الأحد 28 شباط 2021
28 شباط 2021
الأحد 28 شباط 2021
العدد 9
أحد الاٍبن الشاطر
اللَّحن الخامس - الإيوثينا الخامسة
* 28 : باسيليوس المعترف، البارّ كاسيانوس الرُّوميّ، البارَّتان كيرا وماراثّا، * 1: البارّة في الشَّهيدات إفذوكيّا، البارّة دومنينا، * 2: الشَّهيد إيسيخيوس، * 3: الشُّهداء أفتروبيوس وكلاونيكس وباسيليسكس، * 4: البارّ جراسيموس النّاسك في الأردن، * 5: الشَّهيد قونن، البارّ مرقس النّاسك، * 6: سبت الأموات، الإثنان والأربعون شهيداً الذين في عمُّوريَّ، البارّ أركاديوس. *
الصلاة، الصوم والسهر
يتغلّب الإنسان على الشهوات الضارّة عن طريق الصوم والسهر، بينما ينتصر على الغضب عن طريق الصبر، المسامحة والرحمة.
بالنسبة للصوم ينبّهنا السيّد بقوله: "متى صُمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين... أمّا أنت فمتى صمتَ فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية" (متى 6: 16).
بالنسبة للشهوة الجسديّة هو يوصي بالصلاة والصوم. عندها يلبس الإنسان صورة جديدة على صورة خالقه حيث ليس يونانيّ ويهوديّ، ختان وغرلة... عبدٌ وحرّ بل المسيح الكلّ بالكلّ" (كولسي 3: 10-11).
هذا النسك الجسديّ لا يعني مقتاً للجسد بل على العكس يؤكّد على وحدة الجسد والنفس. لا تتعافى نفس الإنسان بدون ممارسة جسدية وجهاد من شأنهما التغلّب على الشهوات. يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس إنّ الجسد يمكنه أن يصير نفساً عندما يمتلئ بالقوى الإلهيّة غير المخلوقة.
إن لذّة شهوة الجسد تعطي للنفس جانباً رديئاً، ممّا يجعل الإنسان كلّه "جسداً" كما ورد في (التكوين 6: 3).
قال الربّ: "لا تحلّ روحي على الإنسان أبداً لأنّه جسدٌ". كذلك الفرح الروحيّ يجعل الجسد روحيّاً
فيصير الإنسان كلّه روحاً كما قيل: "المولود من الروح هو روح" (يو 3: 6-8).
مِن هُنا أنّ الصوم يزرع في الجسد تواضعَ القلب ومقاومةَ الأنا. الوصيّةُ الأولى للربّ كانت "لا تأكل"، وصيّةَ صوم.
لقد بدأ الربّ نفسه بالصوم بعد معموديّته أربعين نهاراً وأربعين ليلة (متى 4: 1-2). هكذا فإنّ الذين يستخدمون مثل هذا السلاح، أعني الصوم، يستطيعون بقوّة الله أن ينتصروا على الشرّير.
أمّا بالنسبة للسهر فيقول الربّ:"إسهروا وصلّوا لئلاّ تدخلوا في تجربة. أمّا الروح فنشيط وأمّا الجسد فضعيف" (متى 26: 41).
الأسهار الليليّة تجعل الجسد يشارك صحوةَ النفس. إعلانات القديّسين الحاصلة من أجل إفادة النفوس تحصل عامّة خلال الليل ووقت الصلاة.
السهرانيّات التي بها تستنير النفس من شأنها أن تملأ الإنسان فرحاً. هي تحارب ضعف الجسد ولذّة النوم. "أبلّ في كلّ ليلة سريري، بدموع أعوّم فراشي" (مزمور 6: 6).
كلّ ما تطلبه بنشاط من الله، تحصل عليه في الصلاة وخلال الليل.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريّة القيامة باللّحن الخامس
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآبِ والرّوح في الأزليّة وعدمِ الإبتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت، ويُنهِضَ الموتى بقيامِته المجيدة.
طروباريّة القدّيس كاسيانوس باللّحن الخامس
أيها الأب البارّ، إذ قد فُلحت بمحراثِ النسك عاملاً كمدبِّرٍ أمين، علَّمْتَنا سُبُلَ الفضائل الإلهيّة. وإذ قد جاهدتَ بحُسنِ عبادة، أضحيت معلِّماً حصيناً. فتشفّع إلى المخلِّص أن يرحم نفوسنا.
