الأحد 16 حزيران 2024
14 حزيران 2024
الأحد 16 حزيران 2024
العدد24
أحد آباء المجمع المسكونيّ الأوّل
اللحن السادس، الإيوثينا العاشرة
أعياد الأسبوع:
16: تيخن أسقف أماثوس، 17: الشُّهداء إيسفروس ورفقته، الشُّهداء مانوئيل وصابل واسمعيل، 18: الشُّهداء لاونديوس ورفقته، 19: الرَّسول يهوذا نسيب الرَّبّ، بايسيوس الكبير، 20: مثوديوس أسقُف بتارُن، الأب نيقولاوس كباسيلاس، 21: وداع الصُّعود، الشّهيد يوليانوس الطرسوسيّ، 22: سبت الأموات، الشَّهيد آفسابيوس أسقُف سميساط، البارّ إيسيخيوس رئيس دير العليقة في سيناء.
الوحدة في الكنيسة الطابع المجمعيّ
المجمعيّة حركة Conciliarité، حركةُ حبّ وحركةُ تنوّع.
الله واحدٌ وفي الوقت نفسه شركة communion لا بدّ للكنيسة من أن تكون هي أيضًا وحدةً كاملة وتنوّعًا كاملًا.
الرأسُ لا يعيق حرّيّةَ الأعضاء. لا يتسلّط عليهم، يبقى في تنسيق معهم وفي مجمعيّة.
الوحدة علاقةُ حبّ، علاقة شركة. لذا الله محبّة.
والكنيسة شركة حبّ على صورة الثالوث القدّوس. ما هو الطابع المجمعيّ الذي يقود إلى الوحدة؟
الكنيسة هي جسد المسيح
هي الجماعة التي فداها الربّ بدمه. تعمل في سبيل جمع المتفرّقين إلى واحد.
هذه الوحدة تتجسّد في سرّ الإفخارستيّة.
هناك حيث الأسقُف يجتمع مع المؤمنين. الأسقف كائن على الدوام في وسط شعب الله. هو يعتني بكنيسته أي بشعب الله عن طريق حقيقة الكلمة، كلمة المسيح.
يكشف عن مواهب الأعضاء les talents des membres يحملهم في صلاته. لا تعنيه أوّلاً المنفعة الماديّة ولا المجدُ الباطل.
"ارعوا رعيّة الله التي بينكم نُظّارًا لا عن اضطرار بل بالاختيار ولا لربحٍ قبيح بل بإخلاص.
ولا كمن يسود على الأعضاء بل صائرين قدوةً "Exemlpes (1 بطرس 5: 2-3).
شعب الله كلّه هو الحافظ للإيمان. رسالة الأسقف هي في إعلان الكلمة والعمل بها.
مجمع الأساقفة هو أيضًا وجهٌ من وجوه الوحدة.
يحمل فيه كلٌّ أسقُف خبرةَ كنيسته وضعفاتها.
والشعب من جهة أخرى يحمل الأسقُفَ في صلواته لكي تأتي القرارات مرضيةً لله ومخلّصة لكلّ قوام الكنيسة.
+ أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريَّة القيامة باللَّحن السَّادِس
إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
طروباريَّة الآباء باللَّحن الثَّامِن
أ
نتَ أيُّها المسيحُ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقيّ، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك.
طروباريَّة الصُّعود باللَّحن الرَّابِع
صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرُّوح القُدُس، إذ أيقَنوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ٱبنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.
القنداق باللَّحن السَّادِس
لـمَّا أَتْمَمْتَ التَّدبيرَ الَّذي من أجلِنا، وجعلتَ الَّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ ٱفتِرَاق وهاتِفًا: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.
الرِّسَالَة: أع 20: 16-18، 28-36
مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إلهُ آبائِنَا
فإنَّكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا
في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ. لأنَّه كان يَعْجِلُ حتَّى يكون في أورشليم يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قال لهم: احْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الَّتي أقامَكُمُ ﭐلرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعوا كنيسةَ اللهِ الَّتي اقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعد ذهابي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، اسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ اَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ أَنْ تبنيَكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الَّذين معي خَدَمَتْها هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.
الإنجيل: يو 17: 1-13
في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مّجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والَّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الَّذي أعطَيْتَني لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندكَ بالمجدِ الَّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ اسْمَكَ للنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الَّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلوا وعَلِموا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ احْفَظْهُمْ باسمِكَ الَّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم باسمِكَ. إِنَّ الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ابْنُ الهَلاك لِيَتِمَّ الكِتاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.
في الرسالة
نداء من بولس الرسول إلى الرعاة وأبناء الرعيّة!
