الأحد 14 آب 2022


الأحد 14 آب 2022


13 آب 2022
الأحد 14 آب 2022

العدد 33
الأحد التاسع بعد العنصرة
اللحن الثامن، الإيوثينا التاسعة


أعياد الأسبوع:

14: تقدمة عيد الرُّقاد، النبيّ ميخا، 15: رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة، 16: نقل المنديل الشريف من الرُّها، الشّهيد ديوميذوس، 17: الشّهيد مِيرُن، 18: الشّهيدان فلورُس ولافْرُس، أرسانيوس الجديد الذي من باروس، 19: أندراوس قائد الجيش والـ 2593 المستشهدون معه، 20: النبيّ صموئيل.

والــــــــدة الإلــــــه 

اختارَ اللهُ مريمَ العذراء ليغيّر وجه الأرض ويحوّل التاريخ، اختارها لتكونَ أمّه، اختارها لتكونَ الأقربَ إليه والأقربَ إلينا، فاتّخذ منها جسدًا.

 عندما تفوّهت بكلمة "نعم" تجاوُبًا مع الدعوة الإلهيّة، قطعَتْ عهداً جديداً مع الله، وسلكت طريقَ الروح؛ فولدَتِ الكلمةَ الربَّ يسوعَ المسيح، لا مجرّدَ إنسانٍ حاملٍ نعمةَ الله. ولهذا السببِ تُسمّى "والدة الإله".

غداً، نعيّدُ لرقادها الذي هو ثمرةُ قيامة إلهنا يسوع المسيح المنتصر على الموت وساحقه. الموت لم يعد له وجود، لأنّ مريمَ العذراء والدة خالق الحياة تنتقلُ إلى الحياة، وقد حفظها ابنها يسوع خالية من فساد القبر.

 هذا، وفي ليتورجية العيد موازاة ثابتة بين الولادة العذريّة، والقيامة عبر الصليب والانتقال بالموت. ما يصنع الوحدة بين سرّ البتوليّة وسرّ الصليب هو القيامة المجيدة، قيامة المسيح من بين الأموات "بعد الولادة بتول وبعد الموت حيّة" كما نرتّل.

إنّ الكتاب المقدّس لا يذكر شيئاً عن رقادها، والقدّيس يوحنّا الدمشقيّ يسمي موتها رقاداً، أي استسلام كلّيّ بين يدَي الله. إنّ رقادها هو تألّق الصليب؛ ولا عجب من هذا الكلام، فهي حوّاء الجديدة.

الخليقةُ كلُّها تبتهجُ وتفرح لرقادِها الذي يفوقُ الوصف وتكرمُّها وتغبطُها لأنّها إناءٌ لنعمة الروح القدس، فهي مثالُنا وهي تقودنا إلى مدرسة ابنِها بالتواضع والثقة المطلقة به والاستسلام الكامل لمشيئته.

مريمُ العذراء تدعونا إلى الإيمانِ بابنها والالتزام والصمت "كانت تحفظ هذا الكلام كلَّه وتفتكر به في قلبها". بصمتِها تهيّأتْ لتصيرَ والدة الإله، وبصمتِها المقدّس عندما زارت أليصابات "ارتكض الجنينُ بابتهاج في بطن أمه". 

وهذا ما تُعلّمنا إيّاه، أنّه بالصمت المقدّس نتهيّأ لنكونَ هياكلَ حيّةً لله وروح الله يسكنُ فينا. 

فَلْنصمتْ يا أحبّة صمتاً مقدّساً كَمَريم، حتّى نحملَ المسيح في قلوبنا، ويعملَ الروحُ القدسُ من خلالنا، ويتمجّدَ اسمُ الثالوث القدّوس.

نعم! إنّ مريمَ العذراء هي أمٌّ وبتولٌ معاً، جَمَعَتْ أروعَ مفخرتَينِ تعتزُّ بهما كلُّ امرأة، البتوليّةَ والأُمومة. هذه الحقيقة تحمل في ظاهرها تناقضًا واضحًا، وتحملُ في جوهرها انسجامًا مطلقًا. 

