الأحد 16 تشرين الأول 2022

الأحد 16 تشرين الأول 2022

13 تشرين الأول 2022
الأحد 16 تشرين الأول 2022
العدد 42
أحد آباء المجمع المسكونيّ السابع
اللحن الأول، الإيوثينا السابعة


أعياد الأسبوع:

16: الشَّهيد لونجينوس قائد المئة ورفقته، 17: النبيّ هوشع، الشَّهيد أندراوس، إيقونة العذراء القائدة، 18: الرَّسول لوقا الإنجيليّ، البارّ إفذوكيموس الآثوسيّ، 19: النبيّ يوئيل، الشَّهيد أوَّارس، 20: الشَّهيد أرتاميبوس، جراسيموس النّاسك الجديد، 21: البارّ إيلاريُّون الكبير، القدّيسة مارينا الني من رايثو، 22: أفيركيوس المعادل الرُّسل، الفتية السَّبعة الّذين في أفسُس.

الصلاة والروحانيّة الأرثوذكسيّة

الإنسانُ لا يكتمل إلاّ بالنعمة الإلهيّة.

كلّ ذلك عن طريق الصلاة، يقول الرسول بولس: "أطلب أوّل كلّ شيء أن تقام طلباتٌ وصلواتٌ وابتهالاتٌ لأجل جميع الناس" (1 تيمو 2: 1).

الحياة الروحيّة تستند أوّلاً على الصلاة.

يقول القدّيس يوسف الهدوئيّ المعاصر: "إن أقبلَ اليك أحدٌ يطلب مشورةً روحية فأوصه قبل كلّ شيء أن يصلّي. الصلاة سوف تعلّمه ما تبقّى من الأشياء وتقدّسه".

في بداية الحياة الروحيّة تكون الصلاةُ متعِبة، فيها يُجبِرُ الإنسانُ نفسَه على الصلاة. مع الممارسة تصبح الصلاةُ عفويّةً.

عندها يمنح الروح القدس رغبةً قويّة للصلاة، حتى إنّ الإنسان لا يعود يصلّي من ذاته لكن الروح الإلهي هو الذي يصلّي من خلاله. 

عندها ومع دوام عمل الروح القدس في الإنسان تُضحي الصلاة دائمة في النهار وفي الليل، في العمل وفي الراحة فيطبّق وصية الرسول بولس "صلّوا بلا انقطاع اشكروا في كلّ شيء" (1 تسا 5: 17).

"في بداية الصلاة علينا أن نجدّفَ لكي يسيرَ القاربُ أمّا في الأخير لا يعود الواحدُ مضطراً أن يجدف، لكن عليه أن يبسطَ الشراع، شراعَ المركب لكي يسيرَ بنفحة الروح القدس" ramer هذا ما يقوله االقدّيس يوحنّا السلّمي.

الصلاة القلبيّة صلاة يسوع، إلى جانب روح التواضع humilité، تحثّ على روح التضحية والتمثّل بيسوع المسيح المصلوب وتحمّل الآلام. من أراد أن يتبعني فليُنكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مر 8: 34).

النعمة الإلهيّة، نعمة الروح القدس غير المخلوقة energie non créée، يمكن أن تأتي إلى الإنسان إلى جانب الصلاة الحارّة، عن طريق المطالعة الروحيّة، مطالعة الكتاب المقدّس والآباء القدّيسين.

يقول القدّيس مكاريوس المصريّ في كتابه العظات الروحيّة الخمسون صفحة 204 "فإذْ تتّحد مادّتان تنتجان شيئاً كاملاً كما حال العهدَين. الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله. له عينان وحاجبان ويدان وقدمان...

 لنأخذْ على سبيل المثال العصفور لو كان له جناحٌ واحدٌ لما استطاع أن يطير. هكذا هي طبيعة الإنسان. 

فإن هي بقيت عاريةً ومكتفية بذاتها ولم تتّحد بالطبيعة السماويّة لن تكون تامّة، بل تبقى عاريةً مكتفية بطبيعتها الدونيّة الخاطئة.

النفس ذاتها دُعيت هيكلَ الله ومكان سكناه.

وعندما تكون نفسُكَ في شركة مع الروح القدس وتدخل النفسُ السماويّة إلى نفسك تصير أنت إنساناً كاملاً ووارثاً وابناً.

