الأحد 8 كانون الأوّل 2024
04 كانون الأول 2024
الأحد 8 كانون الأوّل 2024
العدد 49
الأحد (24) بعد العنصرة
اللحن السابع، الإيوثينا الثانية
أعياد الأسبوع:
8: البارّ بتابيوس المصريّ، 9: حبل القدّيسة حنّة جدّة الإله، تذكار التجديدات، حنة أمّ صموئيل النبيّ، 10: مينا الرَّخيم الصوت، أرموجانُس وافغرافُس، 11: البارّ دانيال العاموديّ، لوقا العاموديّ، الشّهيد برسابا، 12: إسبيريدون العجائبيّ أسقُف تريميثوس، 13: الشُّهداء الخمسة افستراتيوس ورفقته، الشَّهيدة لوكيّا البتول، 15: الشُّهداء ثيرسس ورفقته.
تجسد الخالق خلاص للمخلوق الأثمن
تقول ترتيلة الساعة التاسعة في برامون عيد الميلاد المجيد "اليومَ يُولَدُ من البتولِ الضابطُ الخليقَة بأسرها في قبضته... الإله الذي ثبَّت السماوات منذ البدء يتّكئ في مذود".
تُشيرُ الكلمات هذه إلى أنّه فعليًّا الذي خلقَ الخليقةَ كلَّها هو نفسُهُ الإله المتجسّد. كيف أدرك أباؤنا القدّيسون ذلك؟
يقول القدّيس أمبروسيوس إنّه عندما نقرأ في سفر التكوين نجد أنّ هناك معانيَ أسراريّةً لبعض الكلمات وبالتالي يشرحُ لنا الآباء القدّيسون، بواسطة الكشف الإلهيّ الذي حازوا عليه بواسطة جِهاداتِهم الروحيّة، كلمات الكتاب المقدّس. مثلاً، "قالَ اللهُ"، في سفر التكوين في الإصحاح الأوّل، هي عبارة كانت تسبق كلّ أمر يُخْلَق، يُشير إليها القدّيس باسيليوس الكبير على أنّها تعني عمل الابن الذي هو كلمة الله في تنفيذ مخطّط الله الآب الخلقيّ.
فالله فِعْليًّا لا يحتاج إلى موجات صوتيّة ليُظهِرَ فكرتهُ المخفيّة مثلنا نحن البشر، "الله لم يُرِد للخليقة أن توجد فحسب، بل أيضًا أن تأتي إلى الوجود من خلال شريك ما. كان بالإمكان أن تبدأ الرواية: في البدء خلق الله... ولكن يتقدّم الله كآمر ومتكلّم.
فهذا يشير إلى من يأمر (الآب) وإلى من يتكلّم معه ويوجّه له الأمر (الابن)... لقد استُعْمِلَ هذا الأسلوب في الكلام بحكمة وإتقان، كيما يحفّز عقلنا للبحث عن الشخص الذي تتوجّه إليه هذه الكلمات".
فبولس الرسول يقول إنّ: "الله خالقٌ للجميعِ بيسوعَ المسيحِ" أفسس (3: 9) "بِهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ." كولوسي (1: 16).
كذلك يشرح القدّيس إيريناوس الآيتين من المزمور (32: 6 و9): "بِكَلِمَةِ الرَّبِّ تَوَطَّدتِ السَّماواتُ، وَبِروح فِيهِ كُلُّ قُوَّتِهَا" و"لأَنَّهُ هُوَ قَالَ فَكَانُوا، هُوَ أَمَرَ فَخُلِقُوا".
أمّا القدّيس يوحنّا الإنجيليّ، فيبدأ إنجيله بالآية التالية:"فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَإِلَهًا كَانَ الْكَلِمَةُ، كُلٌّ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ."
في اليوم الخامس للخلق عندما شاء الله أن يخلق الإنسان، تغيّر أسلوب الكلام، فقال الله:"لِنَصْنَعَنَّ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ" (تكوين).
