الأحد 27 شباط 2022

الأحد 27 شباط 2022

23 شباط 2022
الأحد 27 شباط 2022
العدد 9
أحد مرفع اللحم 
اللَّحن الثالث الإيوثينا الثالثة

 
* 27: بروكوبيوس (Prokopios) البانياسيّ المعترف، ثلالاوس (Thalalaios) السُّوري، * 28: باسيليوس المعترف، البارّ كاسيانوس الرُّومانيّ، البارّتان كيرا وماراثا، * 1: البارّة في الشّهيدات آفذوكيّا (Evdokia)، البارّة دومنينا (Domnina)، * 2: الشّهيد إيسيخيوس (Isichios)، * 3: الشُّهداء أفتروبيوس (evtropios) وكلاونيكس (Kleonikos) وباسيليكس (Vasilikos)، * 4: البارّ جراسيموس النّاسك في الأردنّ، * 5: تذكار جامع للأباء الأبرار، الشّهيد قونَن (Konan)، البارّ مرقس النّاسك. * 
                 
الجهاد الشرعيّ في زمن الصوم

اختارت الكنيسة في أحد مرفع اللحم قراءة رسائليّة من مقطعٍ يعالج فيه الرسول بولس جدالاً برز في الجماعة الأولى، بين من يأكل اللحم ولو كان مذبوحًا للأوثان، ومن يتورّع عن أكل مثل هذا اللحم معتبرًا أنّه مقرّب للأبالسة. وبالرغم من أنّ الامتناع عن أكل اللحوم في الصوم الأربعينيّ، الذي يحفظه جميع المؤمنين في كنيسة المسيح، هو مناسبة مختلفة عن تلك التي كتب عنها الرسول بولس في القراءة المختارة لأحد مرفع اللحم، تبقى هناك مبادئ مشتركة نحتاج أن نتعلّمها اليوم من الرسول بولس، ونحن مقبلون على ميدان الجهاد الذي فُتح أمامنا.
 
يشدّد الرسول بولس على أنّ الطعام بعينه لا ينفع ولا يضرّ، لكنّ الخطيئة تكمن في أن تخاصم أخاك الذي لا يطاوعه ضميره على أكل الذبائح الوثنيّة. هذه خطيئة تجاه المسيح الذي أحبّ أخاك ومات من أجله، بالقَدْرِ الذي أحبّك ومات من أجلك أنت. هذا ما علينا أن نتعلّمه في بداية الصوم: أنّ الصوم لن يقدّسنا إن لم يقترن بالمحبّة؛ أنّ الصوم لن يقدّسنا إن لم نتوقّف عن الإساءة إلى الإنسان الذي بِقُربنا (القريب)؛ أنّ الصوم لن ينفع إن لم نهتمّ بالضعيف والمحتاج ونشاركه الخيرات التي تأتي من الله وحده. إن لم نتعلّم هذا الدرس ربّما يصبح صومنا سبب عثرة لبعض الناس، فيجلب علينا دينونة بدلًا من رحمة الله.


تنسجم القراءة الرسائليّة في هذا الأحد مع المقطع الإنجيليّ الخاصّ به، حيث نقرأ تعليم الربّ الواضح والصريح عن أنّ كلّ جهادٍ روحيّ في الإيمان والصلاة، سيؤول إلى الفشل إن لم يُترجم على مستوى محبّة الإخوة والتعاضد والمشاركة، فنخس الملكوت. فإنّ إله الملكوت وسيّد الحياة، الذي نعبده ونتّقيه، هو المحبّة القصوى التي تبذل كلّ شيء من أجل إخوة يسوع الصغار.


كلّ من يسعى لينال رحمة وبركة في موسم النقاوة والقداسة، عليه أن يدخل ميدان الصيام متسلّحًا بكلّ الفضائل اللازمة التي تقود إلى النجاح. وقد سمعنا في إينوس صلاة السحر عن هذه الفضائل التي تجعل جهادنا شرعيًا، وتسدّد خطواتنا إلى نيل إكليل الحياة في يوم الفصح المقدّس. أمّا الفضائل فهي: الإيمان الثابت بالمسيح، والصلاة الدائمة التي تحمينا كالدرع من الأفكار والتجارب، وعمل الخير والرحمة تجاه الإخوة، الذي يسترنا كالخوذة من سهام العدوّ. 

