الأحد 22 كانون الثاني 2023
19 كانون الثاني 2023
الأحد 22 كانون الثاني 2023
العدد 4
الأحد 15 من لوقا (زكّا)
اللحن السابع الإيوثينا العاشرة
أعياد الأسبوع:
22: الرسول تيموثاوس، الشّهيد أنسطاسيوس الفارسيّ، 23: كلمنضوس أسقُف أنقرة، الشّهيد أغاثنغلوس، 24: البارة كساني وخادمتها، الشَّهيد في الكهنة بابيلا ورفقته، 25: غريغوريوس الثاولوغوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة، 26: البارّ كسانفوندس مع زوجته ماريّا وولدَيه أركاديوس ويوحنّا، 27: نقل جسد القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، القدَّيسة ماركيانيس، 28: البارّ أفرام السريانيّ، البارّ بلاديوس.
الروحانيّة الأرثوذكسيّة
هدف الحياة المسيحيّة اقتناء الروح القدس (القدّيس سيرافيم ساروف)
هذا يتمّ عن طريق التطهّر من الأهواء المعيبة les Passions mauvaises وحيازة الفضائل.
يستخدم الرسول بولس مَثلَ الرياضيّ للتعبير عن الطريق لهذا الهدف: هذا هو النسك askisis= exercice معناه تمرين.
راجع (1 كور 9: 24-27) لا تقف الروحانيّة الأرثوذكسيّة عند اقتناء الأخلاق الصالحة.
هدفها الاتّحاد بالله عن طريق الروح القدس. يتمّ ذلك عندما يتمثّل الإنسانُ بالله عن طريق المسيح أو في المسيح.
يجرؤ الشرق على القول بتألُّه الإنسان Théosis، أي إنّ الإنسانَ يصيرُ إلهًا بالنعمة لا بالجوهر، على حدّ تعبير القدّيس أثناسيوس الكبير "لقد صار اللهُ إنسانًا لكي يصيرَ الإنسانُ إلهًا.
كيف يمكن للإنسان أن يرثَ الحياةَ الأبديّة؟
"الحياة الأبديّة هي أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو 17: 3) الأزليّة تأتي إذًا عن طريق معرفة الله، والمعرفة تأتي من المحبّة.
يقول المسيح: علينا أوّلًا أن نحفظ الوصايا:
"أحبب الربّ أوّلًا من كلّ قلبك ومن كلّ نفسك وقريبَك كنفسك" (لوقا 101: 17) و(متى 19: 17-19)
نجد المحبّة في وحدة الشركة. ليس هناك وحدة بدون تضحية: "كلّ ما هو لي هو لك وكلّ ما هو لك هو لي" (يو 17: 10) الوحدة في المحبّة والمحبّة في الوحدة.
لا بدّ! أن نجد مثل هذه العلاقة في العائلة المسيحيّة. يفترض أن تكون العائلة مدرسةً للمحبّة، مدرسةً للتضحية.
علينا أن نجدها أيضًا في الرعيّة وفي الكنيسة. الكاهن هو على مثال المسيح الراعي الصالح.
"الراعي الصالح هو الذي يبذل نفسه عن الخراف".
كلّ هذا يجعلنا نعيش هذه الروحانيّة:
روحُ سلام، روحُ فرح ومحبّة، طول أناة ووداعة كلّها من ثمار الروح القدس:
كلّ من يقتنيه ويعيش بموجبه لا بموجب روح العالم ينال تعزيةً إلهيّةً وتذوّقاً مسبقًا للملكوت.
+ افرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروبارية القيامة باللحن السابع
حطمت بصليبك الموتَ وفتحتَ للّص الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحاً العالم الرحمةَ العظمى.
قنداق دخول السيد إلى الهيكل باللحن الأول
أيها المسيح الإله يا من بمولده قدس المستودع البتولي، وبارك يدي سمعان كما لاق، وأدركنا الآن وخلّصنا، إحفظ رعيّتك بسلام في الحروب، وأيّدِ الذين أحبَبْتَهم، بما أنّك وحدَكَ محبٌّ للبشر.
