الأحد 17 تشرين الثاني 2024
13 تشرين الثاني 2024
الأحد 17 تشرين الثاني 2024
العدد 46
الأحد (21) بعد العنصرة
اللحن الرابع، الإيوثينا العاشرة
أعياد الأسبوع:
17: غريغوريوس العجائبيّ أسقُف قيصريّة الجديدة، 18: الشَّهيدين بلاطن ورومانس، 19: النبيّ عوبديّا، الشَّهيد برلعام، 20: تقدمة عيد الدّخول، غريغوريوس البانياسيّ، بروكلس بطريرك القسطنطينيَّة، 21: عيد دخول سيّدتنا والدة الإله إلى الهيكل، 22: الرسول فيليمن ورفقته، الشّهيدة كيكيليّا ومَن معها، 23: أمفيلوخيوس أسقُف إيقونيَّة، غريغوريوس أسقُف أكراعندينون.
إرشادات رعائيّة
إنسان مريض نفسانيًّا الدواء له لا يكفي. يعاني الكثير، يحتاج حقًّا إلى دفء ومحبّة، يحتاج إلى من يُصغي إليه إلى من يشاركه ألمه.
لا تكفي معالجةُ الجسد ولا أيضًا معالجةُ النفس بل علينا أن نعالجَ الروح، هذا لأنّ الإنسان هو جسدٌ، نفسٌ وروح.
كلّ ذلك عن طريق رعايتنا له بروح المحبّة: النفس والروح والحنان ملتصقون بعضهم ببعض.
"خرج يسوع وأبصر جمعًا كثيرًا "فتحنّن عليهم وشفى مرضاهم"(متّى 14: 14).
هذا كلّه دورُ الكهنة الرعاة في الكنيسة وفي رعاياهم.
الإكتئاب مثلًا اليوم مستشرٍ في العالم. الدواء الشافي كامنٌ في التنمية الروحيّة، في التعرّف إلى محبّة يسوع وإلى كلمة إنجيله. قال الربّ مرّةً لبطرس: "أتحبّني يا بطرس؟ ارعَ خرافي" (يوحنّا 21: 15).
المساعدات المقدّمة إلى المحتاجين في الرعيّة يجب أن تكون مترافقة دومًا مع الإصغاء والاستماع إلى مشاكل الناس المادّيّة، والصحيّة، والنفسيّة والروحيّة.
هذا كلّه بالتعاون مع الكهنة وأعضاء مجلس الرعيّة.
وكذلك بالتعاون مع مختصّين في علم النفس وحتّى مع آباء روحييّن.
زيارةٌ واحدة لا تكفي بل علينا متابعة الأفراد شخصيًّا في بيوتهم، أو على الأقلّ عن طريق الهاتف، والسهر على تطبيق الاقتراحات الإرشاديّة والتيقّن من فاعليّة تطبيقها.
لا بدّ من وجود مركز مختصّ بالرعاية الكنسيّة في كلّ أبرشية. "كان يسوع يطوف المدن كلّها والقرى يعلّم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت ويَشفي كلّ مرض وكلّ ضعف في الشعب"( متّى 9: 35).
هذا المركز يكون تحت رعاية الأسقُف وإرشاده وعليه أن يضمّ أخصّاءَ نفسانيّين، جسديّين وروحيّين، وعليه أن يكون على صلة وثيقة ودائمة مع كهنة الأبرشيّة ومجالس رعاياها.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريّة القيامة باللحن الرابع
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تَعَلَّمْنَ من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهج، وطرحْنَ القضاءَ الجدِّيَّ، وخاطبْنَ الرُّسُلَ مفتخراتٍ وقائلات: سُبيَ الموتُ وقام المسيحُ الإله، ومنح العالم الرحمة العظمى.
قنداق دخول السيّدة إلى الهيكل باللحن الرابع
إنّ الهيكل الكلّيّ النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لمجْدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوح الإلهيّ. فَلْتُسَبِّحْها ملائكة الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماويّة.
