الأحد 12 شباط 2023
09 شباط 2023
الأحد 12 شباط 2023
العدد 7
أحد الابن الشاطر
اللحن الثاني، الإيوثينا الثانية
أعياد الأسبوع:
12: ملاتيوس أسقُف أنطاكية، 13: الرسولان برسكيلّا وأكيلّا، البارّ مرتينيانوس، 14: البارّ أفكسنديوس، البارّ مارون الناسك، 15: أونيسيموس أحد الرسل السبعين، البارّ إفسابيوس، 16: الشَّهيد بمبفيلس ورفقته، 17: العظيم في الشُّهداء ثاوذورُس التيرونيّ، 18: سبت الأموات، لاون بابا روميّة، أغابيتوس السينائيّ.
أحد الابن الشاطر
مثلُ اليوم هو مثلُ الإبن الشاطر (لوقا 15: 11 – 32) الذي يختزلُ صُوَرَ الله كلّها في العهد القديم، فاللهُ لكلّ إنسانٍ هو نبعُ الحياة والنور بالرغم من كلّ قوى الخطيئة والظلمة الحاضرة فينا، والربُّ يسوع قد نزل إلى أسافل دركات الأرض، نزل إلى عمق الهاوية التي حفَرَتْها خطايانا ليُخرجنا منها.
وتجربةُ الحرّيّة بدون الله تصلُ بالإنسان إلى الحائطِ المسدود وتقودُه إلى خسارة بنوَّته وهويتّه، وسحق كرامته البشريّة والانحطاط في قيمته المخلوقة على صورته، لأنّ الإنسانَ هو القيمة المطلقة في الوجود، وبابتعاده عن الله يتعرّى من قيـَمِه ويخسرُ كلَّ شيء.
يخسرُ كرامتَه وهويّتَه وقيمتَه الإنسانيّة، كما يقول صاحب المزامير" لأنّ مآثمي قد تعالت فوق رأسي مثلَ حملٍ ثقيل قد ثقلت عليَّ.
قد أَنْتَنتْ وَقاحَتْ جراحاتي من قِبَل جهالتي، شَقِيتُ واتَّضَعْتُ جِدًّا وكنتُ أَئنُّ مِن تَنَهُّدِ قلبي." (مز ٣٧). نعم !
هذا ما عاشه الابن الشاطر فأصبح يشتهي أكلَ الخرنوب التي كانت الخنازير تأكُلُه.
وفي هذا المثل، نرى الأسرةَ التي تعيش تحت سقف واحد في وحدة متماسكة بالحبّ، ولكن رغم كلّ هذا الجو الحميم، يطلبُ الابنُ الأصغرُ حصّتَه من الإرث ويذهبُ إلى بلدٍ بعيد مع أنّه لا يحقُّ له ذلك.
وهذا يُـبيِّنُ رغبتَه بالتفرُّد والاستقلاليَّةِ والمنفعةِ الخاصّة.
يريد أن يتخلَّص من أبيه إذ يطالبه بالإرث وهو لا يزال حيًّا.
يُريدُ الحرّيَّـةَ، لكنّهُ أصبح عبدًا غريبًا يرعى الخنازير، وهذا أقصى درجات الذُلِّ والاِحتقار والهوان في المفهوم اليهوديّ. هذا الاِبنُ الأصغرُ أضاعَ بُـُنوَّتَه الكيانيَّةَ بِرَفضِهِ العيشَ في البيت الأبويّ.
لكنّه ما لبث أن عاد إلى ذاته، وامتحنَ ضميرَه، فصمَّم العودةَ الى بيت أبيه بعد أن خان عهدَ المحبّة، ولكنْ، لا ليكونَ ابنًا بل عبدًا، أجيرًا ليعملَ لدى أبيه فيعيشُ معترفًا بخطيئته.
لكنّ الأبَ الحنونَ الرحيمَ الطويلَ الأناة لـمّا رآه تحنَّن عليه وألقى بنفسه على عُنقِهِ وقبَّلَه طويلًا.
