الأحد 8 تشرين الثاني 2020

الأحد 8 تشرين الثاني 2020

08 تشرين الثاني 2020
العدد 45
 
الأحد 22 بعد العنصرة  
اللَّحن الخامس الإيوثينا الحادي عشر
 
* 8: عيد جامع لرئيسَيِ الملائكة ميخائيل وجبرائيل، الشّهيدان أونيسيفورس وبورفيريوس، البارّة مطرونة،
* 9: القدّيس نكتاريوس أسقف المدن الخمس، يوحنّا القصير، البارّة ثاوكتيستي، * 10: الرّسول أولمباس ورفقته، الشَّهيد أوريستس، القدَّيس أرسانيوس الكبادوكي، * 11: الشّهيد ميناس ورفقته، استفانيس، ثاوذورس الإسطوذيتي، * 12: يوحنّا الرحوم رئيس أساقفة الإسكندرية، البارّ نيلس السّينائي، * 13: يوحنّا الذهبيّ الفم رئيس أساقفة القسطنطينيّة، * 14: الرسول فيلبُّس، غريغوريوس بالاماس. 
 
 
حُلْمُ المَلائِكَة  
 
"هكذا يَكُونُ فَرَحٌ في السَّماءِ بخَاطِئٍ واحِدٍ يَتُوبُ" (لوقا 15: 7). يَتوب أي يَنتقِل بفِكره من الأرض إلى السَّماء، يضع كَنزه في الحياة الأبديّة ويُمسي قلبُه عرشًا للضابط الكُلّ. 
 
أن تُحبّ الربَّ من "كُلِّ قلبِك" يعني ألّا تَترُك مكانًا شاغرًا منه، كي يكون سلطانه كامِلًا على "كلّ" حياتِكَ، وليس فقط على جزء تختاره أنت لَهُ.
 
الملائكة كائناتٌ حاضِرَة دائمًا أمام العَرش الإلهيّ (إشعياء 6)، هي غير هَيولِيّة أي لا جَسَد لها أو كثافة densité، خُلِقَت سَريعة الاِستجابة والحَركة: "أرياحًا ونارًا تَتَلَهَّب" (مزمور 103: 4)؛ 
 
فهي تنقُل البُشرى السّارّة (لوقا 1: 13 و31)، وترافق الإنسان لكي يُتمِّمَ "بحُريّة" مَشيئة اللّه. هي أعلَنَت بتهليلٍ ميلاد السيّد (لوقا 2: 13)، وأخبَرت بقيامَتِه (يوحنا 20: 12)، وستُعلِن مَجيئَه الثاني لدينونَة العالَم (متى 24: 31).
 
الملائكة "في كلِّ حينٍ يَنظُرونَ وجهَ الآب الذي في السَّماوات" (متى 17: 15)، ويُعاينون مَجدَه الذي لا يُقاس، ومحبّته غَير المَحدودة للإنسان: هو خلَقَه على صورتِه (تكوين 1: 27)، "وأنقَصَهُ قَليلًا عن الملائكة... وعلى أعمالِ يَدَيه أقامَهُ" (عبرانيّين2: 7، ومزمور8: 4-5).
 
فما أشدَّ حَيرتَهم حين يُشاهدون الطّبيعَة البَشريّة مُلتهِيَةً عن عَظَمة السَيِّد الأزليّ، وجانِحةً نحو أمورِ العالَم التُرابيّ الفاني. 
 
وما أعظمَ الفرحَ الذي يُرافِق مَنظَر المُجاهِد الأمين، السَّاهِر على العَمَل بكلمة المُخَلِّص.
 