الرسالة: غلا 2: 16-20
ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ كُلَّها بحكمةٍ صَنَعتَ
باركي يا نفسي الربَّ
يا إخوةُ، إذ نعلَمُ أنَّ الإنسانَ لا يُبرَّرُ بأعمالِ الناموسِ بل إنَّما بالإيمانِ بيسوعَ المسيح، آمنَّا نحنُ أيضًا بيسوعَ المسيحِ لكي نُبرَّرَ بالإيمانِ بالمسيح لا بأعمالِ الناموسِ، إذ لا يُبرَّرُ بأعمالِ الناموس أحدٌ من ذوي الجَسَد. فإن كنَّا ونحنُ طالِبونَ التبريرَ بالمسيحِ وُجِدنا نحنُ أيضًا خطأةً أفيكونُ المسيحُ إذنْ خادِمًا للخطيئة؟ حاشا. فإنّي إن عدتُ أبني ما قد هَدَمتُ أجعَلُ نفسي متعدّيًا، لأنّي بالناموسِ مُتُّ للناموس لكي أحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيحُ يحيا فيَّ. وما لي من الحياةِ في الجسدِ أنا أحياهُ في إيمانِ ابنِ الله الذي أحبَّني وبذلَ نفسَهُ عنّي.
الإنجيل: لو: 12: 16-21
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ غَنيٌّ أخصبَتْ أرضُهُ فَفكَّر في نفسهِ قائلاً: ماذا أصنْع؟ فإنَّه ليْسَ لي موضِعٌ أخْزنُ فيه أثماري. ثمَّ قال: أصنعُ هذا، أهْدِمُ أهرائي وأبْني أكبَرَ مِنها وأجْمَعُ هناكَ كلَّ غلّاتي وخيْراتي. وأقولُ لنِفسي: يا نَفسُ إنَّ لكِ خيراتٍ كثيرةً موضوعةً لسنينَ كثيرةٍ، فاستْريحي وكُلي واشْربي وافرحي. فقال له الله: يا جاهِلُ في هذه الليلةِ تُطلَبُ نَفْسُكَ منْكَ، فهذه التي أعدَدتها لِمَنْ تَكون؟ فهكذا مَنْ يدَّخِر لِنفسِهِ ولا يستغني باللهِ. ولمَّا قالَ هذا نادى: َمنْ لَهُ اُذنُانِ للسمْع فَلْيَسْمَع.
في الإنجيل
نقرأ في إنجيل اليوم مثل الربّ يسوع عن الغنيّ الجاهل. يروي يسوع قصّة رجل غنيّ كانت أرضه قد أثمرت كثيرًا، ففكّر في نفسه قائلًا: "ماذا أفعل، لأنّه ليس لي موضع أجمع فيه أثماري؟". ثمّ قرّر أن يهدم مخازنه ويبني أكبر منها ويجمع فيها جميع غلاته وخيراته. بعدها قال لنفسه: "يا نفس، لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي". لكنَّ الله قال له: "يا غبيّ، في هذه الليلة تُطلب نفسُك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون؟".
يحذّر الله من الافتتان بالغنى المادّيّ موضحًا خطورة التركيز على الثروات الدنيويّة والاهتمام فقط بالاحتياجات المادّيّة دون التطلّع إلى ما هو جوهريّ.
الرجل الغنيّ كان يهتمّ بجمع الثروات لأجل نفسه دون التفكير في الآخرين أو في أيّامه الأخيرة. الله يبغض الجشع والأنانية.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ التخطيط لمستقبل غير مضمون هو وهم يفتك بخيال الإنسان. الرجل الغنيّ وضع خططًا لحياته المستقبليّة دون أن يأخذ في الاعتبار أنَّ حياته ليست بِيدِه، وأنَّها قد تنتهي في أيَّة لحظة.
يجب أن نعيش حياتنا بحكمة وأن ندرك أنَّ الأمور المادّيّة ليست الضمان الحقيقيّ لحياتنا.
إذا ما فحصنا حياتنا وقيَمنا، فهل نتصور أنَّ أوّل كلمات الله لنا ستكون مدح حياتنا وتفكيرنا، أم أنّنا سنوبَّخ على حماقتنا، لأنّنا نبني حياتنا على أفكار سطحيّة، وأهداف تتحوّل إلى شرّ يختفي في ثانية عندما نستيقظ على الواقع؟
حماقة الرجل لم تكن في أنَّه أصبح غنيًّا، بل في أنَّه لم يصبح غنيًّا تجاه الله.
