الأحد 31 أيار 2020

الأحد 31 أيار 2020

31 أيار 2020
 
الأحد 31 أيار 2020          
  العدد 22
أحد آباء المجمع المسكوني الأوّل
اللَّحن السادس الإيوثينا العاشرة
 
* 31:  الشَّهيد هرميوس، * 1: الشَّهيد يوستينوس الفيلسوف، * 2: نيكيفورس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، * 3: الشَّهيد لوكليانوس، الشَّهيدة بافلا، * 4: مطروفانس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، مريم ومرتا أختا لعازر، * 5: وداع الصُّعود، الشَّهيد دوروثاوس أسقف صور، * 6: سبت الأموات، إيلاريون الجديد رئيس دير الدلماتن، الشَّهيد غلاسيوس.  ****
 
 
بين "الفرد" و"الشخص" (Individu et Personne)
 
وردَ في رسالةٍ كتبَها "إفاغْرِيُوس البُنطيّ" (راهبٌ من إسقيط مصر، رقد عام 399م) إلى راهبةٍ اسمُها "ميلاني" ما يلي: 
 
"على الإنسان الروحيّ أن يذوب في الله كما تذوب نقطةُ الماء في البحر". إِلّا أنّ القدّيسَ مكاريوس المصريّ دحضَ هذا القَول، ونقرأُ في كتاب عظاتِه(1) ما يلي: هناك طبعاً اتّحاد كُلّيٌّ مع الله يجمع بين الإرادة الإلهيّة والإرادة الإنسانيّة كما يتّحد الحديد بالنار، إلاّ أن شخصيّة كلّ واحد من الطرفين تظلّ متميّزة، بحيثُ أنّ بطرس يبقى بطرس وبولس يبقى بولس، الفرديّة تختفي في النهاية (في آخر الأيّام) إلاّ أن هويّة الشخص تبقى غيرَ ملغاة.
 
يبدو أنّ فِكرَ إفاغريوس مشابهٌ لِفِكر ديانات الشرق الأقصى، بينما فكر الكنيسة يميّز بين "الأنا" الفرديّة و"الأنا" الشخصيّة التي تتّصل بضمير الإنسان الخاص.
 
الإنسان المسيحيّ منذ لحظة معموديّته يصبح مبدئيّاً potentiellement شخصاً مميّزاً hypostase أي أقنوماً بشريّاً إضافة الى كونه فرداً بشريّاً. 
 
هذه الشخصيّة المميّزة لها أن تنمو بفضل النعمة الإلهيّة المأخوذة من سرّ المعموديّة وبفضل تنمية حياته الروحيّة.
 
إضافة لذلك علينا أن نوضح أن هذا التمييز بين الأنا الفرديّة والأنا الشخصيّة عند الإنسان يصبح جليّاً 
على ضوء نور الثالوث القدّوس. 
 
بالنسبة لنا نحن المسيحييّن: الله هو واحد في ثلاثة أقانيم (un et trine). 
 
هكذا فإن الشخص personne  يصبح كائن شركة (كائناً علائقيّاً) être de Communion على صورة الأقنوم في الثالوث القدّوس. 
 
هذا مع العلم أنّ الشخص البشريّ يبقى كائناً مخلوقاً بينما الأقنوم الإلهي غير مخلوق. الشركة عند الشخص البشريّ تتمّ عن طريق الطاقة الإلهيّة غير المخلوقة للمسيح القائم من بين الأموات.
 
الخلاصة في الموضوع تكمن في صورة تنمية حياة الإنسان الروحيّة في علاقته وعيشه مع الله والآخرين من خلال محبّته (التي تفوق كلّ عقل) لله ولكلمته المقدّسة وللآخرين أيضًا، الى أن ينعتق من فرديّته Individualité  وأنانيته، هكذا تنمو ما يقوله القدّيس بولس (وتتمّ في آخر الأيّام). الوحدة الحقيقيّة حين "يصبح الله الكلّ في الكلّ" (1كورنثوس 15: 28).
 
