الأحد 12 أيّار 2024

الأحد 12 أيّار 2024

08 أيار 2024
الأحد 12 أيّار 2024
العدد  19
أحد توما
الإيوثينا الأولى
أعياد الأسبوع
:

12: إبيفانيوس أسقُف قبرص، جرمانوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، 13: الشَّهيدة غليكارية ولاوذيسيوس، 14: إيسيذورس المستشهد في خيو، ثارابوندُس أسقُف قبرص،ـ 15: بخوميوس الكبير، أخليوس العجائبيّ (لارسا)، 16: البارّ ثاوذورس المتقدِّس، 17: الرَّسولان أندرونيكوس ويونياس،  18: الشُّهداء بطرس ورفقته، القدِّيسة كلافذيِّة.
 
الأحد الجديد أو أحد توما

الأحد الذي يلي أحد الفصح المقدّس يُعرف بأحد توما والمقطع الإنجيليّ من يوحنّا 20:19-31 يتكلّم على ظهور يسوع الأوّل لتلاميذه بينما كانوا مجتمعين خوفاً من اليهود وعدم تصديق توما للتلاميذ "أنّهم رأوا الربّ" ومن ثمَّ ظهوره الثاني أيضاً لهم وتوما معهم ومن ثمّ اعترافه الإيمانيّ :"ربّي وإلهي".
إن أهميّة هذه المعجزة تظهر في نهاية هذا المقطع الإنجيليّ إذ يقول الإنجيليّ يوحنّا: "وآيات أخر كثيرةً صنع يسوع أمام تلاميذه لم تُكتب في هذا الكتاب وأمّا هذه فقد كُتبت لتؤمنوا بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمه".

من المعروف أنّ الإنجيليّ يوحنّا، خلافاً لبقية الأناجيل، لم يذكر الكثير من المعجزات التي أجراها الربّ يسوع (من الممكن تعداد سبعة معجزات فقط) ولكن هذه ذُكرت "لتؤمنوا" بحقيقة قيامة الربّ يسوع  وأنّه هو "الربّ والإله".

يبدأ المقطع الإنجيليّ "عشية ذلك اليوم (يوم القيامة) وهو أوّل الأسبوع (الأحد)". من بعد ظهور الربّ يسوع لمريم المجدليّة أتى والأبواب مغلقة "ووقف في وسط تلاميذه وقال لهم: السّلام لكم. فلما قال هذا أراهم يديه وجنبه".
عندما ظهر يسوع لتلاميذه كانت آثار الجراحات لا تزال ظاهرة ومحفوظة، لقد قدّم نفسه إليهم في هذا الشكل، حيث يمكن لتلاميذه أن ينظروا إليه ويتعرّفوا إليه من خلال علامات الحبّ الإلهيّ.
 
لقد دخل يسوع والأبواب مغلقة. لم تمنع الأبواب المغلقة هذا الجسد الإلهيّ من الدخول وهو الذي ولِد من البتول من دون أن يحلّ أختام بتوليّة أمّه القدّيسة مريم والذي قام من بين الأموات من دون أن يفكّ أختام القبر. لقد دخل وقال لهم :"السلام لكم". وتُكرّر هذه التحيّة ثلاث مرّات في هذا المقطع الإنجيليّ وفي هذا التكرار نوع من التأكيد.

لقد أراد الربّ يسوع أن يبدّد خوفهم وقلقهم وبنفس الوقت أن يذكّرهم بكلماته التي قالها لهم قبل التسليم والصلب، "سلاماً أترك لكم وسلامي أعطيكم" (يوحنّا 14:27) وأيضاً ما قاله في موضع آخر "ليكون لكم فيّ سلامٌ". (يوحنّا 16:33).
من بعد أن أعطاهم الربّ سلامه وهدّأ اضطرابهم وخوفهم "نفخ فيهم" وأعطاهم "سلطان الحلّ والربط" أي أنّه أقامهم رسُلاً وخدّاماً للأسرار المقدّسة.

إنّ هذه النفخة ما هي إلّا علامة "الخليقة الجديدة". إنّ المسيح نفخ في تلاميذه كما نفخ الربّ في آدم ليعطيه الحياة (تكوين 7:2). ونفخة المسيح هنا تشير إلى دوره في الخلق كما تشير إلى تكوين جديد وخليقة جديدة. فالقيامة تمّت لتعيد تكوين جبلتنا. نقرأ من صلاة السحر "اليَوْمَ الربيعُ مانِحٌ شَذاهُ، والخَليقةُ الجَديدةُ تفرَحُ".

