الأحد ٣١ كانون الثاني ٢٠٢١
31 كانون الثاني 2021
الأحد ٣١ كانون الثاني ٢٠٢١
العدد ٥
الأحد (١٥) من لوقا
اللحن الأول، الإيوثينا الأولى
أعياد الأسبوع:
31: أحد (زكّا)، كيرُس ويوحنّا العادما الفضّة، الشهيدة أثناسِيّا وبناتها، 1: تقدمة عيد الدخول، الشهيد تريفن، 2: دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل. 3: سمعان الشّيخ، حنّة النبيّة، 4: البارّ إيسيذوروس الفرمي، 5: الشَّهيدة أغاثي، 6: الشهيد إليان الحمصيّ، بوكولوس أسقُف إزمير، فوتيوس بطريرك القسطنطينيَّة.
الأبوّة الروحيّة والتمييز
"أمّا الطعام القويّ فللبالغين الذين بسبب التمرّن قد صارت لهم الحواسُّ مدرّبةً "على التمييز بين الخير والشرّ" (عب 5: 14). عن طريق جهادهم اكتسبوا السيرَ نحو الكمال بحسب ما أوصاهم الربُّ: "كُونوا كاملين كما أنّ أباكم الذي في السموات هو كاملٌ (متى 5: 48).
* * *
"الأبوّة الروحيّة فنّ الفنون وعلم العلوم" يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ. بدون فضيلة التمييز diacrisis لا يستطيع الواحد أن يصل إلى اللاهوى باكورة القيامة. الأب الروحيّ الذي يكتسب مثل هذه الفضيلة يصل الى حالة يقظة vigilance، حالة نفسٍ صاحية، فلا تعودُ الأوهامُ لدى أولادِه الروحيّين تُعيقُه عن الرؤية.
إنّ الأبَ الروحيّ، عندما يحترق بحبّ قريبه يمتلكُ قدرةَ الكشفِ عن سرّ قلب ابنه الروحيّ.
يقول القدّيس إسحق السريانيّ (القرن السادس –سابع): "علامة الكاملين هي التالية: إنّهم ولو زُجّوا عشر مرّات في ألهبة نار حبّ الآخرين، أيِ الجنس البشري بأسره، يلا يَرتَوُون".
تُرى مَن هو القلب المحبّ سوى الذي يلتهب حبّاً للخليقة كلّها، للناس، للعصافير للبهائم، لكلّ من أساء اليه... لكلّ الخلائق. تمتلئ دوماً عيناه دموعاً، رأفةً. تعتري قلبَه حياةُ صلاة وتضرّع مستمرّين. الأبوّة الروحيّة مقرونةٌ دوماً بصلاة القلب.
يقول القدّيس سمعان اللاهوتيّ الحديث الذي عاش في مفصل الألفيَّتَين (949-1022): "أعطِ دمًا خذْ روحاً".
هذه هي الولادة الجديدة: معموديّة الدم. الأب الروحيّ "إنسان القلب الخفيّ" (1 بطرس 3: 4). يبقى ساهراً على الصمت الداخليّ. قيل للقدّيس أنطونيوس الكبير: "قُلْ لي كلمةً"، لا "يكفيني يا أبي أن أراك". "السكوت هو لغة الدهر الآتي" يقول القدّيس إسحق السريانيّ.
ليس على الأب الروحيّ أن يسكُتَ، بل أن يُرشِدَ ابنَهُ إلى السرّ Mystagogue. عملُهُ أن يَقودَه أبناءَهُ إلى الله.
ليسَ الأبُ الروحيُّ مُشَرِّعًا Législateur، بل هو قُدوة. هو إنسانٌ يَجمع بين التأمّل والعمل، بين الصلاة والخدمة، على غرار الملائكة. هذا لأنّه كما ذكرنا وصل إلى اللاهوى apatheia، إلى حالة اليقظة الداخليّة، الصحو nepsis, sobriété "المحبّة تطرح الخوفَ خارجاً" يقول الأنبا أنطونيوس.
"أنا لا أخاف الله لأنّي أحبّه". بالنهاية الصلاة والأبوّة الروحيّة مترادفتان synonymes الأب الروحيّ إن شاء، باستطاعته أن يجعل ابنه الروحيّ يشترك بملء حياة الروح القدس (مثل القدّيس سيرافيم ساروف القرن التاسع عشر).