الرسالة: 1 تيمو 4: 9-15 (32 بعد العنصرة)
الربُّ يُعطي قوَّةً لشَعبِه
قدّموا للربِ يا أبناءَ الله
يا إخوةُ صادقةٌ هي الكلمةُ وجديرةٌ بكُلِ قبُولٍ فإنَّا لهذا نتعَبُ ونُعيَّرُ لأنَّا ألقينا رجاءَنا على اللهِ الحي الذي هو مخلّصُ الناس أجمعين ولا سِيَّما المؤمنين. فَوصِّ بهذا وعلّمِ بهِ. لا يستَهِنْ أحدٌ بفتوَّتِكَ، بل كُنْ مثالاً للمؤمنينَ في الكلامِ والتصرُّفِ والمحبَّةِ والإيمان ِوالعَفاف. واظِبْ على القراءةِ إلى حينِ قدومي وعلى الوعظِ والتعليم، ولا تُهمِل الموهبَةَ التي فيكَ، التي أُوتيتَها بنبوَّةٍ بوضع أيدي الكهنة. تأمَّل في ذلك وكُنْ عليهِ عاكِفًا، ليكونَ تقدُّمُك ظاهرًا في كلِّ شيءٍ.
الإنجيل: (لو 19: 1- 10)
في ذلك، فيما يسوع مجتاز في أريحا، إذا برجل اسمه زكّا كان رئيسًا على العشارين وكان غنيًّا، وكان يلتمس أن يرى يسوع من هو فلم يكن يستطيع من الجمع لأنّه كان قصير القامة. فتقدّم مسرعًا وصعد إلى جمّيزة لينظره لأنّه كان مزمعًا أن يجتاز بها. فلما انتهى يسوع إلى الموضع رفع طرفه فرآه فقال: يا زكّا أسرع أنزل، فاليوم ينبغي لي أن امكث في بيتك. فأسرع ونزل وقبله فرحًا. فلما رأى الجمبع ذلك تذمّروا قائلين إنّه دخل ليحلّ عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال ليسوع: هاءنذا يا ربّ أعطي المساكين نصف أموالي. وإن كنت قد غبَنْتُ أحداً في شيء أردُّ أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم قد حصل الخلاص لهذا البيت لأنّه هو أيضًا ابن ابراهيم، لأنّ ابن البشر إنّما أتى ليطلب ويخلِّص ما قد هلك.
في الإنجيل
"أسرع وأنزل فاليوم ينبغي لي أن أمكث في بيتك".
لم يكد يسوع يُنهي كلامه، حتى أسرع زكا وهيَّأ ليسوع استقبالاً عظيماً.
تحوَّل زكّا من إنسان سارق، ظالم…إلى إنسان تائب، وكلّ هذا لأنّ يسوع التفت إليه مناديًا ايّاه باسمه وطالبًا منه الإسراع بالنزول لأنّه سيمكث عنده.
لم يكن زكّا يتوقّع هذا.
كلّ ما كان يطلبه فقط رؤية السيّد. رؤية هذا المعلّم الذي ذاع صيته حتى وصل مسامع زكّا، تمنّى رؤيته حتّى ولو عن بُعد، فلم يقدر بسبب قصر قامته من جهة، وبسبب الجموع الكثيرة التي تنتظر يسوع.
فلم يستسلم، بل صعد الجمّيزة، وهو الرئيس.
لم يبالِ لا بمركزه ولا بسخرية الناس منه. لقد استحوذ يسوع على كل تفكيره فلم يلاحظ على نفسه ماذا فعل! يسوع لاحظ وكعادته لا يترك أحدًا مشتاقًا إليه.
يبادر مسرعًا لمجرّد قيامنا بمحاولة صغيرة.
نحن اليوم أفضل من زكّا، يسوع لا يمكث فقط في منزلنا إنّما في قلوبنا. إنّه معنا أين ذهبنا.
ولكن هذا لا يحصل إلّا إذا تابعنا وسرنا بنفس الطريق التي سار عليها زكا. ألا وهي "التوبة" الصادقة.
هذه التوبة هي التي جعلت من زكّا إنسانًا صالحًا، وبهذا حصل على الخلاص.
لقد اعترف زكا أمام يسوع والجميع أنه سيوزّع نصف ثروته على الفقراء والمحتاجين أمّا النصف الآخر فسيردّه أربعة أضعاف لكلّ شخص كان قد ظلمه.
لم يكتفِ بِرَدّ المبلغ مع خمسة، فهذا ما كانت الشريعة اليهوديّة تفرضه على السارق.
زكّا ليس سارقًا بل ظالمٌ أخذ الضريبة من الناس أكثر ممّا ينبغي.
ومع هذا سيردّ للمظلوم أربعة أضعاف.