في هذا الظهور الأوّل لم يكن توما حاضراً معهم، هل هذا صدفةٌ أم تدبيرٌ إلهيٌّ؟
يشرح القدّيس غريغوريوس الذيالوغوس:" لم يكن الأمر عن طريق الصدفة ولكن تدبير العناية الإلهيّة. بطريقة عجائبيّة رتّبت رحمة الله أنّ التلميذ المشكّك، من خلال لمسه للجراح في جسد سيّده، قد شفى جروح عدم إيماننا" (العظة 23 ).

لم يصدّق توما قول التلاميذ له "إنّنا قد رأينا الربّ" فكان جوابه لهم:" إن لم أعاين أثر المسامير في يديه وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أؤمن". لقد أراد توما دليلاً محسوساً حتّى يؤمن بالقيامة. ولكنّ المغبوط أغسطينوس يقول: "إذا تمكّنت من فهم وإدراك الحدَث حينئذ لا يعود معجزةً، عندما يخفق العقل عندها يتمّ بناء الإيمان". 

من أجل تبديد شكّ توما وعدم إيمانه وبالتالي عدم إيماننا نحن أيضاً عاد الربّ يسوع وظهر لهم بالطريقة نفسها التي ظهر فيها أوّلاً "وقال لهم: "السلام لكم" (لاحظ التشابه بين الآيات 19 و 26)، ثم قال لتوما "هات إصبعك إلى ههنا وعاين يديّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً". ربّما يتسائل البعض كيف يمكن لهذا الجسد غير القابل الفساد، الذي دخل والأبواب مغلقة أن يحمل علامات الصلب، آثار المسامير وطعنة الحربة، وأن يكون ملموساً لليد البشريّة الفاسدة؟

يجيب القديس يوحنّا الذهبيّ الفم: "هذا الأمر الذي حدث كان بسبب التنازل الإلهيّ".
نقرأ في صلاة سحر العيد: "مَنْ ذا الذي حَفِظَ كَفَّ التِّلميذِ غيرَ ذائِبَةٍ لَمّا دَنَتْ مِنَ الجَنْبِ النّارِيّ؟ أمْ مَنْ وَهَبَهُ الجَسارَةَ فَاسْتَطاعَ أنْ يَلْمُسَ عُضْواً مُلْتَهِباً؟ ذلِكَ ولا
شَكَّ هُوَ الجَنْبُ المُفَتَّش. فَلَوْ لمْ يَمْنَحِ الجَنْبُ اليَدَ التُرابِيَّةَ قُوَّةً، لَمَا اسْتَطاعتْ أنْ تُفَتِّشَ الآلامَ التي زَعْزَعَتْ ما فَوْقُ وما أسْفَل". (قنداق سحر الأحد).

لقد دخل الربّ يسوع والأبواب مغلقة إذ كان جسده الممجّد وغير القابل الفساد حُرّاً من أيّة كثافة (سماكة) ولكنّه هنا ظهر مع علامات الصليب حتّى يتأكّد التلاميذ من القيامة وأنّه هو نفسه يسوع المصلوب وأنّه ليس مجرّد روح أو ظهور خياليّ غير حقيقيّ، وإنّما هو الرّبّ الذي صُلب وضُرب جنبه بحربة ومات وقام من بين الأموات. بحسب القديس كيرللس "إنّ السبب الرئيسيّ لإبقاء الجراحات هو الشـهادة لتلاميـذه أنّ الجسد الذى قام هو بعينه الذى تألّم". 

من بعد أن تأكّد توما تمامًا من حقيقة أنّ المسيح نفسه هو الذي تلقّى هذه الجروح على الصليب والذي هو الآن قائمٌ من بين الأموات صرخ قائلاً: "ربيّ وإلهيّ". في الأصل اليونانيّ هاتان الكلمتان معرّفتان بأداة التعريف، وليس في النصّ التباس أنّه يشير إلى الإله الواحد الذي يعبده اليهود. المعنى إذاً " هو أنت هو الربّ والإله" ، وليس من إيمان بربوبيّة المسيح وألوهيّته أبلغُ من هذا. إنّ صرخة توما "ربّي وإلهي" تحمل طابعًا شخصيًّا:

أي أنّ نعمة قيامته هي خاصّتي. المسيح قام وأقامني معه أنا الساقط.
يكتب القدّيس كيرللس الأورشليمي: "لاحظوا أيضًا أنّه عندما يقول "ربّي وإلهي "، يستخدم أداة التعريف ليبين أنّه كان هناك ربّ واحد وإله واحد. لقد فعل هذا حتّى يمنع أيّ أحد من أن يتخيّل أنّه ينادي أيّ شخص آخر أو أحد الملائكة".