الملائكة الذين استقبلوا غالِبَ الجَحيم صاعِدًا بطبيعَتَنا البَشريّة، ومُجلِسًا اِيّاها عن يَمين الآب، أفلا يتألّمون عند مُشاهدتهم الإنسانَ مُتمَرّغًا في أقذار الخطيئَة ومَعاثِرها؟ 
 
كيف يَصمُت على مَضَضٍ ذاك الذي صَرَخ "مَنْ مِثْلُ اللّه!" في حربِه ضدّ إبليس وملائكته؟ كيف لا يَدين الخاطِئ المُبتَعِد عن اللّه بسوء استعماله لخياره الحُرّ libre choix؟
 
أَلَمُ المَلائكة لا يَؤولُ إلّا حُلْمًا يُشارِكون فيه ربَّ الأرباب، يَقِفونَ بجانِب الأب المُحِبّ المُنتَظِر عودة ابنِه الشّاطِر، يَفرَحون بقيامَة الأخ الذي "كان مَيتًا فَعاش، وضالًّا فوُجِد" (لوقا 15: 32...) 
 
حينها يَصرخون بتسبيح الظَّفَر: "قُدّوسٌ، قُدّوسٌ، قُدّوسٌ رَبُّ الصَباؤوت، السَّماء والأرض مَملوءَتانِ من مَجدِك".
 
طروباريّة القيامة باللّحن الخامس
 
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآبِ والرّوح في الأزليّة وعدمِ الاِبتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت، ويُنهض الموتى بقيامته المجيدة.
 
طروبارية رؤساء الملائكة  باللّحن الرابع
 
أيّها المتقدّمونَ على الجُندِ السّماويّين، نتوسّلُ إليكم نحن غيرَ المستحقّين، حتّى إنّكم بطلباتكم تكتنفونا بِظلّ أجنحة مجدكم غير الهيولي، حافظينَ إيانا نحن الجاثين والصارخينَ بغيرِ فتور: أنقذونا من الشدائد، بما أنّكم رؤَساءُ مراتب القوّات العلويّة.
 
 
قنداق دخول السيّدة إلى الهيكل باللّحن الرابع
 
إنّ الهيكل الكلّي النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لِمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّب، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوح الإلهيّ. فَلْتسَبِّحْها ملائكة الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماويّة.
 
الرِّسَالة 
عب 2: 2-10 
 
الصانِعُ ملائكتَهُ أرواحاً وخدَّامَهُ لهيبَ نارٍ 
باركي يا نفسي الربَّ
 
يا إخوةُ، إن كانتِ الكَلَمِةُ التي نُطِقَ بها عَلى ألسِنَةِ ملائكةٍ قد ثَبتت، وكُلُّ تعدٍّ ومَعصيةٍ نالَ جزاءً عَدْلاً فكيفَ نُفلتُ نحنُ إن أهمَلنا خَلاصًا عَظيماً كهذا قد ابتدأَ النُّطقُ بهِ على لسانِ الربِ ثمَّ ثبَّتَهُ لنا الذينَ سمِعوهُ. وشَهِد بهِ اللهُ بآياتٍ وعجائبَ وقوَّاتٍ متنوّعةٍ وتوزيعاتِ الروحِ القدسِ على حسَبِ مشيئَتِه. فإنَّهُ لم يُخضِعْ للملائكةِ المسكونةَ الآتيةَ التي كلامُنا فيها، لكنْ شَهِدَ واحدٌ في موضعٍ قائلاً: ما الإنسانُ حتّى تذكُرَهُ أو ابنُ الإنسانِ حتَّى تفتقِدَهُ. نقَّصْتَهُ عنِ الملائكةِ قليلاً. بالمجدِ والكرامةِ كلَّلتَهُ، وأقمتَهُ على أعمالِ يدَيك. أخضَعْتَ كُلَّ شيءٍ تحتَ قدّميهِ. ففي إخضاعهِ لهُ كلَّ شيءٍ لم يترُك شيئاً غيرَ خاضعٍ لهُ. إلّا أنّنا الآن لسنا نرى بعدُ كلَّ شيءٍ مُخضَعًا لهُ، وإنّما نَرى الذي نُقِص عن الملائكةِ قليلًا، يسوعَ، مكلَّلاً بالمجدِ والكرامةِ لأجلِ ألمِ الموت. لكي يذوقَ الموتَ بنعمةِ الله من أجلِ الجميع. لأنَّهُ لاقَ بالذي كلُّ شيءٍ لأجلِه وكلُّ شيءٍ بهِ، وقد أوردَ إلى المجدِ أبناءً كثيرينَ، أن يجعلَ رئيسَ خلاصِهم بالآلام كاملاً.
 
