الأحد 28 آب 2022            

الأحد 28 آب 2022            

25 آب 2022
الأحد 28 آب 2022 
العدد 35
الأحد 11 بعد العنصرة 
اللحن الثاني 
الإيوثينا الحادي عشر

* 28: البارّ موسى الحبشي، * 29: قطع رأس يوحنّا المعمدان (صوم)، * 30: القدّيسون ألكسندروس ويوحنّا وبولس الجديد، بطاركة القسطنطينيّة، * 31: تذكار وضع زنّار والدة الإله، * 1: ابتداء السنة الكنسيّة، البارّ سمعان العموديّ، الصدّيق يشوع بن نون، الشّهيد إيثالا، كاليستي ورفيقاتها، * 2: الشّهيد ماما، يوحنّا الصّائم بطريرك القسطنطينيّة، * 3: الشّهيد في الكهنة أنثيمُس، البارّ ثاوكتيستوس. *

الاعتذار

يَختلف مفهوم الكتاب المُقدّس حول الاعتذار عن ذلك الذي نجده في المجتمع، والمُتعارف عليه بين الناس. فالكتاب يتكلّم على توبةٍ من جِهَة الذي أَخطَأ، مقرونةٍ بندمٍ مع إرادة تغيير سلوك ونمط حياة. وأمّا من جِهَة الذي أُخطِئَ إليه فعلى مُسامحة وغفران وعمل رحمة.

يُعطي الربّ مثل السيّد الذي أراد مُحاسبة عبيده (متى 18:23-35) للدلالة على محبّة الله لنا رغم خطيئتنا، وإرادته أن نَحيا على مثاله "فيَترُكَ لنا ما علينا، كما نَترُكُ نحنُ لِمَن لنا عَليه"، حينها تكون مشيئةُ الآب "كما في السَماء كذلك على الأرض".

لا يكفي أن يَكون الاعتذار شفهيًّا، إنّما مُعاشًا، فنُعاين فِعلًا النتيجة الصادرة عنه وثمرها. فالاعتذارُ هو تواضعٌ لا يُقلِّل من شأن الشخص، إنّما يَرفعه إلى فوق، فيُشابِهَ الحَمَل الرافِعَ خطيئة العالَم، الذي تنازَلَ ليُخلّص ويَغفِر لجِبلَتَنا التي "لا تَعلَم ماذا تَفعل".

المَغفِرةُ هي رحمةٌ، عملٌ إلهيّ بامتياز. بها يولد الإنسان جديدًا، مِن رَحِم الله الذي يَرى ضَعف الخاطِئ
ويُطيلُ أناتَهُ عليه، يَنتَظر رَجعَتهُ ويَفرح بلُقياه. 

وأمّا التَوبةُ فهي حَياةٌ بعد موتٍ رُوحيّ، وإن مُؤَقّت، من خلالها "نَصطلِح أوّلًا مع أنفَسِنا، فتصطلِح السّماء مع الأرض" (القدّيس إسحق السريانيّ)، وإذا ما اعتَذرنا لقريبِنا "فَرَحٌ عظيمٌ يكون في السّماءِ" (لوقا 15: 7).

الاعتذار في العائلة، في الزواج، في الكنيسة ... هو فعلُ إيمانٍ بالله، ورجاءٍ بما هو أفضل، ومحبّةٍ للآخَر تُتَرجم بإرادة استمرارٍ في العيشِ مَعَهُ، رغم كُلّ الظروف، فلا يَنهدم السَقفُ "عَلينا وعلى أعدائِنا" (قضاة 16: 30). 

لا يَكفي أن نتّهِم الآخرين بالإساءةِ إلينا، فهذا وهمُ راحةٍ. أما إذا أراد المُساءُ إليهِ أن يكونَ كامِلًا، فلن يَبحَث عَن كرامةٍ أو حقوقٍ شخصيّة على حساب المُخطِئ، إنّما يَرى فيه صورَةَ ذاتِه قبل توبتِه الشَخصِيّة، وعِظَمَ رحمة الربّ تُجاهه. 

مَعرفة الذات تُحرّر النَفس، تفتَح آفاقًا جديدةً، طريقًا ملوكيًا نحو الله. الاعتذار يُغيّر نظرتنا لذواتنا وللعالم، نَخرُج من أنانيّتنا لنَغمُر الآخر، نفهم أنّنا معه نُكمّل جسد المَسيح.


