الأحد 30 أيار 2021
26 أيار 2021
الأحد 30 أيار 2021
العدد 22
أحد السّامريّة
اللحن الرابع الإيوثينا السابعة
* 30: البارّ إسحاقيوس رئيس دير الدلماتُن، البارّة إيبوموني، * 31: الشّهيد هرميوس، * 1: الشّهيد يوستينوس الفيلسوف، * 2: نيكيفورس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيّة، * 3: الشّهيد لوكليانوس، الشّهيدة بافلا،
* 4: مطروفانس رئيس أساقفة القسطنطينيّة، مريم ومرتا أختا لعازر، * 5: الشّهيد دوروثاوس أسقف صور. ***
التقدمة: الأنافورا
Anaphora
"لنقفْ حسناً. لنقفْ بخوفٍ. لتُصغِ. لنقدّمْ بسلام القربانَ المقدّس".
هذا هو الوقتُ الحَرِجُ للخدمة الإفخارستيّة. يدعو الشماسُ المؤمنين أن ينتبهوا إلى موقف النفس والجسد: لنقف حسناً! لنقف بخوفٍ!
القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم يفسّر هكذا: علينا أن نرفعَ أفكارنا الهائمة هنا وهناك أرضيًّا، أن نبتعد عن الهموم الأرضيّة. هذا كلّه من أجل أن نقدّم بسلام القربان المقدّس. الذبيحة الإلهيّة في القدّاس الإلهي تُدعى أنافورا، أي تقدمة، لأنّها ترفعُنا إلى الله.
لا تُوضَعُ القرابينُ فقط على المائدة الأرضيّة، بل تُرفع الى المائدة (أو المذبح) السماويّة، ومعها نرفع أنفسَنا على المذبح السماوي. كلّ ذلك فليجرِ بسلام.
*******
ونحن المؤمنين نُجيب "رحمةَ سلامٍ ذبيحةَ تسبيح". الرحمة تعني المحبّة الواسعة (من رَحِمِ المرأة).
وهي ثمرةُ السلام. عندما تكون النفس بسلام يمتلئ القلبُ رحمةً.
"أريد رحمةً لا ذبيحة" يقول هوشع النبيّ. ذبيحة التسبيح تُقدَّمُ بمحبّةٍ خالصةٍ نحو الله ونحو الآخَرين. الرحمة، المحبّة الواسعة هي ذبيحة شكرٍ إفخارستيّة Eucharistique ذبيحة تمجيدٍ لله.
*******
"نعمة ربّنا يسوع المسيح ومحبّةُ الله الآب وشركةُ الروح القدس لتكن مع جميعكم" القدّاس الإلهيّ هو اشتراكُ الإنسان بنعمة الثالوث القدّوس.
نعمة ربّنا يسوع المسيح، ذبيحة على الصليب بمحبّة الآب الغنيّة يوزّع خيراته عن طريق شركة الروح القدس:
نعمة الثالوث عطاءٌ إلهيّ
يُجيب الشعب "ومع روحك". يذكّرنا هذا الجواب أنّ تقدمة القرابين ليست مجرّد عمل الإنسان، لأنّ نعمة الروح القدس حاضرةٌ ومشارِكةٌ في هذه الذبيحة السرّيّة.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروبارية القيامة باللّحن الرابع
إنّ تلميذات الربّ تعلَّمْنَ مِنَ الملاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهِج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخِراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنح العالَمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروبارية نصف الخمسين باللّحن الثامن
في انتصافِ العيدِ اسْقِ نفسي العطشى مِن مِياهِ العبادةِ الحسنةِ أيّها المخلّص. لأنّكَ هتفتَ نحو الكُلِّ قائلًا: مَن كان عطشانًا فليأتِ إليَّ ويَشرَبْ. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيحُ الإلهُ المجدُ لك.
قنداق الفصح باللّحن الثامن
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلا أنَّك درستَ قوَة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الاله، وللنسوةِ حاملاتِ الطيب قلتَ افرحنَ، ولِرسلِكَ وَهبتَ السلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.