فهل هناك توبة صادقة أكبر من هذه! فماذا يمنع دخوله ملكوت السموات؟
يسوع لم يتردّد للحظة من قبول إبن ابراهيم هذا:
"لقد حصل خلاص لهذا البيت"..
اعترض الفريسيّون، لا يهمّ. المهمّ هو يسوع ويسوع فقط.
الصوم يدنو يا أحبّة والكنيسة تضع أمامنا هذه النماذج الحقيقيّة للتوبة، علّنا كلّنا نستفيق من كبوتنا، علّنا نصير كلّنا مثل زكّا وليس مثل الفرّيسيّين.
يسوع يقرع يوميّا أبواب قلوبنا، ينادينا.
فهل نتواضع ونفتح له. لسنا بحاجة لصعود جميّزة، ولا التحرّق لرؤيته.
ليس عندنا اليوم تعب للوصول إليه، يكفي أن نقول له: "تعال أيها الرب يسوع".
فيأتي مسرعًا.
فرح التوبة في العائلة
نقرأ في بداية بشارة إنجيل متّى حول مجيء الفرح للرعاة وعائلاتهم الذين يعملون في الليل من أجل تأمين قوتهم، هكذا:
"ها أنا أُبشِّركم بفرحٍ عظيمٍ يكون للشعب كلّه: اليوم، في مدينة داود، وُلِد لكم مخلِّصٌ، وهو المسيح الربّ" (متى 10:2).
ولكن إن راجعنا ظروف حادثة الميلاد، نرى أنّ تحدّيات كثيرة تكتنفها وتجلب القلق والتعب والإرباك، وربّما الحزن.
في ذلك الوقت، كان الناس في الجليل يئنّون تحت ضغط تهديد الاحتلال الأجنبيّ.
يوسف خطيب مريم عمل ما طلبته السلطات حينها، أي بأن يُكتَتب، فذهب مع مريم الحامل من مدينة الناصرة إلى بلدة بيت لحم، والمسافة بينهما حوالي الـ 180 كيلومترًا، أي ما يُعادل ثلاثة أيام من التنقّل الصعب.
وبالإضافة الى التعب الجسديّ، كان يوسف، هذا الرجل المُحبّ والشيخ البارّ، قلقًا بعد معرفته بحبل مريم العذراء، والتداعيات الدينيّة لهذا الأمر عليه وعليها.
ورغم اتّكاله على الله ومحبّته، لم تكن الظروف المعيشيّة مؤاتية لإجراء عمليّة الولادة، حيث لم يجدا لهما موضعًا في المنزل (لوقا 2: 7).
ومن ناحية أخرى، كان الملك هيرودس يتربّص شرًّا بالصبيّ المولود ليُهلكه، وهو يستعدّ لقتل كلّ صبيان المنطقة المولودين حديثًا... كلّها أمورٌ لا تدلّ إلّا على القلق والشكّ والخوف وخيبات الامل.
كيف نفهم إذًا بشارة الملاك هذه بمجيء "فرح عظيم" (لو10:2)؟
أين يكمُن فرح العيد في كلّ هذا؟
إذا تأمّلنا جيّدًا في النص الكتابيّ، نرى أنّ الفرح مرتبط بالولادة، أي مجيء الصبيّ (متى 2: 10).
كيف يدخل الفرح بولادة كهذه؟
إنّ الطفل المولود هو أوّلًا: يخلّص شعبَه من خطاياهم (متى 1: 21)، أي يحرّرهم من سجن الخطيئة وقيود عبوديّتها وأُجرتها (أي الموت)؛
وثانيًا: يتجسّد "عمانوئيل" الذي تفسيره: الله معنا (متى 1: 23).
بتأمّلنا بهذا نرى نورًا يعطي الفرح: الله الذي تأنّس من مريم العذراء، افتقدنا، ودخل بشكل رهيب في يأسنا وآلامنا، حاملًا خطايانا رغم كونه كاملًا وبدون خطيئة.
لقد أخذ لحمًا ووضع نوره في ظلامنا، وإشراقه في ظلالنا. أخذ وضعيّة فيها ضعف رهيب.
تنازل الله بشكل مذهل للعقول البشريّة، وكلّ ذلك لكي يخلّصنا من خطايانا ويشفينا من أمراضنا، ويعطينا أن نكون معه وفيه، وأن يسكن هو فينا، لأنّه يحبّنا.