طروباريّة القيامة باللّحن الثاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتك وعندما أقمتَ الأموات من تحتِ الثّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوّاتِ السّماويِّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك.

قنداق ميلاد السيّدة باللّحن الرابع

إنّ يواكيمَ وحنّة قد أُطلقا مِن عار العقر، وآدم وحوّاء قد أعتقا من فساد الموت، بمولدكِ المقدّسِ أيّتها الطاهرة. فله أيضًا يعيّد شعبُكِ إذ قد تخلّص من وَصمةِ الزلّات، صارخاً نحوكِ: العاقرُ تَلِدُ والدةَ الإلهِ المغذِّيةَ حياتَنا.

الرِّسَالة
1 كو 9: 2-12 
قوّتي وتسبحتي الربُّ
أدبًا أدّبني الربُّ


يا إخوةُ، إنّ خاتَمَ رسالتي هوَ أنتمُ في الربّ. وهذا هو احتجاجي عندَ الذينَ يفحصونَني. ألعلّنا لا سلطانَ لنا أن نأكلَ ونَشَرب. ألعلنا لا سلطانَ لنا أن نجولَ بامرأةٍ أختٍ كسائر الرسلِ وإخوةِ الربِّ وصَفا. أم أنا وبَرنابا وحدَنا لا سلطانَ لنا ان لا نشتَغِلِ. مَن يتجنّدُ قطُّ والنفقةُ على نَفسِه؟ مَن يغرِسُ كرماً ولا يأكلُ من ثمرهِ؟ أو مَن يرعى قطيعاً ولا يأكُلُ من لَبَن القطيع؟ ألعلّي أتكلّم بهذا بحسبِ البشريّة، أم ليسَ الناموس أيضًا يقولُ هذا. فإنّهُ قد كٌتبَ في ناموسِ موسى: لا تَكُمّ ثوراً دارساً. ألعلّ الله تَهمُّهُ الثِيران، أم قالَ ذلك من أجلِنا، لا محالة. بل إنّما كُتِبَ من أجلنا. لأنّه ينبغي للحارثِ أن يحرُثَ على الرَجاءِ، وللدارسِ على الرجاءِ أن يكونَ شريكاً في الرجاءِ. إن كُنّا نحنُ قد زَرَعنا لكم الروحيّات أفيكونُ عَظيماً أن نحصُدَ مِنكُمُ الجسديّات. إن كانَ آخرونَ يشتركونَ في السّلطان عليكم أفلَسنا نحنُ أولى. لكنّنا لم نستعملْ هذا السُلطان، بل نحتَمِلُ كلّ شيء، لئلاّ نُسبِّبَ تعويقاً ما لِبشارةِ المسيح.

الإنجيل
متّى 18: 23-35 (متّى 11) 


قال الربُّ هذا المثَل: يُشبِه ملكوتُ السماوات انساناً مَلِكاً أراد أن يحاسِبَ عبيدَهُ. فلمّا بدأ بالمحاسبةِ اُحضِر إليهِ واحدٌ عليهِ عشَرَةُ آلافِ وزنةٍ. وإذْ لم يكنْ لهُ ما يوفي أَمَرَ سيدُهُ أن يُباعَ هو وامرأتُهُ وأولادُهُ وكلُّ ما لهُ ويُوفي عنهُ. فخرّ ذلكَ العبدُ ساجداً لهُ قائلاً: تمهّلْ عليّ فأوفيَكَ كلّ ما لَك. فَرَقّ سيّدُ ذلك العبدِ وأطلقَهُ وترك لهُ الدّين. وبعدما خرج ذلك العبدُ وجدَ عبداً من رُفَقائهِ مديوناً لهُ بمئةِ دينارٍ، فأمسَكَهُ وأخذ يَخنُقُه قائلاً: أَوفِني ما لي عليك. فخرّ ذلك العبدُ على قَدَميهِ وطلبَ إليهِ قائلاً: تمهّلْ عليّ فأوفيَكَ كلّ ما لَك. فأبى ومضى وطرحهُ في السجنِ حتّى يوفيَ الدّين. فلمّا رأى رُفقاؤُهُ ما كان حَزِنوا جدًّا وجاؤُوا فأعلَموا سيّدَهم بكلِّ ما كان. حينئذٍ دعاهُ سيّدُهُ وقال لهُ: أيُّها العبدُ الشّرير، كلُّ ما كان عليكَ تركتُهُ لك لأنّك طلبتَ إليّ، أفمَا كان ينبغي لك أنْ ترحَمَ أنتَ أيضاً رفيقَك كما رَحِمتُكَ أنا. وغضِبَ سيّدُهُ ودفعهُ إلى المعذِّبينَ حتى يوفيَ جميعَ ما لهُ عليهِ. فهكذا أبي السماويُّ يصنعُ بكم إنْ لم تَتركوا من قلوبِكم كلُّ واحدٍ لأخيهِ زلاّتِهِ.