إن عبارة "لنصْنَعَنَّ الإنسان" لم تستعمل لأيٍّ من الكائنات التي كوِّنَت. من هنا نرى بأنّه يحصل تشاور خاصّ بين أشخاص الثالوث، كما يقول القدّيس باسيليوس: "(الإنسان) هو مشورة في الله ليُعْلَمَ كيف يقدَّم إلى الحياة هذا الكائن الحيّ الذي يليق به الإكرام".
قال الله "لنصنعنّ"، ليلفت انتباهنا إلى أنّه ثالوث قدّوس واحد في الجوهر، لذا لم يقُلْ لاحقًا "فخلقوا" لئلّا يشير ذلك إلى تعدّد الآلهة.
فالإنسان ظهر من هنا أثمن كلّ الخلائق. يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم إنّ الله أراد لنا، بوسائل التعبير في الكتاب المقدّس هذه، أن يظهر كرامة ما خلق.
كون الإنسان هو بالنتيجة الأثمن، لم يشأ الله أن يتخلّى عنه بالرغم من سقوطه وخطيئته، لكنّه "لَمَّا حَانَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ" (غلاطية 4: 4) ليفتدينا نحن البشر، ويجعلنا أبناء الله ووارثين لله بيسوع المسيح، له المجد والعزّة إلى الدهر. آمين.
طروباريّة القيامة باللحن السابع
حطمتَ بصليبك الموت، وفتحت للصّ الفردوس، وحوّلت نوح حاملات الطيب، وأمرت رسلك أن يكرزوا بأنّك قد قمت أيّها المسيح الإله، مانحًا العالم الرحمة العظمى.
قنداق تقدمة الميلاد باللحن الثالث
أليوم العذراء تأتي إلى المغارة لتلد الكلمة الذي قبل الدهور، ولادة لا تفسّر ولا ينطق بها. فافرحي أيّتها المسكونة إذا سمعت، ومجّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهر بمشيئته طفلًا جديدًا، الإله الذي قبل الدهور.
الرسالة: أف 2: 14-22
الربُّ يُعطي قوَّةً لشعبه
قدّموا للربّ يا أبناءَ الله
يا إخوةُ، إنَّ المسيحَ هو سلامُنا، هو جعلَ الاثنينِ واحدًا ونقَضَ في جَسدِه حائطَ السيّاجِ الحاجزَ أي العداوة، وأبطلَ ناموسَ الوصايا في فرائضِهِ ليخلُقَ الاثنين في نفسِهِ إنسانًا واحِدًا جَديدًا بإجرائه السلام. ويُصالح كلَيْهما في جَسدٍ واحدٍ معَ الله في الصليبِ بقَتلهِ العداوةَ في نفسِه. فجاءَ وبشَّركم بالسلامِ البعيدينَ منكُم والقريبين، لأنَّ بهِ لنا كِلَيْنا التوصُّلَ إلى الآبِ في روحٍ واحد. فلستُم غرباءَ بعدُ ونُزلاءَ بل مُواطِنو القدّيسينَ وأهلُ بيت الله. وقد بنيتم على أساس الرسل والأنبياءِ، وحجرُ الزاويةِ هو يسوعُ المسيح نفسُهُ الذي بهِ يُنسَّقُ البُنيان كُلُّهُ فينمو هيكلًا مقدَّسًا في الربّ وفيهِ أنتم أيضًا تُبنَونَ معًا مَسِكنًا للهِ في الروح.
الإنجيل: لو 13: 10-17 (لوقا 10)
في ذلك الزمان، كان يسوع يعلّم في أحد المجامع يومَ السبت، وإذا بامرأةٍ بها روحُ مرضٍ منذ ثماني عَشْرَةَ سنةً، وكانت منحنيةً لا تستطيع أن تنتصبَ البتَّة. فلمَّا رآها يسوع دعاها وقال لها: إنَّك مُطْلَقةٌ من مرضِك. ووضع يدَيه عليها، وفي الحال استقامَتْ ومجَّدتِ الله. فأجاب رئيس المجمع وهو مُغْتاظٌ لإبراءِ يسوعَ في السبتِ وقال للجميع: هي ستَّةُ أيَّام ينبغي العملُ فيها. ففيها تأتون وتَسْتشْفون لا في يوم السبتِ. فأجاب الربُّ وقال: يا مُرائيّ، أليس كلُّ واحدٍ منكم يَحُلُّ ثورَهُ أو حمارَهُ في السبتِ مِنَ المذودِ وينطلِق بهِ فيسقيه؟ وهذه ابنةُ إبراهيمَ التي رَبَطها الشيطانُ منذ ثماني عَشْرَةَ سنةً، أمَا كان ينبغي أنْ تُطلَقَ مِن هذا الرباط يومَ السبت؟ ولمّا قال هذا خَزِيَ كلُّ مَن كان يُقاومهُ، وفرح الجمْعُ بجميعُ الأمور المجيدةِ التي كانت تَصدُرُ منهُ.