الإنجيل
لو 8: 41-56 (لوقا 7) 
 
في ذلك الزمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ اسمه يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمجمع، وخرّ عند قدمَي يسوع، وطلب إليه أن يدخل إلى بيته، لأنّ له ابنةً وحيدةً لها نحوُ اثنتَيْ عَشْرَةَ سنةً قد أشرفَتْ على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يزحمونه. وإنّ امرأةً بها نزفُ دمٍ منذ اثنتَيْ عَشْرَةَ سنةً، وكانت قد أنفقت معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ ان يشفيَها، دنَتْ مِن خَلْفِه ومسّت هُدبَ ثوبِه، وللوقت وقف نزفُ دمِها. فقال يسوع: "من لمسني؟" وإذ أنكر جميعهم قال بطرس والذين معه: يا معلّم، إنّ الجموع يضايقونك ويزحمونك. وتقولُ مَن لمَسني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لمسني واحدٌ، لأنّي عَلِمْتُ أنّ قُوّةً قد خرجَتْ منّي". فلمّا رأت المرأةُ أنّها لم تَخْفَ جاءت مرتعدة وخرّت له وأخبرت أمام كلّ الشعب لأيّةِ عِلّةٍ لمسَتْهُ وكيف بَرِئَتْ للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، ايمانُك أبرأكِ فاذهبي بسلام". وفيما هو يتكلّم جاء واحدٌ من ذوي رئيس المجمع وقال له: إنّ ابنتَك قد ماتت فلا تُتعب المعلّم. فسمع يسوع، فأجابه قائلاً: لا تخف، آمن فقط فتبرأ هي. ولمّا دخل البيت لم يدَع أحداً يدخُلُ إلّا بطرسَ ويعقوبَ ويوحنّا وأبا الصبيّةِ وأُمَّها. وكان الجميع يبكون ويلطمون عليها، فقال لهم: لا تبكوا، إنّها لم تمت ولكنّها نائمة. فضحكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلاً: يا صبيّةُ قومي. فرجَعت روحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لتأكل. فدُهش أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.
 
في الإنجيل
 
الربّ في طريقه لإنقاذ حياة الصبيّة تلبيةً لتوسُّلات رئيس المجمع يايرس، ومعنى اسمه: الله ينير، ولكن حادثة شفاء طارئة تؤخّر ذهابه بعض الوقت. إنّها المرأة النازفة الدم، منذ اثنتي عشرة سنة، والتي "أنفقت معيشتَها كلّها على الأطبّاء ولم يستطع أحد أن يشفيها" أتت إليه بإيمانٍ عظيم. 
 
لم تكن تجرؤ على مواجهته لأنّها تعلم أنّها غيرُ طاهرة كما يقول الناموس في سفر اللاويّين، (لاويين 12: 1، 15: 9 و25...)، فخافت وقرّرت أن تلمس هدب ثوبه بأصابعها، فشُفِيَت للحال بعد أن خرجت قوّةٌ من يسوع الطبيب الحقيقيّ للجسد والنفس. 
 
