الأحد 12 حزيران 2022

الأحد 12 حزيران 2022

08 حزيران 2022
الأحد 12 حزيران 2022
العدد 24
أحد العنصرة المقدّس

 
أعياد الأسبوع:
 
12: البارّ أنوفريوس المصريّ، بطرس الآثوسيّ، صلاة السّجدة، 13: إثنين الروح القدس، الشُّهيدة أكيلينا، 14: النبيّ أليشع، مثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة، 15: النبيّ عاموص، البارّ إيرونيمس،16: تيخن أسقُف أماثوس، 17: الشُّهداء إيسفروس ورفقته، الشُّهداء مانوئيل وصابل وإسمعيل، 18: وداع العنصرة، الشُّهداء لاونديوس ورفقته.
 
العنصرة
تحتفل الكنيسة المقدّسة بعيد العنصرة الذي يختتم الزمن الفصحيّ بعد خمسين يومًا من أحد القيامة. عيدُ العنصرة هو عيد ميلاد الكنيسة. يوم العنصرة تمّم يسوع وعده لتلاميذه بإرسال الرّوح المعزّي لهم (راجع: يو14: 26، لو 24: 49 وأع 2: 33).
 
بالعنصرة يتحقّق الفصح والصعود في الكنيسة وفي المؤمنين بيسوع المسيح. في هذا اليوم، حلّ الروح القدس على الرّسل والتلاميذ الآخرين الذين كانوا مجتمعين في الصلاة مع مريم والدة الإله في علّيّة صهيون. كان عدد الجماعة نحو مئة وعشرين شخصاً (أع 1: 14-15). يسوع القائم من بين الأموت صعد الى السماء ليرسل روحه إلى الكنيسة فيستقرّ فيها، ويمنح المؤمنين به أن يعيشوا هذا السّرّ أي أن يشاركوه حياته الإلهية، ويصبحوا شهودًا له في كلّ العالم.
 
عنصرة لفظة عربية مأخوذة من العبرية "עצרה" (عتصيرت) ومعناها اجتماع أو احتفال. وأما التسمية اليونانية للعيد "πεντηκόστη" أي “الخمسين، لأنه كان يحتفل به بعد مرور خمسين يوم من الفصح (لاو 23: 16). دُعي أيضًا عيد الأسابيع "שבועות" (شفوعوت) (راجع: طوبيا 2 :1). ويعتبر عيد العنصرة (عيد الأسابيع) أحد أعياد الحج اليهودية الثلاثة مع عيد الفطير (الفصح) في الربيع وعيد المظال (قطف الثمار في الخريف) (تثنية الاشتراع 16: 13 ولاويين 23: 34). يحتفل به اليهود به في حضرة الله مع جميع أهل البيت ومع الفقراء. وبعد دخولهم أرض كنعان كان اليهود يحتفلون بهذه الأعياد في الهيكل.
 
وفي القرن الثاني قبل الميلاد تطور العيد وأصبح ذكرى نزول الشريعة على يد موسى كليم الله في طور سيناء لان الشريعة أعطيت خمسين يوماً بعد الفصح (خروج 19: 1- 16). وفي وثائق قمران تبدو العنصرة أهم الأعياد التي فيها يحتفلون بتجديد العهد.
 
في العنصرة تحققت مواعيد الله، ففي الأيام "الأخيرة سوف يعطى الروح للجميع" (يوئيل 3: 1- 5، حزقيال 36: 27). وسبق يوحنا المعمدان وتنبأ بحضور ذلك الذي كان مزمعاً أن يعمّد بالروح القدس (مرقس 8:1). وقد ثبّت يسوع بعد قيامته هذه المواعيد إذ قال لتلاميذه "تعمَدون بالروح القدس بعد أيام قليلة" (أعمال 1: 5).
 
نقرأ في إنجيل اليوم (يوحنا 7) "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب". ويكمل يسوع قائلاً: من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ". الروح القدس هو هذا الماء الحيّ أي المتجدِّد لأنّه ينبوع الحياة وصانعها وهو ثابت الطبيعة كما أنّ الماء لا يتغيّر بطبيعته. لا حياة بدون ماء. كلّ شيء يمكن أن يُستغنى عنه إلّا الماء. هذا يعني أنّ الحياة الجديدة الّتي بالروح القدس هي أصل وجوهر حياتنا والّتي بدونها لا نستطيع أن نحيا. بدون روح الله لا حياة لنا. روح الله هو مصدر حياتنا وهو يَمُدُّ حياة الله فينا ومن خلالنا في العالم.
 