+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
    
طروبارية القيامة باللحن الأوّل

إنّ الحجر لمّا خُتم من اليهود، وجسدك الطاهر حُفِظَ من الجند، قمت في اليوم الثالث أيها المخلِّص، مانحاً العالم الحياة. لذلك، قوّات السماوات هتفوا اليك يا واهب الحياة: المجد لقيامتك أيها المسيح، المجد لملكك، المجد لتدبيرك يا محبّ البشر وحدك.

طروبارية الآباء باللحن الثامن

أنتَ أيها المسيح إلهنا الفائق التسبيح، يا مَن أسّستَ آباءَنا القدّيسين على الأرض كواكب لامعة، وبهم هديتنا جميعاً إلى الإيمان الحقيقي، يا جزيل الرحمة، المجد لك.

القنداق باللحن الرابع

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطة لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائماً بمكرِّميك.

الرسالة: 
تيطس 3: 8-15
مباركٌ أنت يا ربُّ إله أبائنا،     
لأنَّك عدلٌ في كلّ ما صنعتَ بنا.


يا ولدي تيطُسُ، صادقةٌ هي الكَلِمةُ، وإيَّاها أُريدُ أن تقرِّرَ حتَّى يهتمَّ الذين آمنوا باللهِ في القيام بالأعمال الحسنة. فهذه هي الأعمالُ الحسنةُ والنافعة. أمّا المُباحَثات الهذَيانيَّةُ والأنسابُ والخُصوُمَاتُ والمماحكاتُ الناموسيَّة فاجتنِبْها. فإنَّها غَيرُ نافعةٍ وباطلةٌ. ورجُلِ البدعَةِ، بعدَ الإنذار مرَّةً وأُخرى، أعرِض عنهُ، عالِماً أنَّ مَن هو كذلك قدِ إعتَسفَ، وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أرتمِاسَ أو تِيخيكوسَ فبادِرْ أن تأتيني إلى نيكوبولِس لأني قد عزمتُ أن أُشتّيَ هناك. أمّا زيناسُ معلِّمُ الناموس وأبُلُّوسُ فاجتَهد في تشييعهما متأهّبَين لئلا يُعوزَهما شيءٌ. وليتعلَّم ذوونا أن  يقوموا بالأعمال الصالِحةِ للحاجاتِ الضَّروريَّة حتَّى لا يكونوا غيرَ مثمرين. يسلّمُ عليكَ جميعُ الذين معي. سَلِّمْ على الذين يُحبُّوننا في الإيمان. النّعمةُ معكم أجمعين. آمين.

الإنجيل: 
لو 8: 5-15 (لوقا 4)


قال الربُّ هذا المثَل. خرج الزارِعُ ليزرعَ زرعَهُ. وفيما هو يزرع سقط بعضٌ على الطريق فوُطِئَ وأكلتهُ طيورُ السماءِ، والبعض سقط على الصخر، فلمَّا نبت يَبِسَ لأنَّهُ لم تكنْ له رُطوبة. وبعضٌ سقط بين الشوك، فنبت الشوكُ معهُ فخنقهُ. وبعضٌ سقط في الأرضِ الصالحة، فلمَّا نبت أثمر مئَةَ ضعفٍ، فسأله تلاميذهُ: ما عسى أنْ يكونَ هذا المثَل؟ فقال: لكم قد أُعطيَ أنْ تعرِفوا أسرارَ ملكوت الله، وأمّا الباقون فبأمثالٍ لكي لا ينظروا وهم ناظِرونَ ولا يفهموا وهم سامعون. وهذا هو المثَل. الزرعُ هو كلمةُ الله، والذين على الطريق هم الذين يسمعون، ثمَّ يأتي إبليس وَيَنْزعَ الكلمةَ من قلوبهم لئلاَّ يؤمنوا فيخلُصوا. والذين على الصخر همُ الذين يسمعون الكلمةَ ويقبلونها بفرحٍ، ولكن ليس لهم أصلٌ وإنَّما يؤمِنون إلى حين وفي وقت التجربة يرتدُّون. والذي سقط في الشوك هم الذين يسمعون ثمَّ يذهبون فيختنِقون بهمومِ هذه الحياةِ وغناها ومَلذَّاتِها، فلا يأتون بثمرٍ، وأمَّا الذي سقط في الأرض الجيّدة فهم الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيدٍ صالحٍ ويُثمرون بالصبر. ولمّا قال هذا نادى: مَن لهُ أُذنان للسمع فليسمعْ

في الإنجيل

- إنَّ الربَّ يسوعَ المسيحَ الذي يقتربُ من كُلِّ نَفسٍ بشريّةٍ اقترابَ صديقٍ مُخلِص، يشبِّهُ نفسَهُ بالزارِع، والنفسَ البشريّةَ بالأرض. هذا الزارِعُ يُلقي باستمرارٍ بذار محبّتِه في تُربةِ كُلِّ نَفْس، وكم يودُّ لو تتقبَّلُها هذه النَّفْسُ وتتفاعلُ معها، لكي تنبتَ وتنمو وتُثمر بلا عائق ثمار محبّةٍ لا تنقطع.

