الأحد 29 تشرين الثاني 2020

الأحد 29 تشرين الثاني 2020

29 تشرين الثاني 2020
العدد 48
الأحد 25 بعد العنصرة  
 
اللَّحن الثامن  الإيوثينا الثالثة
 
* 29:  الشَّهيدان بارامونوس وفيلومانس، * 30: الرَّسول اندراوس المدعوّ أوّلاً، * 1: النبيّ ناحوم، فيلاريت الرّحيم، * 2: النبيّ حبقوق، بورفيريوس الرائي، * 3: النبيّ صوفونيا، * 4: الشَّهيدة بربارة، البارّ يوحنّا الدمشقيّ، * 5: سابا المتقدّس، الشّهيد أنستاسيوس.  
 
 
البتوليّة (virginité) 
لقد دافعت الكنيسةُ دوماً عن شرعيّة الزواج وقداسته. أمّا البتوليّة (أو العزوبيّة) فقد بقيت خياراً حرّاً لا يُفرض على أحد.
 
بقيت البتوليّة هذه عند المسيحيّين الأوائل معتبرةً  "حياة ملائكية".
 
يجمع القدّيس كبريانوس Saint Cyprien في كتابه "سيرة العذارى" ، بين كلّ ما جاء في الكتاب المقدّس بخصوص هذا الموضوع، على مثال ما ورد عند متى الإنجيليّ "يوجد خصيان خصاهم الناس ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات" (متى 9: 10-12).
 
راجع أيضًا (1كورنثوس 7: 32-34). يقول هذا القدّيس إنّ العذراء virgin هي عروس المسيح. 
 
ويضيف موجّهاً كلامه إلى العذارى "كلّ ما سوف يصير في الآخرة ابتدأتُنَّ تعِشنَهُ منذُ الآن، فصرتنّ حائزاتٍ على مجد القيامة منذ الآن. 
العفّة البتوليّة جعلَتْكُنَّ مساوياتٍ لملائكة الله".
 
الاِبتعاد عن الأمور الأرضيّة عن طريق البتوليّة والحياة النسكيّة لا يعني رفضاً للخليقة المادّيّة وللفضائل العمليّة، بل يُشيرُ بالأحرى إلى الطابع المؤقَّت لحياتنا الحاضرة، ويتلّمس هذا الهاجسَ المطلق لمحبّة الله الذي يُضحي في آخر الأيّام "الكلّ بالكل" ويحرّر الإنسان عن طريق النعمة الإلهيّة من كلّ تشتّت أرضيّ.
 
الاِمتناع عن الزواج وعن كثير من الممتلكات الأرضيّة والماديّة، يساعد على اكتسابِ نمطٍ من العيش الملائكيّ الذي يتّصف بطابع الخدمة والمحبّة:  régime charitable.
 
هذا كلّه لا يعني أنّ المتزوّج لا يستطيع أن يصل إلى مثل هذا "العيش الملائكيّ". 
 
عندنا مثال القدّيس غريغوريوس النيصصيّ الذي كان متزوّجاً، ومع ذلك نجدُ في كتاباتِه النُّسكيّةِ أَروَعَ ما كُتبَ في موضوع البتوليّة، أو "فنّ البتوليّة" Techni Parthenian على حَدّ تعبيرِه.
 
هذا كلّه يعني أنّ الحياة البتوليّة تفترض خبرةً شخصيّة حميميّةً عميقة مع الله. Experience d’intimité  profonde.
 
لذلك تعتمد على حياة صلاة كثيفة في برنامج حياتها. 
 
الاِهتماماتُ العالميّةُ تجعل الإنسان مأخوذاً بأمور كثيرة ضروريّةٍ في حياته، ممّا يُضعف مثل هذه الصلة الشخصيّة مع المسيح، أعني  مثلاً عن طريق الصلاة الهدوئيّة المعروفة بصلاة يسوع.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريّة القيامة باللّحن الثامن
إنحدرتَ من العُلُوِّ يا متحنِّن، وقبلِتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام، لكي تعتقنا من الآلام. فيا حياتنا وقيامَتنا، يا ربُّ المجدُ لك.
 