حول الرسالة
يصف الرسول بولس في مقطع اليوم من رسالته إلى أهل أفسس المسيحَ بأنّه "هو سلامنا الذي جعل الاتنين واحدًا ونقض حائط السياج المتوسّط".
لأنّ فكره يتجّه هنا نحو عمل المسيح السلاميّ والموحّد وسط العالم ونحو غنى المحبّة الإلهيّة الذي يصالح بين الجماعتين المتعاديتين ليمنح السلام.
ومن بداية الرسالة يتكلّم على السلام، وعلى مصالحة الإنسان مع الله ومع قريبه ومع نفسه.
لكن هنا في هذا المقطع بالتحديد، نجد قمّة تعمّق الرسول اللاهوتيّة في معنى السلام الذي يتوحَّد في آخر المطاف مع الخلاص ومع المسيح نفسه الذي تنبّأ عنه النبيّ أشعياء قائلًا:"يولد لنا ولدٌ... إلهًا قديرًا أبًا أبديًّا رئيس السلام" وبالتالي المسيح هو الذي "يجعل الاثنين واحدًا" أي الوثنيّين واليهود الذين يشكّلون فيما بعد "واحدًا" جديدًا بالكلّيّة.
أما القسم الثاني من الآية:"أنّ المسيح نقض حائط السياج المتوسّط أي العداوة؟"
فثمّة إختلاف في الآراء حيث يذهب بعض المفسّرين الحديثين إلى القول إنّ الحائط هنا هو حائط هيكل سليمان الذي كان يفصل ساحة اليهود عن ساحة الأمم، وكانت عليه كتابة تمنع الوثنيّين من اجتيازه تحت طائلة الموت.
فكان هذا الحائط شاهدًا على العداوة مدى السنين. بينما رأى الآباء المفسّرون أنّ فكر بولس يتوجّه هنا إلى معنى أبعد من ذلك. يتوجّه إلى الحاجز الذي خلق عداوة بين الله والبشر، والأصحّ إلى عداوة الناس لله لا العكس، وهذا الحائط أو الحاجز هو الخطيئة.
ويَطرح السؤال نفسه عمّا إذا كان هذا التفسير ينسجم مع المعاني التالية (أف 2: 14-15).
حيث يتكلّم بولس على اتّحاد اليهود والوثنيّين المتعادين بينما يتكلّم في الآيتين 16-17 على اتّحاد الجميع مع الله في "جسد واحد" و"روح واحد".
وهنا تأتي الصعوبة كامنة في تحديد الصلة بين "الناموس أف 2: 5 و العداوة" آية 2: 14-15.
فإذا كانت الآية "مبطلًا بجسده ناموس الوصايا تشكّل توضيحًا لكلمة "عداوة" كما يقول المفسّرون الحديثون، فكيف يكون عند ذلك للعداوة أن تشير إلى علاقات الله مع البشر، وليس إلى العلاقة بين اليهود والوثنيّين؟
من أجل الوصول الى تفسير دقيق اضطر الآباء المفسّرون إلى أن يربطوا بصورة وثيقة بين أمرين أوّلًا إبطال العداوة أي الخطيئة التي هي حاجز يمسك الإنسان بعيداً عن الله (الآية 14) وثانياً إبطال الناموس (الآية 15) الأمران اللذان تحقّقا "بجسده" أي بموت المسيح على الصليب.
