الأحد ١٧ كانون الثّانـي ٢٠٢١      

الأحد ١٧ كانون الثّانـي ٢٠٢١      

17 كانون الثاني 2021
 
 الأحد ١٧ كانون الثّانـي ٢٠٢١
العدد ٣
(الأحد ١٢ من لوقا)
اللَّحن السابع الإيوثينا العاشرة


* 17: (الـ 10 البرص) أنطونيوس الكبير معلّم البريَّة، الشَّهيد جاورجيوس الجديد (ايوانينا)، * 18: أثناسيوس وكيرلّلس رئيسا أساقفة الإسكندريَّة، * 19: البارّ مكاريوس المصري، مرقس مطران أفسس، * 20: البارّ أفثيميوس الكبير، الشَهيد أفسابيوس، * 21: البارّ مكسيموس المعترف، الشَّهيد ناوفيطس، * 22 الرَّسول تيموثاوس، الشَّهيد أنسطاسيوس الفارسيّ، * 23: اكليمنضوس أسقف أنقرة، الشَّهيد أغاثنغلوس. 
    
محبّة الله

أين تَكمُنُ أهميّةُ أن يكون الإنسانُ مسيحيّاً؟! 
إنّها لا تكمن في مجرّد الطّيبةِ والأعمال الصالحة والمشاعر الإنسانيّة اللطيفة. فهذا موجودٌ في سائر الديانات. 
والشعوبُ، على كثرتِها واختلافاتها، تجمعها قواسمُ مشتركةٌ من ناحية الأخلاق والمبادئ الاجتماعيّة والمشاعر الإنسانيّة. فأيّةُ إضافةٍ جاءت بها المسيحيّة؟
إنّ أهمّيّةَ المسيحيّة تكمنُ في أنّها أعلنَتْ أنّ الله محبّة (راجع 1 يوحنا 4: 8 و16). 
المقياس هنا ليس مقياساً أخلاقيّاً وفرديّا Critère éthique القياس هنا إيمانيّ ووجوديّ ontologique
تنطلقُ المسيحيّةُ مِن المسيح الإله الّذي هو الرأس، هو المرجع، هو القياس mesure
وتؤمن بأنّ نعمتَه الفائضةَ على الإنسان، كلّ إنسان، هي نعمةٌ خاصّةٌ وكاملة. إنّها هي نعمة الروح القدس، النعمة الإلهيّة المُعطاة لِكُلِّ شخص.
العقائد المسيحيّة كلّها جاءت تعبيراً عن المحبّة. عندما نقول إنّ المسيح ابن الله مات وقام، نقصد ونبيّن أنّ الله محبّة. كذلك الأمرُ عندما نتكلّمُ عن تجسّده الّذي هو تعبيرٌ عن محبّتِه اللامتناهيةِ لنا. 
عندما نقول إنّنا نتناول جسده ودمه في سرّ الإفخارستيّة، القدّاس الإلهي، نقصد ونعيش اتّحاداً كيانيّاً لمحبّته للبشر: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ". إنْ دُعينا أبناءَ كنيسةٍ شاهدةٍ له، عَنَينا أنّنا نحبّ بعضنا بعضاً كما أحبّنا هُوَ حتّى النهاية.
عقائد المجامع المسكونيّة ما هي في النهاية سوى تعبير فلسفيّ عن محبّة الله الحقيقيّة الصادقة. إنّها الطريق القويم الأرثوذكسيّ للخلاصLe plus court chemin entre deux Points est La ligne droite  Axiome))
 إنّ أقصر مسافةٍ بين نقطتين، كما هو معروف، هي الخطّ المستقيم. وهذا ينطبقُ على الحياةِ الروحيّةِ الإيمانيّة: فأقصرُ مسافةٍ بين الله والإنسان هي السبيلُ السويُّ المباشر.. الطريقُ الضيّقة الصحيحة.. نعم! إنّها صعبة.. ولكنّها لذيذة. إنّها تنطلقُ من التواضعِ الأقصى تواضعِ المسيح.
الحياةُ عُلِّقَ على خشبة. النور أتى إلى خاصّته وهي لم تعرفه. المسيح اعتمد ليُنزل عن كاهل طبيعتنا حمل الخطيئة الثقيل. اعتذر عنّا جميعاً وغسَل خطايانا في الأردن. هذا فعله قبل أن يبدأ بشارته بالملكوت.
إنَّ محبّة الربِّ يسوعَ للبَشَر هي "المحبّة الخالصة"، فقد وضع نفسه وأطاع حتّى الموت موت الصليب" (فيلبي 2: 8).
فماذا علينا نحن البشرَ أن نفعل؟ وكيف نشكرُ الربَّ على عِظَمِ محبَّتِهِ وعطاياه الكثيرة المجانيّة؟ وكيف نستفيدُ مِن كُلّ ذلك، ونقطفُ ثمارَ التدبيرِ الخلاصيِّ العظيم الّذي تمَّ مِن أجلِنا لا محالة؟ 
جوابُ الرَّبِّ لنا عن هذه الأسئلة هو أنّ علينا أن نسلُكَ في طريقِ الكمال، مهما بلغَتِ الصعوباتُ والتحدّيات، لأنّ طريقَ الكمالِ هي المستقيمةُ والمضمونة، وهي الّتي تمنحنُنا جمالًا فائقًا كُلَّ وصف، وتجعلُنا مشمولينَ بالمحبّةِ الإلهيّةِ الخالصةِ المحضة. آمين.