قنداق تقدمة الميلاد باللّحن الثالث
اليوم العذراء تأتي إلى المغارة لتلد الكلمة الذي قبل الدهور ولادة لا تفسَّر ولا ينطق بها. فافرحي أيّتها المسكونة إذا سمعت، ومجِّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهر بمشيئته طفلاً جديداً، الإلهَ الذي قبل الدهور.
 
الرِّسَالة 
أف 4: 1-7 
 
صلّوا وأوفُوا الربَّ إلهنا
اللهُ معروفٌ في أرضِ يهوذا 
 
يا إخوةُ، أطلُبُ اليكم أنا الأسيرَ في الربِّ أن تسلُكُوا كما  يَحِق ُّ للدعوةِ التي دُعيتُم بها، بِكُلِ تواضُعٍ وودَاعةٍ وبِطُولِ أناةٍ محتَمِلينَ بعضُكم بعضًا بالمحبّة، ومجتَهدين في حِفظِ وِحدَةِ الروح برباطِ السلام. فَإنَّكم جَسدُ واحدٌ وروحٌ واحد، كما دُعيتُم إلى رَجاءِ دعوتِكُمُ الواحِد. ربٌّ واحِدٌ وايمانٌ واحِدٌ ومعموديَّةٌ واحدةٌ وإلهٌ أبٌ للجميع واحدٌ هوَ فوقَ الجميعِ وبالجميعِ وفي جميعِكم. ولكلِّ واحدٍ مِنَّا أُعطيَتِ النعَمةُ على مقدار موهِبَةِ المسيح.
 
الإنجيل
لو 18: 18-27 (لوقا 13)
 
في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ مجرِّبًا لهُ وقائلاً: أيُّها المعلّم الصالح، ماذا أعمَلُ لأرثَ الحياةَ الأبدَّية؟ فقال لهُ يسوع: لماذا تدعوني صالحاً وما صالحٌ إلاَّ واحدٌ وهو الله. إنّك تعرِفُ الوصايا: لا تزن، لا تقتُل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرِمْ أباك وأمَّك. فقال: كلُّ هذا قَدْ حفِظْتَهُ منذُ صبائي. فلمَّا سمِعَ يسوعُ ذلك قال لهُ: واحدةٌ تُعوزُك بعدُ: بعْ كلَّ شيءٍ لك وَوَزِّعْهُ على المساكين فيكونَ لك كنزٌ في السماءِ وتعال اتبعْني. فلمَّا سمع ذلك حزِن لأنَّه كان غنيًّا جدًّا. فلمَّا رآه يسوعُ قد حزِن قال: ما أعسَرَ على ذوي الأموال أن يدخلوا ملكوتَ الله! إنَّهُ لأسهلُ أن يدخُلَ الجَمَلُ في ثقب الإبرَةِ من أنْ يدْخُلَ غنيٌّ ملكوتَ الله. فقال السامِعون: فمن يستطيع إذنْ أنْ يَخلُص؟ فقال: ما لا يُستطاعُ عند الناسِ مُستطاعٌ عند الله؟
 
في الإنجيل
 
ماذا أفعل لأرث الحياة الأبديّة؟ 
 
هذا السؤال يبدو جيّدًا للوهلة الأُولى، إلّا أنّه في الحقيقة غير ذلك، لأنّ الذي طرحه كان يريد أن يجرّب يسوع. 
 
كان يريد أن يسمع منه ما يخالف الناموس. إنّه سؤالٌ من النّوعِ الذي يفترض مجموعة شروط ينبغي علينا تحقيقها لنخلص. 
 
إنّه يربط الخلاص ببعض التصرّفات الظاهريّة. لا يكفي أن ندعو الربّ معلّماً صالحاً، بل يجدر بنا أن نسمع الدروس الخلاصيّة من هذا المعلّم ونحفظها ونتمّم نصائح الله للإنسان. 
 
إذا دعونا الربّ معلّماً، علينا أن نتمّم واجبات التلميذ. 
 
إذا اعترفنا بصلاح المخلّص علينا أن نهتمّ بهِباته. إذا سألنا عن الحياة الأبديّة، علينا أن لا نستسلم للحياة الحاضرة، وإلّا تَظهرُ شهادتُنا لنفسنا كاذبة.
 
لا شكّ في أنّ اتّباعَ الناموس وتحقيق الوصايا هو الصخرة التي عليها تُبنى الفضائل، لكنّها مجرّد حالةٍ مرحليّة. فضائل النفس العميقة هي أكثر من عدم الزنى وعدم القتل. 
 