إنَّ الثروة والرخاء يمكن أن يكونا نعمة من الربّ، ولكنهما يُمنحان لنا من أجل أن نحقّق إرادته، وليس لإنفاقهما بأنانيّة على أنفسنا ما يتحوّل أيضًا إلى حماقة.
ليس من غنًى حقيقيّ كالغنى أمام الله. إنَّ البركات التي ننالها من الله هي من تصميم الله لتمكيننا من العطاء ليس فقط لكي نكون شاكرين بل ولكي نكون معطين أيضًا.
القيمة الحقيقيّة للحياة تكمن في الحياة الرّوحيّة. إنَّ الحياة الحقيقيّة لا تعتمد على الأمور المادّيّة بل على علاقتنا بالله وكنزنا في السماء. قد تجعلنا البركات التي نتلقّاها أغنياء، لكن يتعيّن علينا أن نستقبل تلك البركات ونستخدمها لنصبح أغنياء أمام الله.
هذا ما يدعونا إلى إعادة تقييم أولويّاتنا في الحياة باعتدال بعيدين عن الالتواء وموجّهين أعيننا إلى ما هو أبديّ ودائم، وليس إلى ما هو زائل ومؤقت.
الطمع
ما هو الطمع؟ هو رغبة أنانيّة شديدة في اقتناء الممتلكات المادّيّة الزائدة عن الحاجة، والاتّكال عليها لجلب السعادة والقيمة لحياتنا، والسعي وراءها بكلّ طاقتنا بحيث تصبح مركز حياتنا كلّها.
الكتاب المقدّس ليس ضدّ المال والغنى لكنّه ضدّ محبّة المال والطمع.
إن مصدر حياتنا الروحيّة والجسديّة هو الربّ. ففي جواب يسوع للمجرّب في البريّة(متّى 4:4، اقتبس من تثنية 3:8 "... لكي يعلمّك أنّه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلّ ما يخرج من فم الربّ يحيا الإنسان"، هذا لا يعني فقط الاتّكال على الربّ في تسديد احتياجاتنا، بل إنّ الشعب القديم بقي حيًّا في البريّة لأنّ الله قال إنّهم سيحيون. عندما يتكلّم الله يحصلون على الطعام، وعندما يقرّر بقاءهم جائعين سيبقون جائعين. الحياة كلّها تقرّرها كلمة الربّ.
وفي الأرض الجيّدة التي تفيض لبنًا وعسلًا حذّرهم الربّ من تجربة الاكتفاء الذاتيّ، لذلك يجب أن يعلموا أنّهم هناك أيضًا سيحيون فقط بكلمة الربّ، (تثنية 17:8) "ولئلّا تقول في قلبك قوّتي وقدرة يدي اصطنعت لي هذه الثروة. بل اذكر الربّ إلهك أنّه هو الذي يعطيك قوّة لاصطناع الثروة".
إنّ سرّ الحياة المسيحيّة هو حضور الربّ وبركته، يقول المزمور( 16:37) "القليل الذي للصدّيق خير من ثروة أشرار كثيرين. لأنّ سواعد الأشرار تنكسر وعاضد الصدّيقين الربّ".
ويكتب بولس إلى تيموثاوس: "أوصِ الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينيّة الغنى بل على الله الحيّ الذي يمنحنا كلّ شيء بغنى للتمتّع" (1تيموثاوس 17:6).
وفي مزمور (7:4) "جعلت سرورًا في قلبي أعظم من سرورهم إذ كثرت حنطتهم وخمرهم. بسلامة أضطجع بل أيضًا أنام. لأنّك أنت يا ربّ منفردًا في طمأنينة تسكنني". "بركة الرب هي تغني ولا يزيد معها تعبًا" (أمثال 22:10).