صدر  عن مطرانية طرابلس 2019، ترجمة الأب منيف حمصي (العظة 15: 10).
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريّة القيامة باللّحن السادس
 
إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ المُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
 
 
طروباريَّة الآباء  باللّحن الثامن
 
أنتَ أيُّها المسيحَ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقي، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك. 
 
طروباريَّة الصُّعود باللّحن الرَّابِع 
 
صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرُّوح القُدُس، إذ أيقَنُوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ٱبنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم. 
 
القنداق باللّحن السادس
 
لمَّا أَتْمَمْت َالتَّدبيرَ الَّذي من أجلِنا، وجعلتَ الَّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ ٱفتِرَاق وهاتِفًا: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.
 
الرِّسَالة 
أع 20: 16-18، 28-36
 
مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إلهُ آبائِنَا
فإنَّكَ عّدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا 
 
في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ. لأنَّه كان يَعْجِلُ حتَّى يكون في أورشليم يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قال لهم: ﭐحْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الَّتي أقامَكُمُ ﭐلرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوُا كنيسةَ اللهِ الَّتي ﭐقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعد ذهابي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، ﭐسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ أَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ أَنْ تبنيكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الَّذين معي خَدَمَتْهَا هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفَاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.
 
الإنجيل
يو 17: 1-13 
 
في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مّجِّدِ ٱبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والَّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الَّذي أعطَيْتَنِي لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الَّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ ٱسْمَكَ للنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الَّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ ٱحْفَظْهُمْ بـٱسمِكَ الَّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم بٱسمِكَ. إِنَّ الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ٱبْنُ الهَلاك لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.
 
في الإنجيل 
 
هذا المقطعُ مِن إنجيل يوحنّا يُسمّى "صلاة يسوع الكهنوتيّة". وفيه يتجلّى تواضعُ يسوعَ رغمَ مجدِه.
 
يقول الربّ يسوع: "قد أتتِ السّاعة"، أَي قد جاءَ الوقتُ الذي فيه يُبصَقُ على ابنِ البَشَرِ ويُجلَدُ وَيُصلَب. والعجيبُ أنّه يعودُ ويقول: "مَجِّدِ ابنَك".

فكيفَ يكونُ التمجيدُ مع هذا الإذلالِ كُلِّه؟ كيف يكونُ مجدُ الصّليب؟ يكونُ مجدُ صليبِ ربِّنا ومخلِّصِنا يسوعَ المسيح في أن يؤمنَ به الّذينَ صلبوه. وكان أوّلَهُم لونجينوس قائدُ المئة الّذي شاهدَ كيفَ أظلمَتِ الشّمس وانشقَّ حجابُ الهيكل وحدثَتِ الزّلزلة وتشقّقتِ الصُّخور.. كُلُّ هذا عندما أسلمَ يسوعُ الروح. فلمّا عاينَ كُلَّ هذا صرخَ: "حقًّا كان هذا الإنسانُ ابنَ الله".
 
الربُّ يسوعُ هو "ابنُ الله" الحقيقيّ، بالجوهر لا بالتبنّي، بالولادةِ لا بالخَلق. نحنُ البشر نصيرُ أبناءَ الله بالتبنّي، بواسطة فداء يسوعَ لنا ومشاركتِنا في موتِه وقيامتِه. الأقنومُ الثاني من الثالوث القدّوس مولودٌ من الآبِ أزليًّا، أي بدون بداية. لم يكن هناك وقتٌ كانَ فيه الآبُ ولم يَكُن في الابن. هذا ما حدّدَهُ آباءُ المجمعِ المسكونيِّ الأوّل، دحضًا لبِدعةِ "آريوس" الّذي قالَ بمخلوقيّة الابن.
 