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
• * * *
طروبارية القيامة باللحن الأوّل
إنّ الحجر لمّا خُتم من اليهود، وجسدك الطاهر حُفِظَ من الجند، قمتَ في اليوم الثالث أيّها المخلِّص، مانحاً العالم الحياة. لذلك، قوّات السماوات هتفوا اليك يا واهب الحياة: المجد لقيامتك أيها المسيح، المجد لملكك، المجد لتدبيرك يا محبّ البشر وحدك.
قنداق دخول السيد إلى الهيكل باللحن الأول
يا مَن بمولِدَك أيّها المسيحُ الإلهُ للمستودع البتوليِّ قدَّسْتَ وليَدَيْ سمعانَ كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآن أدركْتَ وخلَّصْتَ، إحفظ رعيَّتَك بسلامِ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنين الذين أحبَبْتَهم، بما أنّك وحدَكَ محبٌّ للبشر.
الرسالة: 1 تيمو 4: 9-15
(32 بعد العنصرة)
الربُّ يُعطي قوَّةً لشَعبِه
قدّموا للربِ يا أبناءَ الله
يا إخوةُ، صادقةٌ هي الكلمةُ وجديرةٌ بكُلِ قبُولٍ. فإنَّنا لهذا نتعَبُ ونُعيَّرُ، لأنَّنا ألْقَينا رجاءَنا على اللهِ الحيّ، الذي هو مخلِّصُ الناسِ أجمعين ، ولا سِيَّما المؤمنين. فَوَصِّ بهذا وعلّمِ بهِ. لا يَسْتَهِنْ أحَدٌ بِفُتُوَّتِكَ، بل كُنْ مثالاً للمؤمنينَ في الكلامِ والتصرُّفِ والمحبَّةِ والإيمان ِوالعَفاف، واظِبْ على القراءةِ إلى حينِ قدومي، وعلى الوعظِ والتعليم، ولا تُهمِل الموهبَةَ التي فيكَ التي أُوتيتَها بنبوَّةٍ بوضع أيدي الكهنة، تأمَّل في ذلك وكُنْ عليهِ عاكِفاً، ليكونَ تقدُّمُك ظاهراً في كلِِّ شيءٍ.
الإنجيل:
لو 19: 1- 10
في ذلك الزّمان، فيما يسوع مجتاز في أريحا، إذا برجل اسمه زكّا كان رئيساً على العشّارين وكان غنيّاً، وكان يلتمس أن يرى يسوع من هو فلم يكن يستطيع من الجمع لأنّه كان قصير القامة. فتقدم مسرعًا وصعد إلى جمّيزة لينظره لأنّه كان مزمعًا أن يجتاز بها. فلمّا انتهى يسوع إلى الموضع رفع طرفه فرآه فقال: يا زكّا أسرع انزل، فاليوم ينبغي لي أن امكث في بيتك. فأسرع ونزل وقبله فرحاً. فلما رأى الجمبع ذلك تذمّروا قائلين إنّه دخل ليحلّ عند رجل خاطئ. فوقف زكّا وقال ليسوع: هاءنذا يا ربُّ أُعطي المساكين نصف أموالي. وإن كنت قد غبَنْتُ أحداً في شيء أردُّ أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم قد حصل الخلاص لهذا البيت لأنّه هو أيضًا ابنُ إبراهيم، لأنّ ابن البشر إنّما أتى ليطلب ويخلِّص ما قد هلك.
في الإنجيل
منذ فترة احتفلنا بعيدي الميلاد المجيد والظهور الإلهيّ، وقد أخبرنا الكتاب أنّ المولود من مريم هو ابن الله ويدعى يسوع لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم. وشهد له الآب من العلى أنّه ابنه الحبيب وله يجب أن نسمع.
ونحن في كلّ أحد وعيد نأتي إلى الكنيسة لنتعرّف أكثر إلى يسوع ونختبر هذه المعرفة، لأنّ هذه المعرفة ستكون هي حياتنا كلّها. ويجب أن نسعى لاكتسابها بكلّ قوانا كما فعل زكّا لكي يلتقي بيسوع.
إذا تأمّلنا بحياة زكّا من خلال هذا المقطع الإنجيليّ نجد أنّها ليست خالية من الخطأ والطمع ومحبّة المال والظلم والربح القبيح، وربّما كانت هذه صفات العشّارين، لذلك كان الناس ينعتونهم بالخطأة.