الرِّسَالة
أع 11: 19-30
ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربّ. كلَّها بحكمةٍ صنعت
باركي يا نفسي الربّ
في تلكَ الأيام، لمَّا تبدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضيقِ الذي حصَلَ بسببِ استِفَانُسَ، اجتازُوا إلى فِينيقَيةَ وقُبُرسَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِّمونَ أحدًا بالكلمِةِ إلّا اليهودَ فقط. ولكنَّ قومًا منهم كانوا قُبُرسِيّين وقَيرَوانيّين. فهؤلاءِ لمَّا دخَلُوا أنطاكيَةَ أخذوا يُكلِّمونَ اليونانيينَ مُبشِّرينَ بالربِّ يسوع، وكانت يدُ الربِّ مَعَهم، فآمنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعوا إلى الربّ. فبلغ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ التي بأورَشليمَ فأرسَلوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية، فلمَّا أقبَلَ ورأى نعمَةَ الله فَرِحَ ووعَظَهم كُلَّهم بأنْ يَثبُتُوا في الربِّ بعزيَمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلًا صالحًا ممتَلِئًا مِن الروحِ القدُسِ والإيمان. وانضَمَّ إلى الربِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَّ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طلبِ شاوُل. ولمَّا وجَدَهُ أتى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدا معًا سنةً كامِلة في هذهِ الكنيسةِ وعلَّما جَمعًا كثيرًا. ودُعَي التلاميذُ مَسيحيّين في أنطاكِيةَ أوّلًا. وفي تلكَ الأيام انحدرَ من أورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحدٌ منهم اسمه أغابُوسُ فأنبأ بالروح أنْ ستكونُ مَجاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيامِ كُلودُيوسَ قيصرَ، فَحَتَمَ التلاميذُ بحسَبِ ما يتَيسَّرُ لكلِّ واحدٍ منهم أن يُرسِلوا خِدمةً إلى الإخوةِ الساكنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبعثوا إلى الشُيوخِ على أيدي بَرنابا وشاوُل.
الإنجيل
يو 4: 5-42
في ذلك الزمانِ أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السامرَةِ يُقالُ لها سُوخار، بقُربِ الضيعةِ التي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ابنهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ المَسير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوُ الساعةِ السادسة. فجاءتِ امرأةٌ منَ السامِرةِ لتستَقي ماءً. فقال لها يسوعُ: أعطيني لأشرَبَ- فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مضَوا إلى المدينةِ ليَبْتاعوا طعاماً- فقالت لهُ المرأةُ السامرية: كيفَ تَطلُبُ أن تشربَ مِنيِّ وأنتَ يهوديٌّ وأنا أمرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطونَ السامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرفتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَن الذي قال لكِ أعطيني لأشربَ، لَطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيّاً. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستقي بهِ والبِئرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضًا، وأمّا مَن يشربُ من الماء الذي أنا أُعطيهِ لهُ فلن يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبعُ إلى حياةٍ أبدّية. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أجيءَ إلى ههنا لأستقي. فقالَ لها يسوعُ: إذهبي وادْعِي رجُلكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنتِ بقولِكَ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الذي ينبغي أن يُسجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا إمرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إذ الساجدونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالروح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ الساجدينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ والذين يسجُدون لهُ فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمتُ أنَّ مَسيّا، الذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمُ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ إمرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها. فترَكتِ المرأة جرَّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للناس: أنظروا إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فعلت. ألعلَّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعاماً لآكِلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحداً جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الذي أرسلَني وأُتِّممَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمَّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم إرفعُوا عيونكم وانظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ابيضَّتْ للحَصاد. والذي يحصُدُ يأخذُ أجرةً ويجمَعُ ثمراً لحياةٍ أبديّة، لكي يفرَحَ الزارعُ والحاصدُ معًا.
ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحدًا يزرَعُ وآخرُ يحصُد. إنّي أرسلتُكُم لتحصُدوا ما لم تتعَبوا أنتم فيه. فإنَّ آخرينَ تَعِبوا وأنتُم دخلتُم على تَعبِهم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السامريينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ التي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فعلت. ولمَّا أتى إليهِ السامريُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندهُم، فمكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدّاً من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمنُ الآن، لأنّا نحنُ قد سَمِعْنا ونَعلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.
في الإنجيل
تذهب المرأة السامرية إلى البئر خلال أشد أوقات اليوم حرارة لتتجنّبَ ألسنةَ سُكّانِ المدينة. كان معظمُ الناسِ يأخذون قيلولةً في هذا الوقت؛ لا أحد في عقله السليم يخرجُ في شمسِ الظهيرة. تعرف امرأةُ السامرةِ ذلك، وتنتهزُ الفرصةَ للحصول على الماءِ لمنزلِها، دون أن يُضايقَها أحد.