وأعاد إليه كلَّ الإمتيازاتِ التي خَسِرَها وأعادَه ابنًا يفرحُ به فرحًا عظيمًا لأنّه كان ميتًا فعاش وضالًّا فوُجد.
هل تركنا البيت الوالديَّ على مثال الاِبن الضالّ وذهبنا لنعيشَ في غربة عن الأب الحنون؟
هل نَـعي بأنَّ الآب ينتظرنا بفارغ الصبر لنعودَ إليه لا ليُحاســبَنا او يعاقـبَنا أو يذلّنا، بل ليُعيدَ إلينا ما فقدناه باستعمالنا حرّيّتنا بما يُذِلنا ويُحَقِّرُنا، وَلِيَغفِرَ خطايانا ويُـبَـيّـضَها كالثلج؟
فلنعدْ إليه بتوبةٍ صادقةٍ ولا نُفسِّ قلوبنا ولنُخرج شياطين الجهل والحقد والنميمة بالصلاة والصوم واثقين أنّ مَن ينتظرنا هو أبٌ حنون.
+ الأسقف قسطنطين
رئيس دير مار الياس شويّا البطريركيّ
طروبارية القيامة باللحن الثاني
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتك وعندما أقمتَ الأموات من تحتِ الثَّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويِّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك.
قنداقُ أحدِ الابنِ الشاطِر باللحن الثالث
لمّا هجرتُ مجدَك الأبويّ عن جهلٍ وغباوة، بدَّدتُ في الشّرور الغنى الذي أعطيتَني أيُّها الأب الرَّؤوف. لذلك أصرخ إليك بصوت الابنِ الشاطر هاتفًا: خطئتُ أمامك فاقَبلني تائبًا، واجعَلْني كأحد أُجرائك.
القنداق نفسُه موزونًا:
قد عَصَيتُ مجدَكَ. بِجَهلٍ أَيُّها الآبُ. وَبَدَّدتُ في الشرّور. ما قد أعطَيتَ مِن ثروة. فَلِذا أَصرُخُ نحوَكْ كالاِبنِ الشاطر. يا رَؤُوف. إنّي أخطأتُ أمامَك. فتَقَبَّلْ مِنّي التوبة. وَاجعَلْني واحدًا مِن أُجَرائكَ.
الرسالة: 1 كو 6: 12-20
لتكُن يا ربُّ رَحْمتكَ علينا
إبتهجوا أيُّها الصدّيقون بالرّبّ
يا إخوة، كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن ليس كلُّ شيءٍ يوافق. كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن لا يتسلَّطْ عليَّ شيءٌ. إنَّ الأطعمة للجوفِ والجوفَ للأطعمة، وسيُبيدُ الله هذه وتلك. أمّا الجسدُ فليسَ للزِّنى بل للرَّبِّ والربُّ للجسد. واللهُ قد أقام الربَّ وسيُقيمُنا نحن أيضًا بقوَّته. أما تعلمون أنَّ أجسادَكم هي أعضاءُ المسيح؟ أفَآخُذُ أعضاءَ المسيح وأجعلُها أعضاءَ زانيةٍ؟ حاشا! أما تعلمون أنَّ من اقترنَ بزانيةٍ يصيرُ معها جسداً واحداً، لأنَّه قد قيلَ يصيران كلاهما جسداً واحداً. أمّا الذي يقترنُ بالرَّبِّ فيكون معه روحًا واحداً. أُهربوا من الزِّنى، فإنَّ كلَّ خطيئةٍ يفعلُها الإنسانُ هي في خارج الجسد، أمّا الزّاني فإنَّه يخطئ إلى جسدِه. ألستم تعلمون أنَّ أجسادَكم هي هيكلُ الرُّوح القدس الذي فيكم، الذي نلتموه من الله، وأنَّكم لستم لأنفُسِكم لأنَّكم قد اشتُريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادِكم وفي أرواحكم التي هي لِلَّه.
