الأحد 14 نيسان 2024

الأحد 14 نيسان 2024

11 نيسان 2024

الأحد 14 نيسان 2024
العدد 15
الأحد الرابع من الصوم
اللحن الرابع، الإيوثينا الأولى

أعياد الأسبوع:


14: يوحنّا السلميّ، أريسترخس وبوذوس وتروفيمس وهم من الرُّسل السبعين، 15: الشهيد كريسكس،16: الشّهيدات أغابي وإيريني وشيونية الأخوات العذراى، القدّيسة غاليني، 17: الشهيد في الكهنة سمعان الفارسيّ ورفقته، 18: (خميس القانون الكبير)، البارّ يوحنّا تلميذ غريغوريوس البانياسيّ، 19: الشّهيد في الكهنة بفنوتيوس، المديح الكبير، 20: البارّ ثاوذوروس الشعريّ، آنستاسيوس بطريرك إنطاكية المعترف، القدّيس زكّا العشّار.


السلّم إلى الله

في الصوم الكبير المقدّس نقرأ كتاب السلّم إلى الله للقدّيس يوحنّا السلّميّ الذي عاش في بريّة سيناء في القرن السابع ميلاديّ.

يعلّمنا القدّيس من خلال كتابه أن نجاهد أوّلًا بقوّة ضدّ الأمور الأرضيّة من أجل اكتساب الفضائل التي هي للأمور السماويّة. "ملكوت السموات يُغتصب اغتصاباً والغاصبون يأخذونه بالقوّة". (متّى 11: 12).

بعد هذه المرحلة يمكن لنا أن نتمتّع بهذه الطراوة في اتّباع وصايا الله.
يقول القدّيس إسحق السريانيّ: "لن تختفي الأهواء السيّئة ولن تتوقّف الأفكار الباطلة بدون الصحراء" le désert”.

إنّ القدّيس يوحنّا السلّمي في عهده لم يعرف لا التلفزيون ولا الإنترنت، عاش في صحراء سيناء لكنّه أنمى الشعورَ بالتوبة والندامة Repentir وبعدها بدأ الصعود الروحيّ على سلّم الفضائل: 

يصارع ضدّ الغضب La Colére وضدّ الفسق والفجور وبعد كلّ ذلك باستطاعتنا اكتساب التواضع، الوداعة والصبر والمحبّة.

الحياة الروحيّة كما يقول القدّيس تنمو تدريجيّاً على السلّم  monter par degrés
لا تنمو الحياة الروحيّة بمجرّد اشتراكنا في القدّاس الإلهيّ نهار الأحد. 

علينا أن نحارب أهواءنا السيّئة السلبيّة وبخاصّة الأنانيّة Le moi: égoisme  عندها نكتسب الشعور برحمة الربّ ونكتسب أيضًا حسّاً روحيّاً يلمس قلبنا عن طريق الروح القدس.

كتاب "السلّم" يبدو للوهلة الأولى قاسياً ولكن بعد الفحص والتدقيق، بعد الجهاد ضدّ الأهواء السيّئة كما ذكرنا، نلمس حنوَّ وحنانَ كتابات القدّيس يوحنّا السلّميّ التي تبثّ شيئاً من الفرح في قلوبنا La Joie
وأيضًا الدفء chaleur والإلفة مع الله التي كانت كامنة كبزرة في المعموديّة germe نمت وأعطت أخيراً أثماراً طيّبة.

  + أفرام
 مطران طرابلس والكورة وتوابعهما


طروباريّة القيامة باللحن الرابع

إنّ تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجّدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى

طروباريّة القدّيس يوحنّا السلّميّ باللحن الثامن

للبرَّيّة غَير المُثمرة بمجاري دُموعِك أمْرعتَ، وبالتنهُّداتِ التي منَ الأعماق أثمرْتَ بأتعابك إلى مئةِ ضِعفٍ، فَصِرتَ كَوكَباً للمَسْكونةِ مُتلألئاً بالعجائِب يا أبانا البارَّ يوحنّا. فتشفَّعْ إلى المسيح الإله في خلاصِ نفوسِنا.

القنداق باللحن الثامن

إنّي أنا عبدَكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُندِيَّة محامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقذةٍ مِنَ الشدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّة التي لا تُحارب أعتقيني من صُنوفِ الشَّدائدِ، حتّى أصرُخَ إليكِ: إفرحي يا عروساً لا عروسَ لها.