ويكتمل سلاح الصليب الكامل بجهاد الصوم الذي يستأصل الشهوات والشرور من القلب. إنّ النجاح يقتضي التسلّحَ بهذه الفضائل كلّها دون تجزئة. فَلْنَسْعَ الى إكليل القيامة والحياة، مُقتَدِينَ بالمسيح الذي أحبّنا وبذل نفسه من أجلنا، ولابسين سلاح الصليب الكامل، لكي، بمعونة المسيح إلهنا، نغلب الشرير، كما غلبه هو، وننتصر في التجارب، فنتبارك ونستنير بنور القيامة.
 
الأرشمندريت يعقوب خليل
عميد معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ 
  
طروباريّة القيامة باللّحن الثالث
 
لتفرح السماويّات، ولتبتهج الأرضيات، لأنّ الربّ صنعَ عِزًّا بساعدِه، ووطِئَ الموتَ بالموتِ، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقذَنا من جوفِ الجحيم، ومنح العالم الرحمةَ العُظمى.
 
قنداق أحد مرفع اللّحم باللحن الأوّل
 
إذا أتيتَ يا الله على الأرضِ بمجدٍ، فترتعدُ منكَ البرايا بأسرها، ونهرُ النارِ يجري أمامَ المِنبر، والكتبُ تفتحُ والأفكار تشَهّر. فنجِّني حينئذٍ من النار التي لا تطفأ، وأهِّلني للوقوف عن يمينِك، أيُّها الدّيانُ العادِل.
 
الرِّسَالة
1 كو 8: 8-13، 9: 1-2 
قُوّتي وتَسبِحَتي الربُّ
أَدَبًا أدّبَني الرّبُّ، وإلى المَوتِ لَمْ يُسلِمْني

 
يا إخوة، إنّ الطعامَ لا يقرِّبُنا إلى الله، فإنّنا إن أكلنا لا نزيدُ، وإن لم نأكل لا ننقُص. ولكنِ انظُروا أن لا يكونَ سلطانُكم هذا مَعثرةً للضعفاء. لأنّه إن رآك أحدٌ يا من له العِلمُ، مُتّكِئاً في بيتِ الأوثان، أفَلا يتقوّى ضميرُه، وهو ضعيفٌ، على أكلِ ذبائح الأوثان؟! فيهلكُ بسببِ عِلْمك الأخُ الضعيفُ الذي مات المسيحُ لأجلِه! وهكذا، إذ تخطِئون إلى الإخوةِ وتجرحون ضمائرَهم وهي ضعيفة، إنّما تُخطئِون إلى المسيح. فلذلك، إن كان الطعامُ يُشَكِّكُ أخي فلا آكلُ لحمًا إلى الأبد لئلا أُشكِّكَ أخي. ألستُ أنا رَسُولًا؟ ألستُ أنا حُرًّا؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربّنا. ألستم أنتم عملي في الربّ. وإن لم أكن رسولاً إلى الآخرين فإنّي رسولٌ إليكم، لأنّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الربّ.

الإنجيل
متى 25: 31-46
 
قال الربُّ: متى جاءَ ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكةِ القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على عرش مجدِه، وتُجمَعُ إليه كلُّ الأمم، فيميِّزُ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الراعي الخرافَ من الجِداء، ويقيمُ الخرافَ عن يمينه والجِداءَ عن يسارِه. حينئذٍ يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلكَ المُعَدّ لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطِشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريباً فآوَيتموني، وعريانا فكسَوتموني، ومريضاً فعُدتموني، ومحبوساً فأتيتم إليّ. حينئذٍ يُجيبُه الصدّيقون قائلين: يا ربُّ، متى رأيناك جائعاً فأطعَمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناكَ غريبًا فآوَيناك، أو عُريانًا فكسَوناك، ومتى رأيناك مريضًا أو محبوسًا فأتينا إليك؟ فيُجيبُ الملكُ ويقولُ لهم: الحقّ أقولُ لكم، بما أنّكم فعلتم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار فبي فعلتُموه. حينئذٍ يقولُ أيضاً للذين عن يسارِه، إذهبوا عنّي يا ملاعينُ إلى النار الأبديّةِ المُعدّةِ لإبليسَ وملائكتِه، لأنّي جُعتُ فلم تطعِموني، وعطِشتُ فلم تسقُوني، وكنتُ غريبًا فلم تُؤووني وعُريانًا فلم تكسوُني، ومريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضًا قائلين: يا ربُّ متى رأيناكَ جائعًا أو عطشانَ أو غريبًا أو عُريانًا أو مَريضًا أو مَحبوسًا ولم نخدُمْكَ. حينئذٍ يُجيبُهم قائلاً: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاء الصِّغار فَبِي لم تفعلوه. فيذهبُ هؤلاءُ إلى العذابِ الأبديّ، والصِدّيقونَ إلى الحياةِ الأبديّة.
 