الإنجيل: لو 15: 11-22
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ كان له ابنان. فقال أصغرهُما لأبيه: يا أبتِ أعطني النَّصيبَ الذي يخصُّني من المال. فقسم بينهما معيشتَه. وبعد أيّام غيرِ كثيرةٍ جمعَ الاِبنُ الأصغرُ كلَّ شيءٍ لهُ وسافر إلى بلدٍ بعيدٍ وبذَّر مالَه هناك عائشاً في الخلاعة. فلمّا أنفقَ كلَّ شيءٍ، حدثت في تلك البلدٍ مجاعةٌ شديدة، فأخذَ في العَوَز. فذهب وانضوى إلى واحد من أهل ذلك البلد، فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازيرُ تأكله فلم يعطهِ أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أُجَراءَ يَفضُلُ عنهم الخبزُ، وأنا أهلك جوعًا. أقومُ، وأَمضي إلى أبي، وأقولُ له: يا أبتِ، قد أخطأتُ إلى السَّماء وإليك، ولستُ مستحقًّا بعدُ أن أُدعى لك ابنًا، فاجعلني كأحد أُجَرائِك. فقام وجاء إلى أبيه. وفيما هو بعدُ غيرُ بعيد، رآه أبوه فتحنَّن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عُنقه وقبَّله. فقال له الاِبنُ: يا أبتِ، قد أخطأتُ إلى السَّماء وأمامَك، ولستُ مُستحقًّا بعدُ أن أُدعى لكَ ابنًا. فقال الأبُ لعبيده: هاتوا الحُلَّة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتمًا في يده وحذاءً في رجليه. وائتوا بالعجل المُسمَّن واذبحوه فنأكلَ ونفرحَ، لأنَّ ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًّا فوُجد، فطفقوا يفرحون. وكان ابنُه الأكبرُ في الحقل. فلمّا أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحد الغِلمان وسأله ما هذا؟ فقال له: قد قَدِمَ أخوك، فذبح أبوك العجل المسمّنَ لأنّه لَقِيَهُ سالماً.
فغضب ولم يُرِدْ أن يدخل. فخرج أبوه وطفق يتوسّل إليه.
فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنينَ أخدمُكَ، ولم أتعدَّ لك وصيَّةً، فلم تُعطِني قطُّ جَدْياً لأفرح مع أصدقائي. ولمّا جاء ابنُكَ هذا الذي أكل معيشتَك مع الزواني، ذبحتَ له العجلَ المسمَّن.
فقال له: يا ابني، أنتَ معي في كلّ حين، وكلُّ ما هو لي فهو لك. ولكنْ، كان ينبغي أن نفرح ونُسَرَّ، لأنَّ أخاك هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًّا فوُجِد.
في الإنجيل
- إذا ابتعدَ الإنسانُ عن الله، فالله لا يتخلّى عنه، ولا يدينُه، لكنّه يبحث عنهم ويحبُّه وينتظر عودتَه "لأنّ ابنَ البشر أتى ليَطلبُ وَيُخلّصَ ما قد هلك" (لو 10:19).
- لقد تكلّم الربُّ يسوعُ بهذا المَثَلِ على أثَرِ انتقادِ الفرّيسيّينَ لَه لِدُخولِه إلى بيتِ متّى العشّار. ويقول لوقا "وكان العشّارونَ والخطأةُ يَدْنُونَ منه جميعًا ليستمعوا إليه".
لقد جاءَ الربُّ لِيُحرِّرَ الخطأةَ من عواقبِ خطاياهم، فكأنّهم مرضى يحتاجون إلى طبيب، وهو طبيبُ النفوسِ والأجساد.
- لا يعني دخول الربِّ إلى بيت العشّار، وجلوسُه مع الناسِ الخاطئين، أنّهم يوافقُ على سيّئاتِهم.
نعم، هو صديقُهم، ويُحِبُّهم، ولكنّ علاقتَه بهم هي علاقةُ معلِّمٍ مُرشِدٍ حكيمٍ، جاءَ ليخلِّصَهم مِن آثامِهم التي ستودي بهم إلى الهلاك، جاءَ لِيَدعُوَهم إلى التوبة.