من بعد هذا الاعتراف الإيمانيّ يجيب يسوع :"طوبى للذين آمنوا ولم يروا" هذه الطوبى تشمل كلّ أولئك الذين آمنوا بقيامة الربّ يسوع من بين الأموات ولم يروا، أي كلّ المسحيّين المؤمنين بالقيامة.

إنّ شكّ توما الرسول وطلبه معاينة آثار الصلب أعطى شهادة قاطعة أنّ الذي ظهر للتلاميذ هو حقّاً يسوع المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات من أجل تأكيد وثبات إيمان الكنيسة. نرتّل في يوم القيامة وفي صلاة سحر كلّ يوم أحد من بعد إنجيل السحر: "إذ قد رأينا قيامة المسيح فلنسجد للرب القدّوس يسوع البريء من الخطأ وحده". إنّنا نرى بعين الإيمان والرجاء من دون الحاجة إلى أن نلمس أثر المسامير وأن نضع أيدينا في الجنب المبارك، في هذا الأحد نستذكر الرسول توما ولا نكرّر شكّه وعدم تصديقه.

إنّ الكنيسة المقدّسة تمدح عدم تصديق توما وتصفهُ بالجميل وذلك لأنّه قد قاد قلوب المؤمنين إلى المعرفة وصرخ بخوفٍ: ربّي وإلهي المجد لك. نختم هنا بقول القدّيس غريغورويس عن عدم تصديق توما:" إنّ عدم تصديق توما قد فعّل إيماننا أكثر من إيمان التلاميذ الآخرين. عندما لمس المسيح وفاز بالإيمان فإنّه طرح كلّ شكّ جانباً وقوّى إيماننا. وهكذا أصبح التلميذ الذي شكّ، ومن ثمّ لمس جروح المسيح ، أصبح شاهداً على حقيقة القيامة".  آمين
 
 +باسيليوس
متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيلبيّن
 

طروباريّة الأحد الجديد باللحن السابع

إذ كان القبرُ مختوماً أشرقتَ منه أيّها الحياة، ولما كانتِ الأبوابُ مغلقة، وافيْتَ التلاميذَ أيّها المسيحُ الإلهُ قيامةُ الكلّ. وجدّدتَ لنا بهم روحاً مستقيماً، بحسب عظيم رحمتك.
 

القنداق باللحن الثامن

ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إلّا أنَّك درستَ قوّةَ الجحيم، وقُمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله، وللنسوةِ حاملاتِ الطيب قُلتَ افرحنَ، ولِرسلِكَ وَهبتَ السلام، يا مانح الواقعينَ القيام.
 

 الرسالة: أع 5: 12-20
عظيم هو ربُّنا وعظيمةٌ هي قوّتُه             
سبِحوا الربَّ فإنَّه صالِحٌ


في تلكَ الأيّام جَرَتْ على أيدي الرُّسُل آياتٌ وعَجائبُ كثيرةٌ في الشَّعب. (وكانوا كلُّهُم بِنَفْسٍ واحِدَةٍ في رِواقِ سُليمان، ولم يكُنْ أحَدٌ من الآخَرينَ يَجترِئُ أنْ يُخالِطَهُمْ. لكنْ كانَ الشَّعبُ يُعظِّمُهمُ. وكانَت جماعاتٌ مِنْ رجال ونِساء ينضَمُّونَ بِكَثَرَة مُؤمِنينَ بالربِّ) حتّى إنَّ الناسَ كانوا يَخرُجونَ بالمرضى إلى الشَّوارِع ويضعونهُم على فرُشٍ وأَسِرَّةِ ليَقَعَ ولَوْ ظِلُّ بطرسَ عنِدَ اجتيازِهِ على بعْضٍ منهم. وكانِ يجْتمِعُ أيضاً إلى أورَشَليمَ جُمهورُ المدُنِ التي حوْلها يَحمِلون مرضًى ومعذَّبينَ مِنْ أرواح نَجِسة. فكانوا يُشْفَوْنَ جَميعُهُم. فقامَ رئيسُ الكهَنةِ وكلُّ الذينَ معهُ وهُمْ مِن شيعَةِ الصدُّوقِيّينَ، وامتلأوا غَيرةً، فألقوا أيدِيَهُم على الرُّسُلِ وجَعَلوهُم في الحبسِ العامّ، ففَتَحَ ملاكُ الربِّ أبوابَ السِّجنِ ليلاً وأخرَجَهُم وقالَ امْضُوا وَقفِوا في الهيكلِ وكَلِّموا الشَّعبَ بِجميع كلِماتِ هذه الحياة.
 