وهنا يكمن سرّ الفرح:
إنّ الفرح يأتي بقبولنا محبّة الله لنا، وبالرجوع إلى الله، أي بالتوبة الخالصة التي تفكّ قيود عبوديّة الخطيئة وتحرّرنا من هذا الحبس وتعطينا الحرّيّة والانطلاق.
إنّ الفرح الذي بشّر به الملاك ليس حول نظام سياسيّ جديد، أو رفاهيّة أرضيّة مستجدّة، بل هو لقاء شخص يحرّرنا، ويحلّ بيننا (يوحنا 1: 14)، وبحلوله هو، يجعل الفرح أيضًا يحلّ فينا.
وليس ذلك فقط، بل وينتشر الفرح في أرجاء العالم، حتّى ملائكة السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب (لوقا 15: 10).
إذًا العيد وأفراحه هو في التخلّص من الخطايا، أي بالسعي نحو التوبة وتغيير الحياة وأسلوب العيش.
لذا يقول القدّيس أفرام السريانيّ (نعيّد له في 28 كانون الثاني):
"إنّ أحسن وأكثر عيد محبّب إلى الله هو التوبة، إنَّها العيد الذي يعيّد فيه الله معنا، فلا نعيِّدنّه عالميًّا إنّما بما يفوق العالم، ليس وثنيًّا إنّما مسيحيًّا، ولا نعيّد بالموائد والسّكر، ولا نخسر الليتورجيا الإلهيّة (القدّاس) لأجل الاهتمام بالطعام لأنّك لا تعلم إذا كنت ستستحقّ ثانية أن ترى ليتورجيا أخرى، بل لنترك كلّ هذا لأولئك الذين إلههم بطنهم".
كيف، في العائلة مثلًا، يُعاش العيد؟ هل هو بتجديد الثياب والألعاب الترفيهيّة للأولاد؟
هل هو بالموائد والرحلات؟ رموز العيد الاستهلاكيّة في وسائل التواصل الاجتماعيّ تحاول أن تُقنع الناس بأنّ هذا هو العيد، وهذه هي السعادة.
إلّا أنه بالنسبة للبعض الذين حالتهم اليوم ليست ميسورة، التعييد هكذا هو همّ كبير ومجيئه كمجيء مصيبة، إذ لا يستطيع الكثير من الأهل أن يؤمّنوا لأولادهم شيئًا ممّا يشاهدونه عند أولاد الغير، بسبب الضيقة المعيشيّة.
اجتماعيًّا، تُسمّى البحبوحة "سعادة"، أمّا العيد في المسيحيّة فهو فرحٌ روحيٌّ داخليّ.
الزينة والمظاهر الخارجيّة هي توهُّم الفرح، ولكنّها لا تُعطي الفرح، بل السعادة الوقتيّة.
لذا، يحذّرنا الربّ من السعي وراء سعادة وقتيّة، بدل الدخول إلى سرّ العيد، وهو اقتناء فرح التوبة: "أَعيادكم أبغضتها نفسي.
صارت عليَّ ثقلًا. ملِلت حملها. فحين تبسطون أَيديَكم أَستر عينيَّ عنكم، وإِن كثَّرتم الصَّلاة لا أَسمع. اغتسلوا. تنقَّوا.
اعزلوا شرَّ أَفْعالكم منْ أَمام عينيَّ. كفُّوا عن فعل الشَّر. تعلَّموا فعل الخير. اطلبوا الحقَّ.
انصِفوا المظلوم. اقْضوا لليتيم. حاموا عن الأَرملة" (إشعياء 1: 14-17):
أي توبوا فيكون العيد عيدًا.
إنّ الأعياد التي وضعتها الكنيسة مناسبات فرح، لا نعرف قيمتها إلّا إذا اختبرناها بالتوبة، فنثمر بالروح فرحًا قلبيًّا (غلاطية 5: 22).
الفرح لا يأتي من الظروف الخارجيّة، من البحبوحة أو سهولة الأمور، بل من القوّة الداخليّة المبنيّة على الاِتّكال على الله، ومعرفة المسيح معرفة شخصيّة، من التوبة والغفران، من التغيير الداخليّ.
"جعلت الربّ أمامي دائمًا فإنّه عن يميني لئلّا أتزعزع.
لذلك فَرِح قلبي وتهلّل لساني حتّى إنّ جسدي سيرقد على رجاء" (مزمور 16: 8-9).