هؤلاءِ لم يَدْنُوا منه لمشاهدة معجزاتِه فقط، بل لسماع تعليمه أيضًا، لأنّهم شعروا بإثمهم وحاجتهم إلى مغفرة الله.
لقد كانوا يستمعون إليه بأُذنٍ صاغية، ويفتحون له القلبَ أيضًا. والاستماعُ هُنا يعني الطاعة والعمل.
- الأَب في مَثَلِ الاِبنِ الشاطر يمثّل الآبَ السماويّ. الابن الأكبر يمثّل الفرّيسيّين والكتبة وسائرَ المتكبّرينَ المتّكلين على بِرِّ أنفُسِهم.
الابن الأصغر يمثّل العشّارين والخطأة وكلّ الأُمم الذين يعترفون بآثامهم.
يعلّقُ القدّيس كيرلّس الكبير أن الابن الأكبر ينطبق على جماعة الفِرِّيسِيين الذين يفتخرون أنّهم يسلكون بالبرّ حسب الشريعة، لكنّهم في كبريائهم يرفضون حبّ المخلِّص للخطأة والعَشَّارين، عوض الفرح والبهجة بخلاصهم".
- يشير السَّفَر إلى اتّكال الإنسان على ذاته وقوَّته الخاصة فيفقد عمل الله فيه. أمَّا عبارة "بَلَدٍ بَعيد" فتشير إلى البُعد عن الله بالقلب والمشاعر، والانغماس في ملذّات الخطيئة. من ينفصل عن المسيح يتغرّب عن الوطن، ويصير وطنه هذا العالم".
- لقد بدّد الابنُ الأصغرُ مالَهُ بلا مسؤوليّة، مبتعدًا عن إرشاداتِ عقلِه ووصايا أبيه. عندما تستولي الخطيئةُ على المرء، يكون كالخروف الضالّ (لوقا 4:15) وكالدرهم المفقود (لوقا 8:15). لقد بدّد "كلّ شيء"، أي أضاعَ كُلَّ طاقاتِهِ في أمورِ العالَمِ وشهواتِه.
لقد بدّدَ كُلَّ نعمةٍ وكُلَّ موهبةٍ سبقَ أن أَخَذَها من الله. أمّا المجاعةُ فترمزُ إلى جوع النَّفْسِ عندما تبتعدُ عن الله.
- المهمّ في الأمر أنّ الابنَ الضالّ "رجعَ إلى نفسِه"، والرجوع إلى النفس هو الخطوةُ الأُولى في مسيرةِ التوبة، أي الرجوع إلى الله. الرجوع إلى النفس هو نقطةُ التحوُّل، وبدايةُ طريقِ التوبة.
- الله يَقبلُ التائبَ إذا رجعَ إليهِ بتواضعٍ وانسحاق، معترفًا بخطيئتِه ومقرِّرًا تغييرَ حياتِه.
يُعيدُه إلى مرتبةِ البُنُوّة، ويَفرحُ به، والسماءُ كُلُّها تَفرحُ معَه، لأنّ هذا الخاطئَ تاب، لأنّ هذا الاِبنَ كانَ ميتًا فعاش، وكان ضالًّا فَوُجِد.
القداسة واللطف
في شخص القدّيس، بِمِيزة سهولة علاقاته مع الآخرين، بالتفاتَتِه الراقية نحوهم، بتقديم ذاته للمسيح، تُشفى الإنسانيّة وتتجدّد. لكن كيف تظهر بأشكال محدّدة، هذه الإنسانيّة المتجدّدة؟
يسعى القدّيس ليكون شفّافًا في علاقاته مع كلّ انسان، ذا سلوك مفعم بالرقة، باللطف، بالشفافيّة وبنقاوة الفكر والمشاعر.
لطفه ورقّته يطالان أيضًا الحيوانات وكلّ المخلوقات لأنّه يرى فيها هبةً من محبّة الله ولا يشاء أن يجرح هذه المحبّة عبر استخدامه هذه العطايا بتهاونٍ ولا مبالاة.
