الأحد 3 تشرين الثاني 2024
31 تشرين الأول 2024
الأحد 3 تشرين الثاني 2024
العدد 44
الأحد (19) بعد العنصرة
اللحن الثاني، الإيوثينا الثامنة
أعياد الأسبوع:
3: الشّهيد أكبسيماس ورفقته، تجديد هيكل القدّيس جاورجيوس في اللد، 4: إيوانيكيوس الكبير، الشّهيدين نيكاندرس أسقُف ميرا وأرميوس الكاهن، 5: الشّهيدين غالكيتون وزوجته ابيستيمي، أرماس ورفقته، 6: بولس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيّة، 7: الشّهداء الـ 33 المستشهدين في ملطيّة، لعازر العجائبيّ، 8: عيد جامع لرئيسيَ الملائكة ميخائيل وغفرئيل، الشَّهيدين أونيسيفورس وبورفريوس، البارّة مطرونة، 9: القدّيس نكتاريوس أسقُف المدن الخمس، يوحنّا القصير، البارّة ثاوكتيستي.
الخطيئة جنونٌ
الخطيئة تحرّك في الإنسان الشهوة الضارّة "الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غلا 5: 24).
هناك صلة بين الروح الشرّير والشهوة والخطيئة. لقد صوّر سفر التكوين كيف أنّ الشيطان جرّب آدم وحوّاء بالأكل من العود.
الإنسان حرٌّ في تكوينه. قوّةٌ شيطانيّة خارجة عنه تحرّكه إلى الخطيئة.
يستطيع الإنسان بإيمانه وحرّيّة قراره أن يرفض وساوس الشيطان ويبعدها عنه بقوّة يسوع المسيح الذي قهر الشيطان بصليبه، وبموته وبقيامته.
الإنسان الخاضع للشرّير ولشهواته يكون عاريًا من نعمة الله.
الإنسان خارج الله، خارج نعمة الله أضحى مجنونًا.
الخطيئة تُفقد الإنسان حرّيّته. يسكر في خطيئته وأهوائه الشنيعة. شُفي المجنون مرّةً فصار صحيحَ العقل.
صحيحُ العقل فعْلًا هو المتّزن في روحه والحرّ من الأهواء والشهوات.
الجنون، المرض والشيطان عائلةٌ واحدة.
الخوف والمرض النفسيّ، والشيطان نفسه كلّ ذلك ينقرض بنعمة المسيح وقوّته.
"الإنسان الذي خرجت منه الشياطين أضحى لابسًا وعاقلًا جالسًا عند قدمي يسوع" (لوقا 8: 35).
الله محبّة خالصة Dieu est amour infini
علينا أن نتصرّف بحسب إرادته ووصاياه. يسمح الله للشيطان أحيانًا أن يفعلَ في العالم، وذلك في النهاية من أجل خلاصنا.
الخطيئة ما هي إلّا قوّة شيطانيّة تفعل بإرادتنا عندما نسمح لها من جرّاء كبريائنا.
الروح الشرّير الشيطانيّ يمكن له أن يشمل الإنسان.
الخطيئة جنونٌ. المجنون فيه روحٌ شرّير.
يسوع وحده يستطيع أن يشفيه بقوّة روحه الإلهية. هناك حرب متواصلة بين روح الله وروح الشرّ.
+ افرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريّة القيامة باللحن الثاني
عندما انحدرت إلى الموت، أيّها الحياة الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيم ببرق لاهوتك، وعندما أقمت الأموات من تحت الثرى، صرخ نحوك جميع القوّات السماويّين: أيّها المسيح الإله معطي الحياة المجد لك.