ظنّت للوهلة الأولى أنّ أمرها لم يُكشف، وأنّها تستطيع الهرب دون أن يعرف أحدٌ شيئاً عنها، هذا ما ظنّته، ولكنّ الربّ يسوع كانت لديه معرفةٌ كاملةٌ لأفكارها ولإيمانها، فأفشل خطّتها بالهروب. لماذا؟
 
أوّلًا أرادَ الربُّ أن يكشفَ إيمانها العظيم لكي يقتدي بها الآخرون؛
 
وثانيًا ألّا تحصلَ على الشِّفاءِ وتمضيَ خلسةً فترزحَ تحتَ ثقلِ عذابِ الضّمير والقَلَق، وكأنّها سرقت النعمة الالهيّة؛ وثالثًا أن يُخرجها من ضلالها في الاعتقاد أنّها عَبَرَتْ بلا ملاحظة يسوع
 
أضفْ إلى ذلك، أنّهُ أرادَ أن يعلِّمَها أنّ تعامُلَها لم يَكُنْ مع قُوَّةٍ شفائيّةٍ فحسب، بل مع شخصٍ. يريدُنا الربُّ يسوع أن نتعامل معه وجهاً لوجه، في علاقة شخصيّة، نسمعه ويسمعنا، نتكلّم معه ويتكلّم معنا، لا أن نأتي من خلفه، كما نفعل نحن المسيحيّين في هذا الزمن الرديء، حيث نعتبر أنّ الله هو فقط لتلبية حاجاتنا وشفائنا ورغباتنا، وننسى أنّ الله يريد قلوبنا وصداقتنا وأن نعمل معه في تجديد هذا الكون.
 
لذلك أصرّ يسوع على مواجهة المرأة، وعندما اعترفت حصلت على نعمة تفوق الشفاء الجسديّ، أَلا وهي السلام والشفاء النفسيّ.
 
وبينما هو يتحدّث مع المرأة التي شفاها، أتى مَن يُعلِنُ موتَ الصبيّة فلا داعي لإتعاب المعلّم. تجربة قاسية جدّاً وقعت على رأس يايرس، وربما تملّكه اليأس والإحباط من وقع الخبر، لأنّ الموت قد قال كلمته الأخيرة، لذلك سارع يسوع ليقول له: "لا تخف، آمن فقط، فتبرأ هي". 
 
إنّه الإيمان من جديد، الذي لم يكن بالقَدْرِ الكافي كما كان عند المرأة النازفة الدم، ولكنّه شرط أساسي لعمل النعمة الالهيّة.
 
 لا يخبرنا الانجيليّ عن موقف الأب بعد معرفته بموتها، ولكنّ الواضح أنّه قد وضع كلّ ثقته بالربّ يسوع، فهو رجاؤه الوحيد، أمّا يسوع فكان يريد أن يقول بأن لا نخاف الموت، لأنّه حيث يكون الربّ يصبح الموت نوماً، "وأنّه القيامة والحياة"، وإنّما أتى إلى الأرض ليبطل الموت بموته وليهبنا القيامة بقيامته، فنقلنا من عبوديّة الموت إلى فرح القيامة. 
 
عندما دخل إلى غرفة الراقدة أخذ معه ثلاثة من تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنّا، الذين سيرافقونه في تجلّيه على ثابور، وفي بستان الزيتون قبيل آلامه، لكي يكونوا شهوداً لعمله الخلاصيّ وليعلموا محبّته التي تفوق كلّ تصوّر، وأمسك بيدها ونادى:
 
"يا صبيّة قومي" فرجعت روحها وقامت في الحال. عاد الفرح إلى المنزل من جديد، و"مسح الله كلّ دمعة"... ولكن نرى يسوع يطلب طلباً غريباً بعض الشيء "أمر أن تُعطى لتأكل" أليس بديهياً أن يطعم الأهل أولادهم، فلماذا يطلب يسوع ما هو أمر طبيعيّ؟ 
 
لأنّه لا يقصد فقط الطعام المادّيّ الذي للجسد، بل أيضاً الطعام الروحيّ أي التربية الصالحة لأبنائهم. التربية في الكنيسة، تعليم الكتاب المقدّس، عمل المحبّة، كلّ ذلك طعام، علينا أن نطعمه لأبنائنا وبناتنا، "إنّ لي طعاماً لا تعرفونه ... طعامي أن أعمل مشيئة أبي الذي في السماوات".
 