+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

طروباريّة القيامة باللّحن السابع

حطمتَ بصليبك الموتَ وفتحتَ للّص الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحاً العالم الرحمةَ العظمى.

 طروبارية القدَّيس أنطونيوس الكبير باللّحن الرابع

لقد ماثلتَ إيليا الغيور في أحواله، وتبعتَ المعمدان في مناهجه القويمة، فحصلتَ في البرّية ساكناً، وللمسكونة بصلواتك مشدّداً أيها الأب أنطونيوس. فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلّص نفوسنا.

قنداق عيد دخول السيد إلى الهيكل باللّحن الأوّل

يا مَن بمولدِكَ أيّها المسيحُ الإلهُ للمستودع البتوليِّ قدَّستَ، وليَدَيْ سمعان كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآن أدركْتَ وخلَّصْتَ، إحفظ رعيتَّكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنين الذين أحبَبْتَهم، بما أنّك وحدَكَ محبُّ للبشر.

الرِّسَالة
عبرانيين 13: 17-21 

كريمٌ بين يدي الربّ موت أبراره 
بماذا نكافئُ الربَّ عن كلّ ما أعطانا

 
يا إخوةُ، أطيعوا مدبِرّيكم واخضعوا لهم فانَّهم يَسهرون على نفوسِكم سهَرَ من سيُعطي حِساباً، حتَّى يفعَلوا ذلك بسرورٍ لا آنّين. لأنَّ هذا غيرُ نافعٍ لكم. صلُّوا من أجلِنا، فإنَّا نثِقُ بأنَّ لنا ضميراً صالحاً، فنرغَبُ في أن نُحسِنَ التصرُّفَ في كلِ شيءٍ. وأطلُبُ ذلكَ بأشِدّ إلحاح حتَّى أُردَّ اليكم في أسرع وقتٍ. وإلهُ السلام الذي أعادَ من بين الأموات راعيَ الخرافِ العظيم بدم العهد الأبدي ربَّنا يسوع يكمِّلُكم في كلِ عمل صالح حتَّى تعمَلوا بمشيئَتِه عامِلاً فيكم ما هو مَرضيٌّ لديه بيسوع المسيح الذي لهُ المجدُ إلى أبد الأبدين آمين.

الإنجيل
لو 17: 12-19


في ذلك الزمان، فيما يسوع داخلٌ إلى قريةٍ، استقبلهُ عشرةَ رجالٍ بُرصٍ ووقفوا من بعيدٍ ورفعوا أصواتَهمْ قائلين: يا يسوع المعلّم ارحمنا. فلمَّا رآهم قال لهم امضوا وأروا الكهنة أنفسَكم. وفيما هم منطلقون طَهُروا. وإن ّ واحداً منهم لمَّا رأى أنَّهُ قد بَرِئَ رَجَعَ يمجّد الله بصوتٍ عظيم، وخرَّ على وجهه عند قَدَمَيه شاكراً لهُ، وكان سامريَّا. فأجاب يسوع وقال: أليس العشرة قد طُهروا فأين التِسعة. ألم يوجَد مَن يرجعُ ليمجّد الله إلا هذا الأجنبي! وقال له قُمْ وامضِ، إيمانك قد خلَّصك.