الرسالة: عب 6: 13-20
الربُّ يُعطي قوّةً لشَعبْه
قدّموا للرّبّ يا ابناءَ الله

     

يا إخوةُ، إنَّ اللهَ لما وَعَدَ إبراهيمَ، إذ لم يُمكِن أن يُقسِمَ بما هُوَ أعظَمُ منهُ، أقسَمَ بنفسِهِ قائلاً: لأباركَنَّكَ بركةً وأُكثِّرنَّكَ تكثيراً. وذاك إذ تَأَنَّى نالَ الموعد. وإنّما الناسُ يُقسِمونَ بما هُوَ أعظَمُ منهمُ، وتنْقَضي كلُّ مُشاجَرَةٍ بينَهم بالقَسَم للتَّثْبيتِ. فَلِذلك، لمَّا شاءَ اللهُ أنْ يَزيد وَرَثَةَ الموعِد بَيَاناً لعدَمِ تَحوُّلِ عزْمِهِ، توسَّط بالقسَم حتَّى نَحصُلَ، بأمْرَيْنِ لا يتحوَّلان ولا يُمكِنُ أن يُخِلِفَ اللهُ فيهما، على تعْزيَةٍ قويَّة نحنُ الذين التجأنَا إلى التَّمَسُّكِ بالرَّجاءِ الموضوعِ أمامَنا، الذي هو لنا كَمِرساةٍ للنّفْسِ أمينةٍ راسِخة تَدْخُلُ إلى داخِلِ الحِجاب حيث دَخَل يسوعُ كسابقٍ لنا، وقَدْ صارَ على رُتبةِ مليكصادَق، رئيسَ كهنةٍ إلى الأبَدِ.


الإنجيل: مر 9: 17-31

في ذلك الزمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ وسَجدَ له قائلاً: يا مُعَلِّمُ قد أتيْتُك بابْني بِه روحٌ ْأبْكَم، وحيثما أخذهُ يصرَعُهُ فيُزبِدُ ويصرفُ بأسنانِه وَييبَس. وقد سألتُ تلاميذَكَ أن يُخرجوهُ فلم يَقدِروا. فأجابَهُ قائلاً: أيُّها الجيلُ غيرُ المؤمِن، إلى متى أكونُ عِندَكُم، حتّى متى أحتْمِلُكُم؟ هَلمَّ بهِ إليَّ. فأتوهُ بهِ. فلما رآهُ للوَقتِ صَرَعَهُ الروحُ فسَقَطَ على الأرضِ يَتَمَرَّغُ ويُزبدُ. فسأل أباهُ: منذ كَمْ مِنَ الزمان أصابَهُ هذا؟ فقالَ: مُنذُ صِباهُ، وكثيراً ما ألقاهُ في النار وفي المياهِ ليُهلِكَهُ، لكنْ إنّ استَطَعْتَ شيئاً فَتَحَنَّنْ علينا وأغِثنا. فقال لَهُ يسوعُ: إن استَطَعْتَ أن تُؤمِنَ فكُلُّ شيءٍ مُستطاعٌ للمؤمِن. فصاحَ أبو الصبيّ مِنْ ساعَتِه بدموع وقالَ: إنّي أُومِنُ يا سيِّد، فأغِث عَدَم إيماني.
فلمّا رأى يسوعُ أنَّ الجميعَ يتبادَرون إليهِ انتهَرَ الروحَ النجِسَ قائلاً لَهُ: أَيُّها الروحُ الأبْكمُ الأصَمُّ، أنا آمُرُكَ أن اخْرُجْ مِنهُ ولا تعُدْ تَدخُلُ فيه، فصرَخَ وخبَطهُ كثيراً وخرجَ مِنهُ فصارَ كالمَيْت، حتّى قال كثيرون إنَّه قدْ ماتَ. فأخذَ يسوعُ بيدِه وأنهضه فقام. ولما دخلَ بيتًا سأله تلاميذه على انفراد: لماذا لم نستطع نحن أن نخرجَه؟ فقال لهم: إنّ هذا الجنسَ لا يُمكِنُ أن يخرجُ بشيء إلّا بالصَّلاة والصَّوم. ولما خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِدْ أن يدريَ أحَدٌ، فإنّه كان يُعَلِّمُ تلاميذَه ويقولُ لهم: إن ابنَ البشرِ يُسَلَّمُ إلى أيدي النَّاس فيقتُلُونَهُ وبعد أن يُقْتَلَ يقومُ في اليوم الثَّالِث.