العذراء مريم لم تبقَ بتولاً في حبلها فقط، بل خلال الولادة وبعدها، وهذا لا يمكنُ للعقل البشريّ أن يدركَه، ولكن ليس من أمرٍ مستحيلٍ على الله، فالذي وضَعَ للبشر نواميسَ الحَبَل والولادة، قادرٌ أن يسودَ على هذه النواميس ويُخضِعَها لمشروعه الخلاصيّ، دون المساس بِعُذريّةِ مريمَ وبتوليّتِها. 

لقد انتقلت أمُّ الحياة إلى الحياة لننتقلَ نحن أيضاً إلى هذه الحياة الإلهيّة. هذا هو إيماننا القويم، هذه هي الغلبة وهذا هو فرحُنا.

                                                                          +  الأسقُف قسطنطين 
                                                              رئيس دير مار الياس شويّا البطريركيّ


طروباريّة القيامة باللحن الثامن

إنحدَرتَ من العُلوِّ يا متحنِّن، وقبلتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقَنا من الآلام. فيا حياتَنا وقيامَتَنا، يا ربُّ، المجدُ لك.

طروباريّة تقدمة الرقاد باللحن الرابع

تقدموا واستبشروا أيّها الشعوب، مصفّقِينَ بالأيدي. واجتمعوا اليومَ بشوقٍ فَرِحِين، وهلّلوا جميعُكم بابتهاج. لأنّ أُمَّ الإلهِ مُزمعةٌ أن ترتفعَ من الأرض إلى السماوات بمجدٍز فَلْنُمَجِّدْها بالتسابيح دائماً، بما أنّها والدةُ الإله.

قنداق تقدمة الرقاد باللحن الرابع

اليومَ المسكونةُ تَسبِقُ مبتهجةً سرّيّاً، في تذكاركِ المجيدِ يا والدةَ الإله، وتصرخُ نحوَكِ هاتفةً بِسُرور: السلامُ عليكِ أيّتها البتولُ فخرَ المسيحيّين.

الرسالة: 
1 كو 3: 9-17
صلُّوا وأَوفُوا الربَّ إلهَنا،
اللهُ معروفٌ في أرضِ يهوذا


يا إخوة، إنّنا نحنُ عامِلونَ معَ الله، وأنتم حَرْثُ اللهِ وبِناءُ الله. أنا بحسَبِ نِعَمةِ اللهِ المُعطاةِ لي كَبَنّاءٍ حكِيم، وضَعتُ الأساسَ وآخرُ يَبني عليهِ. فَلْينظُرْ كُلُّ واحدٍ كيف يبني عليهِ، إذْ لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يضعَ أساساً غيرَ الموضوعِ وهوَ يسوعُ المسيح. فإنْ كانَ أحدٌ يبني على هذا الأساسِ ذهبًا أو فِضّةً أو حِجارةً ثَمينةً أو خشباً أو حَشيشاً أو تبناً، فإنّ عملَ كلِّ واحدٍ سيكونُ بَيِّنًا، لأنّ يومَ الربِّ سيُظهرُهُ، لأنّه يُعلَنُ بالنار، وستَمتَحِنُ النارُ عَملَ كُلِّ واحدٍ ما هو. فَمَن بَقِيَ عمَلُهُ الذي بناهُ على الأساسِ فسينالُ أُجرَةً، ومَنِ احتَرقَ عَمَلُهُ فسَيخسَرُ، وسيُخلُصُ هُوَ، ولكن كمَن يَمرُّ في النار. أما تعلَمون أنّكم هيكلُ اللهِ وأنّ روحَ اللهِ ساكِنٌ فيكم، مَن يُفسِدْ هَيكلَ اللهِ يُفسِدْهُ الله. لأنّ هيكلَ اللهِ مُقدّسٌ وَهُوَ أنتم.