إنّها الطهارة الداخليّة، طهارة القلب. الوصايا هي الحدّ الأدنى الذي ينبغي للمسيحيّ تحقيقه. إنّها بداية، والناموس لا يخلِّص بل التشبّهُ بالمسيح هو الذي يخلّص.
 
أخطر ما يمكن أن يصل إليه المؤمن هو أن ينظر إلى الوصايا ويقول "هذه حفظتُها منذ صباي". 
 
إنّ هذا القول لا يُبطِّنُ عُجبًا وغرورًا فحسب، بل يحَجِّمُ ما علينا أن نقدّمه للربّ. المسيحيّة هي أكثر من وصايا ومن ناموس. إنّها حياةٌ وتنشُّقُ الروح القدس. مَن دخل في هذه الحالة لا يعود يسأل "ماذا أفعل لأرث الحياة" فهو يكون مشغولاً بالجهاد والصلاة فلا يسأل أسئلة بل يتضرعّ إلى الربّ "أعطني يا ربّ أن أسلك في طرقك". 
 
"من يستطيع إذن أن يَخلُصَ؟" سؤالٌ صعبٌ نسألُه كثيراً، أحيانًا عن اتّضاعٍ وأحياناً عن قلّة إيمان. 
 
إنْ أردنا أن نطرح هذا السؤال فلنطرحه بكثير من الثقة برحمة الربّ. أحياناً نسأل هذا السؤال لنغطّي به استمرارنا في عمل ما لا يُرضي الربّ. 
 
الجواب سهل. فلنتوقّف عن القيام بما نحن فيه، ولنتوجّه إلى الربّ سائلين إيّاه أن يرشدنا في ما نعمل وهو يرشدنا إلى ما يخلّصنا.
 
الرجل في هذه القراءة الإنجيليّة عرف المسيح ورآه وعرف أنّه صالح، لكنّه عاد وخسره لأنّه لم يُرِدْ أن يتبعه. 
 
نحن نعرف المسيح من إنجيله ومن كنيسته، فلنتبعْه عاملين إرادته وهو يملك الإجابة على كلّ أسئلتنا.
 
الاِنتظار والصبر والرجاء 
 
الكتاب المقدّس عماد حياتنا، يقرأُه كلٌّ مِنّا بوتيرةٍ مختلفة، ونسمعُه في الخدم الكنسيّة، مُنصتين ومُنتبهين وفاهمين، ليس كليًّا أيضًا، بل بدرجاتٍ متفاوتة بين مؤمن وآخر. 
 
مِن آياته وأسفاره المختلفة نَجْني إجاباتٍ وتفسيرات لتساؤلنا وحيرتنا، نتّخذه نهجًا لحياتنا، وإليه نلجأ في خوفنا وضيقنا وهمومنا.
 
لكنّنا أحيانًا نقرأ آيات لا ندرك فحواها إلى أن يعرض لنا حدث ما، في ظرف ما، تلمع فيه أمامنا كلمةٌ من الكتاب يتحقّق معناها في الظرف الذي نعيشه ويصير معناها حقيقة نلمسها ونعيشها، وبالتالي نفهمها وندرك قيمتها.
 
نقرأ في بشارة الإنجيليّ متى 24: 6- 8. " وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. 
 
انظروا لا ترتاعوا، لأنه لا بدّ أن تكون هذه كلّها. ولكن ليس المنتهى بعد. لأنّه تقوم أمّةٌ على أمّة ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات، وأوبئة، وزلازل في أماكن، ولكن، هذه كلّها مبتدأ الأوجاع".
 
ألا نعيش هذا كلّه في هذه الأيّام؟ حروب وأخبار حروب، مجاعات، زلازل، أوبئة مميتة!...
 
كما أنّنا نسمع كثيرًا: "إنّها نهاية العالم، نعيش الأيام الأخيرة، قربت النهاية...
 
أوّلًا، وإنْ يَكُن هذا التّساؤل مبرَّرًا نوعًا ما، إلّا أنّ علينا ملاحظة خاتمة هذه الآيات "ولكن هذه كلّها مبتدأ الأوجاع" أي إنّها ليست النهاية.
 