يخبرنا سفر أعمال الرسل أنَّ بولس الرسول لـمَّا اجتمع مع رعاة الكنيسة في أفسس، أخبرهم عن الأتعاب التي تصادفه وعن التضحيات التي يقدِّمها في سبيل الخدمة، وفي ختامِ حديثه معهم، وجَّه نداءً صريحًا إليهم وإلى جميع الرعاة في الكنيسة من بعدهم، يقول فيه:
"احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعيّة التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه.
لأنّه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعيّة. ومنكم أنتم سيقوم رجالٌ يتكلّمون بأمورٍ ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم... لذلك اسهروا...".
في هذا النداء يحذّرُ بولس الرسول ممَّن يتكلَّم بأمورٍ ملتوية ويعلِّمها، معتبرًا إياهم ذئابًا خاطفة عديمة الشفقة على الرعيّة، والحقيقة أنَّ هذا يصلح أيضًا ليكون تحذيرًا ممّن يتصرّف في الكنيسة ويسلك سلوكًا ملتويًا فيجلب العثرة للرعيّة.
لأنَّ كلَّ تعليمٍ أو تصرّفٍ لا يطابقُ تعليمَ السيد المسيح وتصرّفَه، يخطفُ الرعيَّة من حضن المسيح، ويُبعدُ المسيحَ عن قلوب أبناء الرعيّة.
فيا أيّها الرعاة المحبوبون، بولس الرسول يناديكم، اجعلوا رعايتكم كاملة، لا يشوبها نقصٌ أو عثرات.
لا تكتفوا بالطقوس والخدم الليتورجيّة، من دون تعليم ووعظٍ وإرشاد. بل عظوا الناس واشرحوا لهم كلمة الله بعمقٍ، فالنَّقص كبير في هذا المجال.
استمعوا إلى معاناة أبناء رعاياكم، فهم بحاجة إلى الإصغاء، واسندوا نفوسهم المتعبة من ضغوط هذا العصر وتحدّيات هذه الأيام.
كونوا مثالًا لهم في كلِّ شيء، ولا سيَّما في المحبّة والاهتمام، فالناس عِطاش ويتوقون أن يروا أمامهم من يكون لهم قدوة ومثال.
ابتعدوا عن البذخ والشكليّات والبروتوكولات في الكنيسة، ولا سيَّما في هذه الأيّام، فما يُهمَسُ في المسامع عن هذه الأمور في غيابكم، كثير، والناس في فقرٍ وبؤسٍ وجوعٍ واحتياج، وفي حالاتٍ كثيرة وصلوا إلى حدِّ الذُلِّ واليأسِ وفقدوا الرجاء.
لذلك سخِّروا الأوقاف، من مدارس وجامعات ومستشفيات ودور عجزة، لخدمة المحتاجين وعائلاتهم، وهكذا تتربَّعون على عروش قلوبهم، وتنالون منهم المحبّة والاحترام. أمّا عن بساطة العيش فلا تبتعدوا، لئلا يبتعد الشعب عنكم! بل تشبَّهوا ببولس الرسول الذي لم يسعَ إلى اقتناء المال، وقال:
"فضّة أو ذهب أو لباس أحد لم أشتهِ"، وكراعٍ حقيقيٍ اختارَ الزهدَ والفقرَ والقناعة وبساطة العيشِ، كمعلِّمه.
ويا أيّها الأحبَّاء الأغنياء، وكلٌّ حسبَ طاقته، اسمعوا نداء بولس الرسول لكم ولرعاتكم:
"هكذا ينبغي أنّكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكِّرين كلمات الرب يسوع أنّه قال:
مغبوطٌ هو العطاء أكثر من الأخذ". اليوم فرصتكم وفرصتنا جميعًا، قدِّموا من أموالكم، ولو العشور، للمحتاجين.
قدِّموا بسخاء، والربّ سيزيدكم أضعافًا أضعافًا، فهو كريمٌ جوَّادز نسِّقوا مع رعاتكم، في كلِّ أبرشية، وتشاوروا معهم، في كيفيّة صرف المساعدات للمستحقّين.
اشتروا بالرَّخيص ما هو غالٍ وثمين، اشتروا بالمال ما لا يُقدَّر ثمنُه، أي سلامكم وفرحكم الداخليّ، واربحوا نفوسًا للمسيح لتربحوا الحياة الأبديّة وملكوت السماوات. إنْ فَعَلتُم هذا فبرُّكم يدوم إلى الأبد.
صلاة يسوع الكهنوتيّة
في الأحد السادس بعد الفصح، أي الأحد الذي يقع بين خميس الصعود وأحد العنصرة، تُقيم الكنيسة الأرثوذكسيّة تذكار آباء المجمع المسكونيّ الأوّل المجتمعين في نيقية عام 325م.