إنّ النجاح الزمنيّ بحدّ ذاته ليس خطيئة، ولكنّ المشكلة تكمن في الغاية من امتلاك الثروة، هل هي لتمجيد الله أم فقط للتمتّع الذاتيّ والأنانيّ بها؟ لدينا رجل غنيّ بالأساس، قام بزراعة محصوله في تلك السنة التي كانت سنة خير وغلال وفيرة، ومع توافر تخطيط جيّد وإدارة ناجحة للمحصول تضاعفت ثروته. لا يوجد في ذلك أيّة مشكلة أخلاقيّة أو شرعيّة، ليس هناك احتيال أو سرقة، وباختصار: الأرض أخصبت من تلقاء ذاتها. المسألة المهمّة هي: موقف هذا الرجل من نجاحه المادّيّ وتضاعف ثروته.
فقد اعتقد أنّ ثروته هي أساس سعادته ومصدر حياته. كان أنانيًّا إذ اعتمد على غنى حساباته المادّيّة فقط، دون التفكير في حياته الأبديّة ولا في الآخرين من حوله. غباؤه ناجم عن خلطه بين حياته المؤقّتة على الأرض وحياته الأبديّة بعد الموت. إنّ موته لم يكن عقابًا من الله على غناه وثروته، بل إنّ ساعة موته صادفت في نفس تلك الليلة التي ظنّ فيها أنّه حقّق ضمانة سعادته ومعنى حياته على الأرض بناء على ثروته الكبيرة.
ترتيب الأولويّات
يشجّع الكتاب المقدّس على الطموح والتخطيط للغد والمستقبل، ولكنه يحذّر من حمل الهموم والقلق. والطريقة الكتابيّة للحياة الخالية من الخوف والقلق هي: الثقة بالربّ ووعوده، وترتيب الأولويّات.
اعمل بجدّ واجتهاد واسْعَ نحو النجاح بكلّ طاقتك، لكن اربط خططك بملكوت الله والأبديّة فتنجح مشاريعك.
ضع الله أوّلاً في حياتك، وهو يعتني ببقيّة أمورك، هذا الوعد مشروط.
يقول: "أعطوا تعطوا. كيلاً جيّدًا ملبّدًا مهزوزًا، فائضًا يعطون في أحضانكم" (لوقا 38:6). "هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربّوني بهذا قال ربّ الجنود إن كنت لا أفتح لكم كوى السماوات وأفيض عليكم بركة حتّى لا توسع" (ملاخي 10:3).
إن سرّ سعادة المسيحيّ هو في التقوى (خوف الله) والقناعة. "وأمّا التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة" (1تيموثاوس 6:6).
"فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما. وأمّا الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربةٍ وفخٍّ وشهواتٍ كثيرة غبيّة ومضرّة تغرق الناس في العطب والهلاك. لأنّ محبّة المال أصل كلّ الشرور، وإذ ابتغاه قوم ضلّوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة. وأمّا أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا واتبع البرّ والتقوى والإيمان والمحبّة والصبر والوداعة" (1تيموثاوس 8:6).
من كتابات القدّيس سلوان الأثوسيّ
إذا كانت حياة أمّ الله قد خفيت عنّا، نوعًا ما، بصمت مقدّس فإنّ الربّ قد أوحى إلى الكنيسة أنّ محبّتها تشمل العالم بأسره وأنّها بالروح القدس ترى شعوب الأرض كلّها وتتحنّن عليها.
فليعلم العالم مقدار ما تكنّه والدة الإله الكلّيّة الطهارة من محبّة فائقة لكلّ الساقطين في الخطيئة. وقد اختبرت ذلك بنفسي. فلم أكن أعرف أمّ الله ولكنّ الروح القدس عرّفني بها.
منذ أكثر من أربعين سنة زارتني أنا الخاطئ وفقّهتني وأنقذتني من طريق الموت أنا الشقيّ، فقد سمعت صوتها وحفظت هذه الكلمات: "إنّي أمقت ما تفعله".
لقد كانت في غاية الحبّ واللطف، وكان صوتها عذبًا إلى حدّ أنّه ليس بمقدوري أن أنسى هذه الكلمات العذبة. ولا أدري أنا الخاطئ كيف أشكر والدة الإله الممتلئة نعمة ورحمة.