الإنجيل: 
متى 14: 22-34 (متى 9)


في ذلك الزمان، اضطرّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخلوا السفينةَ ويسبِقوهُ إلى العَبْرِ حتى يصرِفَ الجموع، ولمّا صرف الجموعَ صعِد وحدَهُ إلى الجبلِ ليصلّي. ولمّا كان المساءُ كان هناك وحدَهُ، وكانتِ السفينةُ في وسَط البحر تكُدُّها الأمواجُ لأنّ الريحَ كانت مُضادةً لها، وعند الهجَعةِ الرابعةِ من الليل مضى إليهم ماشياً على البحر، فلمّا رآه التلاميذ ماشياً على البحر اضطربوا وقالوا إنّه خَيالٌ، ومن الخوفِ صرخوا. فَلِلوقتِ كلّمَهُم يسوعُ قائلاً: ثِقوا أنا هو لا تخافوا، فأجابهُ بطرسُ قائلاً، يا ربُّ، إنْ كنتَ أنتَ هو فَمُرني أن آتيَ إليكَ على المياه، فقال تعالَ، فنزل بطرسُ من السفينة ومشى على المياه آتياً إلى يسوع. فلمّا رأى شِدّةَ الريحِ خاف، وإذْ بدأَ يغرَقُ صاح قائلاً يا ربُّ نجّني. وللوقتِ مدّ يسوعُ يدَهُ وأَمسكَ بهِ وقال لهُ: يا قليلَ الإيمان لماذا شَكَكْتَ؟ ولمّا دخلا السفينةَ سكنَتِ الريح. فجاءَ الذين كانوا في السفينةِ وسجدوا لهُ قائلينَ: بالحقيقةِ أنتَ ابنُ الله. ولمّا عَبَروا جاؤُوا إلى أرض جَنيّسارَتْ.

في الإنجيل

الخوفُ موضوعٌ تناولته مؤلّفاتٌ أدبيةٌ، شعريّةٌ منها ونثريّة، وفلسفيّةٌ ولاهوتيّة، وأخيراً أيضًا علمُ النفس الحديث له مباحثٌ كثيرة في هذا المجال. غريبٌ كيف أنَّ الإنسان، رغم الخبرة المتراكمة عبر آلاف السنين، ما زال يخاف. 

في بعض المؤلّفاتِ الحديثة لعلم النفس، يوازي الدّارسون الخوف بالفشل. فالخوف إحساسٌ يعكس انطباعاً على الذاكرة والخيال، فتتكوّنُ في الإنسان صورةٌ مُسبَقَةٌ عن خبرةٍ عتيدةٍ ما فتئت تتحقّق. 

الإنسان مخلوقٌ وموسومٌ بهباتٍ "نبويّةٍ"، له القدرة، من خلال تفعيل ملكات العقل نحو الأحسن أو الأسوأ، أن يرسم طريقًا لحياته إمّا فاشلاً أو ناجحاً؛ كُلُّ هذا ينبع من قوّة هذا الخيال الذي يجذبُ إليه المصائب التي يهابُها أو النجاحات التي يتطلّع إليها. بَيدَ أنّ الله الذي خلق الإنسانَ على هذا المنوال زوّده بقوّةً أعظم وأسمى وهي قوّة جذب الله إليه بالعقل والقلب والفكر والإحساس. موضوع الخوف يسيطر على الجزء الأخير من الفصل الرابع عشر بحسب الإنجيليّ متّى، الفصلُ الحافل بالأحداث الخلاصيّة والرسوم الأسراريّة. 

فيه نجد قصّةَ قطعِ رأسِ السابق يوحنّا وحزن يسوع عليه وإطعام الجموع وشفاءاتٍ متنوِّعة. ولكنّ نقطة الأَوْجِ فيه هي هذه الحادثةُ التي تتمحورُ حول موضوع الخوف.

    التلاميذ مستعجلون، يريدون أن يصرفوا الجموع. يسوع مصرٌّ على إبقائهم وإطعامهم. هنا رسمٌ ليتورجيّ. يسوع يبارك الخمس خبزات والسمكتين ويسلّمها إلى التلاميذ، والتلاميذ إلى الجموع. 

هذا ما يحصل دائماً في خدمة سرّ الأسرار، أي القدّاس الإلهي. بعدما أكل الجموع أراد يسوعُ صَرْفَهُم بنفسه. 

