الأحد 19 آذار 2023 

الأحد 19 آذار 2023 

16 آذار 2023

الأحد 19 آذار 2023 
العدد 12
الأحد الثالث من الصوم   
اللحن 7- الإيوثينا 7


أعياد الأسبوع:

19: (السجود للصليب المقدّس)، تذكار خريسنثوس وداريّا ورفقتهما،20: تذكار الآباء الـ 20 المقتولين في دير القدّيس سابا،21: الأسقف يعقوب المعترف، والبارّ سرابيون، 22: تذكار الشّهيد باسيليوس كاهن كنيسة أنقرة، 23: تذكار الشَّهيد نيكن وتلاميذه الـ 199 المستشهدين معه، 24: تقدمة عيد البشارة، وتذكار القدّيس أرتامون أسقُف سلفكية، المديح الرابع، 25: عيد بشارة والدة الإله الفائقة القداسة.

أحد الصليب المقدّس

نجتمع في هذا الأحد بين قيامة المسيح والسجود للصليب المقدّس.

في كلّ أحد في السنة نحتفل بقيامة المسيح. هذا لأنّ القيامة تطبع صكّها sceau على حياتنا كلّها.

لا نستطيع أن نفصل القيامة عن الصليب.

هذا لأنّ علامةَ صليب المسيح تتضمّن انتصارَ الحياة على الموت.

قبل المسيح كان الصليبُ علامةً للموت. لكنّ المسيحَ جعله قمّةَ محبته للبشر عن طريق الغفران.

"إغفرْ لهم لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23: 34)
هذا أمرٌ مخفيٌّ في أعماق قلوبنا. 

إن دخلنا عمقَ القلب نكتشف أنّ الموتَ قد دُحر. غُلب الموت مع الألم والظلم. دُحر معه أيضًا البؤسُ والشقاء.

كلّ إنسان في أعماق قلبه يرنو نحو العدالة والمحبّة، ممّا يُعطي معنى لحياتنا كلّها.

كلّ مرض، كلّ ألم لا بدّ أن ينساق إلى نور، إلى حالة أفضل. في قعر الإنسان مغروس ظفرُ الخير وقيامة المسيح.

العالم مبنيٌّ أصلًا على مثل هذا الظفر، ظفر الربّ يسوع.

في نهاية إنجيل اليوم نصل إلى مثل هذه الكلمات السرّيّة mystérieuses" من القيام ههنا قومٌ لا يذوقون الموتَ حتّى يروا ملكوت الله قد أتى بقوّة" (مر 9: 1).

هذا يعني أنّ الحاضرين آنذاك من التلاميذ سوف يرون قيامَ الكنيسة الجديدة بعد يوم العنصرة ومجيء الروح القدس.

وأيضًا أنّ القيامة العامّة المنتظرة هي حاضرةٌ منذ الآن في قلبنا.

لا بدّ إذًا أن نقبل مثل هذا الصليب المُحيي في حياتنا الحاضرة، بقلب واسع وغفرانٍ كثير.

في كلّ نوع من صليب نذوقه في حياتنا هناك لا بدّ أن يشعّ نورٌ للقيامة.

+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

طروباريّة القيامة باللحن السابع
حطمتَ بصليبك الموتَ وفتحتَ للّص الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحًا العالم الرحمةَ العظمى.

طروباريّة الصليب باللحن الأوّل
خلِّصْ يا ربِّ شعبكَ وبارك ميراثك، وامنح عبيدَكَ المؤمنين الغلبة على الشرير، واحفظ بقوّةٍ صليبِك جميعَ المختصّين بك.

القنداق باللحن الثامن
إنّي أنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُندِيَّة محامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقذةٍ مِنَ الشدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّة التي لا تُحارب أعتقيني من صُنوفِ الشَّدائدِ، حتّى أصرُخ اليكِ: إفرحي يا عروسةً لا عروسَ لها.