الكنيسة هي مطرح وجود هذا النبع في العالم لأنّها جسد المسيح. كما يستقرُّ الروح القدس في المسيح يستقرُّ في الكنيسة. لذلك، الكنيسة هي منبع روح الله في العالم، والروح نفسه يشدُّ النّاس إليها ويجذبهم ليأخذهم إلى المسيح فيُتْحِدُهُم به في جسده.
 
صار الإنسان بالمسيح في نعمة الرّوح القدس "هيكل الله" (راجع: 1 كورنثوس 3: 17 و2 كو 6: 16)، أي هو مملوء من حضوره ومجده بالنّعمة الإلهيّة. الرّوح القدس يعطينا الصّفات الإلهيّة أي يجعلنا شبيهين بالمسيح 0راجع: غلاطية 5: 22 و23). بالروح القدس نحقِّق مسيحيّتنا أي نصير مسحاء صغار حاملين في جسدنا "سمات الرّبّ يسوع" (غل 6: 17) لأنّنا نسلك وراء معلّمنا طريق إخلاء الذّات وحمل الصّليب وعيش المحبّة ببذلنا ذواتنا لأجل الإخوة (راجع: فيليبي 2: 5 – 11 وغل 6: 1 – 10).
 
الروح القدس هو "روح التّقديس وعربون الدّهر الآتي ..." (أنافورا القديس باسيليوس الكبير). بالعنصرة منحنا الله ذاته لنعود إليه بمؤآزة قوّته فنحقِّق بالمسيح مشروعه لنا أي أن نصير له أبناءً وورثة. العنصرة حدث أبديّ تحقِّق في الكنيسة ويتحقّق في كلّ مؤمن إذ يُعطى له أولًا في المعموديّة والميرون والمناولة الإلهيّة وفي سائر الأسرار، إنّها خبرة حياة الدّهر الآتي منذ الآن... هذه خبرة الكنيسة المقدّسة والقدّيسين وهذا ما نطلبه في حياتنا أن نكون عَنصريين، أي روح الرّبّ يهبّ فينا على الدّوام لنصير للمسيح شهودًا بقيامته وغلبته على الموت وتبنّي الله الآب لنا به...
 
من له أذنان للسمع فليسمع.

      +أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما 
 
طروبارية العنصرة باللحن الثامن
مباركٌ أنتَ أيّها المسيحُ إلهنا، يا من أظهرتَ الصيّادينَ غزيري الحكمة إذ سكبتَ عليهم الروحَ القدس، وبهم اصطدتَ المسكونة، يا محبّ البشرِ، المجدُ لك.
 
قنداق العنصرة باللحن الثامن
عندما نزل العليُّ مبلبلاً الألسنة كان للأُمم مقسِّمًا. ولمّا وزّع الألسنةَ النارّية دعا الكُلّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلك، باتفاق الأصوات، نمجِّدُ الروحَ الكليّ قدسُه.
 
الرسالة: أع 2: 1-11
إلى كلِّ الأرضِ خرجَ صوتُهم
السمواتُ تُذيعُ مَجدَ الله

 
لمّا حلّ يوم الخمسين، كان الرسلُ كُلُّهم معًا في مكان واحد. فحدثَ بغتةً صوتٌ من السماءِ كصوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلّ البيتِ الذي كانوا جالسين فيهِ، وظهرت لهم ألسنةٌ منقسِمةٌ كأنّها من نار، فاستقرّتْ على كلِّ واحدٍ منهم، فامتلأوا كلُّهم من الروح القدس، وطفِقوا يتكلّمون بلغاتٍ أخرى، كما أعطاهم الروحُ أن ينطِقوا. وكانَ في أورشليمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كل أمّةٍ تحتَ السماءِ. فلمّا صار هذا الصوتُ اجتمعَ الجُمهورُ فتحيّروا لأنّ كلّ واحدٍ كان يَسمعُهم ينطِقون بلغتِه. فدُهِشوا جميعهُم وتعجّبوا قائلين بعضُهم لبعضٍ: أليس هؤلاء المتكلمونَ كلُّهُم جليليّين؟ فكيفَ نسمع كلٌّ منّا لغته التي وُلد فيها، نحن الفرتيين والماديين والعيلاميين، وسكّان ما بين النهرين واليهودية وكبادوكية وبنطس وآسية وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية عند القيروان، والرومانيين المستوطنين، واليهود والدخلاء والكريتيين والعرب، نسمعهم ينطقون بألسنتنا بعظائم الله!
 