في الإنجيل

رتّبت الكنيسة تذكار القدّيس يوحنّا السلّميّ واضع كتاب "السلّم إلى الله"، في الأحد الرابع من الصوم، لتؤكّد لنا أنّ محاربة الشرير والتقدّم الروحيّ يتمّان بصورة تدريجيّة وكأنّنا نصعد سُلّمًا يوصلنا إلى الله عن طريق الجهاد والكفاح واكتساب الفضائل.

في إنجيل اليوم نسمع الربّ يتكلّم مع تلاميذه، ويخبرهم أنّه صاعد إلى أورشليم ليُصلب، وبصلبه أصبح الصليب سُلّمًا ينقُلُنا من الأرض إلى السماء ومن الموت إلى الحياة.

رُبَّ سائلٍ يسأل: هل الشيطان موجود؟ هل فعلًا يستطيع التدخّل في قراراتنا وتصرّفاتنا؟
لو لم يكن الشيطان موجوداً هل كان آدم سيسقط من عدن؟! 

هذا الشيطان الّذي ساهم بإسقاط آدم الأوّل، لم يواجه الربّ كإله إنّما حاول إسقاطه كإنسان، فرأينا آدم الثاني منتصراً غالباً الشرير، معلّماً إيّانا سُبُلَ المواجهة، سُبُلاً هي بمثابة أسلحة نتغلّب بها على التجارب في طريق صعودنا إلى الله، وهذه السبل تكمن في الإيمان بعيدًا عن الشكّ وفي الصوم والصلاة.

بالنسبة إلى الإيمان نرى الأب الّذي وقع فريسة شكّه مخاطباً السيّد بقوله "إن كنت تستطيع شيئاً..." وهو شكّ عَمِلَ السيّدُ على تبديده بإرشاد الأب إلى أنّ الايمان هو الطريق لشفاء ابنه العاجز أمام سيطرة الشرّير عليه وذلك عندما خاطبه قائلاً:

"كلُّ شيء مُستطاعٌ للمؤمن"، وبصرخة الأب "أؤمن يا سيّد فأعن عدم إيماني" وبدموعه وملء إرادته تمّ شفاء الابن، ومن هنا علينا أن نَعي أنّ الإيمان المصحوب بالتواضع والتسليم الكامل للربّ هو طريقٌ للخلاص.
وبالنسبة للصلاة والصوم سمعنا الربّ الذي صام أربعين يوماً، قائلاً "هذا النوع لا يخرج إلّا بالصلاة والصوم". 

فالصلاة والصوم هما السلاح الّذي أرشدنا إليه السيّد، فبالصلاة تنشَلُّ كلّ قوى النفس الشريرة، وبالصوم نكبح جَماح الأهواء، فالصلاة لا تكون صحيحة إلّا متى كانت نابعة من القلب فتنقّي النفس. 

كذلك الصوم الصحيح ليس هو قهر وتعذيب للجسد وليس مُجَرّد انقطاع عن الطعام، أو عن أطعمة مفضّلة، إنّما هو وَسيلة تُمكّننا من إخضاع الجسد للنفس النقيّة في سعينا للتغلّب على الأهواء والعقبات التي تحول دون صعودنا درجات السلّم المؤدّي إلى الله. 

اليوم، كما في كلّ الأزمنة، يقف الإنسان المسيحيّ أمام تحدّيات وظروف صعبة قد تكون قاهرة، فعلينا أن نُؤمن بما لا يقبل الشكّ بأنّ السيّد لن يتخلّى عنا، متمسّكين بما علّمنا إيّاه عن أهميّة الصوم والصلاة، متوجّهين إليه دائمًا وأبدًا بقلوب نقيّة صارخين "نؤمن يا ربّ فأعن عدم إيماننا" وأهّلنا أن ندخُل ديارك بجوار قدّيسيك، لك وحدك المجد إلى أبد الدهور، آمين.


سلّم الصعود إلى الله

منذ البدء خلقنا الله لنصعد، لا لنكون جامدين. خلق في طبيعتنا ذاتها هذا الشوق للصعود والارتفاع إلى فوق حيث يوجد الله. كتاب "السلّم إلى الله" أو "سلّم الفضائل"، سمّي كذلك لأنّه يحتوي على درجات الفضائل التي تصعد بنا نحو معاينة الله. 