لم يَكُنِ اليهودُ يسافرونَ عادةً على طريقٍ سامريّ، لكنّ يسوعَ اختارَ السيرَ بهذه الطريقةِ على أيّ حال. فطريقُ الجليلِ من اليهوديّةِ يمرُّ بالسامرة.
إنّ هذه القصّةَ تبدو وكأنّها مُستَوحاةٌ من "مشهد من نوع الخطبة" من الكتاب المقدّس العبريّ، ولا سيّما قصّة يعقوب في تكوين 29. هذه الصورة كانت مألوفةً للقرّاء اليهود، بعدَ مشهدٍ سابقٍ يقارِنُ فيه يوحنّا المعمدانُ علاقتَه بيسوعَ بعلاقةِ صديقِ العريس. ولكنْ، يعتقدُ آخَرونَ أنّ هناك فرقًا بين هذا النوعِ من المشاهدِ وإنجيل يوحنّا الفصل الرابع. المرأة السامرية ليست شابّةً يهوديّةً عذراء، ولا توجد خطوبة؛ البئرُ لا ترمزُ إلى الخصوبة الجنسيّة بل هي صورةٌ للخلاص (راجع إشعياء 12: 3)؛ لم يُقدَّم يسوعُ كعريسٍ بل كمانحٍ للماء الحيّ.
يستخدمُ يسوعُ الماءَ لتعليمِ هذه المرأة. الماء في إنجيل يوحنّا يدلّ على المعموديّة. يتحدّث عن الماء الحيّ الذي يعطي الحياة الأبديّة أو النعمة الإلهيّة أو حياة الله داخل النفس، أو ما نعرفه بالحياة بحسب الروح القدس.
تشتهي المرأة هذا النوع من الماء لأنّها تريد أن تعيش حياة أبديّة. لكن أوّلًا، أجرى يسوع حوارًا طويلاً ولكن صريحًا معها. إنّه يجعلُها تفهم أنّها بحاجة إلى الاعتراف بخطاياها وتغيير حياتها قبل أن تتمكّن من الحصول على هذه المياه الواهبة للحياة والنعمة. أظهر لها يسوع أنّه يعرف بالفعل أنّها تعيشُ مع رجلٍ ليس زوجَها.
إنّ روح المرأة السامريّةِ تستنيرُ وتَنشَطُ وتُضيءُ بواسطة يسوع. تدركُ الآن ما يعنيه أن تأخذ بحرّيّةٍ من ماء الحياة، وهو الانتعاشُ الروحيُّ الذي يأتي إلى روحها بعد لقائها واعترافها بيسوع. لم تتأثّرْ فقط بأنّ يسوع عرف كلّ خطاياها، بل أُتِيحَتْ لها أيضًا فرصةٌ أن تُغفَرَ خطاياها.
إنّها تعتقد أنّه حقًّا المسيح، الممسوح. تتوب عن آثامها السابقة وتعود لتُخبرَ عائلتَها وأصدقاءَها وجيرانَها كيف قابلت يسوع وكيف كشفَ عن معرفتِه بخطاياها وعَرضِهِ بالمياه الحيّةِ التي تجلبُ الحياةَ الأبديّة. واصلت قيادة العديد إلى التحوُّلِ والإيمان بيسوع من خلال غيرتِها ومحبّتِها لله (يوحنا 4: 39-42).
الكنيسةُ وسطَ الضيقات!
ممّا لا شكَّ فيه أنّنا نُبحِرُ وسطَ بحرٍ من الأزمات والضيقات، تُحيطُ بنا من كلِّ الجهات، لذلك تتّجهُ الأنظار إلى الكنيسة، كخشبةِ خلاصٍ، والتماعةِ أمَلٍ ورجاء، وبقعةِ ضَوءٍ وسط الظلمات، فقد أسَّسَها الربُّ لتكونَ سماءً على الأرض، وسفينةً تُبحِرَ بنا وسطَ العواصف والأمواج إلى ميناءِ الأمان.