ولكن مع هذا كلّه نجد أنّ موقف زكّا أتى تحدّياً لحياته الصاخبة، حتّى إنّه لم يهتمّ لكلام الناس عنه برغم أخطائه التي يعرفها. كان همّه الوحيد معرفة يسوع مَن هو. لقد أراد أن يغوص في هذه المعرفة ولم يكتفِ بما سمعه عن يسوع سواء من الكتب أو الآخرين.
لقد تحدّى زكّا كلّ شيء كان يُعيقُه في سبيل الوصول إلى يسوع، لم يستسلم لأهوائه التي تفصله عن الله والآخرين بل اعترف بها وأصلحها أمام محبّة يسوع وقبوله له، ولم يهتمّ البتّة لمواقف الجمع ولا لقصر قامته. وهذا يوضح لنا أن لا نلتفت لشيء عندما نلتقي يسوع ربّنا.
إنّ النفس المُحِبّة لله، مهما عظم خطأها، بالتوبة يلتئم جرحها الذي نتج من أهوائها. وبحنان الله وعطفه تبرأ من جميع أمراضها فتسمع هذا القول العذب "اليوم حصل الخلاص لكِ أيتها النفس التائبة، لأنّك أنت أيضًا ابنة ابراهيم. وأنا ما جئت الى هذا العالم إلّا لكي أخلّص ما قد هلك.
الهروب إلى الجبال في الزمن الرديء
إنّ هذه السنة كانت استثنائيّة بامتياز. فانتشار فيروس كورونا أودى بحياة الكثيرين وترك العديد من العائلات حزينة، والتدابير الوقائيّة التي تناولت أحيانًا الإغلاق العامّ للبلد زادت الطين بلّة على وضع لبنان الاقتصاديّ المنهار.
وهذا لم ينسحب فقط اجتماعيًّا بل وأيضًا روحيًّا، فكان التأثير كبيرًا على حياة كنيستنا: رقاد أسقف وكاهن وإصابة العديد من الكهنة والمؤمنين، ممّا تسبب بإقفال كنائس، وإيقاف الزيارات الرعويّة.
وقد ساد بعض التخبّط في المواقف الروحيّة والكنسيّة التي تُبَثّ يوميًّا عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، ممّا أنتج أجواءً من التوتر عند المؤمنين وأثار شيئًا من القلق والضياع لديهم.
لا شكّ أنّ هذا الوضع له أسبابه المُريبة: الظهور الغامض والمفاجئ لفيروس كورونا وانتشاره السريع، والذي يرى البعض أنّه فيروس مركّب، والتحكّم المتزايد بحياة الناس باسم مكافحة الوباء، وتطوير اللقاح ضد الوباء في مدة قياسيّة.
هل نحن حقًّا في الأزمنة الأخيرة؟ ماذا علينا نحن المسيحيّين أن نعمل لنكون مستعدّين؟ الجواب بسيط جدًا. لنتوقّف عن التفكير في الأمر ونتوكّل على الله، لأنّه إن كان الله معنا فمن علينا؟
الأمر الملاحظ في كتابات القدّيسين هو أنّ كتابتهم حول الأزمنة الأخيرة ومجيء المسيح الدجّال قليلة نسبيًّا.
إنّ سفر الرؤيا نفسه الذي يحتوي على معظم المعلومات حول ظهور المسيح الدجّال هو الكتاب الوحيد في العهد الجديد الذي لا يُقرأ علنًا في الليتورجيا الكنسيّة، والشروحات حوله هي أيضا قليلة.
ما هو السبب الذي يجعل الآباء القدّيسين يتكلّمون قليلاً عن مجيء المسيح الدجّال؟ الجواب يكمن في الآتي: كمسيحيّين أرثوذكس، ليس مجيء المسيح الدجّال الذي يجب أن نستعدّ له، بل المجيء الثاني المجيد لربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح، ذلك اليوم الذي سنواجه فيه جميعًا عرش الدينونة الرهيب.
مهمّتنا هي الاستمرار في التيقّظ والتهيّؤ لمجيء الثاني للمسيح، كالعذارى العاقلات. أمّا إذا استغرق المرء في التفكير بمجيء المسيح الدجّال بدلاً من مجيء المخلص، فإن مثل هذا الشخص يكون مهتمًّا بالمسيح الدجّال ومؤامراته الشيطانيّة أكثر من المسيح المخلّص، فحيثما يكون كنزك هناك أيضًا قلبك.