القنداق باللحن الثاني
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطة لدى الخالِق غيْرَ المرْدودِة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصارخينَ إليكِ بإيمانٍ: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطلبَة، يا والدةَ الإلهِ، المتَشَفّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرسالة: 2 كو 11: 31-33، 12: 1- 9
يا إخوةُ، قد عَلِم الله أبو رِبّنا يسوع المسيحِ المبارَكُ إلى الأبدِ أنّي لا أكذب. كانَ بدِمشقَ الحاكِمُ تحتَ إمرةِ الملكِ الحارثِ يحرس مدينةَ الدمشقيّينَ ليَقبِضَ عليَّ. فدُلّيتُ من كُوَّةٍ في زنبيلِ من السور ونَجَوْتُ من يَدَيهِ. إنَّهُ لا يُوافقُني أن أفتَخِرَ فآتي إلى رُؤى الربِّ وإعلاناتِه. إنّي أعرِفُ إنسانًا في المسيحِ منذُ أربَعَ عَشَرَةَ سنةً (أفي الجَسدِ لستُ أعلم أم خارجَ الجَسَدِ لستُ أعلم. اللهُ يعلم). اختُطِف إلى السماءِ الثالثَة وأعرِفُ أنَّ هذا الإنسانَ (أفي الجَسَد أم خارِجَ الجَسَدِ لست أعلم. الله يعلم). اختُطفَ إلى الفِردَوسِ وسَمِعَ كلماتٍ سِرّيَّةً لا يَحِلُّ لإنسانٍ أن يَنطِقَ بها. فَمِن جِهَةِ هذا افتَخِر وأمَّا من جِهَةِ نَفسي فلا افتخِرُ إلّا بأوهاني. فإنّي لو أردتُ الافتِخار لم أكُن جاهلًا لأنّي أقولُ الحقَّ، لكنّي أتحاشى لئلّا يَظُنَّ بي أحدٌ فوقَ ما يراني عليه أو يسمَعُهُ منّي. ولئلّا أستكبِرَ بفَرطِ الإعلاناتِ أُعطِيتُ شوكَةً في الجَسَدِ، مَلاكَ الشيطانِ ليلطِمَني لئلّا أستَكبر، ولهذا طَلَبتُ إلى الربِّ ثلاثَ مرَّاتٍ أن تفارقَني فقالَ لي تَكفيك نِعمتي لأنَّ قوَّتي في الضَّعف تُكْمَل، فَبِكلّ سرورٍ أفتَخرُ بالحريّ بأوهاني لتستَقِرَّ فيَّ قوَّةُ المسيح.
الإنجيل: لو 16: 19-31
قال الربّ: كان إنسان غنيٌّ يلبس الأرجوان والبزَّ ويتنعَّم كلَّ يومٍ تنعُّمًا فاخرًا. وكان مسكينٌ اسمه لعازر مطروحًا عند بابه مصابًا بالقروح، وكان يشتهي أن يشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة الغنيّ، فكانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. ثمّ مات المسكين فنقلته الملائكة إلى حضن إبراهيم. ومات الغنيّ أيضًا فدُفِن. فرفع عينيه في الجحيم، وهو في العذاب، فرأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى قائلًا: يا أبت إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليغمِّس طرف إصبعه في الماء ويبرِّد لساني لأنّي معذَّب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم: تذكَّر يا ابني أنّك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بلاياه. والآن فهو يتعزّى وأنت تتعذَّب. وعلاوة على هذا كلِّه فبيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت، حتّى إنَّ الذين يريدون أن يجتازوا من هنا إليكم لا يستطيعون ولا الذين هناك أن يعبروا إلينا. فقال: أسألك إذن يا أبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، فإنَّ لي خمسة إخوة حتّى يشهد لهم لي فلا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا. فقال له إبراهيم: إنَّ عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم. قال: لا يا أبتِ إبراهيم، بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له: إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء فإنَّهم ولا إن قام واحد من الأموات يصدّقونه.
في الإنجيل
في مثل الغنيّ ولعازر من إنجيل (لوقا 16: 19-31) يكشف لنا الربّ يسوع حقيقة الأبديّة والعواقب النهائيّة لأفعالنا الأرضيّة.
يصوّر لنا المثل رجلًا غنيًّا عاش في ترف ورفاهية، بينما كان لعازر الفقير ملقًى عند بابه، يعاني من الجروح والجوع. بالرغم من احتياج لعازر الشديد، لم يظهر الغنيّ أيّ شفقة أو رحمة نحوه، بل استمرّ في حياته المليئة بالترف.
لكنّ المسيح يأخذنا في المثل إلى ما بعد هذه الحياة، حيث نجد تغييرًا جذريًّا في المصير. لعازر الذي كان مهمَّشًا على الأرض يدخل راحة الأبرار في أحضان إبراهيم، بينما يعاني الغنيّ في عذابات الجحيم، هذا التحوّل في المصير يسلّط الضوء على عدالة الله في الأبديّة، ويكشف لنا أنّ الله لا ينظر إلى المظاهر الخارجيّة، بل إلى قلوبنا وأعمالنا.