الرسالة: عب 4: 14-16، 5: 1-6
خلِّص يا ربُّ شَعبَك وباركْ ميراثك        
إليكَ يا ربُّ أصرُخُ إلهي


يا إخوة، إذ لنا رئيسُ كَهَنةٍ عظيمٌ قد اجتازَ السماواتِ، يسوعُ ابنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بالاعترافِ. لأنْ ليسَ لنا رئيسُ كهنةٍ غيرُ قادرٍ أن يَرثيَ لأوهانِنا، بل مُجَرَّبٌ في كلِّ شيءٍ مِثلَنا ما خَلا الخطيئة. فَلْنُقْبلْ إذًا بثقة إلى عرشِ النعمةِ لنِنالَ رحمةً ونجدَ ثِقةً للإغاثةِ في أوانها. فإنَّ كلَّ رئيسِ كهنةِ مُتَّخَذٍ من الناسِ ومُقامٍ لأجلِ الناس فيما هو لله ليُقرَّبَ تَقادِمَ وذبائحَ عن الخطايا، في إمكانِهِ أنْ يُشفِقَ على الذينَ يجهَلونَ ويَضلُّونَ لِكونِهِ هو أيضًا مُتَلَبِّسًا بالضَعْفِ. ولهذا يجب عليهِ أنْ يقرِّبَ عن الخطايا لأجلِ نفسِهِ كما يُقرِّبُ لأجلِ الشعْب. وليس أحدٌ يأخذُ لِنَفسِهِ الكرامةَ بَلْ من دعاه الله كما دعا هارون. كذلكَ المسيحُ لم يُمَجِّدْ نَفْسَهُ ليّصيرَ رئيسَ كهنةٍ بل الذي قالَ لهُ: "أنْتَ ابني وأنا اليومَ ولدْتُكَ". كما يقولُ في مَوضِعٍ آخرَ: أنْتَ كاهنٌ إلى الأبَدِ على رُتبَةِ ملكيصادق.

الإنجيل: مر 8: 34-38، 9: 1

قال الرَبُّ مَنْ أرادَ أنْ يَتبَعَني فَلْيَكْفُرْ بنَفْسِهِ ويَحمِل صَليبَه ويَتبَعْني. لأنَّ مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ نفسَه يُهْلِكُها، ومَنْ أهلكَ نفسَهُ مِن أجلي وَمِنْ أجْلِ الإنجيل يُخَلِّصُها. فإنَّهُ ماذا يَنْتَفِعُ الإنسانُ لو رَبحَ العالَم كُلَهُ وخَسِرَ نفسَهُ؟ أمْ ماذا يُعطي الإنسانُ فِداءً عن نَفْسِهِ؟ لأنَّ مَن يَسْتحي بي وبكلامي في هذا الجيلِ الفاسقِ الخاطئ يَسْتحي بهِ ابْنُ البَشَر متى أتى في مَجْدِ أبيهِ مَع الملائكةِ القِدِّيسين. وقالَ لهُمْ: الحقَّ أقولُ لكم إنَّ قَوْمًا مِنَ القائمين ههنا لا يَذوقونَ الموْتَ حتّى يَرَوا مَلكوتَ اللهِ قد أتى بقُوّةٍ.

في الإنجيل

نجد في إنجيل اليوم أنّ الربّ يسوع يضع شرطًا لاتّباعه وهو نكران الذات وحمل الصليب (مرقس 8: 32). 
فماذا يعني هذا؟ 

تطلب الكنيسة منّا أن نسأل أنفسنا "ما الذي تعنيه قوّة الصليب بالنسبة لي شخصيًّا إذ أعيش في العالم اليوم؟"

للأسف لقد فقد الصليب معناه، الشخصيّ والجماعيّ، لدى كثيرين في الثقافة الدهريّة اليوم، الغارقة في أولويّات الحياة اليوميّة، حيث تحتلّ الكنيسة المرتبة الخلفيّة بين العديد من اﻷولويّات الزمنيّة اﻷخرى. 