الإنجيل:
يو 7: 37-52

في اليوم الآخر العظيم من العيد، كان يسوع واقفاً فصاح قائلاً: إن عطش أحد فليأت إلي ويشرب. من آمن بي، فكما قال الكتاب ستجري من بطنه أنهار ماء حيّ.(إنما قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه إذ لم يكن الروح القدس قد أعطي بعد، لأن يسوع لم يكن بعد قد مُجِّد). فكثيرون من الجمع لما سمعوا كلامه قالوا: هذا بالحقيقة هو النبيّ. وقال آخرون: هذا هو المسيح، وآخرون قالوا: ألعلّ المسيح من الجليل يأتي! ألم يَقُلِ الكتابُ إنّه، من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقاقٌ بينَ الجمع من أجلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدونَ أن يُمسكوهُ، ولكِن لم يُلقِ أحدٌ عليه يداً. فجاءَ الخُدّامُ إلى رؤساء الكهنَةِ والفَرِّيسيّينَ، فقالَ لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدّامُ: لم يتكلّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسيّون: ألعلّكم أنتم أيضاً قد ضلَلتُم! هل أحدٌ مِنَ الرؤساءِ أو مِنَ الفرِّيسيينَ آمَنَ بِهِ؟ أمّا هؤلاء الجمعُ الذينَ لا يعرِفونَ الناموسَ فَهُم ملعونون. فقالَ لهم نِيقودِيموُس الذي كانَ قد جاءَ إليه ليلاً وهُوَ واحدٌ منهم: ألعلّ ناموسَنا يَدينُ إنساناً إن لم يسمَعْ مِنهُ أولاً ويَعلَمْ ما فَعَلَ! أجابوا وقالوا لهُ: ألعلّكَ أنتَ أيضاً من الجليل! إبحثْ وانظرْ، إنّهُ لم يَقُم نبيٌّ منَ الجليل. ثُمّ كَلّمهم أيضاً يسوعُ قائلاً: أنا هوَ نورُ العالَم، مَن يتبَعُني لا يمشي في الظلامِ، بل يَكُونُ لهُ نورُ الحياة.
 
في الإنجيل
 
"يوم الخمسين" كان ثاني أهمّ أعياد اليهود، وكانوا يحتفلون فيه باستلام موسى ناموس الله على جبل سيناء. وفي هذا اليوم نزل الروح القدس على الرسل وجعلهم أعضاء في جسد المسيح القائم من الأموات. سوف نقيم مقارنة بين العنصرتين علّنا نُدرك ما قيمة النعمة التي وهبنا الله إيّاها مجانا.
 
إذا كان موسى قد أخذ وصايا الله في العهد القديم في اليوم الخمسين، فالتلاميذ أخذوا الروح القدس في اليوم الخمسين، وبالتالي سكنت النعمة الإلهية فيهم. إذا كان الكلمة غير المتجسد هو من أعطى الناموس على جبل سيناء، ففي العهد الجديد الكلمة المتجسد القائم من الأموات أرسل الروح القدس إلى التلاميذ الذين كانوا في العلية، فصاروا أعضاء في الجسد البهيّ.
 
في القديم أُعطي الناموس على لوحين حجريّين، والآن الناموس محفور في قلوب الرسل. يقول الرسول بولس: "ظاهرين أنكم رسالة المسيح، مخدومةً منّا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي، لا في ألواحٍ حجرية بل في ألواح قلب لحمية" (2 كورنثوس 3: 3).
 
فبعد أن كان البشر "متفرجين" على نعمة الله، أصبح كلُّ مَن اعتمد منهم على اسم المسيح رسالةً حيّةً قادرة بالروح القدس أن تشهد لمحبّة الله وأن تكون شهادة أمينة لها.
 