ومتى سار الأهل بمسيرة التوبة، أو أحدهما على الأقلّ، يتعلّم الأولاد الدور المركزيّ لله في حياتهم ويدركون مصدر الفرح وبهجة الخلاص.
هكذا، يصبح بيت العائلة مركز إشعاع لفرح التوبة، فيتغلغل هذا الفرح السماويّ في كلّ حنايا البيت، كما تنتشر أشعّة الشمس من نوافذ البيت، فتنعشه بالنور والحرارة.
كلمة راعي الأبرشيّة في تأبين قدس الأب جورج داود كاهن رعيّة حقل العزيمة
في 12 كانون الثاني 2023
بِاسمِ الآبِ وَالاِبنِ والرُّوحِ القُدُس، الإلهِ الواحد، آمين
أيّها الأحبّاء
الأب جورج داود تاريخٌ حافل، لا بُدَّ أن يكتبَهُ أُناسٌ أَكْفاءُ مُـخلِصون، لإفادةِ الكثيرين.
الأب جورج داود، الخادمُ الأمينُ لرعيّتِه مدّةَ 62 سنة. مِن ثِـمارِهِ تعرفونَهُ.
أنا شخصيًّا لـم أُرافِقْهُ أكثرَ مِن بِضعةِ سنين، كانت كافيةً لكي أَشهدُ لهذه الرعيّةِ المباركةِ من الله، التي سَهِرَ عليها وعلى أكثرَ منها مُدَّةً طويلة، مدّة 62 سنة.
كان يقولُ لي مثلًا: لـماذا أَسْـمَيتُم الأبرشيّة بِـ "طرابلس والكورة وتوابعهما"، وكأنّنا غيرُ موجودين؟!
الكلامُ هذا فيه حَقٌّ، لأنّنا تعلَّمنا الكثيرَ من رعيّة حقل العزيمة بخاصّةٍ، وَمِن رعايا الضنّيّة والمنية عامّةً.
تُرى! أينَ نـجدُ مِثلَ هذا الحشدِ العائليّ الكامل، مِن شيوخٍ وَرِجالٍ وَنِساء، وَبِخاصّةٍ الشبيبة والأولاد!! كُلُّهم معًا في الكنيسة، في الآحاد والأعياد؟!
الأبُ الأمينُ لا يستحقُّ هذا الاسمَ إن لـم يَكُنْ لَهُ أولادٌ روحيّون. فَهُنا بِبَرَكةِ الله وَبَرَكةِ الأب جورج نِـجدُ منهم كثيرين.
في أحاديثِنا الشخصيّةِ مع الأب جورج، كان يرتاحُ إلى هذا الجمعِ العائليّ، إلى هذه الشركة العائليّة الـمُتراصّة، والكاملة.
كانَ عقلُه وقَلبُه مُنفَتحَينِ على كُلِّ الـجِوار في الضنّيّة، وهذا شيءٌ مـميّز، بالنسبة لـما نعيشُه في بَلَدِنا.
نـحنُ أبناءُ الـمسيح الإله، الذي جاءَ لِيَرعى وَيـخلّصَ كلَّ إنسانٍ بِلا تَفريق.
في الوقتِ نفسِه، كانت نَفسُ الأب جورج ترتاح، وبشكلٍ خاصّ، إلى الأشخاص والعائلات القريبة من الله ومن الكنيسة.
كان شديدَ الـحِرصِ على أن تكونَ له كلمةٌ في كلِّ اجتماعٍ عامّ، وفي كلّ مقام.
وكان الـجميعُ يُصغي إليه، وهو الـمعروفُ بِبَلاغتِه وَسِعةِ اطِّلاعِه.
ولكنّه، في الوقتِ نفسِه، كان يحترمُ كلامَ الآخَرين الـمفيد.
فكان بتواضعِه ورَجاحةِ عقلِه، يَـجمعُ بينَ الرعايةِ والـمحبّةِ والعِلم معًا، لإفادةِ الكثيرين.
الآن، حانَ الوقتُ أن يَذهبَ إلى ربِّه وَرَبِّنا، لكي يَنالَ الأُجرةَ التي يستحقُّها بعدَ جَهدٍ وعناءٍ طويلَين، وبعدَ بَذْلٍ ومـحبّةٍ كبيرَين.
نُصلّي إلى الله لكي يتغمّدَه بِرحـمتِه وعطائه الجزيل، طالبِينَ في الوقتِ نفسِه صلاتَهُ الـمتواضعة من أجلِنا جـميعًا. آمين.