في الإنجيل 

في هذا المقطع الإنجيليّ من بشارة الرسول لوقا حديثٌ عن الشفاء وحديثٌ عن الشكران. ولوقا الطبيب والرسول يعرف ما قيمة شفاء المريض من مرض مزمن، وعرف أنّه كطبيب يداوي بالعلم والمعرفة ولكن الله هو الذي يشفي.
في هذه الرواية رجالٌ مصابون بمرض عُضالٍ فَتّاكٍ مُعْدٍ يصعبُ الشفاءُ منه، أعني به مرض البرص الذي كان يجعل المصاب به معزولاً عن قومه ومجتمعه. وبسبب عُزلتِهم هذا ومَنعِهم من المخالطة، نراهم ينظرون إلى الربّ يسوع من بعيد ويُنادُونَهُ بأصواتٍ مرتفعة. فماذا طلبوا منه؟ لقد طلبُوا منهُ الرّحمة. نعم، الرحمةُ هي المطلوبةُ قبلَ كُلِّ شيء، والشِّفاءُ يأتي كنتيجةٍ لها.
الربُّ يسوعُ المتحنِّنُ والكثيرُ الرحمة، سَمعَ أصواتَ استغاثةِ البُرص، وعرفَ مقدارَ إيمانِهم. والربُّ يسوعُ يَطلُبُ الإيمانَ الشخصيَّ ويَبني عليه أعجوبَتَه. لذلك أعطاهم ما أرادوا.
لقد تمَّتْ عمليّةُ الشِّفاء، ولكنْ هل انتهى الأمر هنا؟ 
لا، لأنّ الّذي حصلَ على نعمةِ الشِّفاء ينبغي عليه أن يُقدِّمَ الشُّكر لِلشّافي. وقد لفتَ الربُّ يسوعُ نظرَنا إلى هذا الأمر، بعدَ أن رجعَ إليه أحدُ العشرةِ الَّذينَ حصلوا على الشِّفاءِ لِيَشكُرَه، إذْ قال: "أَلَيسَ العشرةُ قد طَهُرُوا؟ فأينَ التِّسعة؟ ألم يُوجدْ مَن يرجعُ ليمجّدَ اللهَ إلّا هذا الأجنبيّ؟ وكلمةُ الأجنبي هنا تُشيرُ إلى أنّ الّذي عادَ لِيَشكُرَ لم يَكُنْ يهوديًّا بل سامريًّا، والسامريّونَ كانوا يُعتبَرونَ غُرباء.
لقد أبدى الربُّ يسوعُ عَتَبَهُ على التِّسعةِ الّذين لم يَعُودوا، لأنّهم تقبّلوا عطيّتَهُ وَسُرُّوا بِها، ولم يَقُومُوا بواجبِ الشُّكرِ والتّسبيح. وَمِن خلالِ ذلك، يُخاطِبُ الرَّبُّ كُلًّا مِنّا، في كُلِّ زَمانٍ وَمَكان، نحن المؤمنينَ العارِفِينَ أنَّه أعطانا كُلَّ شيء، وأنَّ كُلَّ ما نَصنَعُهُ نحنُ مِن خَيرٍ إنّما يأتي مِن نِعَمِ علينا وَمِن فَضلِهِ الكبير.
الله كريم والإنسان المؤمن من يتوجّه إلى الله بما يقابل الكرم أي الشكر. لذا أهمّ صلاة يقيمها المؤمن هي سرّ الشكر أي القدّاس الإلهيّ الذي فيه نشكر الربّ على كلّ عطاياه، هو الذي خلقنا وأخرجنا من العدم إلى الوجود. وتعلّمنا الكنيسة أن نشكر على كلّ شيء فكما نشكر من أجل الصحّة نشكر أيضًا من أجل المرض، لأنّه في كثير من الأحيان يكون سبيلاً للتوبة. وكلّ ما يقرّبنا من الله، من أجله نشكر دائماً.
ألا أعطانا الله القوّة أن نثبت في الشكران، خاصّةً في هذه الأيّام التي فيها الكثير من الأمراض والأوبئة، علّنا نتوب إلى الله الذي ينتظر عودتنا إليه دائماً، ولِسانُ حالِنا "شكراً دائماً فلنشكر الربّ. لأنّنا في كُلِّ وقتٍ نحن فقراء إليه ولهذا نشكره. آمين.