يتكلّم الكتاب على الارتقاء من المراحل الأولى للحياة الروحيّة وصولاً إلى الكمال الإلهيّ. إنّه يمتدّ من الأرض إلى السماء، على مثال السلّم الّذي عاينه يعقوب (تك12:28): 

"إنّ الفضائل البارّة تُشبه سلّم يعقوب... تُصعد من يختارها إلى السماء بنقلها إيّاه من درجة إلى أخرى". هكذا يُعرّف القدّيس يوحنّا السلّميّ، هذا السلّم الّذي وضعه للوصول إلى سماء الحياة الأبديّة. 

يُعتبر الكتاب دليلاً ومرجعاً كاملاً لكلّ الحياة الرهبانيّة، لأنّه يدخل بعمق في صلب النفس البشريّة وأهوائها وضعفاتها ويعرض جهاداتها الروحيّة؛ فالحياة الحاضرة ليست سوى حلبة صراع روحيّ، ليس فقط للراهب، إنّما لكلّ مسيحيّ يُريد أن يخلص وينال إكليل الغلبة من المسيح الغالب. السلّم يُعبّر عن هذا الشوق إلى الله الّذي لا يعرف حدوداً إلّا في هذا اللقاء المباشر للإنسان مع الله. 

فجبل سيناء بالنسبة له ليس سوى ثابور آخر حيث يتجلّى الله ويكشف مجده. 
طريق الخلاص، بحسب السلّميّ، هي مسيرة من العمل إلى الثيوريّا. 

لا يوجد معنى لهذه الحياة التي نحياها على هذه الأرض إلّا من خلال عبورنا حياة الزهد في هذا العالم، والنسك ومصارعة الأهواء والشياطين الّذين لا يملّون من محاولة إسقاط الإنسان في الخطيئة. يقول السلّميّ عن هؤلاء الشياطين: 

"إنّ لنا أعداء مخفيّين لا يُحصون، أعداء أشراراً، هم حقًّا قساة، غاشون، أشرار، أقوياء، لا ينامون، غير منظورين وغير هيوليّين، يمسكون النار بأيديهم ويهمّون على حرق بيت الله بلهيبها المستعر في داخلهم". 

لهذا فإنّ الراهب في حرب لا تتوقّف، أوّلاً ضدّ محبّة الذات؛ في جهاد مستميت لتطهير الإنسان الداخليّ، بالتواضع والتوبة. 

وهذا ليس سوى تبكيت للعقلانيّين الّذين يعيشون الحياة المسيحيّة نظريّاً. وتتحوّل مسيرة العقلانيين الّذين يُقاومون الحياة النسكيّة، إلى مسيحيّة أخلاقيّة اجتماعيّة، يكون الله فيها صنمًا، ليس أكثر من فكرة مُجرّدة في العقل. 

مَن يُمكنه أن ينتصر على الشياطين من دون التواضع، والتواضع من دون الطاعة. يقول السلّميّ: "لقد رأيت رجالاً لهم نحو خمسين سنة في الطاعة الكاملة، توسلّت إليهم لأعرف أيّة تعزية اقتنوا من تعب هذا مقداره. فبعضهم قال لي إنّه بلغ إلى لجّة التواضع، وبه يردّون عنهم كلّ الهجمات. 

وآخرون إنّهم بلغوا إلى حالة تامّة من عدم الحسّ، وسكون النفس وسط الافتراءات والإهانات". الطاعة هي تمثُّل بالمسيح، آدم الجديد، ورفض لسقطة آدم القديم. 

الطاعة تقود بأمان إلى التواضع. بحسب السلّميّ، الراهب الشكور المطيع، يعلم يقينًا، أنّه وإن أقام أمواتًا، أو اقتنى دموعًا... ينسب ذلك كلّه إلى صلوات أبيه الروحيّ"، وبهذا يظلّ غريباً عن العُجب والغرور والمجد الباطل. 

الصبر على الضيقات واحتمال التحقيرات والإهانات يشفي النفس من هوى الغضب المتولّد من الكبرياء، ويقودها تدريجيًّا نحو اللاهوى. الكبرياء، علّة السقطات كلّ، ومنها يولد التجديف وكلّ الأهواء المميتة. 

"بهذا يعرف الجميع أنّنا تلاميذ الله: لا لأنّ الشياطين تخضع لنا، ولكن لأنّ أسماءنا قد كُتبت في سماء التواضع". 
في كلامه عن الراهب، يقول السلّميّ، إنّه المغمور بحسّ الحياة الأبديّة التي جعلها هدفاً لحياته الأرضيّة. 
لهذا الهدف يدخل في حلبة إنكار الذات والتخلّي عن كلّ ما يتعلّق بهذه الحياة الحاضرة. إنّه الّذي "لا يجرح ضمير أخيه"، بل "يبكي لأجل خطايا أخيه ويفرح لتقدّمه". 