وما يكتبه ثيوذورثيوس يوضح كلّ ذلك بأجلى بيان بقوله: "لقد أصبح رئيسًا للسلام وأبطل الناموس وكأنّه حائط يتوسّطنا فرفضه. أبطل العداوة مع الله مقدّمًا جسده لأجل خلاصنا وقد أوحى هذا التفسير الآبائيّ ترانيم كثير في الكنيسة.
في الآية 16 إضافة إلى المعنى الخريستولوجيّ "الإنسان الجديد" نجد أيضا البعد الإكليزيولوجيّ الكنسيّ لعبارات بولس فمصالحة الاثنين ليست فقط فيما بينهما بل أيضًا المصالحة مع الله الحاصلة "في جسد واحد" الذي رأسه المسيح وهو الكنيسة. ومحور الكلام هو عليه في الرسالة كلّها.
من الصعب جدًّا تفسير المقطع كلّه في كلام محدود لكنّ الإضاءة على الأفكار الأساسيّة كانت الهدف. والخلاصة هي أنّ كلمة "لأنّ" (أف: 18) تحتّم الوحدة القائمة في الآيات السابقة والتي تلتها. وهذه الوحدة تؤكّد في النهاية على أنّ الكلّ (القريبين والبعيدين) يستيطعون "بروح واحد" أن يقتربوا من الله الآب، و"الروح الواحد" هو الروح القدس الذي يجمع الكنيسة في جسد واحد رأسه المسيح.
الوصايا والضمير
إنّ الإنسان أو الجماعة عندما تنحرف عن أصالتها الإنسانيّة تفقد استقامة رؤيتها لمسلك حياتها وتتمسّك بالمظاهر على حساب الجوهر. هذا ما حصل مع الرئاسة الدينيّة للشعب اليهوديّ زمن يسوع في ما خصّ وصيّة حفظ السبت ومجمل الوصايا.
أعطى الشعب اليهوديّ أهميّة قصوى لهذه الوصيّة اقتداءً بالله الذي، على حسب وصيّة الكتاب، "فيه استراح الربّ من كلّ أعماله، وبارك اليوم السابع وقدّسه" (تك، 2، 2ـ 3).
وأمرت إحدى الوصايا العشر بالامتناع عن العمل يوم السبت (خر20، 8 ـ 11 ، تث5، 13) وحكمت على من يتعدّى هذه الوصيّة بالموت ( عدد 15، 32 ـ 36) وطُلب من الإنسان أن يقدّس هذا اليوم بإتمام إرادته.
ما هي إرادة الله أصلًا؟ حسب روح الكتاب هي محبّة الله والقريب، "بهاتين الوصيّتين يرتبط كلام الشريعة والأنبياء" (متّى 22، 40).
تقديس يوم السبت يتمّ لا بالامتناع عن العمل خلاله وحسب بل بصيانة ناموس الله القائم أساسًا على المحبّة.
لكنّ يهود تلك الحقبة أفرغوا هذه الوصيّة من مضمونها الحقيقيّ وحوّلوها إلى مجموعة فرائض تُنهي عن العمل في ذلك اليوم. كان من الطبيعيّ أن يصطدم الربّ مع هذه الممارسات، وحادثة إنجيل اليوم نموذج لهذا التصادم.
أراد رئيس المجمع استفزاز يسوع بأمرين: أوّلهما عدم اعتباره شفاء المرأة من قبل يسوع عملًا عجائبيًّا بل مجرّد تطبيب واستشفاء لا يتعدّى حدود الطبيعة، "هي ستّة أيّام ينبغي العمل فيها، ففيها تأتون وتستشفون لا في يوم السبت".
ثانيهما أنّه أراد أن يظهر يسوع متعدِّيًا الشريعة وهو في الأصل واضعها.
حتّى اليوم لا تزال مشكلة التصادم بين الوصيّة والضمير قائمة. والمسيحيّون يقعون ضحيّة هذا التصادم الظاهريّ.
هل المطلوب تطبيق الوصايا؟ بالتأكيد نعم. لكن ليس تطبيقًا حرفيًّا وظاهريًّا. وضِعت الوصايا لخلاصنا وهي ضروريّة لهذا الخلاص، أهميّتها في أنّها تقودنا إلى الخلاص.