في الرسالة

إنّ التعب من أجل لقمة العيش قضيّةٌ بدأت مع آدم بعد وقوعه في خطيئة عدم الطاعة للمشيئة الإلهيّة، حيث قال له الربّ: "الأرض تُنبِتُ لكَ شوكاً وحسَكاً وَبِعَرَقِ جبينِكَ تأكلُ جميعَ أيّامِ حياتِك".

ويقول الذهبيُّ الفم إنّ الطبيعةَ في الأساس وُجدَتْ لخدمةِ الإنسان، وبعد سقوطِه استمرّتْ في تأديةِ الخدمةِ ذاتِها، ولكنْ بطريقةٍ مختلفة". فما هو المغزى الذي ابتغاه قدّيسُنا من هذا القول؟

لقد خلق الله الطبيعة في المراحل الأولى للخلق، وأخيراً أوجدَ الإنسانَ سيّداً عليها. فكلُّ شيءٍ أُعدَّ لخدمةِ الإنسان، فكانت الأشجارُ والنباتاتُ تعطيه الثمارَ كُلّاً في أوانِه.

وعندَ سُقوطِ الإنسانِ استمرَّ فِعلُ الخليقةِ نفسُه في خدمةِ الإنسان، ولكن تغيّرَ دورُها. فبعد أن كانت تقدّمُ الثمارَ مجّاناً أصبحَتْ بحاجةٍ إلى تَعَبٍ وتضحيةٍ من الإنسانِ لكي يحصلَ على قُوتِه. في البداية كان الإنسانُ بحالةِ النعمةِ محفوظاً مُعتنًى به من الله، ولكنّ كبرياءَهُ حجبَتْ عنه النعمة، وبسببِ اتّكالِهِ على ذاته أدَّبَهُ اللهُ بِقَولِه: "الأرضُ تُنبِتُ شوكاً وحسَكاً وَبِعَرَقِ جبينِكَ تأكل".

أي إنّ الله أراد للإنسان أن يعرف ضعفَهُ وعَجْزَهُ علَّهُ يتراجعُ عن أَناهُ ويلتجئُ إلى رحمةِ اللهِ فيَنالُ الغبطةَ السَّماويّة.

من هذا المفهوم يأتي الرسولُ بولسُ ليقولَ للكورنثيّينَ إنّ حاجاتِهِ خدمَتْها يداه، أي إنّه كان يَعملُ لِيَحصلَ على قُوتِه.

ولذلك يقول:

"أم أنا وبرنابا وحدَنا لا سلطان لنا أن لا نشتغل! من يتجنّدُ قَطُّ والنفقةُ على نفسه؟ أو مَن يغرسُ كَرماً ومِن ثمرِه لا يأكل؟!... إنْ كُنّا نحن قد زرعنا لكم الروحيّات، أفَيَكُونُ عظيماً إنْ حصَدْنا منكم الجسديّات؟! ففي كُلِّ هذه الآياتِ يُوضحُ الرسولُ أنّ الناموسَ يفرضُ على الكورنثيّين تقديمَ الجسديّاتِ لأنّه اهتمّ بإعطائهم الروحيّات، ولكن لسببِ ضعفِهم تنازلَ عن حقّه، فيقول: "بل نتحملُ كُلَّ شيءٍ لئلّاً نجعلَ عائقاً لإنجيل المسيح".