إنّ نفسي تشتاق إليك يا إلهي وتلتمسك بدموع. إنّ نفسي عرفت الربّ بالروح القدس منذ السنة الأولى لحياتي في الدير.
كنت أصلّي يومًا أمام أيقونة والدة الإله، وأنا مبتدئ صغير، وإذا بصلاة يسوع(أيّها الربّ يسوع المسيح ارحمني) تنفجر في قلبي وتحتلّه منذ ذلك الحين.
كنت أصلّي يومًا صلاة الغروب أمام أيقونة المخلّص شاخصًا إليه: "يا ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ"، عندها رأيت مكان الأيقونة السيّد المسيح حيًّا، فغمرت نفسي وجسدي نعمة الروح القدس. وعرفت في الروح القدس أنّ يسوع المسيح هو الإله وامتلكتني رغبة التألّم لأجله.
وهل بوسعي ألّا أبحث عنك؟
لقد تجّليت لنفسي بشكل لم أكن أتوقّعه! لقد أسرتها بمحبّتك حتّى لا تقدر بعد أن تنساك. وفجأة تبصر النفس الربّ فتعرفه! فمن يصف ذلك الفرح وتلك التعزية؟ فالربّ يُعرَف بالروح القدس والروح القدس يفعل في الإنسان بأكمله في العقل والنفس والجسد. وهكذا يُعرف الله على الأرض كما في السماء.
حلوة هي نعمة الروح القدس وغير متناه صلاح الربّ. لا نستطيع أن نصف ذلك بكلماتنا. إنّ النفس تتوق إليه من دون ارتواء، وقد امتلأت من حبّه فوجدت الراحة فيه تعالى ونسيت العالم تمامًا. إنّ الربّ الرحيم لا يمنح دائمًا النعمة للنفس، بل غالبًا ما يمنحنا محبّة العالم كلّه، وحينئذ تبكي النفس لأجله وتتضرّع إلى الله القدير أن يسكب نعمته على كلّ نفس وأن يغفر لها برحمته.
إنّ رغبتي الوحيدة هي أن أصلّي لأجل الآخرين كما أصلّي لأجلي، لأنّ الصلاة لأجل الناس معناها بذل دم القلب لهم. إنّ عامّة الناس لا يعرفون شيئًا عن هذا السرّ، ولكن يوحنّا اللاهوتيّ يقول بوضوح: "سنكون شبيهين به"، ولن يكون ذلك بعد الموت فحسب، بل منذ الآن، لأنّ الربّ أرسل روحه إلى الأرض وهو حاضر في كنيستنا.
إن ذاقت النفس عذوبة الحبّ الإلهيّ تواضعت تمامًا وكأنّها وُلدت من جديد، فهي تسعى دومًا بكلّ قواها إلى الله الذي تحبّه وتستريح لحظة في راحته تعالى، لكنّها لا تلبث أن تعود ثانية لتحزن من جرّاء الناس السالكين في المعصية.
سألني مرّة أحد النسّاك: "هل تبكي على خطاياك؟". أجبت: "قليلاً! ولكنّي أبكي كثيرًا على الأموات". فقال:" ابكِ على نفسك أيضًا فيرأف الله بالآخرين". فأطعت ولم أعد أبكي على الأموات، ولكنّ دموعي على نفسي سرعان ما جفّت. وبعد مدّة وجيزة كنت أشارك في البكاء ناسكًا آخر كان يتمتّع بموهبة الدموع ويُشاهد بلا انقطاع آلام سيّدنا ومخلّصنا.
وكان يذرف مجاري الدموع يومًا بعد يوم. فأجاب على سؤالي بهذا الخصوص قائلًا: "لو كان باستطاعتي لانتشلت جميع الناس من الجحيم، وعندها فقط تطمئنّ نفسي وتسرّ". ولمّا قال هذا، إذا بدموع غزيرة تبلّ وجهي... ومنذ تلك اللحظة لم أعد أهمل أبدًا الصلاة للأموات، فعاودتني الدموع ومعها الصلاة.