في الإنجيل
 
يأتي هذا النصُّ في الأصحاح الخامس والعشرين من إنجيل متّى، بعدَ مَثَلِ العذارى العَشْر ومَثَلِ العبيدِ في انتظارِ سيِّدِهم. لقد مهّدَ الربُّ من خلالِ هذَيِنِ المَثَلَينِ لِفكرةِ المجيءِ الثاني الأخيرِ الرّهيب، عبرَ حضِّهِ الإنسانَ على السّهَرِ الروحيّ والتمتُّعِ بالحكمةِ الروحيّة.
 
نلاحظُ أنّ الديّانَ هو الاِبنُ نفسُه، لا الله الآب. وهذا ما سبقَ أن علّمَنا إيّاه الربُّ بِقَولِه: "لأنّ الآبَ لا يَدِينُ أحدًا، بل قد أعطى الدينونةَ كُلّها لِلاِبن" (يو 22:5).

ويعلّمُنا الربُّ في كلامِه على المجيءِ الأخير أهمّيّةَ عيشِ الإيمانِ عمليًّا مِن خلالِ الرّحمة. كما يؤكّدُ أنّ التواصُلَ معَهُ يكونُ عبرَ مَن سمّاهُم "إخوتَه الصِّغار" أيِ الفقراء والمساكين. فكلُّ ما نعطيه لأحدِ المحتاجين إنّما نقدّمُه له هو. ولكنْ، ماذا يقصدُ بالعطاء؟ وما هي أنواعُه؟
 
يعلّمُنا الربُّ أنّ العطاءَ لا يكونُ مادّيًّا فقط. لا شكّ في أنّ كلمة العطاء تُشيرُ مباشرةً إلى المساعدةِ المادّيّة، وهذا واضحٌ في قَولِه: "كنتُ جائعًا فأطعَمتُمُوني، وعطشانَ فسقَيتُموني، وعُريانًا فكَسَوتُمُوني". ولكنّ هناكَ عطاءً لا يُعَبّرُ عنه بالمادّة، إذْ إنّ بعضَ الناسِ لا يُعْوِزُهُم المال لشراءِ حاجياتِهم، ولكنّ نُفُوسَهُم محطّمةٌ جرّاءَ المصائبِ وخيباتِ الأَمَل. هؤلاءِ هم أيضًا إخوتُه الصِّغارُ الذين نُحسِنُ إنْ سكبنا على نفوسِهم طِيبَ اللُّطفِ والمُواساة، كما لو سَكَبناه طيبًا على قَدَمَيِ السيّدِ نفسِه. هؤلاءِ يُشيرُ إليهِم بِقَولِه: "كنتُ مريضًا فَعُدتُمُوني، ومحبوسًا فأتيتُم إليّ".
 
إذا كُنّا رُحَماءَ بهذا الشّكل، يُكافِئُنا الربُّ بميراثِ الملكوت "المُعَدِّ لنا مُنذُ إنشاءِ العالَم". وبالمقابل، إن كُنّا أشرارًا وغيرَ أُمَناء، يُدخِلُنا في النار "المُعَدّةِ لإبليسَ وملائكتِه". نفهمُ مِن كلامِه هذا أنّ الإنسانَ مشروعُ خلاصٍ لا مشروعُ هلاك، لأنّ النارَ معدّةٌ لإبليسِ لا للإنسان، بينما الملكوتُ مُعَدٌّ للإنسان. خَلقَ اللهُ الإنسانَ وفي نِيّتِهِ أن يُهَيِّئَ لَهُ مَلَكُوتًا سعيدًا. فإنِ اختارَ الإنسانُ بِنَفسِهِ طريقَ الشرّ، يُلْقِي بِنَفسِهِ في العذابِ الذي أُعِدّ لِغَيرِه.
 