"وهذه هي الحياةُ الأبديّة أن يعرفوكَ أنتَ الإله الحقيقيّ وحدك والّذي أرسلتَه يسوع المسيح". اللهُ الآبُ هو "الإلهُ الحقيقيّ"،

يعني أنّه ذاتيُّ الأُلوهة. ومعرفتُه لا يُقصَدُ بها هُنا المعرفةَ النظريّة المجرَّدة، لأنّ هذه المعرفةَ لا تعطي الحياةَ الأبديّة. بل المقصودُ هو المعرفةُ الناتجةُ عن المشاركةِ في الأُلُوهة. فكيفَ نشارِكُ نحنُ البشرَ المائتين في الأُلوهة؟ كيف نعرفُ الآبَ حقيقةً؟ ي
 
كونُ لنا ذلك بأن نتغلَّبَ على الموت.. ألّا نعودَ قابلينَ للفَساد، فننالَ الحياةَ الأبديّة. هذا هو تدبير الله الآب لَنا، الّذي أتمّهُ اللهُ الابن. وبهذا المعنى يتابعُ الربُّ قولَهُ "والّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح"؛ ذلكَ أنّ الابنَ واحدٌ في الجوهرِ معَ الآب. الآبُ أرسلَ الابنَ إلى البَشَرِ ليُعطيَهُم الحياةَ الأبديّة. المُرسِلُ والمُرسَلُ إلهٌ واحدٌ حقيقيّ.
 
بعد ذلك يتكلّم الربُّ يسوعُ عن تلاميذِه إلى قَولِهِ: "أنا مِن أجلِهِم أسأل". وهذا هو السّبب الّذي جعلَنا نقولُ عن هذه الصلاة إنّها كهنوتيّة، لأنّ الربَّ أظهرَ نفسَه بهذه الطريقةِ كاهنًا يتوسّطُ لنا عندَ الله الآب. هو يسألُ من أجلنا كإنسان، وفي الوقتِ نفسه هو كائنٌ مع الآب كإله. وكرئيسِ كهنةٍ بارٍّ لا دنَسَ فيه، قَدَّمَ نفسَهُ ذبيحةً مِن أجلِ خلاصِ نفوسِنا.
 
من الأعماق... 
 
من الأعماق صرخت إليك يا رب ...(مز 129، 1)
عمق جبِّ الأسود ... (دا 6، 7)
أعماق بريّة التيه والضياع ... (عد 32، 13)
اللجج الهائجة المتلاطمة... (يو6، 18)
ديجور الموت والظلمة ... (لو 1، 79)
اليأس والإنكسار... (حز 21: 6، 7)
الخوف والرعب ... (مت 14، 30)
الشك وعدم اليقين ... (يو 20، 25)
من أعماق النفس المنهكة، نصرخ إليك يا رب... لقد أحاطت بنا مياه الصعوبات والضيقات... ملأت نفوسنا كربًا وحزنًا... ليس لنا سواك يا رب... إلى من نذهب ... إلى أين نتوجه... وكلام الحياة الأبدية عندك (يو 6، 68)...
 
الصراخ إلى الرب ينطلق من قلوب واثقة برحمته، وقدرته، ومحبته... لذلك ما نكاد نبدأ المزمور، حتى نصل إلى آيته الثامنة التي تقول، لأن من الرب الرحمة ومنه النجاة الكثيرة...
من عمق جب الأسود صرخ دانيال (عبد الله الحي)...، كما وصفه الملك، فنجّاه... وأرسل ملاكه وسدَّ أفواه الأسود... فأُصعِد دانيال من الجب، ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه (دا 6: 16- 23)...
 
في أعماق الجب الحالكة... تلمع عيون الأسود المخيفة ويضيق المكان... إلا أن دانيال تحرر بنفسه وقلبه من القيود الأرضية، وانطلق إلى رحابة رحمة الله... وانطلق تحمله أجنحة الإيمان إلى أحضان الرأفة الأبوية التي حفظته سالمًا... لم يستعطف سلطة دنيوية ولا حاكمًا أرضيًا... لكنه توجّه بثقة كاملة نحو الحارس الذي لا يتعب ولا ينام.
 