والإنجيل في اليونانية يستعمل فعلاً نستخدمه في نهاية كلّ خدمة وهو الفعل ἀπολύω – απολύσαι ومنه تصدر الأسماء ἀπόλυσις الحلّ و أبوليتيكيون ἀπολυτίκιον وهي أساساً طروبارية القدّيس أو العيد التي بها نختم خدمة ليتورجيّة ما. وأمّا الحلُّ فنترجمه خطأً كختمٍ. يسوع هو الذي يحلّ الجموع من الاجتماع الإفخارستيّ. 

الغريب في الموضوع أنّه "اضطرّ  ἠνάγκασεν"التلاميذ أن يذهبوا إلى الجانب الآخر. وهكذا ظلَّ لوحده مع الجموع. أربعة أفعال صنعها يسوع يبدو وكأنّه اختصر الزمن من خلالها: 

1- أجبر التلاميذ أن يذهبوا؛
2- حلّ الجموع 
3- صعد إلى الجبل ليصلّي 
4- نزل إلى البحر في وقت كان فيه التلاميذ بِأَمَسِّ حاجةٍ إليه. كان التلاميذ في المياه ولكنّهم لم يكونوا جَزِعِين من شدّة العاصفة. على الأقلّ لم تأتِ القراءةُ الإنجيليّةُ على ذِكرِ هذا الأمر.
 
أتى يسوع ماشيًا على المياه ليخلّصَهم من العاتي. فالرب يستبقُ المصائب. متى خاف التلاميذ؟ عندما رأوا يسوعُ وظنّوه شَبَحًا. هذا النوع من الخوف نقرأ عنه في المؤلّفات اليونانيّةِ واللاتينيّة القديمة، المؤلفات الوثنيّة. كان الوثنيّون يخافون الخيالات، وهذه هنيهة نرى فيها أنّ هذا الطابع من الخوف غلبَ على التلاميذ وبدأوا يصرخون. عادةً يخاف الإنسان المعاصر من حضور الله ويريد إبعادَهُ.

    أتى يسوع وكشف عن نفسه. رفيق الخوف الشكُّ وعدم الإيمان. فاشترط بطرس على يسوعُ أن يجعله يمشي على المياه ليتأكد أنّه هو هو. 

فلم يكتفِ بطرس بكلّ ما فعله يسوع حتّى الآن. وأمّا التلاميذُ الآخرون فسادَ عليهم الصمتُ. هم يشاهِدون؛ يمثّلهم بطرس هامتُهم. 

فما ينطبق على بطرس ينطبقُ عليهم أيضًا، لا محالة! لم يتردّد يسوع في أن يأمرَ بطرس بالمجيء إليه ماشيًا على المياه. لقد نجح بطرس في المشي على المياه لسببين: 

أوّلًا، ولفترةٍ وجيزة، ركّز نظره على يسوع، فكان يسوع يجذبه بقوّته، وثانيًا، وضعَ الخوفَ جانباً بسبب الحالة الأولى، فكانت له ثقةٌ بيسوع. وأمّا في عالم بطرس الداخليّ فانطباعاتُ الذاكرة والإحساس كانت تتمحور حول النجاح بواسطة يسوع متأثّراً بالخبرة القديمة المنطبعة أصلاً في ذاكرته. 

لكنّه لحظةَ حاد نظره وتركيزه عمّا هو إيجابيّ وناجح وجعل الخوف ينتابه من جديد، وقع أيضاً في المياه. نتعلّم من خبرة بطرس أن ندرِّب أنفسنا على لُقْيا يسوع في كلّ زاوية وكلّ منحىً من حياتنا. 

نتعلّم ألّا ندع الخوف يسيطر علينا. وهذا يحتاج إلى تدريب كثير على عدّة مستويات: مستوى الذاكرة والعقل والخيال وعلى المستوى النفسيّ والبسيكولوجيّ، والأهم على المستوى الروحيّ والعلائقيّ مع الله.

أجمل نشيد وعشق: والدة الإله.

إنْ بَحثْنَا عن أَسمى حالَةِ عِشقٍ مع الرّبِّ، لَوَجَدْنا عِشقَ وَالِدَةِ الإلَهِ لِيسوعَ في الصّدَارَةِ دُونَ مُنازِع. 