من هذا الواقع يأتي وعيُ الكنيسة لمسؤوليَّتها لتكونَ رسالة محبةٍ ورجاءٍ واطمئنانٍ للإنسان والمجتمع، فالكنيسةُ لا يتوقَّف دورُها على خدمة الأسرارِ المقدَّسة، بل إنَّ هذا العملَ التقديسيّ الهامّ يبدأُ في هيكل الكنيسة، لكنّه لا ينحصرُ فيها، بل ينطلقُ منها شعاعَ نورٍ ولهبَ محبّةٍ إلى المجتمع، ليُنيرَ ويدفئَ العالمَ بأسرِه، ويُترجَمَ خدمةً تقدِّمُها الكنيسةُ للمؤمنين، على الصعيدَين المادّيّ والمعنويّ، من أجل تخفيفِ آلامِهم، ومُداواةِ جِراحِهم. لذلكَ ما أجملَ أن نرى الكنيسةَ في هذه الأيام، ورشةَ عملٍ روحيّ! يَنشَطُ فيها كاهنُ الرعيّة، إذ هو الأبُ والراعي وخادمُ الأسرار والمعلِّمُ والطبيبُ وصَيّادُ النفوس، يَعِظُ في كلِّ خدمةٍ وقُدّاس، ويَجتهدُ معَ مجلسِ الرعيّةِ وكلِّ المُخلِصين، كي يعضدوا الضعيف، ويعزُّوا الحزين، ويسندوا الواقع، ماديًّا ومعنويًّا.
فلا نخَفْ أيها الأحبّاء، رغمَ كلِّ هذه الضيقات، لأنّ الربَّ قالَ لنا "في العالَمِ سيَكُونُ لَكُم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم" (يو16: 33)، وَلْنَثِقْ بِوُعُودِه لنا، وَلْنَعُدْ إلى كَلِمَتِهِ الإلهيّة في الكتاب المقدّس، ونقرأه كلَّ يوم ٍبتمعُّنٍ في بيوتنا مع عائلاتنا، وسنجدُ فيه ما يبعثُ في نفوسنا الشجاعةَ والطمأنينةَ والسلام، والأملَ والرجاء. فإنَّه مكتوب:
+ "لا تَخَفْ أيّها القطيع الصغير لأن أباكم قد سُرَّ أن يعطيَكم الملكوت" (لو12: 32).
+ "أقولُ لَكُم يا أحبّائي: لا تخافوا من الّذين يقتلونَ الجسد، وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر" (لو12: 4).
+ "بل شعور رؤوسكم أيضاً جميعها محصاة! فلا تخافوا. أنتم أفضل من عصافير كثيرة!" (لو12: 7).
+ "هل تنسى المرأةُ رضيعَها فلا ترحم ابن بطنها؟! حتّى هؤلاء ينسَينَ وأنا لا أنساك. هوذا على كفِّي نَقَشْتُك" (أش49: 15-16).
ولنتذكَّرْ أيّها الأحبّاء، أنَّ بعدَ كلِّ ضيقٍ قيامة، وأنَّ الربَّ يتدخَّلُ ويَأتي إلى أحبّائه في الهزيع الرابع من الليل، فقد جاء إلى التلاميذ عندما صاروا وسط العاصفة، وأتى إلى دانيال النبي وخلَّصه عندما طرحوه للأسود في الجُبّ، وحضرَ إلى الفتية الثلاثة وخلَّصهم عندما طُرحوا في أتون النار. فلا نيأس ولا نُحبَط، بل فلنتَّكل على الله، منتظرينَ بصبرٍ خلاص الربّ، وهو سيتدخَّلُ في الوقت المناسب وينقذُنا!
يكفي الآن أن نحبَّ وَنُساعِدَ بَعضُنا بَعضًا، وأن نُصَلِّيَ مِن أعماقِ القلب: يا ربُّ ارحَم عالمَك، وارحَمْ هذا الوطنَ الوادِع، وارحمنا. وهَلُمّوا بنا جميعًا، أساقفةً وكهنةً، رهباناً وراهبات، علمانيّينَ وعلمانيّات، أبرشيّاتٍ ورعايا وأديارًا، نتعاونْ فيما بيننا ولا نعملْ منفردين، ولنكُنْ مثالاً للرعيّة في كلِّ شيء، فنعِيشُ ما نقولُه ونعلِّمُه للآخَرين، ونحيا ببساطةٍ وتقشُّفٍ وزهدٍ وقناعةٍ، في اللباسِ والمأكل والمشرب، مبتعدينَ عن حياة الرفاهية الزائلة، متذكّرين دوماً قُدْسِيّةَ رسالتِنا، وأنَّ سَعيَنا، أفرادًا وكنيسةً، هو نحوَ الحياةِ الأبديّة. هكذا نكونُ شمعةَ أملٍ ورجاء، تضيءُ وسط ظُلماتِ هذه الأيّامِ وَضِيقاتِها.