الإنجيل: يو 20: 19-31

لمّا كانت عَشيَّة ذلِكَ اليومِ، وَهُوَ أوَّلُ الأُسبوع والأَبوابُ مُغلَقةٌ حيثُ كانَ التلاميذُ مجتمِعينَ خوفاً مِنَ اليهودِ، جاءَ يسوعُ ووقفَ في الوَسْط وقالَ لَهم: السلامُ لكم. فلمَّا قالَ هذا أراهم يَدَيهِ وجَنبَهُ. ففرِحَ التلاميذُ حينَ أبصَروا الربَّ وقالَ لهم ثانيةً: السلامُ لكم. كما أرسَلني الآبُ كذلكَ أنَا أرسِلُكم. ولما قالَ هذا نَفَخَ فيهم وقالَ لهم خذوا الروحَ القُدُسِ، مَن غفرتُم خطاياهم تُغْفَرْ لهم، ومَن أمسكتُم خطاياهم أُمسِكَتْ. أمَّا توما أحَدُ الاثنيَ عشرَ الذي يقالُ لهُ التوأَمُ فلم يكنْ معَهم حينَ جاءَ يسوع. فقالَ لهُ التلاميذُ الآخرونَ إنَّنا قد رأيْنا الربَّ. فقالَ لهُم إنْ لم أُعايِنْ أثرَ المساميرِ في يدَيْهِ وأضَعْ إصبَعي في أثرِ المساميرِ وأضَعْ يدي في جَنبِهِ لا أُومنِ. وبعدَ ثمانيةِ أيّامٍ كانَ تلاميذهُ أيضاً داخِلاً وتوما معَهم، فأتى يسوعُ والأبوابُ مُغلقَة، ووقفَ في الوَسْطِ وقالَ السلامُ لكم. ثمَّ قالَ لتوما: هاتِ إصبَعَكَ إلى ههنا وعَاينْ يَدَيَّ. وهاتِ يَدَكَ وضَعها في جَنبي ولا تَكُنْ غيرَ مُؤمنٍ بَل مؤمناً.
أجابَ توما وقالَ لهُ رَبِّي وإلهي. قالَ لهُ يسوعُ لأنَّكَ رأيتني آمنت. طوبىَ للذينَ لَمْ يَرَوا وآمنَوا، وآياتٍ أُخرَ كثيرة صَنَعَ يسوعُ أمامَ تلاميذِهِ لم تكتَبْ في هذا الكتاب، وأمَّا هذهِ فقد كتبَتْ لتُؤمِنوا بأنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله. ولكي تكونَ لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمِهِ.
 
في الإنجيل

يتفرّد الإنجيليّ يوحنّا برواية ظهور يسوع لتلاميذه ولتوما. وتأتي المبادرة دائمًا من الله، وبمعنى أدقّ من المسيح بعد قيامته. إلّا أنّ المسيح يتكلّم اليوم من خلال الكرازة الحاليّة. فيسوع الناصريّ يكشف عن نفسه، ولكن من خلال الاختبار التاريخيّ للرسل وتوما، فيسوع القائم هو نفسه الذي مات في الأمس مسمَّرًا ومطعونًا بحربةٍ في جنبه.

إلّا أنّه من عالم آخر غير خاضع لقوانين عالمنا هذا. وإذا به يدخل والأبواب مغلقة وفجأةً يقف في وسطهم، ويجلب لتلاميذه السّلام ثمرة قيامته. هذا السّلام الذي قد وعدهم به والذي يبدّد كلّ اضطراب أحدثه رحيله. هو سلام ابن الله المنتصِر على العالم والموت، إنّه السّلام الذي لا يستطيع العالم أن يمنحه.