وَالِدَةُ الإلَه هِيَ المِثالُ الأَسمَى لنا جميعًا، بحيث جَمَعتْ بِشَخصِها كلّ الحب:


حُبّ العَروسِ لِعَرِيسِها، وحُبّ الأمِّ لِوَلَدِها. 

حُبّ الابنَةِ لِوالِدِها، وحُبّ المَخلُوقَةِ لِخالِقِها وربِّها ومُخَلِّصِها، وحُبّ الأختِ لأخيها الّذي تَنازَلَ وتَجَسّدَ وأَرادَ أن يُساوِيَنا في البَشَرِيّةِ، وأَصبَحَ أخًا لنا، كما نَقرَأُ: "هُوَ بِكْرٌ بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ." (رو٢٩:٨).    

     يَقول المُناجَى في سِفر نَشيدِ الأناشيد، والذي اعتبرَهُ الآباءُ القدّيسونَ صورةً عن يسوع، يَقول: "أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ." (نشيد الأنشاد ١٢:٤).
    

هذا الكلامُ يَنطَبِقُ بِامتِيازٍ على والِدَةِ الإله:

    
فَهِيَ أُختُهُ في البَشَرِيّةِ وعَروسُهُ السّماويّةُ في الوَقتِ نَفسِه. 

    
هِيَ جَنّةٌ مُمتَلِئَةٌ بِالنِّعمَةِ الإلَهِيّةِ وَالرُّوحِ القُدُس، ومُزهِرَةٌ، "كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَة" (نشيد الأناشيد ٧:٤)، ومُغلَقٌ في وَجهِ الخَطيئَة، بتولٌ في نِفسِها وجَسَدِها.

هِيَ عَينٌ مُقْفَلَةٌ، أَبوابُها مُوصَدَةٌ أمامَ هَجَماتِ العَدوّ، لأَنّها جَلَست تَحتَ كَلِمَةِ اللهِ وطَاعَتِهِ بِمِلءِ حُريّتِها، مُصغِيَةً لَهُ بِالكُليّةِ، وعَامِلَةً بِوَصايَاهُ بِكُلِّ أَمانَة. 

هِيَ عَينٌ لِمياهِ الرّبِّ العَذبَةِ، كَما قالَ الرّبُّ: "مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيّةٍ (يوحنا ١٤:٤).

وهِيَ مَختُومةٌ بِالرُّوحِ القُدُسِ كما قَالَ لَها المَلاكُ في الحَبَلِ الإلَهِيّ: "الرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ" (لوقا ٣٥:١). 

أمّا أجمل آية نتوقف عندها مع والدة الإله فهي "الْمَحَبّةَ قَوِيّةٌ كَالْمَوْتِ." (نشيد الأناشيد ٦:٨). 

هنا نكون قد وصلنا إلى القِمّة لأنّه "المَوتُ المُحْيِي": فَقَد أَحَبّنا الرّبُّ حَتّى مَوتِ الصّليب. كَذَلِكَ مَحبّتُنا لَهُ تمُرُّ في مَوتِنا عَنِ "الأنا القاتِلَة"، التي تعشّش فينا. 

    هذا تَمامًا مَا عَاشَتهُ وَالِدَةُ الإلَهِ، إنْ في السّيفِ الّذي جَازَ في قَلبِها كما قالَ لَها سِمعانُ الشّيخ، وهوَ صَلبُ ابنِها الوحيد، وإنْ في سِيرَتِها النّقيّة.
    
    إلَى الرّبِّ نَطلُب.


تطويب العذراء

"ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال" (لوقا 1: 48)

إنّ كنيستنا المقدّسة تطوّب الكليّة القداسة العذراء مريم في كلّ صلاة من صلواتها. تطوّبها في صلاة الغروب، في صلاة النوم، في صلاة السحر وفي القدّاس الإلهيّ، وفي الصوم الكبير، وفي صوم السيّدة (من 1 الى 14 آب). 