في عمق البريّة تاه الشعب (عد 32:13)... هائمًا على وجهه... لا يعرف لنفسه وجهة ولا هدفًا... سنوات طويلة وأيام لا تنته ... وأما الله فلم ينقض عهده معه ولم يتخلَّ عنه... أدّبه وساقه إلى سواء الطريق ... وكان معه كل أيام حياته ... واستجاب له وسمع صراخه وقبل توبته...
وهاج البحر من ريح عظيمة تهب (يو 6، 18) ... نظروا يسوع ماشيًا على البحر مقتربًا من السفينة فخافوا... فقال لهم أنا هو لا تخافوا... فقبلوه في السفينة ... وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها...
الريح ... البحر... الأمواج... من يضبطها؟ الميكانيكيّ؟... الملّاح؟... الرُّبّان؟... كلّهم عاجزون ومكبّلون بقدراتهم البشريّة المحدودة... مَنِ المنقذ إذن؟... من المنجّي؟... أنا هو ... لا تخافوا... هو... إنّه هو الذي يمحو الخوف ويبدِّد القلق... ويقود إلى السكينة والسلام والميناء الأمين.
ولكن لمّا رأى الريح شديدةً خاف... وإذ ابتدأ يغرق صرخ قائلًا: يا رب نجني. (مت 14، 30)
 
رياح عاصفة تضرب الإنسان... تلفح أيامه... أعماله... يومياته... تقتلع استقراره، وتطيح بخططه وأحلامه...
 
عندما نبدأ بالغرق... وسط أمواج الحياة المتلاطمة... يعترينا الخوف ورهبة مواجهة الموت... فهل نستفيق مِن سُبات الاِنشغالات اليوميّة ونصرخ يا ربّ نجّنا؟ لأنه سيمدّ يده في الحال ويمسك بنا ... ويسكِّن الريح... ومن سواه يسكّن الريح، وموجَ الحياة الهائج.
 
ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت (لو1، 79 )
الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا (أش9، 2) 
ويكون إذا قالوا لك على مَ تشهد انك تتنهد، إنك تقول على الخبر لأنه جاء فيذوب كل قلب وترتخي كل الأيدي، وتيئس كل روح، وكل الركب تصير كالماء، ها هي آتية... وتكون، يقول السيد الرب (حز21: 7)...
النور الدنيويّ لا يبدد الظلمة... ظلمة هذا العالم... الظلمة من الظلم... لا عدالة في الظلمة...ولا ظلم في النور... النور الحقيقيّ... نور الرأفة الإلهيّة الذي لا يعتريه مساء.
 
هل يصف حال البشريّة في هذه الآيات، قلوب ذائبة من خوف المجهول...أيد مرتخية مشلولة لا تملك سعيًا ولا تجد حلًا... أرواح بائسة يائسة... تنشد بصيص نور في عتمة الأيام... ليس من قوة ولا من قدرة...الركب تصير كالماء... يجرفها هدير سيل الإنهيار الكبير...ولا تجد لها سندًا يدعمها...
 
لأنّه امتحان...(حز 21، 13) نعم إنّه امتحان... امتحان للصبر... امتحان للإيمان... امتحان للاِتّكال عليه وحده دون سواه... من سيجتازه بنجاح؟
فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب. فقال لهم: إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أؤمن (يو 20، 25). نريد أن نرى...وإن لم نرَ لا نؤمن ... أما هو فلا يتركنا فريسة لشكِّنا ... فيمسك بيدنا ويقول هاتِ يدك... ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا...
 
إليك يا ربّ نصرخ في ضيقنا وألمنا وخوفنا وضياعنا فلا تتركنا.
ماران أثا، يا رَبَّنا تعال. (1كو 16: 23).