يحترم كلّ إنسان وكلّ مخلوق، فإن عانى أحدهم يظهر له تعاطفًا عميقًا (إسحق السريانيّ المقالة 81).
يكشف هذا التعاطف قلبًا رقيقًا، حسّاسًا بامتياز وغريبًا عن كلّ قساوة ولامبالاة وتعنيف.
يظهر لنا أنّ القساوة أتت من الخطيئة والأهواء. في سلوك القدّيس وأفكاره لا نصادف عدم حياء أو دناءة أو وقاحة. لا أثر عنده للتصنّع ولتغييب الحقيقة.
في شخصه يبلغ اللطف ذروته وتلتحم الشفافيّة مع النقاوة ومع الانتباه الحادّ تجاه الآخرين ومع رغبة في أن يشارك مجملُ كيانه في مشاكلهم وآلامهم. يظهر، عبر هذه الفضائل، تحقيقٌ بارز للطبيعة البشريّة الأصيلة.
توجد داخل هذا اللطف السامي رصانةٌ وَنُبْلٌ مفعم بالحنان يفوقان بكثير مثيلاهما عند عامّة الناس الذين يحافظون، دومًا على مسافات بينهم وبين الآخرين ولا يهمّهم إلّا التقيّد بالشكليّات. أمّا هذا اللطف، لطف القدّيسين.
فلا يتجنّب العلاقات مع البشر الأكثر ضعة ولا يتردّد في استضافتهم في حين يعتبر الآخرون أنّ هذا الفعل يقلّل من شأنهم.
مثال هذا اللطف هو في إفراغ المسيح لذاته وتنازله الفائق الوصف.
هو لم يشأ أن يقصيَ ذاته عن الخطأة ولا عن النساء اللواتي يتجنّبهنّ كثيرون ممن يحرصون على كرامتهم. إفراغ المسيح لذاته هو ذروة الرقّة. هنا تظهر إرادته في أن لا يتثقِّلَ على الوضيعين وأن لا يقلقهم. بهذا الإفراغ أراد ان يشقّ طريقاً الى قلوبهم.
بلطفه كان يرغب في دفعهم للتخلّي عن فظاظتهم مقابل إصرارهم على قساوة عندهم تتأتّى من احتقار الوضيع للآخر كجواب لاحتقاره ممن هو أكثر رفعةً منه.
أراد المسيح، عبر هذا الإفراغَ أن يهشّم حائط القساوة الذي يُغلِّفُ، كَصَدَفَةٍ، طراوةً جوهرِ الطبيعة الإنسانيّة الحقيقيّة.
عبر لطفِ سلوكهم، يُلْهَمُ القدّيسون من تنازل السيّد. وهم في الوقت عينه، المُهَيِّؤون الطريق لهذا المستوى المستقبليّ الأصيل من البشريّة حيث سيملك اللطف على مجمل العلاقات البشريّة، لأنّ البشر غير المقتنعين دومًا بالمساواة الظاهريّة بين البشر والتي يحاولون تحقيقها، يتوقون الآن إلى مستوى أسمى من العلاقات المتبادلة بين البشر مفعمةٍ بالرقّة.
بسبب ضميرٍ تغذّى وتتطّهر لطفُه من لطف الله الذي أصبح إنسانًا لأجل الإنسان، اشترك القدّيسون في هذا اللطف لذا فهم يتبيَّنون عند الآخرين أيضًا أكثر أوجه اللطف في نفوسهم.
هم يتجنّبون كلّ ما من شأنه أن يسبّب لهم المضايقة، لكن دون أن يتوانوا عن مساعدتهم في التغلّب على ضعفاتهم ومصاعبهم.
لذا فالقدّيس هو المطلوبُ الذي يُؤْمَنُ له في أن يكشف له الناسُ أعمق أسرارهم لأنّه قادر أن يقرأ في الآخرين حاجتَهم منذ لحظة نشوئها في دواخلهم وكلّ صلاحٍ يتمنّون تحقيقه.
عن د. ستالينواي
تعريب الأب ميخائيل الدبس