وما هو الملكوتُ يا تُرى؟!! هل هو طعامٌ وشراب؟ هل هو نُزهةٌ فيها جداولُ مياهٍ ونسيمٌ عليل وطبيعةٌ رائعة؟ لا يا إخوة، بل هو التمتُّعُ بحضورِ السيّد المسيحِ نفسِه، الّذي هو فَرَحُنا الأبديّ. الغبطةُ تكونُ في سيادةِ المسيحِ مَلِكًا أبديًّا نسكُنُ معه إلى الأبد. الربُّ يسوعُ المسيحُ هو الملكوتُ الذي نشتاقُ إليهِ طيلةَ رحلتِنا على هذه الأرض، لذلك، الشّهوةُ الوحيدةُ عندَ الإنسانِ المسيحيّ هي مجيئُهُ الظافِرُ المجيد مع ملائكتِه القدّيسِين. في ذلك المجيءِ المنتَظَر، تكونُ قيامتُنا التي ما بعدَها موت. آمين.
 
أحد مرفع اللحم أحد الدينونة
 
إنجيل الدّينونة يُحضر لنا صورة الإله الدّيان العادل. رحمة الله على الخطأة لا يُسبَر غورها، فهو طويل الأناة وكثيرُ الرّحمة. إنجيل اليوم يقول لنا إنّه إن لم نَعِش عيشةً مرضيّةً للرب، وبحسبِ وصاياه، إن لم نختبر الرحمة والمحبّة في حياتنا، هو لن يرحم الخطأة. فحكمهُ سوف يكون بلا شفقةٍ على مَن لم يختبروها في حياتهم! وكأنّ الأحدَين اللذين سبقا الأحد الحاضِر هما صورةٌ عن حياتنا ومسيرتها في اكتساب الفضائل في الجهاد، في السقوط والعودة مُجدّدًا.
 
إنجيل الدينونة تختصره الكنيسة بقولها إنّنا "نحن المؤمنين العارفين وصايا الرّب، فلنَستَسِر هكذا: نعولُ الجياع، نَسقي العِطاش، نكسو العُراة، نتقبّل الغُرباء، نعود المرضى، نزورُ المسجونين، ليقولَ لنا أيضًا، العتيدُ أن يدين كلّ الأرض: هلمّ يا مُبارَكي أبي رِثوا المُلكَ المُعدّ لكم" (ذكصا اللتين). هكذا وببضعِ كلمات، تُعيد الكنيسة صياغة الإنجيل، ومن دون جدَلٍ تحثّنا على أن نرى يسوع في وجه كلّ غريبٍ ومسجون، وجائعٍ وعريان…
 
وبما أنّ الإنسان قد يقسو عليه العمر ويُضحي أحيانًا فاقدَ الحسّ، تعود الكنيسة الأمّ إلى توبيخه كما يليق وبكلّ حكمة، لأنّ الله في اليوم الأخير لن يُحابي الوجوه كما نفعل نحن في حياتنا. وتقول لنا الكنيسة: "آنَ الزمان يا نفسُ، فبادري مُداركةً وبإيمانٍ اهتفي أخطأتُ إليكَ يا ربّ أخطأتُ…" (ذكصا الأبوستيخن).
 
إنّ الآباء المُلهمين قد رَتّبوا هذا اليوم الرّهيب، لكي بواسطة ذكر الموت الذي أقامته الكنيسة سابقًا، وتوقُّع النوائب العتيدة، يرهَب أولئكَ الراسخون في الإهمال والتواني، ويَنهضوا إلى الفضيلة، ولا يثقوا بتعطُّف الله وحده (كما رأيْنا سابقًا)، بل يعرفوا أنّ الله ديانٌ مُقسِطٌ ويُجازي كلّ أحدٍ نظير أعماله. هذا اليوم، بالنسبة إلى الكنيسة، هو نهاية جميع الأعياد، وما ستكون عليه جميع أمورنا! مجيء المسيح الثاني لن يكون كالأوّل، إنّما بمجدٍ ورهبةٍ عظيمَين. لذلك يستهلّ الإنجيل قوله:
 
“ وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ“(مت ٣١:٢٥). نرى صورة المحكمة، الدّيان على عرشه وجميع الشعوب أمامهُ، وتتقدّمه علامة ابن الإنسان كما يذكر المسيح نفسهُ في إنجيل البشير متى:
 
”وحينئذٍ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء“(مت ٣٠:٢٤)، هذه العلامة هي الصليب الكريم الذي عليه صُلب المسيح، وبواسطته دحرَ قوّة الشيطان، وكان للمسيحيّين علامة خلاص نظرًا لمَن صُلب عليه وتمجّدَ بالمجد الذي كان له سابقًا (يو ٢٣:١٢). ونهر النار يسير مُتقدّمًا مُتأجّجًا ليُطهّر كلّ الأرض من جميع النجاسات التي سبقَ أن عاشها أهلُها.
 