المسيح لا يعلّمنا من خلال هذا أنّ الغنى بحدّ ذاته خطيئة بل يحذّرنا من خطر التعلّق بالمال وإهمال حاجات الآخرين.
إنّ أفعالنا الأرضيّة لها انعكاسات أبديّة، ومن لا يُظهر رحمة ومحبّة هنا، لن ينالها في الحياة الأبديّة.
كما أنّ هذا المثل يحذّرنا من عدم الاستجابة لتحذيرات الله، حيث يرفض الطلب المتأخّر الذي طلبه الغنيّ في الجحيم بإرسال لعازر لتحذير إخوته.
لذلك، يجب أن نعيش حياتنا بوعي لحقيقة الأبديّة، وأن نتذكّر أنّ حياتنا الأرضيّة هي فرصة لاختيار المحبّة والرحمة، لأنّ ما نفعله اليوم له تأثير مباشر على مصيرنا الأبديّ.
فلنكن أمناء في حياتنا مدركين أنّ العدل الإلهيّ سينصف كلّ إنسان في النهاية.
الشفاءُ النابعُ من الاهتمام والمحبّة
تواصلتُ منذ مدّةٍ قريبة مع صديقٍ لي يعيش في أحد بلاد المهجر الأكثر تقدُّمًا، لأستفقده كونه يعاني من الاكتئاب الشديد، فأخبرني عن رحلة علاجه في إحدى المستشفيات المتخصّصة بالأمراض النفسيّة، وأنّه خضع لجلسات كهربائيّة للدماغ، إضافةً إلى إعطائه مجموعة كبيرة من الأدوية.
ولـمَّا سألته عن مدى تحسُّنه، أبدى استياءً، وقال لي وفي صوته غصَّة: "إنَّ الأطبّاء، ورغم إخلاصهم المهنيّ، إلّا أنَّهم في كلّ مرّة، يجلسون معي بضع دقائق، ويعيدون عليَّ العبارات نفسها (الأمر يحتاج إلى وقت، وأنت تحتاج إلى الصبر، وعليك أن تعمل كذا وكذا...)، وتنتهي الجلسة!"، ثمَّ انتهت المكالمة وفي عينه دمعة لم أرَها! وسمعتُ في الصمت الذي سادَ، ما لم تقُله الكلمات!
عندها فكَّرتُ في نفسي، إنَّ هذا الإنسان وأمثاله، يذهبون إلى الأطبّاء لينالوا الشفاء، وهذا أمرٌ جيّد وضروريّ، لأنّ الدواء يساعد المريض على تجاوز معاناته، ولكن يبدو أنَّ هذا وحده لا يكفي!
وتساءلتُ: ماذا يحتاج أمثال هذا الصديق؟! في الحقيقة هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى الشعور بالاهتمام ودفء المحبّة، إنّهم يحتاجون إلى متابعةٍ يوميّةٍ دقيقة، وإلى من يرافقهم ويسمعهم ويصغي إليهم، إلى من يشعر بألمهم النفسيّ والجسديّ، وإلى من يتألَّم معهم، وبذلكَ يُكمِلُ عملَ الأطبّاء.
نحن بشكل عامّ مأخوذون بزحمة الحياة وانشغالاتها، ونظنّ أنّه علينا القيام بأمورٍ عظيمة، ولا ننتبه إلى أنَّ العظمة تستتر في البساطة، بساطة الحياة وبساطة الأشياء، وأنَّ هناك أمورًا بسيطة يمكننا أن نعملها لمن حولنا، أو أشياء صغيرة نقدِّمها إليهم، ولكن لها أكبر الأثر في نفوسهم.
إنَّ من يعاني نفسيًّا أو يمرُّ بمحنة، يحتاج إلى أن نصطحبه في مشوار، أو نتناول معه وجبة طعام، أو نشرب معه فنجان قهوة، أو...
هذا الاهتمام نتعلَّمه من الربّ يسوع الذي كان "يجول المدن والقرى ليشفي الجموع" (متّى9: 35)، إذ كان يتحنَّن عليهم ويتفهَّم أوضاعهم، ويشعر بمعاناتهم "فلمَّا خرج يسوع أبصر جمعًا كثيرًا فتحنَّنَ عليهم وشفى مرضاهم" (متّى 14: 14). كان يأكل معهم ويكسر لهم الخبز (متّى14: 19)، وكان يتمشّى مع تلاميذه في لحظات الضعف والحزن، كما فعل مع تلميذي عمواس (لو24: 13-35)، ومرَّات كثيرة كان يرافقهم أثناء الصيد ويأكل معهم السمك. كذلك جلس مع السامريّة التي أتت وحيدة إلى البئر وحاورها، وأعطاها من وقته، فملكَ قلبها وانتزعها من عزلتها، وحرَّرها من مرض شهواتها السابقة التي كانت تتخبَّط فيها سنين طويلة، فتركت جرّتها وتركت معها حياتها القديمة، وعند هذا الحدِّ تمَّ شفاؤها (يو4: 1-30).