فالعالم اليوم يحثّ على التركيز على الذات واﻷنا، "أنا أوّلًا"، وهذا يظهر في الإصرار على عدم حرمان أنفسنا من أيّ شيء، ﻷنّنا "غدًا نموت". 

إنّ هذه الثقافة تقود إلى الخمول الروحيّ والموت الروحيّ وتشجّعهما. 

إنّنا ننتقل في هذا العالم من سيّئٍ إلى أسوأ. إنّه عالم تزداد فيه صعوبة أن يكون الإنسان مسيحيًّا حقيقيًّا. 

هنا يأتي الصليب ونكران الذات كَرَدٍّ على العالم الساقط ويأسه، على الذين ينكرون الله ودعوته المُحِبَّة لحياتهم، وعلى كلِّ مَن يتعثّر في إيمانه. 

الصليب هو دائمًا تذكير بالواقع المطلَق وأهمّيّة ملكوت الله بالنسبة لنا، وتذكير بإخلاء المسيح لذاته (Kenosis في اليونانية) وتقدمتِه الطوعيّة لنفسِه، في سبيلِ هزيمة الخطيئة والموت نيابةً عنّا، وخلق إمكانيّة وجود نسل جديد ﻵدم ينتصر بالمسيح على الخطيئة والموت.

لكن في الحقيقة لا يمكننا أن نتبع المسيح ونصبح مشاركين في حياته إذا لم نكن على استعداد ﻹخلاء ذواتنا من كلّ ما لا يتماشى مع المسيح وإنجيله. ففي "موتنا عن الذات"، نحن الذين نحمل صليبَنا مُعطِين اﻷولويّة للمسيح والإنجيل، نستعيد إنسانيّتنا الحقيقيّة، وغايتنا ودعوتنا في هذه الحياة التي وهبنا إيّاها الله (مرقس 35:8).

أن نحمل الصليب اليوم معناه أن نحتمل الضيقات واﻷحزان والمجاعة والزلازل اﻵتية بكلّ تواضع وخضوع للمشيئة الإلهيّة. 

عندها يصير الصليب سُلَّمًا يقودُنا من اﻷرض إلى السماء كما حصل مع لصّ اليمين المذكور في الإنجيل، الذي صعد من أرضِ أقبح الجرائم إلى ألمع مساكن الفردوس. 

فعلى صليبه تلفّظ اللصّ بالكلمات المملؤة بالحكمة والتواضع، إذ قال: “أمّا نحن فبعدلٍ ﻷنّنا ننال استحقاق ما فعلنا… اذكرني يا ربّ متى جئتَ في ملكوتك" (لوقا 41:23-43). 

بهذا حوّل صليبه الذي كان أداة العقاب وراية العار إلى أداة النصر وراية المجد ومفتاح الفردوس على مثال صليب الربّ. 

هذا كان بعكس ما فعله لصّ اليسار الذي جدّف على المسيح، كما يفعل الكثيرون اليوم، فيتذّمرون من صليبهم ويجدّفون على الله ويتهكّمون على الصليب ويحاولون التخلّص منه. 

بهذا يصبح صليبه ثقيلًا لا يُحتَمَل وَيُودِي بصاحبه إلى الجحيم، فيصرخ هكذا: “ما الذي فعلتُه أنا ليحدث لي هذا؟" 

ذاك ﻷنّه لا يدرك نفسه ولا يتوب، ويتّهم الربَّ العادل والرحيم بالظلم وعدم الرحمة ويوبّخ العناية الإلهيّة ويرفضها.

إنّ إنكار الذات أو بذل حياتنا من أجل المسيح ومن أجل الإنجيل الذي هو رسالة من المسيح نفسه وعمّا أنجزه لخلاصنا، والشاهد اﻷوّل لحقيقة الله التي تألّم من أجلها ومات على الصليب. 

هذا لا يعني أنّ حياتنا بلا فائدة وليست مهمّة في عيني الربّ، بل بالحريّ أن لا شيء يمكن أن يقارَن بما سنربحه مع المسيح.