قنداق أحدِ الابنِ الشاطِر باللّحن الثالث
لمّا هجرتُ مجدَك الأبويّ عن جهلٍ وغباوة، بدَّدتُ في الشّرور الغنى الذي أعطيتَني أيُّها الأب الرَّؤوف. لذلك أصرخ إليك بصوت الابنِ الشاطر هاتفاً: خطئتُ أمامك فاقَبلني تائباً، واجعلني كأحد أُجرائك.
القنداق نفسه موزونًا
قد عَصَيتُ مجدَكَ. بِجَهلٍ أَيُّها الآبُ. وَبَدَّدتُ في الشرّور. ما قد أعطَيتَ مِن ثروة. إلى المخَلّصِ ضارعين. أيّها الحَسَنُ المُصالحةِ ارحمنا.
الرِّسَالة
1 كو 6: 12-20
لتكُن يا ربُّ رَحْمتكَ علينا
إبتهجوا أيُّها الصدّيقون بالرّبّ
يا إخوة، كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن ليس كلُّ شيءٍ يوافق. كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن لا يتسلَّطْ عليَّ شيءٌ. إنَّ الأطعمة للجوفِ والجوفَ للأطعمة، وسيُبيدُ الله هذه وتلك. أمَّا الجسدُ فليسَ للزِّنى بل للرَّبِّ والربُّ للجسد. واللهُ قد أقام الربَّ وسيقيمنا نحن أيضًا بقوَّته. أما تعلمون أنَّ أجسادَكم هي أعضاءُ المسيح؟ أفَآخُذُ أعضاءَ المسيح وأجعلُها أعضاءَ زانيةٍ؟ حاشا! أما تعلمون أنَّ من اقترنَ بزانيةٍ يصيرُ معها جسداً واحداً، لأنَّه قد قيلَ يصيران كلاهما جسداً واحداً. أمَّا الذي يقترنُ بالرَّب فيكون معه روحًا واحداً. أُهربوا من الزِّنى، فإنَّ كلَّ خطيئةٍ يفعلُها الإنسانُ هي في خارج الجسد، أمّا الزّاني فإنَّه يخطئ إلى جسدِه. ألستم تعلمون أنَّ أجسادَكم هي هيكلُ الرُّوح القدس الذي فيكم، الذي نلتموه من الله، وأنَّكم لستم لأنفُسِكم لأنَّكم قد اشتريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادِكم وفي أرواحكم التي هي لِلَّه.
الإنجيل
لو 15: 11-22
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ كان له ابنان. فقال أصغرهُما لأبيه: يا أبتِ أعطني النَّصيبَ الذي يخصُّني من المال. فقسم بينهما معيشته. وبعد أيّام غيرِ كثيرةٍ جمعَ الاِبنُ الأصغرُ كلَّ شيءٍ لهُ وسافر إلى بلدٍ بعيدٍ وبذَّر مالَه هناك عائشاً في الخلاعة. فلمّا أنفقَ كلَّ شيءٍ، حدثت في تلك البلدٍ مجاعةٌ شديدة، فأخذَ في العَوَز. فذهب وانضوى إلى واحد من أهل ذلك البلد فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازيرُ تأكله فلم يعطهِ أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أُجراء يفضلُ عنهم الخبزُ وأنا أهلك جوعًا. أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبتِ، قد أخطأتُ إلى السَّماء وإليك، ولستُ مستحقًّا بعد أن أُدعى لك ابنًا، فاجعلني كأحد أُجرائِك. فقام وجاء إلى أبيه. وفيما هو بعدُ غيرُ بعيد، رآه أبوه فتحنَّن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عُنقه وقبَّله. فقال له الاِبنُ: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السَّماء وأمامك ولستُ مُستحقاً بعد أن أُدعى لك ابناً. فقال الأبُ لعبيده: هاتوا الحُلَّة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتماً في يده وحذاءً في رجليه. وائتوا بالعجل المُسمَّن واذبحوه فنأكلَ ونفرحَ، لأنَّ ابني هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالّاً فوُجد، فطفقوا يفرحون. وكان ابنُه الأكبرُ في الحقل. فلمّا أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحد الغِلمان وسأله ما هذا؟ فقال له: قد قدم أخوك فذبح أبوك العجل المسمّن لأنّه لقيه سالماً. فغضب ولم يُرِدْ أن يدخل. فخرج أبوه وطفق يتوسّل إليه. فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنين أخدمك ولم أتعدَّ لك وصيَّة فلم تعطني قطّ جدياً لأفرح مع أصدقائي. ولمّا جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمّن. فقال له: يا ابني، أنت معي في كل حين، وكلُّ ما هو لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونُسّرّ لأنَّ أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالًّا فوُجِد.