ظهرَ المخلّص للرسل ليُعزّيَهم في حزنهم، وقالَ لهم: "السلام لكم"، وكأنّه أرادَ أن يقول: لماذا أنتم خائفون ومفجوعون هكذا؟ إن كنتم تشكّون في صحّة ما قلتُه لكم عن قيامتي، فَكونوا بسلام، ليَكنْ السلام فيكم، لأنّني قُمْتُ من الموت. انظروا إلى يديّ، المسوا جراحي، أنا هو بنفسي، لا تخافوا، فَليَكنْ فيكم سلام.
رفض توما أن يثق بشهادة الجماعة، إنّه يطلب برهانًا خاصًّا به. ويريد أن يختبر بنفسه ويطلب أن يرى ويلمس. إنّه يفرض على المسيح شروط إيمانه. ظهر للتلاميذ بعد ثمانية أيّام وكان توما معهم. ودون أن يلتفت إلى التلميذ المعاند أراه جراحاته ودعاه لأن يضع يده فيها.

خجل توما ولم يجد إلا كلمة واحدة: "ربّي وإلهي!" وأقرّ بضعفه واعترف بسيادة يسوع الإلهيّة. فانتقل توما من أقصى الشكّ إلى أقصى الإيمان واليقين. ويسوع يستخلص العبرة من الحدث فيقول لتوما: "آمنتَ لأنّك رأيتني؟ فطوبى للذين يؤمنون ولم يروا".

لا يكفي أن يروي الآخرون لنا هذه الخبرة، بل لا بدّ لنا من خبرة إيمان شخصيّة؛ وهذه الخبرة تتمّ داخل الجماعة التي تسير معًا في الإيمان. وخير مثال على ذلك عبور توما من عدم الإيمان إلى الإيمان كما أوصاه يسوع "لا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل مُؤمِنًا"، لكنّ هذا العبور لم يتمّ دون أن يلمس بيديه جراح الربّ القائم وسط جماعة الرسل المؤمنة به.

 
رعيّة أبو ظبي الأرثوذكسيّة
رسالةُ سلامٍ ومسيرةٌ من نور


إنّ رعيّة أبو ظبي الأرثوذكسيّة هي من الرعايا الأنطاكيّة الموجودة في منطقة الخليج، ضمن دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. وكنائس الإمارات العربيّة المتّحدة هي معتمديّةٌ بطريركيّة، أي تتبع مباشرةً بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق، وتتضمّن كنيسة سيّدة البشارة للروم الأرثوذكس في جبل علي-دبي، ورعيّة الشارقة، ورعيّة أبو ظبي والعين.

                في "أبو ظبي" رعيّة العين (قيد التأسيس)، ورعيّة أبو ظبي التي تضمُّ كنيسة القدّيس نيقولاوس العجائبيّ، وهي الأقدم، تأسّست في النصف الأوّل من ثمانينيّات القرن الماضي على عهد مطران بغداد والكويت والجزيرة العربيّة آنذاك المثلّث الرحمات قسطنطين (باباستيفانو) (✥٢٠١٦)، الذي أسّس كنائس الإمارات كرسولٍ آخر، منذ أواخر سبعينيّات وأوائل ثمانينيّات القرن الماضي.

خدم كنيسة القدّيس نيقولاوس عددٌ من الكهنة، منهم قدس الأرشمندريت برنابا الذي يخدم اليوم  كنيسة سيّدة البشارة في جبل علي، والمثلّث الرحمة الأسقف لوقا (الخوري)، أسقف صيدنايا والمعاون البطريركيّ الذي رقد بالربّ في كانون الثاني (✥٢٠٢١).

أمّا خادم الرعيّة اليوم، الذي هو الركن الأساسيّ في ما آلت إليه الرعيّة، فهو قدس الأرشمندريت استفانوس (نعيمة)، الذي تعب في بناء الرعيّة حجرًا وبشرًا منذ أوائل تسعينيّات القرن الماضي حتّى اليوم.

وتضمّ الرعيّة أيضًا كاتدرائيّة النبيّ إيليّا في المصفح، التي شيّدتها على عهد صاحب الغبطة يوحنّا العاشر، خلال رئاسة صاحب السيادة غريغوريوس (الخوري) أسفقيّة الإمارات، وهو متروبوليت حمص الحاليّ. وقد جرى تدشينها بشكل مهيبٍ بحضور فعاليّات الدولة في كانون الثاني ٢٠١٨.

                إنَّ كاتدرائيّة النبيّ إيليّا هي مجمّعٌ متكاملٌ يتضمّن الكنيسة وملحقاتها من قاعات ومسرح ومبنى للسكن، وكل ما يلزم لتأمين خدمة أفضل وأشمل لأبناء الرعيّة كافّة. تجري النشاطات في هذا المجمّع على مدار السنة لجميع الأعمار، منها مدارس الأحد للطفولة، ونشاطات الشبيبة والعائلات...