    لقد عوَّدَنا الربُّ أن يكلّمَنا بأمثالٍ لِيجتذبَ إليهِ السامعِين، لأنَّ الأسلوبَ القصصيَّ جذّاب، من جهة، ومن جهةٍ أُخرى لكي يصلَ إلى قلوبِ المهتمّينَ بخلاصِ نفوسِهم، ويبقى الأمرُ غامضًا عندَ غير المهتمّين.

 - في مجيئه الأوّل، لم يأتِ الربُّ ديّانًا للناس، بل صديقًا يحاولُ زَرعَ بذارِ الملكوت. إنّه الزارعُ الذي يُلقي البِذارَ بِنفسِه. إنّه لا يَبخلُ علينا بنفسِه، لذلك لا يأتي ببذارٍ خارجيّة، بل قدّمَ ذاتَه.

- إنّ اختلافَ أنواعٍ التربة بحسب المَثَل، يُشيرُ إلى اختلافِ البَشَر فيما بينَهم من ناحيةِ الإرادة، لا من ناحيةِ الطَّبع. لأنّنا إذا قُلنا إنّ إنسانًا ما مخلوقٌ بقلبٍ متحجّر، وإنسانًا آخَر مخلوقٌ بقلبٍ صالح، لكان الناسُ مسيَّرِينَ لا مُخَيَّرِين. وفي هذه الحال، ما كان اللهُ العادلُ لينصبَ منبرَ الدينونة.

 إذًا، الكلامُ هنا يُشيرُ إلى عَزمِ كُلِّ إنسان، فمنَ الناسِ مَن يستسلمُ للأهواء، فيقسو قلبُه شيئًا فشيئًا وتَفتُرُ هِمّتُه الروحيّة، وَمِنهم مَن يتيقّظُ ويَسهرُ على نفسِه، فيعيشُ في التقوى والتوبة وتنقيةِ النّفس، وبهذه الطريقة يمتلكُ قلبًا صالحًا، متى أُلْقِيَ فيه بِذارُ السَّماءِ أثمرَ مئةَ ضِعف.

- كلمةُ اللهِ تَصِلُ إلى كُلِّ قَلب، أي إنّ نداءَهُ يَبلغُ إلى آذانِ القلوبِ وعيونِها. وَهُنا يأتي دَورُ الإرادةِ والاستعداد، فإمّا أن يسمعَ الإنسانُ ويُبصر، أو أن لا يسمعَ ولا يُبصِرَ رُغمَ كَونِهِ يمتلكُ سَمْعًا وَبَصرًا. ذلكَ أنّ سماعَ كلمةِ الله لا يكونُ بالأُذنِ المحسوسة، بل بأُذنِ القلب، وكذلك رؤيةُ طريقِ خلاصِه.

- في هذا المَثَلِ ثلاثةُ فئاتٍ لم تُثمِر، وفئةٌ واحدةٌ أثمرَتْ.

الفئةُ الأُولى غير المثمرة هي التي انتزعَ إبليسُ الكلمةَ منها بشكلٍ مباشر.

وهذا يعني أنّ الربَّ يريدُ لنا الخلاصَ أمّا إبليسُ فيريدُ لنا الهلاك.

والفئةُ الثانية هي التي صرفَتْها التجاربُ عن محبّةِ الربّ.

أمّا الفئةُ الثالثةُ فهي التي غَرِقَت في هُمومِ الحياةِ وغِناها ومَلَذّاتِها.

وهذا ما يعني أنّ مسؤوليّةَ هلاك الإنسانِ تقعُ على عاتقِهِ وحدَهُ، لا على المجرِّب، ولا على التجربةِ بِحَدِّ ذاتِها، ولا على ظروفِ الحياةِ الصعبةِ أو السهلة. فالإنسانُ، في النهاية، هو الذي يقرّرُ ويتصرّف. 

هو وحدَهُ المسؤولُ عن تصرُّفاتِه.