وتشير كلمة "الكنز" إلى الأمور التي نشغل بها أفكارنا ونعيرها انتباهنا. لقد حذّرنا مخلّصُنا من هذا الاهتمام الزائد بهذه المواضيع عندما قال:
"ومتى قدّموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتمّوا كيف أو بما تحتجّون أو بما تقولون، لأنّ الروح القدس يعلّمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه" (لوقا 12 :11-12).
سيكون الروح القدس معنا ويعزّينا، لا بل سيتكلّم من خلالنا إذا بذلنا جهدًا في حياتنا لتكون عقولنا وقلوبنا منشغلة بالمسيح وقدّيسيه.
لذا، فالاستعداد لكلّ هذه التطوّرات المعاصرة التي يشهدها العالم يكون أوّلاً بأن نضع رجاءنا على الله الذي سيقاتل بنفسه من أجل شعبه، فننمّي علاقتنا بمخلّصنا وقدّيسيه من خلال الصلاة بلا انقطاع، وقراءة المزامير وتلاوة الأناشيد الروحيّة، "مرتّلين بقلوبنا للربّ" (أفسس 5: 19).
وهذا يعني أن نثبُت بالإيمان والثقة بالله لنجتاز زمن الشدّة والضيق والمرض. يخبرنا القدّيس إسحق السوري أنّ أوّل ما تحاول الشياطين فعله لإبعادنا عن الله هو جعلنا باردين تجاه الصلوات الكنسيّة، لأن في هذه الصلوات تُدَرّ علينا مقادير النعمة، وما دام الإنسان يشرب من هذه النعمة فلا أحد يستطيع أن يضلّه.
إذا كانت لدينا علاقة حقيقيّة وحيّة مع إلهنا ومخلّصنا ووالدته القدّيسة وجميع القدّيسين من خلال الصلوات والتضرّعات إليهم، فعندئذ حتّى ولو جُزنا في الماء والنار، فإنّ الله يُدخلنا إلى الراحة: هو عَونُنا وسَنَدُنا.
في الواقع، يحثّنا الربُّ يسوع على الهرب إلى الجبال في ذلك اليوم الرهيب، في يوم الشدّة والضيق ورجسة الخراب (متى 24:16). ماذا يعني هذا؟
يشرح الحوار بين القدّيسَين برصنوفيوس الكبير ويوحنّا النبيّ اللذين من غزّة هذا المقطع الإنجيليّ كالآتي:
"السؤال: لنصلِّ إلى الربّ كي يُرِيَنا مكان الجبال المقدّسة التي أمرنا أن نهرب إليها حين تأتي الساعة لنهرب إليها ونخلص (متى 24:16، مرقس 13:14، لوقا 21:21). أيّ نوع من الجبال هي؟ هل هي جبال روحيّة؟ أم أنّها جبال طبيعيّة؟
الجواب: بالنسبة للجبال التي ذكرتها، إنّها القدّيسة مريم والدة الله والقدّيسون أجمعين، فهؤلاء الأشخاص مختومون بختم ابن الله. لأنّه مِن أجلهم يخلُص كثيرون، للربّ المجدُ إلى أبد الدهور. آمين" (الرسالة 61).
الجبال هم القدّيسون. لذلك دعونا نهرب اليوم إلى القدّيسين، أن نكون إخوة لهم من خلال إقامة علاقة حيّة يوميّة معهم.
يمكننا القيام بذلك عن طريق اكتساب عادات تقيّة بسيطة بشكل يوميّ، فبدلاً من البحث عن آخر الأخبار المحزنة في العالم، لنقرأ الباراكليسي، أو نصلّ المديح لوالدة الاله، وبدلاً من محاولة فكّ رموز سمة الوحش، لنقرأ حياة قدّيس اليوم، وبدلًا من الحديث عن نظريّات، لنستعدّ للاعتراف، ولنتهيّأ للاشتراك بالقدّاس الإلهيّ وتناول جسد الربّ الكريم ودمه المحيي اللذين من خلالهما نحن في اتّحاد مع المخلّص وفي شركة مستمرّة مع قدّيسيه.
هذه هي الطريقة التي بها استعدّ المسيحيّون في كلّ عصرٍ خبيث وزمن شرّيرٍ لمجيء المخلّص.