فما يُميّز الكتاب هو تشديده على دقّة الحياة الروحيّة، فهو لا يقبل إطلاقًا أيّة مساومة أو تسوية أو حلّ وسط في طريقة الحياة الروحيّة والنسكيّة. إنّ هذه الحياة تتطلّب تكريساً كاملاً. 

لهذا تحتاج المسيرة الروحيّة إلى مرشد وسيط، أب روحيّ، يُسمّيه السلّميّ، الطبيب الشافي والوسيط والعرّاب، كموسى آخر ضروريّ لكلّ الّذين يرغبون بالهرب من فرعون العقليّ وعبور بحر الخطيئة وعماليق الأهواء".
المقالات الثلاث الأولى هي مقدّمة، تتكلّم عن الزهد في هذا العالم وفي كلّ ما فيه، وعدم التعلّق بشيء والغربة. 
الزهد في هذا العالم، الزهد الداخليّ والخارجيّ، يُشكّل الأساس المسبق لكلّ ارتقاء روحيّ. 

المقالات الأربعُ التالية تتكلّم على أساسات المسيرة الروحيّة: الطاعة، التوبة، ذكر الموت، والحزن البهج. 
التوبة هي تجميع الذهن في الأمور الإلهيّة، والثبات في التوبة يقود إلى محبّة الله. التوبة تغلب الموت، لهذا، يقول إنّ "الارتعاب من الموت هو دليل خطايا لم نتب عنها". 

في هذه التوبة، الدموع الطبيعيّة تتحوّل إلى دموع روحيّة، عطيّة النعمة الإلهيّة، وهي تجديد حقيقيّ لمعموديّتنا الأولى ومحو لكلّ خطايانا، وعلامة على التجلّي المدعوّ إليه الجسد. يقول السلّميّ: 

"حين تفيض محبّة الله في النفس، تنكشف محبّته في جسده، كما في مرآة، وهي بهاء نفسه، مثل ذلك الّذي اختبره موسى حين صار وجهاً لوجه مع الله". 
درجات السلّم تفتح شهيّة النفس لتنوح على خطاياها مستندة على ذكر الموت، ولتنموَ في حياة الصلاة والتوبة؛ التوبة التي تجعل النفس عديمة الحسّ كليًّا تُجاه الذمّ وتُجاه المديح معًا. 

بعد هذه المقالات الأربع وحتّى المقالة 26، يُناقش السلّميّ الحياة العمليّة، وطرق اقتلاع الأهواء واقتناء الفضائل. 

الفصول الأربعة الأخيرة تتكلّم على الثمار الحلوة للتعب النسكيّ وغلبة الأهواء كلّها، وبلوغ الهدوء المقدّس، والصلاة المباركة واللاهوى الإلهيّ. 
السلّميّ هو الأوّل بين الآباء بذكره بوضوح "صلاة يسوع" وطرق ممارستها. 
"الصلاة المباركة هي حوار واتّحاد للإنسان مع الله". إنّه يدعو إلى الصلاة المستمرّة: "ليرافقك ذكر الموت وصلاة يسوع في نومك ونهوضك". 

هذه هي العبادة الحيّة التي لا تتوقّف للربّ يسوع المسيح. فالصلاة هي تجميع الذهن إلى ذاته، ولا يمكن للذهن أن يصعد إلى الله إلّا بعد أن يجمّع ذاته من التشتّت، عبر الحواسّ، في الأمور الخارجيّة كلّها. 

فالصلاة هي "سلاح ضدّ الشياطين"، "اجلد أعداءك باسم يسوع، فإنّه ليس من سلاح أقوى لا في السماء ولا على الأرض". 
إنّها ثمرة الطاعة التي لا تَخطأ، والوداعة التي قال الربّ عن أصحابها إنّهم "يرثون الأرض". 
الملكوت نفسه سيكون أرض الودعاء والمساكين بالروح، أرض الّذين "رووا بهدوئهم شهوتهم الإلهيّة الملتهبة التي لا ترتوي، فأضرموا ناراً بنار وعشقاً بعشق وشوقاً بشوق". 