العنصرة الأولى هي ظلّ للثانية. ونحن بنعمىة الله أبناء العهد الجديد، لذلك فلنشكر الله على كلّ شيء ولا نَكُن غيرَ مبالين بل مجاهدين لكي نستحقّ اقتناء الروح القدس الذي هو هدف الحياة المسيحية.
 
الصعود إلى السماء
 
"أخرج الربّ يسوع التلاميذَ الى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد الى السماء فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم" (لوقا 24: 5-52).
 
 صعد الربُّ يسوع بجسده القائم من بين الأموات وجلس عن يمين الآب، أي إنّه تمجّد وتمجّدت معه الطبيعة الإنسانية. يقول الرسول بولس"أجلسنا معه في السماوات" (أف 2: 6) هذا يعني أنّ ما أنجزه الربّ لنفسه يودّ أن يُنجزه فينا.
 
هنا يُطرح سؤال: ترى ما هي السماء؟ والسؤال الثاني: كيف نفهم أنّ التلاميذ "رجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم؟" السماء هي حيث هو الله، والجلوس عن يمين الآب يشير إلى تمجيد المسيح. السماء لفظٌ يشير إلى الله، ويشير إليه في مجده. مَن وُجد في السماء يتمتّع برؤية الله، رؤية المسيح في مجده. والفرح يأتي من التمتّع بهذه الرؤية منذ اليوم. كلّ ذلك يحصل فينا بتذوّق سابق للحياة الأبديّة par procuration
 
الإنسان يتمسّكُ عادة بحياته على هذه الأرض. يفعل المستحيل لكي يُطيل مدّةَ حياته الأرضيّة. بالنسبة إليه هي الفترة المهمّة والأهمّ، وما بعد الموت مجرّد ملحق لا أهميّة له. أمّا المؤمن فيرى الحياة الأرضيّة مقدّمةً للحياة الأبديّة.

يقول الرسول بولس: "ما لم ترَ عينٌ ولم تسمع به إذنٌ ولم يخطرْ على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبّونه فأعلنه الله لنا بروحه" (1كورنثوس 2: 9).
 
المسيح القائم هو الآن في السماء، نلمسه، نتحسّسه بإيماننا بتوبتنا، بانسحاق قلوبنا: القلب الخاشع المتواضع لا يرذله الله. المسيح حيٌّ فينا بالروح القدس.
 
السماء لفظٌ يشير الى الله، إلى مجد الله. الصعود الى السماء صعودٌ إلى مجد الله، طبيعة المسيح الإنسانية تمجّدت وتمجدّت معها الطبيعةُ البشرية كلّها، تألّهت كالحديد الحامي بنار المحبة الإلهية.
 
عيد العنصرة
 
اليوم تحتفلُ الكنيسة بعيد العنصرة. يأتي هذا العيد بعد خمسين يومًا، أي بعد سبع أسابيع من عيد الفصح، وفيه نذكر حلول الروح القدس على الرسل وهم مجتمعون في علّيّة صهيون مع مريم العذراء، بعد صعود يسوع المسيح إلى السماء. "فانطلق من السماء بغتةً دويٌّ كريحٍ عاصفة، فملأ جوانب البيت الذي كانوا فيه، وظهرت لهم ألسنة كأنّها من نار قد انقسمت، فوقف على كلٍّ منهم لسان، فامتلأوا جميعًا من الروح القدس، وأخذوا يتكلّمون بلغات غير لغتهم على ما وهب لهم الروح القدس أن يتكلّموا". إنّ هذا العيد هو عيد ميلاد الكنيسة. إنّ المسيح، الذي مات وقام وصعد إلى السماء، أتمّ عمله بإفاضة روحه على الرسل يوم العنصرة. وكما أرسل يسوع روحه إلى الجماعة المسيحية الأولى، فكذلك يرسله لنا اليوم، لكي نعيش العنصرة من جديد.
 
في رواية العنصرة، كما وردت في سفر أعمال الرسل، يوجد عدّة رموز تشير إلى الروح القدس:
 
ريح عاصفة: تشير العاصفة إلى ظهور الله في صحراء سيناء (الخروج ١٩: ١٦-١٩). بهذه العلامة، نعرف أنّ الله حاضر معنا بروحه القدّوس.
 