محبّةُ الجمال في الكنيسة 

”لَقَدْ أَحْبَبْتُهَا وَالْتَمَسْتُهَا مُنْذُ صَبائِي، وَابْتَغَيْتُ أَنْ أَتَّخِذَهَا لِي عَرُوسًا، وَصِرْتُ لِجَمَالِهَا عَاشِقًا“ (الحكمة ١:٨). 

هو من اتخذنا أولاً من ترابٍ وسكبَ فينا جمالَهُ بنفخةِ الرّوح التي أعطانا إيّاها، ثم عاد وأنهضنا مِن وُحُولِ الخطيئةِ بعدَ أن تمرّغنا فيها، وجمّلَنا وجعلَ مِنّا ومِن كنيستِه ” لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ“ (أف ٢٧:٥).

    هذا هو إلهُنا. هذا هو مجدُ الكنيسةِ التي استمدَّتْ مجدَها مِنَ الذي غسّلَها بِدَمِهِ الكريمِ مِن كلِّ شائبة! 

كُلُّ شيءٍ في الكنيسة يذكّرُنا بالبَهاء، لكي، ومن ههنا، تُرافقَنا كلَّ أيّامِ حياتِنا، حتّى بواسطةِ دُموعِ التوبةِ المنهمرةِ، تُطهّرنا دوماً من أدران الخطيئة. 

إلهُنا إلهُ الجمال، لذلك نحن لدينا الشوق لكي نلتمّسَ عذوبةَ وجهِ يسوع، ساعِينَ في كُلِّ مرّةٍ نتوبُ فيها إلى أن يمسحَ الله فينا كُلَّ دمعة، لكي يُبدّدَ كُلَّ حُزنٍ ويُحَوِّلَهُ إلى فرحٍ وعزاءٍ ورجاء!

    جمالُ الكنيسة ليس فقط في بنياها الأرضي أي في كل ما أُتيَ للإنسان من قوة ومهارة لكيّ يُجمّل بيوت الله، لأن كنيستنا الأرثوذكسية تعكِس مجد الله في كلّ شيء من حواليها، في البناء، في الأيقونة التي تملأ رحابها، في الأواني المقدسة، لكن الأهم من كل ذلك أنك وأنت داخلٌ بيت الله تذكّر أنّك إنّما ترابٌ مجبولٌ ليس فقط من طينٍ، إنما من بقوة وفاعلية موت وقيامة المسيح بماء المعمودية الحالة عليها بنعمةِ الروح القدس!  

    ما بالك أيها الإنسان المُثقَل والرّازح تحت عبء الخطيئة والموت، إلهنا منذ حضوره على الأرض بدّد حزنها وحوّل لياليها القاتمة إلى نور، تذكر ليالي بيت لحم المُظلمة كيف تحوّل مساؤها إلى نهار وأضحت بيت لحم ومذودها محلاً شاروبيميًا فيه اتكئ الإله الآتي لكي يُشرق نوره للمظلومين وتعساء هذه الأرض! 

تذكر أيها الإنسان أنك مدعو لكي تتشارك نوره مع القديسين والأبرار ”حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ“ (مت ٤٣:١٣)، هذه هي مسيرة الكنيسة وهدفها الأوحد هي أن تتشارك مع أبنائها هذا النور والجمال الذي لا يذبل ويضمحل! 

جمال الكنيسة في توبة شعبها، جمال الكنيسة في وحدة أبنائها، جمال الكنيسة، في صلاتها وبرّها، جمال الكنيسة في تعزية كل وحيد وبثّ الرجاء في قلبٍ أدمتهُ الخطيئة والحزن والألم، جمال الكنيسة يتحقق عندما نهدم "ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ"! (١ كور ٥:١٠).

إكرام الذخائر المقدّسة 

يقول القدّيسُ غريغوريوس بالاماس:

"نسجدُ أيضاً للذخائر المقدّسة، لأنّها لم تتجرّد من القوّة المقدّسة، كما أنّ الألوهة لم تنفصل عن جسد الربّ في موته الثلاثيِّ الأيام". هذه القوّة المقدّسة هي نتيجة علاقة القدّيسين مع المسيح، وهي علاقة لا تقتصر على المجال الروحيّ، بل تشمل الأجسادَ، "الذي يُبَدِّلُ جسدَنا الحقير فيجعلُه على صورة جسده المجيد بما له من قدرة يُخضِع بها كلّ شيء" (فيل 21:3). 