في الإنجيل
لقد روى لَنا الرَّبُّ يَسُوعُ مَثَلَ الاِبنِ الشّاطر لكي يُشَجِّعَنا على التّوبة، لكي لا تضيعَ فرصةُ حياتِنا الأرضيّةِ سُدًى.
وقد انطلقَ الرَّبُّ من مغادرةِ الاِبنِ البيتَ الأَبَوِيَّ وذهابِه إلى أرضٍ بعيدةٍ غريبة. وهذه صورةٌ عن خروجِ الإنسانِ مِنَ الفردوس إلى مكانٍ بعيدٍ عن الله. ثُـمَّ راحَ يبيِّنُ لَنا كيف بَذَّرَ الاِبنُ الأموالَ الّتي أخذَها مِن أبيه، كَصُورةٍ عن كُلِّ إنسانٍ يُبَدِّدُ المواهبَ الّتي أعطاه إيّاها الله.
وهُنا يُعَلِّمُنا الرَّبُّ أنّ السَّببَ في تبديدِ هذه المواهبِ هو الاِستغراقُ في حياةِ الخطيئة.
الحرّيّةُ الّتي كانت دافعًا للاِبنِ الأصغرِ للاِنطلاقِ في مُخَطَّطِه، كانت عاقبتُها وخيمةً، لأنّه أساءَ استعمالَ هذه الحُرّيّة، وانتهى به الأمرُ إلى الفقرِ المُدْقِعِ والمجاعة.
إذًا، عندما نتركُ العِشرةَ مع الله، ونختارُ لَنا عُشَراءَ آخَرِين... عندما نتخلّى عن مشروعِ الله الخلاصيّ وننفّذُ مشاريعَنا بالاِستقلالِ عنه، نَخسَرُ كُلَّ شيء ونفقدُ سلامَنا وفرحَنا، مع أنّ مُبتَغانا عكسُ ذلك. ولو بَقِينا معَ الله، وَتَبَنَّينا مشروعَه الخلاصيّ، اغتَنَينا ومَلَكْنا الدُّنيا، وأحرَزْنا السلامَ والفرحَ الحقيقيَّين، معَ أنَّنا نتوهَّمُ عكسَ ذلك.
هذه هي قصّةُ الإنسانِ بِعامّةٍ، وهي قصّةٌ حزينة. فماذا نستطيعُ أن نفعلَ لكي نُغَيِّرَ نهايتَها؟
الجوابُ هو التّوبة. وقد علّمنا إيّاها الرَّبُّ يسوعُ في هذا المَثَل، حِينَ جعلَ الاِبنَ الّذي انفصلَ وضَلَّ وبَذَّرَ وافتقَرَ وذَلَّ، يُفَكِّرُ بِحَلٍّ معيَّن. فإنّه عندما قارنَ بينَ حالِه الآن وحالِهِ قبلَ المغادرة، ووجدَ الفرقَ شاسِعًا، عرفَ أنْ لا حياةَ معَهُ إلّا هُناك.
ولكن.. كيف يُمكنُه أن يَعُودَ ولم يَعُدْ لديهِ مكانٌ في ذلك البيت، لأنّه أخذَ كُلَّ ما يَخُصُّهُ مِن المال؟! هناكَ أيضًا حلٌّ لهذه المُعضِلة: أن يَعُودَ لا كابنٍ بل كأجير، لأنّ وضعَ الأُجراءِ في بيتِ أبيهِ أفضلُ بكثيرٍ مِن وضعِهِ الحاليّ.
نعم، لقد كانَ يعيشُ في تلكَ النِّعمةِ، ولكنّه لم يكن يعرفُ قيمتَها، لا بل ظنَّ أنّه يستطيعُ أن يحقِّقَ أفضلَ منها بكثير. ولمّا خابَ أملُهُ، وعرفَ أنّه غيرُ مستحقٍّ لبيتِ أبيه، ولم يَعُدْ له فيه مَوضِعٌ، ابتكرَ الحلَّ الغريبَ، ألا وهوَ أن يُحسَبَ بينَ الأُجَراء.