رعيّة أبو ظبي خليّةٌ من العمل لا تنام، واليوم نحن هنا لتعزيز هذا العمل وتفعيله وتطويره. على الكنيسة الأرثوذكسيّة، أينما وُجدَت، أن تقوم بدَورها على صعيد البشارة والبناء الروحيّ لشعبها من جهة، وأن تكون من جهةٍ أخرى منفتحةً على البيئة الموجودة فيها، مع الحفاظ على القيَم والأسُس التي تُميّزها عن باقي الكنائس.                          
                الكنيسة هي الأمّ التي تجمع أبناءَها تحت جناحيْها، بغضّ النظر عن البيئة التي ينحدرون منها. ففي رعيّة أبو ظبي، ترى ابن بيروت مع الذين أتوا من منطقة السويداء في سوريا، كذلك ابن وادي النصارى مع ابن الكورة في لبنان. في الكنيسة، ثمَّة تخطٍّ لكلّ حدود الجغرافيا والأيديولوجيا، فيها أبناء الإيمان الواحد المستقيم، لأنّ ما يجمعنا هي الكأس الواحدة، كما يقول الرّسول بولس إلى أهل غلاطية: "لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غل٢٨:٣).

                إنَّ أبناء الجاليَتين اللبنانيّة والسوريّة، فضلًا عن الجاليتَين الأردنيّة والفلسطينيّة، قد أتوا إلى هنا إلى بلاد الخليج بعامّة، والإمارات بخاصّة، حيث فُتحَت أمامهم فرصٌ للعمل، لأنّ في هذه البلاد ثورةٌ عمرانيّةٌ وإنمائيّةٌ واقتصاديّة. ومنهم مَن أتى بسبب الضائقة الاجتماعيّة وظروف الحرب، لكي يؤسّسوا مستقبلاً عجزوا عن تحقيقه في بلادهم الأمّ.

هنا في دولة الإمارات المتّحدة، يشعر الإنسان بكرامته المفقودة في بلاده بسبب الظروف القاسية التي عاناها شعبنا، وسوء إدارة البلاد، وفساد الحكّام والانقسام السياسيّ والطائفيّ. ولكن يجب ألّا ننسى أنّ شرارة المسيحيّة قد بدأت من الشرق ومنها امتدّت إلى العالم أجمع.

                يواجه العمل الكنسيّ في هذا العصر تحدّياتٍ جمّة، لذا وجبَ علينا أن نكون سنَدًا لأبناء كنيستنا، دون تمييزٍ في ما بينهم. وأطلب جاهدًا أن نُبرز وجه يسوع، ذلك الوجه العذب، أمام العالم كلّه، لأنّ المسيحيّة هي ملح الأرض الذي تحتاج إليه. العالم الساقط مقسومٌ عموديًّا وأفقيًّا، لذلك هو مِللٌ وطوائف؛ أمَّا الأرثوذكسيّة الحقّ فتتخطّى كلّ هذه المحدوديّة، لأنّها تعيش خبرة التسلسل الرسوليّ عبر آبائها وقدّيسيها ومعلّميها، واضعةً الإنجيل نُصب عينَيها.

                المسيحيّة جهادٌ مستمرٌّ ضدّ كلّ ضعفٍ وخطيئة. هذه هي الأرثوذكسيّة، هي كنيسةٌ تحثُّ شعبها على التَّوبة، مُصلّيةً لكي يُمطرَ الله نعمَه عليها. أصلّي إلى الربّ لكي يعطينا كلّ حكمةٍ لإدارة شؤون الشعب المؤمن وحاجاته.

                هذا ما نصبو إليه خلال خدمة هذه الرعيّة، أن نستفيد من خبرة الذين سبقونا، لكي نُكمل المسيرة حتى الرمَق الأخير. الهدف المرجوّ هو الاهتمام بالجيل الصاعد لأنّه مستقبل الكنيسة، لذا سوف ننمّي كلّ موهبةٍ عندهم لخدمة الكنيسة لأنّ التحدّي كبير.

            المسيحيّة ليست ضعفًا، إنّها تعيش القيامة في كلّ يومٍ وكلّ ساعةٍ من حياتها. تُجاهد الكنيسة في الصَّوم، وتدخل الأسبوع العظيم مُسمِّرةً عينَيها على يسوع، ومتّبعةً خطواته حتّى الصلب والدفن. لذلك نحن ندفق الطيب، لأنّنا مُتنا معه وسنقوم معه، وهذا سوف يرافقنا كلّ حياتنا آمين.