ولكنْ، هل يعني هذا أنّ الإنسانَ ماضٍ إلى الهلاكِ لا محالة، في حالِ ارتكابِه الأخطاء؟

 لا! لأنّ إلهَنا الرحيمَ جاءَ إلينا في مجيئِه الأوّلِ مُرِيدًا أن يُعطيَنا فرصةً لنعودَ عن ضلالِنا. 

وعلاوةً على ذلك، أعطانا هديّةً رائعة، ألا وهي المغفرة التي ننالُها متى وَلَجنا بابَ التوبةِ الذي أقامَهُ لنا الربُّ بسببِ غزارةِ رحمتِه. آمين.

العائلة الأرثوذكسيّة

إنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة ترى أن تكوين عائلة مسيحيّة هو أمرٌ مقدّس ومبارك، وهو مسؤوليّة كبيرة. 

فالعائلة هي المكان الأوّل الذي يتربّى فيه الإنسان ليس فقط على القيم والخدمة والتفاني والانفتاح، بل وأيضًا على محبّة ابن الله الوحيد الذي بذل نفسه من أجل أن تكون لنا حياة أوفر. 

العائلة هي مختبر عيش الايمان والنموّ بالمسيح، والبيئة التي تتكوّن فيها شخصيّة الإنسان الروحيّة والاجتماعيّة، والمدرسة الأولى لتعلّم الفضائل المسيحيّة. 

إنّ تقدير الكنيسة للعائلة ولدور الأب والأمّ يبدو جليًّا بالتكريم الدائم واليوميّ الذي تقيمه الكنيسة للقدّيسَين يواكيم وحنّة، جدَّي المسيح الاله. 

فهي تذكرهم في نهاية كلّ صلاة ليتورجيّة لأنّها تعتبر أنّ حياة يواكيم وحنّة هي أفضل مثال بشريّ لأبٍ وأُمٍّ أنجبا فتاةً نقيّةً استحقَّتْ أن تُدعى والدة الاله الكليّة القداسة، وأمّ الربّ يسوع مخلّص العالم بأسره.

وعليه، تدعو الكنيسة كلّ مؤمن أن يَذكرَ في صلاته اليوميّة أباه وأمَّه وإخوته وعائلته، وكلّ الناس، الأحياء منهم والراقدين.

تعرّف العائلة، بحسب رؤية الكنيسة، بأنّها وحدة روحيّة، تعيش بكلمة الربّ، وتطبّق مشيئته، وتسعى للالتصاق به.

وهذا بناء على تعريف الربّ يسوع بعائلته: "أمّي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها" (لوقا 8: 21). 

إنّ العائلة الارثوذكسيّة روحيّة إذ تضع حبَّ المسيح في أوّل اهتماماتها اليوميّة، وتمتدّ إلى الآخرين بحسب وصيّة الربّ: "أحبب قريبك كنفسك". 

إذًا إنّها بالأساس ليست وحدة اجتماعيّة كما يعرّفُها علمُ الاِجتماع، ولا اقتصاديّة كما يعرّفُها علمُ الاِقتصاد. 

فالوالدِين، إن عملوا وكدّوا ليلاً ونهارًا لتأمين حياةٍ مرفّهة لهم ولأولادهم، وحياة اجتماعيّة منفتحة، نراهم يرزحون، أحيانًا، تحت أنانيّة مفرطةٍ تؤدّي إلى عدم احتمال أثقال بعضهما، وبالتالي اختلال حياة العائلة، والخاسر الأكبر يكون فيها الأولاد.

إنّ انحلال العائلات المسيحيّة ليس سوى دليل على انحلال الحياة الروحيّة فيها.

 نرى اليوم أنّ بعض العائلات الأرثوذكسيّة تُهمل تنشئة أولادها بحسب الإيمان المسيحيّ. 

فعندما يهمل الأب والأمّ دورهما في عيش الايمان والمشاركة في القدّاس الإلهيّ والاعتراف، يفقد الولد أيضًا أهمّيّة الايمان.

 لا بُدّ من التنبّه للمسؤوليّة الملقاة على عاتق الأهل بتربية الأولاد روحيًّا، وإدخالهم الى حياة الكنيسة وعيش الإيمان. 

على الرغم من أنّنا في الشرق نعيش في مجتمع تقليديّ، نسبيًّا، ولكنّنا نلاحظ تزايد عدد الزيجات "المدنيّة" وحالات الطلاق، وانتشار أخبار العائلات المضطربة، وهي كثيرة. لذا، تواجه العائلة تحدّيًا كبيرًا في إدراك معنى الزواج وأهداف تكوين عائلة. 