من هنا سوف نفهم أنّ الله هو نورٌ ويكتنفهُ النور، ولا يستطيع الخطأة أن يروه نورًا بل نارٌ مُحرِقة، بسبب الرجاسات التي فعلوها. من عاشَ في الخطيئة، في البُعد الطوعيّ عن الله وعن أخيه، لن يرى رحمة. لذلك، في ذلك الوقت، لن يطلب لا صومًا، ولا جهادات، لا عُريًا، ولا عجائب، بل أكثر بكثيرٍ من ذلك، مع أنّ كلّ ما ذُكرَ آنفًا هو حسنٌ وحسنٌ جدًّا. يطلبُ رحمةً وصدقةً: "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ (مت ٢٥: ٣٥-٣٦). فيقول: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ" (مت ٤٠:٢٥)، وكلُّ مَن لم يفعل ذلك، يكون مصيرهُ البكاء وصريف الأسنان، دودهم لا ينام، ونارهم لا تطفأُ. هذا ليس تخويفًا، هذا صوت المسيح الذي يُقرّع ضمائرنا النائمة ويُبكّتها، من خلال الإنجيل الذي سوف يوضع أمامنا في يوم الدّينونة الرهيب، وعلى ضوئه سوف نُدان!
 
تختم الكنيسة هذا اليوم الرهيب، وندخل من مساء ذلك اليوم في أسبوع مرفع الجبن. ونلتقي الأحد القادم بآدم المخلوع من بهاء الفردوس، والمطرود منه، فنتغرّب معه، وندخل بتوبةٍ إلى مداخل الصوم. ثمّ نرتقي يومًا بعد يوم، وسُبّةً بعد سُبّةً بنقاء الصوم، حتّى نُعاين المسيح، وندخل معه في الأسبوع العظيم المقدّس. هناك سوف نغتسل بأعراق المسيح، والدم المسكوب علينا، والطيب المدفوق عليه، لكي نسهر هُنيهةً ونموت معه، ثمّ ننهَض من جديد بواسطة القيامة المُحيية!
 
أخبارنا 
  المركز الرّعائيّ للتراث الآبائيّ، ربيع 2022

 
يبدأ الفصل الدراسيّ الجديد في المركز الرّعائيّ للتراثِ الآبائيّ في ٨ آذار ٢٠٢٢، ويمتدُّ على عشر حصص في كلّ مادّة، من السّاعة الخامسة والنصف حتّى السابعة والنصف مساءً، على الشّكل التالي:
 
- مادّة الكتاب المقدّس في كتاب التريودي: كلّ ثلاثاء ابتداءً من ٨ آذار، في المركز الرعائيّ في المطرانيّة، يقدّمها الأرشمندريت برثانيوس (أبو حيدر).

- مادّة الليتورجيا (روحانيّة الأسرار): كلّ خميس ابتداءً من ١٠ آذار، في ليسّيه القدّيس بطرس الأرثوذكسيّة أميون، يقدّمها الأخ سيرافيم الحمطوريّ.

- تسبق كلَّ حصّةٍ صلاةُ النَّوم الكُبرى عند الرابعة والنصف مساءً.
 
- رسم المادّة الواحدة هو 100 ألف ل.ل.

- يتمّ التسجيل لغاية نهار الاثنين 7 آذار 2022 عبر هذا الرابط الإلكتروني  ttd.archtripoli.org
هذه المحاضرات التي سوف تُعطى لن يكون لها بعدٌ أكاديميٌّ فقط، لذلك ندعو أبناءنا، إكليروسًا وشعبًا، إلى المشاركة فيها، وذلك للفائدة الروحيّة، بخاصّةٍ في هذه الظروف التي نعيشها، وتزامنًا مع الصّوم الكبير. هذا مع الالتزام بنظام المركز في ما يختصُّ بالتسجيل والحضور.