ثانيًا، جيّدٌ ومهمٌّ أن تلفت انتباهنا الأحداث التي سبق ذكرها و بالتالي أن توحي لنا بقرب النهاية، ولكن علينا ألّا ننسى ما يقوله لنا ربّنا يسوع المسيح في الأصحاح عينه في الآية 36، الأمر الذي يُحتّم علينا الانتباه جيّدًا. 
 
"أمّا ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا ملائكة السموات، إلا أبي وحده".
 
إذن، عندما نقول قد قربت الساعة وإنّها نهاية العالم، علينا أن نتعامل مع هذه الفكرة بما يناسبها من الاستعداد لهذه النهاية، لا أن نكتفي بالتهويل على أنفسنا وعلى من حولنا، وبرسم صورة مأساويّة قاتمة حول ما ينتظرنا من أيّام. 
 
يقول لنا الربُّ يسوع في مَثَلِ العبد الأمين كيف يكون استعدادنا "نعمّا أيّها العبد الصالح والأمين كنت أمينًا في القليل فسأقيمك على الكثير ادخُلْ إلى فرح سيّدك".
 
القليل هو هذه الحياة التي نعيشها، والتي مهما طالت وامتدَّ أَمَدُها تظلُّ نقطة صغيرة لا تُرى إزاء الحياة الأبديّة التي لا نهاية لها، ومَن كان أمينًا في هذه الحياة المؤقّتة أُقيم على الكثير وأُدخل إلى فرح ربّه.
في مر 13: 20 نقرأ "ولو لم يُقَصِّر الربُّ تلك الأيّامَ لم يَخلُصْ جَسَدٌ. ولكنْ لأجلِ المختارينَ الذين اختارَهُمْ قصّرَ الأيّام".
 
ألا تترجّى البشريّةُ اليوم، بإلحاح، تقصيرَ هذه الأيّام، واختصارَ الآلام التي تعاني منها؟
 
في مت، 24: 13 "ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص". ربّما يتناسى البعض هذه الآية، إلا أنّها لدى البعض الآخر تتّخذ بُعدًا ومعنًى، وتَخلُقُ أمَلًا ورجاء. إذ نسمع مَن يتأفّف ويشكو، وربّما يَجحَدُ، أمام الصعوبات والآلام والأحزان، مقابل مَن يشكرون بصبرٍ ويحمدون الربّ على كلّ شيء، ويجدون فيها إيجابيّةً، طالبين تعزيةَ الربّ ومؤازرتَه.
 
إلى جانب هذه الآية لدينا في لو 21: 19، الآية "بصبركم اقتنوا أنفسكم"، إنّها تدعو إلى الصبر الذي يؤدّي إلى ربح النفس بالخلاص.
 
إلى جانب ما يرد في رو5: 3- 5 في الحث على الصبر، "بل نفتخر أيضًا في الضيقات عالمين أنّ الضيق يُنشِئُ صبرًا، والصبرُ تزكيةً والتزكيةُ رجاءً والرجاءُ لا يُخزي، لأنّ محبّةَ الله قد انسكبَتْ في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا".
 
هل سبق لنا أن فكّرنا بمعنى الآية الواردة بخطّ بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية 8: 22 "فإنّنا نعلم أنّ الخليقة كلَّها تئنُّ وتتمخّضُ معًا إلى الآن"؟ نعم، شعورُنا في هذه الأيّام وكأنّ الكُرةَ الأرضيّةَ مِرجَلٌ كبيرٌ يَغلي ويَنثُرُ فَوَرانَهُ لِيُغطّيَ العالم كلَّه بِحُمَمٍ ناريّةٍ مِنَ الضيقات والأوبئة والنزاعاتِ والموت المجانيّ.
 
حقًّا إنّ الخليقة كلّها تئنّ وتتمخّض. تتابع الرسالة "وليس هكذا فقط، بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضًا نئنّ في أنفسنا".
 
ولكن لدينا الإيمان والرجاء "بأنّ الروحَ يُعينُ ضعفاتِنا وهو يشفع فينا بأنّاتٍ لا يُنطق بها، ونحن نَعلَمُ أنّ كلَّ الأشياء تعمل معًا للخير للّذين يُحبّون الله". رو 8: 26و 28.
 
هذا هو إيماننا، وهذا هو رجاؤنا وعليه نبني صبرنا على آلام هذه الحياة وشدائدِها، لأنّه إنْ كان الله معنا فمن علينا؟