هكذا تقتني النفس المجاهدة سلام الملكوت الداخليّ، سلاماً لا iيهتزّ، ولا يضطرب لا أمام التجارب والأحزان ولا أمام الموت نفسه. هذا هو الانتصار على العالم. يقول قدّيسنا: 
"ماذا لي في السماء؟ لا شيء؛ وماذا أشتهي على الأرض غيرك؟ لا شيء؛ فقط أن ألتصق بك بالصلاة من دون تشتّت. 

فبعضهم يشتهي غنى، آخرون مجدًا، وآخرون قنية؛ أمّا أنا فرغبتي أن ألتصق بالربّ وأن أحفظ اتّحادي غير المنقطع به".
هذه المسيرة الروحيّة، بحسب السلّميّ، ليست أخلاقيّة، إنّما تنطلق من إيمان مستقيم بيسوع المسيح. لهذا، حين يسأل أحدهم "ما هي أعظم الخطايا عدا القتل والجحود"؟ يُجيب "السقوط في الهرطقة". 

إنّ هذا الكتاب النسكيّ هو مدرسة حقيقيّة في تدريب الإنسان على الصراع ضدّ الأفكار والسيطرة عليها؛ وبلوغ حالة اللاهوى وما يتبعها من درجات الارتقاء الروحيّ وصولاً إلى القمّة التي تعلو كلّ القمم: المحبّة الإلهيّة. 
يُسمّيها يوحنّا رايثو "الألواح الروحيّة"، وهذا كان اسم الكتاب في المخطوطات القديمة. الألواح، كتلك التي تلقّاها موسى، مخطوطاً عليها الناموس الإلهيّ. 
وهكذا، بعد الكلام على الإيمان والرجاء، يبلغ إلى المحبّة الإلهيّة التي هي رأس السلّم وقمّة وغاية كل الفضائل. 

المحبّة الإلهيّة أو العشق الإلهيّ ليسا صوراً أو رموزًا، إنّما هما فوق كلّ شيء قوى إلهيّة. 
"إذا كانت المحبّة لا تنتهيّ أبداً، فحدود هذه المحبّة غير متناهية، لأنّنا مهما تقدّمنا فيها لن نصل إلى النهاية، لا في هذا الدهر ولا في الآتي". 
لهذا وصيّة السلّميّ الأخيرة هي: "اصعدوا يا إخوة اصعدوا".
بقول قدّيسنا: "ماذا لي في السماء؟ لا شيء؛ وماذا أشتهي على الأرض غيرك؟ لا شيء؛ فقط أن ألتصق بك بالصلاة من دون تشتّت. 
فبعضهم يشتهي غنى، آخرون مجدًا، وآخرون قنية؛ أمّا أنا فرغبتي أن ألتصق بالربّ وأن أحفظ اتّحادي غير المنقطع به".

هذه المسيرة الروحيّة، بحسب السلّميّ، ليست أخلاقيّة، إنّما تنطلق من إيمان مستقيم بيسوع المسيح. لهذا، حين يسأل أحدهم "ما هي أعظم الخطايا عدا القتل والجحود"؟ يُجيب "السقوط في الهرطقة". 

إنّ هذا الكتاب النسكيّ هو مدرسة حقيقيّة في تدريب الإنسان على الصراع ضدّ الأفكار والسيطرة عليها؛ وبلوغ حالة اللاهوى وما يتبعها من درجات الارتقاء الروحيّ وصولاً إلى القمّة التي تعلو كلّ القمم: المحبّة الإلهيّة. 

يُسمّيها يوحنّا رايثو "الألواح الروحيّة"، وهذا كان اسم الكتاب في المخطوطات القديمة. الألواح، كتلك التي تلقّاها موسى، مخطوطاً عليها الناموس الإلهيّ. 
وهكذا، بعد الكلام على الإيمان والرجاء، يبلغ إلى المحبّة الإلهيّة التي هي رأس السلّم وقمّة وغاية كل الفضائل. 

المحبّة الإلهيّة أو العشق الإلهيّ ليسا صوراً أو رموزًا، إنّما هما فوق كلّ شيء قوى إلهيّة. 
"إذا كانت المحبّة لا تنتهيّ أبداً، فحدود هذه المحبّة غير متناهية، لأنّنا مهما تقدّمنا فيها لن نصل إلى النهاية، لا في هذا الدهر ولا في الآتي". 
لهذا وصيّة السلّميّ الأخيرة هي: "اصعدوا يا إخوة اصعدوا".