الصَّليب، محبّة الله اللامتناهية للإنسان.

في منتصف الصّوم الأربعينيّ المقدّس، تنصب الكنيسة أمامنا صليب المسيح.

لم ينتهِ الأمر في الصَّليب، ولا ينتهي هناك أبدًا، إنّما تتبعه القيامة.

نشعر بمحبّة المصلوب على خشبة الصليب، وتمتلئ نفوسنا بالفرح، لأنّ هذا الفرح أخذناه نحن أبناء يسوع المسيح بكلّ محبّة وتقوى.

جئنا أفرادًا وجماعات نواكب العمل الخلاصيّ.  الصَّليب اليوم في منتصف الصوم يعبّر عمّا يدور في فكر كلّ إنسانٍ مسيحيّ. 

ذلك الإنسان المسيحيّ المجاهد، وجهاده المملوء بالصلاة والصوم.

نحن نأتي إلى الكنيسة بنفوسٍ خاشعةٍ متلهّفة.  

ننتظر الفرصة ونصلّي من كلّ نيّاتنا يا ربُّ ارحمنا نحن عبيدك الخطأة الذين ابتعدنا عن مجدك وسلكنا طرقًا ملتوية.

نأتي اليوم إلى الكنيسة التي وضعت الصليب في منتصف الصّوم الأربعينيّ المقدّس لكي تشدّد من عزائمنا. ونكمل مسيرتنا نحو الفصح المقدّس.

"من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني".

المسيح يدعونا ويتبعه من يريد أن يتبعه، ولكن، حتّى يكون هذا الاتّباع جدّيًّا ينبغي على الإنسان شرط أوّل أن يكفر بنفسه (ألّا يعطي قيمة للمال، للنفوذ وأيّة شهوة ضارّة) فلا تبقى شخصيّته الخاطئة ولكن يكتسب شخصيّة المسيح.

الشرط الثاني أن يـحمل الإنــسان صليــبه، أي المتاعب في حياته والأشخاص المزعجين المخطئين معه والعراقيل التي تواجهه ويـتبع المسيح الذي قال:

 "تـعالوا إليّ أيّها المتعبون والثقيلو الأحمال وأنا أريحكم".

أن يتبع المؤمنُ المسيحَ، أن يتبعه إلى الآخر أي إلى الجلجلة. 

ليس هناك نصف سيرٍ مع السيّد ولكن كلّ السير في احتمال كلّ شيء.

بعد هذا يقول: "من أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلّصها".

أهلَكَ نفسه أي تعب تعبًا شديدًا حتّى لا يبقى له شيء، حتّى لا تبقى له راحة إلّا بالمسيح. 

وهنا يؤكّد الربّ أنّ عطاء النفس مطلق لا جزئيّ، ولذلك يقول: 

"ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟"

 فلك أن تربح كلّ المال وكلّ الجاه ونفسك تائهة في هذه الأشياء. 

أمّا نفسك المليئة بحضرة المسيح ففيها غنـاها الروحيّ ويـنزل عليها السّلام من فوق. 

كلّ غنى العالم ومجده لا يساويان النفس القريبة من الربّ ومن سلامه.

كان الصّليب أداة للعذاب والعقاب وكان يعلّق عليه المجرمون.

 ولكنّنا نحن تقدّسنا بخشبة الصّليب لأنّ إلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح عُلّق عليه. أصبح الصّليب شعارنا ورمزنا. 

وكلّ إنسانٍ مسيحيٍّ يشعر بأنّ الصّليب مرافق لحياته. نسمع من كثيرين أنّهم يحملون الصليب وصليبهم حمل ثقيل ويشعرون أنّهم لا يستطيعون حمله، ولكنّ الربّ المحبّ للبشر يعطي كلّ شخصٍ صليبًا على مقدار طاقة تحمّله.

هذه هي محبّة الله اللامتناهية للإنسان.