حادثتان متداخلتان: شفاءُ امرأةٍ تنزفُ دماً منذ اثنتَيْ عَشْرَةَ سنةً، وإحياءُ فتاة في الثانية عشرة من عمرها، الرقم 12 مشترك بين حادثتي الشّفاء، وهو رقم يعبّر رمزيّاً عن إدارة الله وترتيبه الكامل لعمله في خليقته. 
 
المرأة النازفة الدم هي الإنسانيّة كلّها في العهد القديم، مع الأسباط الاثني عشر، الذين لم تستطع كلّ أدوية الناموس والشريعة القديمة أن تنقذهم من المرض والموت، رغم ما قدّموه من ذبائح الدم على مذبح الرب "نزف دمها"، الذي سيبطله الربّ يسوع بتجسُّدِه وتلامسهم معه "لمسَتْ هُدْبَ ثَوبِه"، والذين كانوا بإيمان عظيم ينتظرون هذه اللحظة، "حان الوقت"، لحظة سكناه بيننا بتجسُّدِه، لقد أبطل ذبيحة الدم واستعاض عنها بالروح المنسحق والقلب المتخشّع والمتواضع الذي لا يرذله. 
 
ولكنْ لم يتوقّف الربّ هنا، بل أكمل مسيرته نحو بيت الموت ليمسكنا بيده "أمسك الصبيّةَ بِيَدِها" ويُنهضَنا مِن مَوتِنا، فدشَّنَ عهداً جديداً مبنيّاً "على قيامته من بين الأموات"، وإرساله لرسله الاثني عشر للتبشير. إنّه عهد القيامة، "فيا صبيّةُ قُومي" لم يَعُدْ هناك موت بل نوم.
 
"إنّها لم تمت ولكنّها نائمة". فلنتمسَّكْ بالإيمان والرجاء كما للنازفة الدم ويايرس، ونُطعم قريبَنا وأولادَنا طعامَ المحبّة، بانتظار أن ينهضنا الربُّ يسوع من الموت في اليوم الأخير.
 
زمن المحنة هو زمن نعمة! 
 
ممّا لا شكَّ فيه أنَّ ما يَعْبُرُ فيه وطنُنا لبنان، والمنطقةُ والعالم، هو زمنُ محنةٍ كبيرة ومعاناةٍ على كلّ الصُّعُد. أوبئةٌ وأمراض، فقرٌ وجوعٌ، بطالةٌ وكسادٌ اقتصاديّ، انفجاراتٌ ودمارٌ وموت، دموعٌ وأحزانٌ، ويأسٌ من واقع الحال. 
 
والسؤال المطروح هو: هل يمكن أن يتحوَّل زمنُ المحنة إلى زمنِ نعمة؟! 
 
إنَّ زمنَ المحنة يتحوَّل إلى زمن نعمة عندما نجعله زمنَ محبّةٍ وتعاون، زمنَ صبرٍ وتواضع وخضوعٍ لمشيئة الآب، زمنَ رجوعٍ إلى الذَّات وتوبةٍ إلى الله. وهذا يتحقّق:
 
على الصعيد الشخصيّ: علينا أن نتعلَّم كيف نقرأ الأحداث، لأنَّ المِحَنَ والضيقات يمكن أن تؤدّي بنا إلى الكُفر والتجديف والإلحاد، أو تؤدّي بنا إلى الإيمان والثقة المطلقة بالله الضابط كلّ الأشياء. 
 