القراءة الإنجيليّة هي من إنجيل يوحنّا الإصحاح (17: 1-13) أو ما يُعرف بصلاة يسوع الكهنوتيّة الأخيرة قبل آلامه وموته على الصليب. لقد رتّبت الكنيسة أن تُقيم تذكار هؤلاء الآباء بعد خميس الصعود.
يسوع في صلاته يقول: يا أَبتِ قد أَتَتِ السّاعة. مَجِّدْ ٱبنَكَ ليمجِّدَكَ ابنُكَ أيضًا. كما أَعطيتَهُ سُلطانًا على كلّ بَشَرٍ ليعطيَ كلَّ مَن أَعطيته له حياة أَبديّة، وهذه هي الحياة الأَبديّة أَن يعرفوكَ أَنتَ الإله الحقيقيّ والّذي أَرسلتَهُ يسوع المسيح.
أَنا قد مجَّدتُكَ على الأرض. والآن مجِّدني أَنتَ يا أَبتِ عندكَ بالمجد الّذي كان لي عندكَ من قبل كونِ العالم". (يوحنا 17: 1–5).
"أنا غلبت العالم".
هذا ما قاله يسوع. هو لم ينتصر بعد. أو بالأحرى كلّ شيء قد انتهى، والغلبة هي قضيّة وقت.
فالاختيار انتزع التلاميذ من هذا العالم. ولقد تعب يسوع في أن ينزع نفسه عنهم. حُطّمت وحدة، فتحقّقت وحدة أخرى، وحدة أعمق. كانت الصّلاة لحمة في الجماعة الأولى. وكانت المشاركة في المسيح قوّة للمؤمنين.
والصّلاة التي قالها يسوع بعاطفةٍ لم يستطع ضبطها إلّا بصعوبة، جمعت في شخصه الماضي، والمستقبل، الزمن والأبديّة.
الحياة الأبديّة هي أن نعرف المسيح وهذه المعرفة ينبغي أن تكون حقيقة كما كشفها لنا هو من دون زيغ أو تشويه أو تغيير. عندما نُغيّر هذه المعرفة الحقيقيّة ونحرِّفها نخسر الحياة الأبديّة.
هكذا قدَّمَ الإلهُ الآبُ كلَّ ما فيه وما عندَهُ إلى ابنه الوحيد الرّبّ يسوع المسيح، مدفوعًا بالحبّ الّذي هو هو، ليُخلي ابن الملك، وارثُ الآب الوحيد، ذاتَهُ آخذًا صورةَ عبدٍ، فيجعل كلّ خليقة الإله وخلقِهِ، عبيدًا للابن الإلهيّ الّذي ٱستقى كلّ كلّيّته من حنان الآب فيه، ليوزّعها على البشريّة، بالرّوح القدس، جاعلًا الكونَ كلَّه على صورةِ الثّالوث، ذاك الّذي لا ابتداء ولا انقضاء له في مادّيّة الفكر والمعقول البشريّ. الابنُ خَلَقَ الإنسانَ ليصيرَ ابنُهُ هذا روحًا من روحه، وكيانًا من كيانه، وفعلَ إبداعٍ وحياةٍ من إبداعِهِ هو، ليستمرّ الكونُ، كلّ الكون، بمسيحه المصلوب، محبّةً بالّذينَ رفضوه وأَقصوه والّذين لا يعرفونه. والّذين رفضوه، صالبين إيّاه حتّى يموت الحقّ بإفناءِ روح الحقّ الإلهيّ.
لا يصلّي يسوع من أجل العالم. هذا لا يعني أنّه يرذل العالم. فما يهمّ يسوع قبل كلّ شيء هو مصير تلاميذه. نحن هنا في وضع حدوديّ، يُطلق فيه إنسان من النّاس صلاته الأخيرة. لم نصل بعد إلى الصّرخة الأخيرة: "أنا عطشان". بل نحن أمام مقدّمة تدخلنا في المجد.
قال يسوع: "أنا أتيت إليك". لا نجرؤ أن نستمع إلى هذا الصّوت الذي لا يتوجّه الآن إلينا، بل إلى الآب الذي لم يواجهه بعد كما سيفعل بعد الموت والقيامة.
هكذا لن يموتَ الّذي صُلِبَ مع سيّده قائمًا له فيه ومعه، ليحملَ فيه وإليه الكونَ، عمارة حبٍّ مبنيّة على صخرة الإيمان بالتّجسّد الإلهيّ، الرّاسخ على صخرةِ حُبِّ الآبِ للابن والابنِ لابنه الإنسان بالرّوح القدس.
هذه حياة التّبنّي الإلهيّ للابن المولود بالرّوح في الإنسانيّة، لتصيرَ البشريّة كلُّها، بأجمعها خليّة نَحْلٍ تتوالَدُ الأُلوهَة بالأُبوَة الآبائيّة الرّوحيّة، ليصير كلّ نطقٍ من أَفواهِ خدّامِ الإله، معموديّةً إلهيّةً للتّنقية فيتحوّل الباطل حقًّا، ويجلس جميع المؤمنين على كرسيّ البنوَّةِ ليحكوا قصّةَ الحبّ، حبّ خالقِ الكونِ المنظور وغير المنظور للإنسان.