هذا الاهتمام النابع من المحبّة والمقترن بالنُصح والتوجيه، والمسكوب يومًا فيومًا على نفس المريض أو الحزين أو الخاطئ، هو الذي يغيِّرُ النفس ويساهم في الشفاء بنعمة الربّ.
هذا الاهتمام هو الترجمة العمليّة لكلمات بولس الرسول "احملوا بعضكم أثقالَ بعضٍ" (غلا6: 2)، وهو غاية الرعاية، إنّهُ سرٌّ عظيمٌ نغفل عنه في معظم الأحيان، رغم أنَّ الآباء القدّيسين اكتشفوه منذ ألفي سنة، لما أعلنوا أنَّ الكنيسة هي مستشفى حقيقيّ للإنسان، تشفيه من أمراضه الجسديّة والنفسيّة، ومن أمراضه الروحيّة أي الأهواء (الأنانيّة والكبرياء والشهوات ومحبّة المال وسائر الأهواء...)، تلك التي يعجز عن شفائها الطبُّ والدواء.
رجائي ألّا نُهملَ نفسًا بشريّة متألّمة، وأن نختبر جميعًا في الكنيسة هذا الشفاء، لأنَّنا كلّنا محتاجون إلى شيء من المحبّة والاهتمام.
لِمَن نُعيّد اليوم؟
في الثالث من تشرين الثاني، نقيمُ تذكارَ القدّيسينَ الشُّهداء "أكبسيماس" و"يوسف" و"أيثالا".
هؤلاء استشهدوا حوالي سنة 340 للميلاد في عهد الملك الفارسيّ شابور الثاني.
أُلقي القبض على "أكبسيماس"، وكانَ أسقُفًا متقدّمًا في السنّ، وأخذ إلى مدينة "أربيل" حيث اعترف أمامَ المجوس ولم يُنكر أنّه يكرزُ بالإله الواحد، ويدعو الناسَ إلى التوبة وعبادة الخالق لا المخلوق، فأشبعوه لطمًا وجلدًا، وألقوه في سجن مُظلم.
وألقي القبضُ أيضًا على كاهن اسمُه "يوسف" وشمّاس اسمه "أيثالا"، وأخذا أيضًا إلى أربيل ومثلا أمامَ شيوخ المجوس. هدَّد الحاكمُ الكاهنَ بالموت بتهمة إفساد الناس بالسحر الذي كان يمارسه، وكان يقصد بالسحر الأسرار المقدّسة.
فأجاب يوسف: "نحنُ لا نمارسُ السحر بل نُعلِّمُ الناسَ الحقيقة لكي ينبذوا الصورَ التي لا حياة فيها ويعرفوا الإله الحيَّ الحقيقيَّ وحده".
وبعدَ أخذ وردّ، أوعزَ الحاكمُ إلى رجاله بمعاقبة يوسف، فاشبعوه ضربًا بقضبان الكرمة الشائكة، حتّى جرّحوا جسمَه كلّه، وألقوه في السجن المظلم مع أكِبسيماس.
أما أيثالا فأمرَ بعبادة الشمس وشرب الدم، واتّخاذ امرأة لنفسه، والانصياع لأوامر الملك، تحت طائلة التعذيب والموت.
فأبى وقال: "خيرٌ لي أن أموت لأحيا، من أن أحيا لأموت إلى الأبد". فجلدُوه وحطموا يديه ورجليه، وألقوه في السجن المُظلم مع أكبسيماس ويوسف.
بقي الثلاثة في السجن ثلاثة أشهر، حتّى غيّر الحرمان والبرد والرطوبة والمعاناة هيئتهم. ثمّ حاول المجوس تطويعهم باستجوابات إضافيّة ولكن دون جدوى فكان أن سقط أكبسيماس صريعًا تحت الضرب ورُجِمَ يوسف وأيثالاً حتّى الموت.