام كاهن وأب روحيّ. إنّ هذه الممارسات تُظهر جدّيّة المؤمن في التزامه المسيحيّ. لقد كان الصوم في العهد القديم يُلازم التوبة، ويوجد فيه تكفيرٌ عن الخطايا الكبيرة التي يسقط فيها الإنسان. الملك داود كفّر عن سقوطه في الزنى بالصوم (2صم12). ونجد هذا الصوم في توبة شعب نينوى كلّه ، وفي توبة إسرائيل: "فاجتمع إسرائيل كلّه إلى المصفاة، واستقوا ماءً وسكبوه أمام الرّبّ، وصاموا في ذلك اليوم وقالوا هناك: "قد أخطأنا إلى الرّبّ" (1صم6:7).

إنّ الصوم ضرورة لكي يعي الإنسان أنّه، إلى جانب الخبز الماديّ يحتاج إلى نعمة الله ورحمته. لهذا أيضًا يقول المسيح: "طعامي أن أعمل مشيئة أبي...". إنّ حاجتنا إلى الصوم هي جوهريّة أكثر من حاجتنا إلى الطعام المادّيّ. فالصوم هو الّذي يُحقّق وصيّة المسيح أن "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان". لقد فهم آباؤنا القدّيسون أنّ الصوم هو جزء لا يتجزّأ من خبزنا الجوهريّ.

لهذا نصوم أيضًا قبل المشاركة في الأسرار، الصوم يُهيّئنا للحياة الليتورجيّة، وبخاصّة للمناولة الإلهيّة. يوصي آباؤنا القدّيسون بالصوم من عشيّة السبت، أو عشيّة أيّ يوم قبل أن نشارك في الليتورجيا وتناول أسرارها. لأنّ نومنا يتأثّر كثيراً بنوعيّة الطعام الّذي نأكله. الصوم يُعطي النفس والجسد هدوءًا للأفكار وللنوم. حتّى في سرّ الزواج، يصوم العريسان قدر ما استطاعوا قبل العرس، لكي يبدأ زواجهم بالطهارة وتفعل فيهم النعمة الإلهيّة المعطاة في هذا السرّ.
يتكثّف في صلوات التريودي هذا الحثّ على الصوم والجهاد الروحيّ، كاشتراك في صليب المسيح، على رجاء القيامة. الصوم يُهيّئ أجسادنا للقيامة العامّة.
 
أخبارنا

دار المطرانيّة: إصدار جديد لكتاب صلاة النوم والمديح

صدرت عن دار الكلمة في المطرانيّة الطبعة الثامنة من كتاب "صلاة النوم الكبرى ومديح السيّدة" يحتوي الكتاب على نصّ الخدمة كاملًا مع النصّ الموسيقيّ، مجلدًا تجليدًا فنيًّا يقع في 175 صفحة من القطع الوسط.
يطلب من دار المطرانيّة: 373807/ 70