نجد اليوم أنّ بعض المتزوّجين حديثًا لا رغبة لهم بإنجاب الأولاد، ولو حتّى ولد واحد. 

وأيضًا، يشعر الكثير من الأولاد، بسبب ضعف الاِهتمام بهم، بأنّهم غير مرغوب فيهم. 

أحيانًا يُترك الأولاد كضحيّةٍ لنزاعات الأهل، وتتجذّر العديد من المشاكل الروحيّة والنفسيّة في مرحلة الطفولة، وتظهر لاحقًا في سنّ الرشد. 

صحيح أنّه يوجد العديد من العوامل التي تؤثّر على نموّ الانسان، ولكنّ الأساس يتمّ وضعه بدقّة في ديناميكيّة الحياة العائليّة.

لهذا يصوِّر القدّيس باييسيوس الأطفال كالأشرطة الفارغة التي لم يتمّ عليها التسجيل بعد. 

فما يمارسه الوالدان فيما بينهما يُسجَّلُ في داخل أولادهم، فيبني كيانهم ويطبع شخصيّتهم ويترسّخ في عقولهم وقلوبهم. 

الوالدان، شئنا أم أبينا، هما المثال لأولادهما.

إنّ نموذج سلوك الأب والأمّ، وقِيمَهما وأهدافَهما هي الأساس الذي سيبني عليه الولد عائلته في المستقبل.

الصبيّ يقرأ في وجه أبيه باللاوعي عنده أسلوب التعامل مع المرأة بحسب ما يرى معاملة أبيه لأمّه، ويحاول تقليده. بنفس الطريقة، تحاول الفتاة تقليد والدتها. 

إن كان الوالدان، على سبيل المثال، لا يقدّران بعضهما البعض، فغالبًا ما يقع الولد بحالة نفسيّة، رفضًا لواقع أهله.

إنّ عواقبَ مثلِ هذا الموقفِ هي العصيان والخداع والعدوانيّة والميل إلى السرقة، وقد يتشكّل في نفس الطفل سلوك معادٍ للمجتمع.

لقد أدّت المحاولات المتكرّرة لتدمير العائلة في الغرب إلى ظهور أمراض مختلفة في شكل سلوك اجتماعيّ أو جنسيّ منحرف، واضطرابات عقليّة، وأمراض أخرى. 

إنّ تدمير العائلة هو تدميرٌ للإنسان. كيف يكون الإنسان، إن نشأ في بيئة لا قِيَمَ فيها، كالمحبّة، والتضحية، ولا تُقيم للأمومة والأبوّة اعتبارًا؟

المصيبة الأكبر تكمن في أنّ البعض غير مكترث لفقدان الحياة الروحيّة في العائلة. 

فإنْ غابت الحياة الروحيّة عن العائلة واستبدَّتْ بها أنانيّةُ الزوجَين، وغابت معها رعاية الكهنة وافتقادهم، فأيَّ مستقبلٍ بشريّ نتوقَع وأيُّ مجتمع سنكون فيه؟ 

هنا، يدعو القدّيسَان المعاصران باييسيوس الآثوسيّ وبورفيريوس الرائي الوالدِين أن يضعا في أولويّة اهتمامهما حياتهما الروحيّة، لأنّهما لا يحملان وِزرَ نفسَيهما فحسب، بل مسؤوليّة أبنائهما أيضًا.

فسلامة الحياة العائليّة تبدأ من هنا، أي بأن يكون، وأن يتذكّر، الزوجان أنّ قداسة حياتهما تنعكس أوّلًا على صحّة علاقتهما الثنائيّة، وعلى نموّ أولادهما. 

الله يرشد الأهل إنْ توجّهوا إليه حاملين تلك المشاكل العلائقيّة التي يعانون منها، ليتخطَّوا ضعفاتهم، ليس فقط من أجلهم، بل من أجل أبنائهم.

لهذا، تدعو الكنيسة الأبَ والأمَّ لِتَحمُّلِ مسؤوليّاتهم أمام الله والانخراط في تنمية أولادهم الروحيّة من خلال إيجاد جوّ عائليّ تملؤه محبَّة الله والناس، فيرافقون أولادهم منذ نعومة أظفارهم، لكي يمجِّدوا الله ويتعلّموا محبّة القريب، ويظهروا شهودًا للمسيح. كلّ هذا يبدأ بأن يسيروا معًا إلى الكنيسة ويقودوا أولادهم إليها، لينموا بالروح، ويحيَوا من الآن في ملكوت السماوات.