ولكنَّ محبّةَ أبيه كانت أكبرَ بكثيرٍ مِمّا يعرفُ وَمِمّا يستحقّ، لذلك قَبِلَهُ لا كأجيرٍ بَل كَابنٍ لَهُ الكرامةُ الأُولى ذاتُها ويَزيد.
الدَّرسُ الكبيرُ الّذي نتلقّنُه مِن هذه المَثَلِ هُوَ أهمّيّةُ التّوبةِ وضرورتُها، وأنّنا بدونِها نبقى تُرابيّين، وأمّا معها فنَعُودُ إلى السُّكنى في بيتِ اللهِ الآب، وننالُ كرامةَ الأبناء بعدَ أن انحدرَتْ بها الخطيئةُ إلى العبوديّة.
عودة الاِبن إلى أحضان الآب
لقد ابتعدتُ عنكَ يا أبي ورحتُ أفتّشُ عن السعادة والنصح والملذّات في أمور أخرى أرضيّةٍ لدى الآخرين، بعيداً عن الدفء الروحيّ والنفسيّ الذي كنتُ أنعم به في أحضانك وتحت ظلّ جناحيك.
فماذا جنيتُ مِن ذلك سوى خيبةِ الأمل واليأس والقنوط.
لقد فكّرتُ أنّني إذا صرتُ مستقلًّا بذاتي وبنيتُ ثقتي بعيداً عنك، من الممكن أن أنجح أكثر وأثمر ثماراً كبيرة تخوّلني للوصول إلى السلطة والذروة والمال. لم أكن أعِ أنّ كُلَّ ربحٍ روحيٍّ ونفسيّ، أو حتّى مادّيّ، بعيداً عن بركتك ليس سوى مسرحٍ للشيطانِ لكي يستعبدَني ويستوليَ على نفسي وروحي، مُوقِعاً بي في فَخِّ أشراكِه وأَسْرِه بعيداً عن الحرّيّة والأمل والفرح معك يا أيّها الآب.
إنّي نادمٌ يا أبتي وأطلبُ السماحَ ذارفاً الدموع عائداً كالاِبن الشاطر إليك، علّكَ تقبلُني كأجير. أودُّ عفوَكَ ورحمتَك. لن أتركَك أبداً... فلا تتركني يا أبي.
يقول القدّيس أفرام السريانيّ
في عودةِ الاِبنِ الضالّ:
أُدْنُ مِن أبي التحنُّنِ والإشفاق، معترفاً بخطاياك وقائلاً بدموع: "أخطأتُ إلى السماء وإليك أيها الربُّ الإله الضابطُ الكلّ، ولستُ مستحقّاً بعدُ أن أُدعى ابناً لك" (لو 15: 18)، ولا أن أتطلّعَ وأَنظرَ عُلُوَّ السماءِ بسبب كثرة خطاياي، ولا أنْ أتفوّهَ أنا الخاطئ بإسمِكَ المجيدِ بشفتَيّ، لأنّهما جعَلَتاني غيرَ مستحقٍّ لا للسَّماءِ ولا للأرض. جعلتاني أُسخطُ السيّدَ الصالح.
أتوسَّلُ إليكَ يا رَبُّ ألّا تُبعدَني عن حضرتِك وألّا تبتعد أنتَ عنّي لئلّا أهلكَ ضائعاً. لأنّه لو لم تسترني يدُكَ لكنتُ هلكتُ الآن ولكنتُ صرتُ كالهباء الذي تُذرّيه الريح، ولكنتُ أمسيتُ مضمحلًّا من هذه الحياة. فَمُذْ هجرتُ طريقك لم أرَ يوماً صالحاً، بل إنّ اليوم الذي أقضيه في الخطايا رغم ظهوره صالحاً يكون مفعماً بالمرارة.
إلّا أنّني أرجو منذ هذه اللحظة، إنْ قوَّتْني نعمتُك، أن أهتمَّ بخلاصي. والآن أجثو لك وأتضرّعُ إليك: ساعدني أنا الذي ضللتُ بعيداً عن طريق عدلك. أُسكبْ عليّ رأفتك الغزيرة كما سكبتَها على الابن الضالّ، لأنّي خجلتُ من حياتي مبذِّراً غنى نعمتك. (لوقا 15: 13).