افرحوا في الربّ دائماً 

يتساءل القدّيس باسيليوس الكبير " كيف يمكننا أن نحيا كلمات القدّيس بولس الرسول" افرحوا دائماً؟
فالعالم ملآن بالصعاب والاِضطرابات. ونفوسنا متعلّقة بأمور الدنيا. نعم يستحيل أن نعيش الفرح ونحن متعلّقون بأمور الدنيا المتقلّبة.

الأفراح العالميّة تأتي من الغنى، الصحّة، السلطة، الملذّات .... وهذه لا تدوم، ويتبعها الحزن على فقدانها.
لكن الفرح الحقيقيّ هو الفرح الروحي الذي يأتي من خوف الله.
الفرح هو عنوان بشارتنا (بشرى سارّة = الإنجيل). لكنّ العالم مضطرب ونحن نعيش في العالم. لقد أنبأنا الربّ يسوع قائلًا: "إنّكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح.. لكنّ حزنكم يتحوّل إلى فرح" (يوحنا 16: 20). وأيضاً "طوبى للحزانى فإنّهم يُعزَّون " (متى 5: 4).

دواعي الفرح الحقيقيّة هي بحسب القدّيس باسيليوس:

1-التأمّل بالله، لهذا يقول المزمور: "يَلَذّ له تأمّلي وأنا أفرح بالربّ" (مزمور 104: 35). التسبيح هو منتهى الشكر والفرح. يمتلئ كتاب المزامير بعبارات الفرح النابعة من تسبيح الربّ. يقول بطرس الرسول: هذا الإيمان وهذه البهجة يتحقّقان في الصلاة والتسبيح حيث الله غير المرئيّ يصير حاضراً.

2- التأمّل بالخليقة، التي تمثّل عناية الله، الذي أقامنا بمنزلة ملك على كلّ البرايا، وهو أمر يدعونا للثقة بالحبّ الإلهيّ وبمقام الإنسان الرفيع وكرامته في عين الله. إنّ الخيرات العديدة التي يهبها الله لنا بغنى تملأ قلوبنا فرحاً.

3- بهجة الحياة الجماعيّة تعطي الكثير من الفرح، خاصّةً عندما تكون في صيغة الإخوة، ما أجمل وما أحلى أن يسكن الإخوة معاً. هذا ما نراه في الأديار حيث الأخ يساند أخاه فيصيران مدينة حصينة. وهذا ما نراه أيضاً في حياة الرعايا بنشاطاتها وجمعياتها.

4-العبادة، بطقوسها الجماعيّة وبأعيادها وليتورجيتها هي الإطار الأجمل لعيش المؤمنين أفراحهم جماعيّاً. فَرِحتُ بالقائلين لي إلى بيت الربّ نحن ذاهبون. (مزمور 1:102).

5- الأمانة الشخصيّة والتزام حياة الفضيلة تَهَبُ القلبَ سلاماً وَمِن ثَمَّ فرحاً. فحياة الفضيلة الحقيقيّةُ هي استشهادٌ يوميٌّ، وأتعابُها تعطي الفرح، بينما حياة العالم تعطي الحزن.

"افرحوا بالربّ دوماً": كلماتٌ تعني لنا في كلّ ظرف شيئاً. فهي تعني صلّوا بلا انقطاع، وتعني تمجيد الربّ في خليقته وعنايته بنا، وتعني أحبّوا بعضكم بعضاً، وتعني ليس حبٌّ أعظم من هذا أن نبذل أنفسنا عمّن نُحِبُّ من إخوتنا. 

وتعني أيضا أن نعمل من أجل اسم يسوع حتّى الموت استشهاداً إن اقتضى الأمر، أو التعب كَمَوتٍ يوميّ. وأخيراً سيكون فرح عظيم في السماء حيث سيجتمع الكلّ حول الحمل المذبوح من أجلنا، فرحنا لا يكتمل إلّا باكتمال الحضرة الإلهيّة.