تقيم لها صلاة البراكليسي، وهي عبارة عن ابتهالٍ مرفوع إليها. أمّا أعيادها فهي كثيرة من الميلاد إلى دخولها الهيكل ثمّ بشارتها.. وأهمّها على الإطلاق العيد الذي سوف نحتفل به غداً، ألا وهو عيدُ رُقادِها. 

من هنا يُطرَحُ السؤال: لماذا تُطوِّبُ الكنيسةُ العذراءَ مريمَ كثيراً هكذا؟ 

إنّ العذراء حملت في أحشائها الضابط الكلّ، حملَتْ مُرشِدَ الضالّينَ ومُنقِذَ المأسورين، ولدَتِ الإلهَ المتجسّد، فأصبحت والدة الإله. 

ففي مريمَ تَمَّ أوّلاً الاِتّحادُ بين الله والإنسان. وفي هذا المعنى تخاطب الكنيسة العذراء في صلاة النوم قائلة: "يا من بمولدك المعجز" اتّحدَ كلمةُ الله بالبشر وطبيعةُ جنسِنا المُقصاةُ أَقْرَنتِها مع السماويّين". 

والعذراء مريم لا تُعتبَرُ فقط والدة الإله، بل هي أيضًا أُمُّنا جميعاً. 

عندما كان يسوع معلَّقاً على الصليب، خاطب أُمَّه مريمَ قائلاً لها عن تلميذِه يوحنّا الحبيب: 

"هوذا ابنُكِ"، ثُمَّ خاطب يوحنّا قائلاً: هوذا أُمُّكَ". فهذه العباراتُ تَصُحُّ على كلّ تلميذٍ ليسوع، وعلى كلّ مَن يؤمن بيسوع.

فالعذراء مريم هي بِحَقٍّ أُمٌّ حنونٌ لنا جميعًا، بِدليلِ أنَّ جميعَ الناسِ في ساعاتِ الألمِ والضيقِ والشدّةِ والخطر، يَنطِقُونَ باسمِ السيّدةِ العذراء، ويطلبون منها النجدةَ والمعونة.

إنّ العالمَ كُلَّهُ مليءٌ بالكنائسِ التي تحملُ اسمَ العذراءِ مريم. كلُّ كنيسةٍ من هذه الكنائس هي في واقعِ الأمرِ دُعاءٌ أو ابتهال أو تضرُّعٌ مرفوعٌ من الأرضِ إلى السماء، لِيَصلَ إلى عرشِ العذراءِ طالباً شفاعتَها ومعونتَها.

 وشفاعتُها قويّةٌ إلى أقصى الحدود، كما يَظهرُ في واقعةِ عُرسِ قانا الجليل، عندما حوّلَ المسيحُ الماءَ إلى خمر، مع أنّ ساعتَهُ لم تأتِ بَعد، والسببُ أنّه استجابَ لرغبةِ والدتِه وصنعَ المعجزة. 

هذه الحادثةُ تُبيّنُ لنا مدى الدالّةِ التي للسيّدةِ عند المخلّص. لذلك علينا أن نؤمنَ بشفاعتها إلى أقصى الحدود. هذا ما حدا الكنيسة أن تُنشدَ لها في صلاةِ البراكليسي قائلة: 

"ليس أحد يسارعُ محاضراً إليكِ ويَمضي خازياً مِن قِبَلِكِ أيّتها البتولُ النقيّةُ أُمُّ الإله"

إنّ العذراء مريم تمجّدت وتقدّست وأصبحَت والدةَ الإلهِ بسببِ تواضعِها العجيب وطاعتها الفائقة. 

نحن مدعوّونَ إذًا إلى أن نقتديَ بها فنمارسَ مثلَها جميعَ الفضائلِ المسيحيّة، ولا سيّما التواضع والطاعة والتضحية وإنكار الذات... عسى الله أن يرحمنا بشفاعتها.

 آمين

أخبارنا

+ عيد رقاد السيّدة العذراء

 لمناسبة عيد رقاد السيّدة العذراء يترأس راعي الأبرشيّة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) الجزيل الاِحترام القدّاس الإلهيّ في كنيسة السيّدة في رعيّة عاصون- الضنية. تبد