القراءةُ السليمة للأحداث، لا يمكن أن تحصل إلّا إذا ترافقت مع قراءة مستمرَّة لكلمة الله في الكتاب المقدّس، وصلاةٍ يوميّة نابعة من الأعماق، تُنشئ فينا حسّاً روحياً وفهماً يختلف عن الفهم الدَّهريّ للأحداث، فنكتشف أنَّ الأزمات هي تجلِّيات الشرّ في هذا العالم الساقط، وللتغلُّب عليها ليس لنا إلا الاتّجاه نحو الله وتصحيح ما في حياتنا من أخطا
 
فمثلاً مّن يصرف المال على التدخين والمشروبات الكحوليّة والقمار والرهانات، عليه إيقاف هذا الهدر، ومن يعيش حياة البذخ والترف عليه أن يتحوَّل إلى حياة القناعة والبساطة والاكتفاء بالضروريّات وترشيد النفقات.
 
على الصعيد الكنسيّ: هذه الأزمة هي فرصةٌ ذهبيّةٌ لنا نحن العاملين في الكنيسة كي نصطاد الناسَ إلى المسيح، وهذا يقتضي منّا جميعاً، رُعاةً وشَعباً، إلغاءَ كُلِّ مظاهرِ الغنى في الكنيسة، والعيشَ وَفْقَ البساطةِ الإنجيليّة، وإيقافَ الصَّرْفِ على الكنائسِ الحجريّة والقاعات، والتي ربّما ستأتي أيّام لن يبقى فيها حجرٌ على حجر (مت 24: 2)، وبدلاً من ذلك فلنسارع ونساهم في ترميم منازل أبنائنا في بيروت، لأنَّ الشتاء داهمٌ على الأبواب، ولنصرف الأموال على ترميم أيقونات المسيح الحية "أي المرضى والمحتاجين" (مت25: 31-46) من خلال تأمين تكاليف استشفائهم التي يعجزون عن تسديدها.
 
علينا أن نعلم أنَّ الكثير من أبنائنا غيرُ قادرين على الاستشفاء بكرامة! 
 
لذلك فالمطلوب في هذه المرحلة الحرجة، التنسيقُ وتوحيدُ الجهود بين الهيئات الكنسيّة في أبرشيّتنا والتعاونُ مع كلِّ الأبرشيّات، واتّخاذُ خطواتٍ سريعة، مثلِ جَمْعِ التبرُّعات مِن مُحبِّي الخير هنا وفي بلاد الاغتراب، وتأسيسُ صندوقٍ مشترَكٍ للرعايا في الأبرشيّة يجسِّدُ وحدة كلّ الرعايا، وكذلك صندوق مشترك للأبرشيّات، يكون تعبيراً عن وحدة كل الأبرشيّات، ألَسنا نقول إنّنا جسدٌ واحدٌ في المسيح؟! إنَّ وحدة الكنيسة لا تتحقّق بالكلام والنظريّات بل بالأفعال. 
 
مُعيبٌ أن توجد رعيّةٌ غنيّةٌ وأخرى فقيرة، أبرشيّةٌ غنيّةٌ وأخرى محتاجة! هذه المحنة هي فرصة لنا لنعيش كما عاش المؤمنون أيّامَ الرسل حيث "كان عندهم كلّ شيء مشتركاً" (أع2: 44). هذا إن فعلناه سيكون شمعةَ أملٍ وشعلةَ رجاءٍ وسط ظُلمةِ الأحداثِ ومأساويّتِها، وستكون المحنةُ سببَ نعمةٍ، نذوقُ من خلالها جميعاً "فَرَحَ العطاء" (أع 20: 35).
 
أخبـــارنــــا
 
عيد الملاك ميخائيل في رعيّة القبّة 
لمناسبة عيد الملاك ميخائيل يترأّس راعي الأبرشيّة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) القدّاس الإلهيّ في كنيسة رئيس الملائكة مخائيل – القبّة وذلك نهار الأحد الواقع فيه 8 تشرين الثاني 2020 تبدأ صلاة السحر الساعة الثامنة، تليها خدمة القدّاس الإلهيّ.