صورة النّار: حلّ عليهم الروح القدس على شكل ألسنة من نار. ترمز النار إلى قدرة الروح القدس، وتذكّرنا بكلمة المعمدان: "سيعمّدكم بالروح القدس والنّار".

التكلّم باللغات، وهي صورة للمواهب الروحيّة التي منحها الروح القدس للجماعات المسيحيّة الأولى، كما يشير إلى انتشار المسيحيّة بين كافة شعوب العالم.
 
كيف نعيش هذا اليوم؟ وماذا يعني لنا؟ كيف ننال هبة الروح القدس في حياتنا لكي نكون شهودًا ومبشِّرين؟

الله يسكن بروحه في قلوب المؤمنين، فتلاميذ يسوع هم اليوم شهوده، لأن الروح القدس هو حياة لتلاميذه ولكنيسته. فالروح القدس هو الذي يقودنا في طريق يعاكس طريق العالم.
 
أما "ثمار الروح هي المحبّة والفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف" (غل ٥: ٢٢- ٢٣). ومواهبه هي: القوّة والتقوى والفهم ومخافة الله والعلم والمشورة الصالحة. بقوّة الروح القدس، نكتشف الطريق لخدمة المسيح في إخوته البشر. أن نتبع يسوع يعني أن نختبر قوّة الروح القدس الساكن فينا والعامل في البشر، فندرك مع جميع القدّيسين ما هو العرض والطول والعلوّ والعمق" (أف ٣: ١٧- ١٨). إنّ الاحتفال بعيد العنصرة يعني الشهادة والتبشير بقوّة مواهب الروح القدس، التي تؤهّل للرسالة وتقوّي شهاداتنا وتجعلها صريحة وشجاعة.
 
في هذه المناسبة أيضًا نتذكّر وعد يسوع بالروح القدس في إنجيل القديس يوحنا: "وأنا سأسأل الآب، فيهب لكم معزّيًا آخر يكون معكم للأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يتلقّاه لأنه لا يراه ولا يعرفه، أما أنتم فتعلمون أنه يقيم عندكم ويكون فيكم". (يوحنا ١٤: ١٦-١٧). فالروح القدس يرشد، ويعلّم، ويؤيّد، ويذكّر، ويعزّي، ويقود إلى الحق. هذا هو عمل الروح القدس الذي وعد المسيح أنّه سيرسله لنا.
 
إنّ مجتمعنا فيه خير كثير وشرّ كثير. والمسيحيّ، بقوّة روح الله، يميّز بين هذا الخير الكثير والشرّ الكثير، وبقوّته يستطيع أن يفصل بين الخير والشرّ، فيساهم في كلِّ خيرٍ، ويحاول الحدّ من كلِّ شر، بقدر ما يعطيه الروح أن يعمل. المسيحيّ بين أهله وأحبّائه، يشارك في هموم كلّ مجتمعه كما يشاركه آماله. ورسالته هي أن يملأ الكلّ بالروح.
 
إننا كمسيحين في جميع أرجاء العالم نعكس في سلوكنا ثمار الروح القدس حيث يعرف عنّا التسامح مقابل الإساءة إلينا، مؤتمنين على الأرواح والأملاك.
 
نتقدّم في علاقاتنا بقوّة المحبة وغالبًا ما يوجد ما يميّز حضورنا بين الآخرين المختلفين عنّا. من المؤكّد أنّه ليس الجميع يستجيب لدعوة الله ورسالته فينا، لكن حتى المختلفين عنّا لا ينكرون وجود لمسة خاصّة بنا والحضور الإيجابي والمميز في علاقاتنا، كلّ ذلك ليس بإنجازنا الشخصي، حيث يد الله هي التي تبثّ فينا هذه الروح وتشعرنا بقوّة الروح القدس في حياتنا كجماعة مسيحية تعيش تحدّيات كثيرة في عالم اليوم. فلنطلب القوّة الدائمة لكي نعكس روح الله ورسالة السيّد للعالم، فنستمرّ بخدمة من يحتاجون لحضور الله في حياتهم.