"أيّها الآب القدّوس إحفظهم باسمكَ الّذين أَعطيتهم لي ليكونوا واحدًا كما نحن"...
نحن في وقتٍ نادر. تنتظر آذاننا وقلبنا. سنسمع الصّلاة الطويلة الوحيدة التي وصلت إلينا من يسوع. ولكن ندهش وقد ننزعج.
لماذا تتحدّث عن المجد (وهي كلمة لا نحبّها كثيرًا) نحن نربط طوعًا المجد بالقوّة والتباهي ووضع المسافة بيننا وبين الآخرين. فالمجد لدى شخص، يجعله بعيدًا منّا ومن متناولنا، ويعود بنا إلى عيشنا الخامل.
حين نحتفظ بأفكارنا في هذا الوقت، نقتل قوّة الاصغاء التي يجب بالأحرى أن تجتذبنا إلى الإله الحقيقيّ. فيسوع المتكلّم إلى أبيه، يفكّر الآن ويتكلّم من أجلنا. إنّه وسيط كما لم يكنه في هذه السّاعة: "أيّها الآب، عرّفت البشر إليك".
وهذا يعني أنّهم عرفوا مجد الله. عرفوا قدرة الحياة التي فيه.
إنّ صلاة المسيح هي مبدئيًا لأجل التلاميذ الذين قَبِلوه ولكن الأمر يمتدّ ليشمل كلّ الذين يقبلونه عبر الأجيال ويسمعون كلماته ويحفظونها ويحيونها.
كلمة راعي الأبرشية المتروبوليت أفرام (كرياكوس) في تأبين قدس الإيكونومس أنطونيوس (أنطوان) ملكي في رعيّة عفصديق بتاريخ 4 حزيران 2024
حريصٌ على صحّة الكلمة ودقيق في أفكاره ومواقفه اللاهوتيّة والرعائيّة ذلك بفضل أبحاثه الكثيفة وصلاته الفرديّة والجماعيّة في الكنيسة بعامًّة وفي الرعيّة بخاصّة.
شهِد له أبناء الكنيسة وقالوا:
أبونا طوني (كما كنّا نناديه) أخٌ عزيزٌ وأبٌ جليلٌ وبحّاثةٌ ومفكّرٌّ له وزنُه في العالم الأرثوذكسيّ، وكان على صلةٍ بأبرز اللاهوتييّن والآباء الروحيّينَ المُعاصرين.
إلّا أنّه اتّخذَ تواضعَ معلّمِهِ منهجًا. فلم ينتفخ ولم يتباهَ، بل كان يبذلُ وقته الثمين في الترجمة والتأليف، ويواظبُ على إصدار المجلة الأرثوذكسيّة الإلكترونيّة (التراث الأرثوذكسيّ The orthodox Legacy التي باتت مرجعًا لا غنى عنه لكلّ باحثٍ في العقائد والحياة الروحيّة ومواجهةِ الأفكار والتيّارات المنحرفة المعاصرة.
كان مؤمنًا غيورًا على التعاليم المستقيمة وكان متمسكًّا ومؤمنًا إلى آخِرِ نفس.
أبونا طوني كان همّه المحافظة على كلّ ذرّة تراب من رزق مار ساسين. لذلك جاهد في الحفاظ على كلّ إرثٍ أرثوذكسيّ في البلدة.
لم يتأخّر عن الإرشاد يومًا والسعي إلى تحقيق سلام العائلات على قدر المستطاع وسلام الضيعة أيضًا.
الأهمّ من كلّ هذا:
كلّ عمل قام به كان مرافَقًا بالصلاة والتسليم لمشيئة الله، مرافَقًا بالصلاة "والسجود بالروح والحقّ" كما وعظ في آخر عظةٍ قالها.
لا ننسى أنّ صلاته، ودراسته وخدمته ساعدته على أن يشهد في الجامعة من خلال عمله كدكتور وباحث في البلمند للمسيح وكنيسته.
ولا ننسى طبعًا نشاطه وأمانته ومحبّته لعائلته ولأصدقائه ولرعيّته أوّلاً.
ومن أجل كلّ ذلك يستحقّ أمام الله وأمامكم أن نمنحه رتبة الإيكونومس في الكنيسة ونقدّم له الصليب الذي حمله طيلة حياته خدمةً ومحبّةً للعائلة وللرعيّة.
نِعِمّا أيّها العبدُ الصالح الأمين. قد وُجدْتَ أمينا في القليل فسأُقيمُك على الكثير، أدخلْ إلى فرح ربّك"