أمّا إذا أُفرِغت من المحبّة صارت سبيلًا لسحق الإنسان وهلاكه. لذا لا بدّ لمبدأ المحبّة أن يسوس جميع الوصايا ليعطيَها معناها وغايتها الحقيقيَّين.
إذا استعرضنا الوصايا نلاحظ مسافة قصيرة تفصل بين الوصيّة وبين رذيلةٍ تربض في ظلّها لتنقضّ على من يطبّق الوصيّة دون محبّة. المسافة ضئيلة جدًّا بين إكرام الوالدين وبين مجاراتهما في مخالفة وصايا أخرى، بين الامتناع عن القتل وبين الشتم والنميمة، بين عدم الزنى وبين الشهوة وزنى القلب وحبّ المال، بين الامتناع عن شهادة الزور والقسَم. ولا ننسى الكبرياء والمجد الباطل اللذين يظلّلان مجمل الوصايا.
لا نفرحنّ عندما نطبّق الوصايا فحسب بل فرحنا الأعظم في أن يكون تطبيقنا لها نابعًا من المحبّة التي تنقذنا من براثن الكبرياء وحبّ الظهور.
أخيرًا، عندما نواجه حالة تتطلّب منّا تخطّي حروف الوصايا، فلنسأل أنفسنا بصدق: هل نفعل هذا بدافع المحبّة التي لا تطلب لذاتها أم بدافع محبّة الذات وتحقيق مصالحها ورغائبها؟
ميلاد الرجاء
عادت بي الذكرى إلى تاريخ قديم، تاريخ يحكي معاناة المسيحيّة التي كانت تشقّ دربها بين مغريات الوثنيّة ومطرباتها.
معاناة تحكي الفرح الذي لا يُنزع أمام سعادة مثيرة تداعب مشاعر البشر.
في مثل هذا التاريخ كان عيد الشمس، تلك القوّة الهائلة التي تدفئ وتحرق، وكان الاحتفال به أشبه بكباريهات اليوم حيث كلّ شيء متاح.
حكمة الكنيسة دعت آنذاك إلى الفصل بين عيدي الظهور والميلاد (6 ك2) لتجتذب أبناءها من هوّة اللذة الآنيّة إلى رحاب الملكوت الآتي. فأقرّت يوم 25 كانون الأوّل عيدًا للميلاد.
ربّما وُفّقت حينئذٍ بمسعاها، لكنّ المعاناة ما زالت مستمرّة. فالطوق الوثنيّ محكمٌ على أذهاننا، فالخطيئة تشدّك وتغريك وتتمايل أمامك بجمالها لتحوِّل كلّ شيء إليها.
وإن تأمّلت ترى النزعة نفسها تسري في الدماء فتحوِّل سهرة الميلاد إلى نوادٍ للقمار، ودعوات تلفتك إلى لقاء مع راقصة ما، والكؤوس تلاقي بعضها متعبّدة للشهوات والأنانيّة.
وتبقى حكمة الكنيسة تنادي أبدًا: أنصفوا البائسين اعتنوا بالأيتام وأضيفوا الغرباء ليحيا الرجاء في قلوبكم قبل قلوبهم، وينبعث نور المسيح الآتي عبر العتمة التي يتربع فيها أغلبيّة الناطقين.
دعوتنا إلى ترجمة حيّة لفكر المسيح واستنباط وسائل جديدة تساهم في انتشال أرجل أبنائنا، من أوحال متحرّكة تبتلعهم، ليحيا المسيح في نفوسهم، إنّ الله حاضر بيننا حقًّا، وعالمٌ أنّنا نكدّ ونتعب ونشقى ساعين بجهدٍ وراء لقمة العيش، وبسمة تشتاق أنفسنا إليها، وأنّنا نتلمّس فرحة نقطفها من السماء.
وإنّها حاضرة بكلّ ما فيها من حبّ وتضحية بكلّ غالٍ ورخيص، مخاطبة إيّاهم برجاء الميلاد الذي يتأجّج فيها.