الجسد الذي سنحصل عليه يومَ مجيء الربّ هو جسده الناهض، المتحوِّل، المتألّه. وما ذخائرُ القديسين سوى تصوير مسبَق لهذا الحدث. 

إكرام ذخائر القدّيسين يعود إلى الأزمنة المسيحيّة الأُولى. نقرأ في سيرة استشهاد القدّيس بوليكاربوس (156 م): 

"جَمَعْنا عظامَه التي هي أكرمُ من الحجارة الكريمة وأثمنُ من الذهب، ووضعناها في مكان مناسب". هذا المقطعُ يشهد أنّ تقليدَ كنيستنا بإقامة القدّاس الإلهيّ على مائدة تضمّ ذخائر مقدّسة، هو تقليد مسيحيّ قديم.

تفوح من الذخائر المقدّسة لبعض القدّيسين رائحةٌ زكيّة لا توصَف. إنّ جسد العظيم في الشهداء ديمتريوس المفيض الطيب "كان ينضح بكثرة، إلى حدّ أنّ أشخاصاً كثيرين كانوا يأخذون منه دون أن ينضب، وكانت لهذا الطيب قوّةُ الأشفية العظمى". وكذلك حال كثير من القدّيسين، مثل القدّيس نكتاريوس، والقدّيس سيرافيم ساروفسكي.

فمن أين يأتي هذا العبق غيرُ الموصوف؟

إنّ "عبير المسيح" (2 كو 10:2) ونعمة الروح القدس يحلاّن على القدّيسِين إبّان حياتهم الأرضيّة، ويملأانِ أجسادَهم. وهذه هي معموديّة النار و"ختم موهبة الروح القدس"، كما نقول في سرّ المسحة المقدّسة. وتستمرّ المعموديّةُ في القدّيسين فتجعلُهم يُحسّون بحرارة لا يعبّر عنها وبشذا غير موصوف، وهما من ثمار الروح القدس. ولهذا السبب يُحَضَّر الميرون في الكنيسة الأرثوذكسيّة من عناصر عطريّة...

في العهد القديم اعتُبرَت ملامسةُ جسدِ الإنسان الميْت "نجاسة" (لاو 1:21-9، حز 25:44)، ولكن الإسرائيليّين نقلوا عظامَ يوسفَ باحترامٍ عظيم، ولم يتنجّسوا (تك 25:50، خر 19:13)... وفي قصّة النبيّ أليشع... أنّ أحدَ الأموات أُلقي في قبر النبيّ، فما "أن لامس جسدُ الميْت عظامَ أليشع حتّى عاد إلى الحياة ووقف على قدمّيه" (4 ملو 21:13). وتَذْكُر سيَرُ القديسين عدداً كبيراً من العجائب التي حصلت بواسطة الذّخائر المقدّسة. 

يُعَلّمنا الكتابُ المقدّس أنّ قوّة الربّ العجائبيّةَ تكمن حتّى في ثيابه... "فكان أنّ كلّ من لمسه برئ" (متى 35:14-36، مر 56:6...). ونقرأُ في أعمال الرسل أنّ "الله كان يُجري على يدَي بولس معجزاتٍ غريبة، حتّى صار الناس يأخذون ما مسّ بدنَه من مناديل أو مآزر ويضعونها على المرضى فتزولُ الأمراضُ عنهم، وتذهب الأرواحُ الخبيثة" (أع 11:19-12). 

أمّا بطرس فكان ينقل قوّة المسيح الشِّفائية "بظلّه" (أع 16:5). وقد حصل ما يُشْبِهُ هذه المعجزات في حياة عدد من القدّيسين، وأيضاً بعد انتقالهم. ففي يوم رقاد القدّيس نكتاريوس "وبينما جثمانُه الطاهرُ لا يزال في المستشفى، أُلقيَت قطعةٌ من ثيابه، بالصدفة، على مريض مجاور فشُفي في الحال".

إنّ إكرام القدّيسين والأيقونات والذخائر لا يعبِّر عن مجد العالم النهائيّ، فهو ليس سوى عربون التحوّل النهائيّ للإنسان والطبيعة بأسرها في الأزمنة الأخيرة.