الأحد 24 أيار 2020
24 أيار 2020
الأحد 24 أيار 2020
العدد 21
أحد الأعمى
اللَّحن الخامس الإيوثينا السابعة
* 24: البارّ سمعان الذي في الجبل العجيب، * 25: وجود هامة السَّابق ثالثا، * 26: الرَّسول كَرْبُس أحد السَّبعين، يعقوب بن حلفى، * 27: وداع الفصح، الشهيد في الكهنة إلّاذيوس، يوحنّا الروسي، * 28: خميس الصعود، إفتيشيوس أسقف مالطية، أندراوس المتباله، * 29: الشَّهيدة ثاوذوسيّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الإسكندرية، * 30: البار إسحاقيوس رئيس دير الدلماتن، البارّة إيبوموني. *
الوداعة والزمن الرديء
إذا بحثنا في المعاجم عن معنى كلمة الوداعة نجد التالي:
وَدُعَ، يُودعُ، وداعة، وديع وتعني السكينة والهدوء واللين ويُقال رجل وديع أي هادئ، مطمئن وليّن الطباع.
ونجد في الكتاب المقدس ذات المعنى للوداعة مجبولاً بالجهاد الروحيّ والتعب والتركيز على اقتناء ثمار الروح القدس التي يُدرجها بولس الرسول كواحدة من ثماره (غلاطية 5 : 23) "أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف" الوداعة مسيحيّاً ليست طبعاً من طباع الانسان بل هي ثمرة يقطفها المسيحيّ المثابر على الاهتمام بحياته الروحيّة ويقتنيها بتفاعله مع الروح القدس الفاعل فيه، فالرّب يسوع أبرزها كقيمة نتعلمها منه لنحيا "تعلّموا مني فإني وديع ومتواضع القلب" (متّى 11 : 29)
وقيل عن المسيح في وداعته (متّى 12 : 19) "لا يخاصم ولا يصيح، وفي الشوارع لا يسمع أحدٌ صوته، قصبةً مرضوضةً لا يكسر، وشعلةً ذابلةً لا يُطفئ، يثابرُ حتى ينتصر الحق، وعلى اسمه رجاء الشعوب" تتآخى الوداعة الحقيقية مع السلام الداخليّ بل هي بالأحرى تنبع منه لأن أهل حكمة هذا العالم ربما يتظاهرون بالتواصل مع الآخرين بالوداعة والصوت المنخفض والهدوء ولكن مع أهل بيتهم هم وحوش ضارية، غضّابون، شتّامون، لأن صورة الوداعة فيهم هي مظهرٌ حياتيّ وليست ناتجة عن السلام الداخلي الذي فيهم. الوديعُ هو إنسان هادئ مسالمٌ، قليل
الاضطراب والقلق، لا يُهاجم ولا يجرح أحدًا، بعيدٌ عن الانتقام، ولا يتدخل في شؤون الآخرين، ولا يدينهم، ولا يُقيم نفسه رقيباً على أعمالهم، ولكن يتدخل بهدوءٍ وسلامٍ لإصلاح الغير وليس بالتقريع والتنديد واللوم أيّ كما قال بولس الرسول في رسالته إلى غلاطية (1:6) "يا إخوتي إن وقع أحدكم في خطيئة فأقيموه أنتم الروحيين بروح الوداعة، وانتبه لنفسك لئلّا تتعرض أنت أيضاً للتجربة" فإذا أردنا إصلاح الغير حقيقة لا يمكن ذلك إلا بروح الوداعة ناظرين لأنفسنا لئلّا نُجَرّب.
فكم من اللاهوتيين نراهم في هذا الزمن الرديء يُنصّبون أنفسهم قضاة وحكاماً على الآخرين، يُدينونهم ويُقرّعونهم على وسائل التواصل الاجتماعيّ بكبرياء وتعالٍ وكأنهم بلا خطيئة أو كأن الخلل الذي يحدث في الكنيسة لا دخل لهم فيه، فينعتون الآخرين ويُقبحونهم بعلّة الإصلاح ناسين القول الإلهيّ "الحكمة النازلة من فوق هي طاهرة قبل كل شيء وهي مسالمة متسامحة وديعة تفيض رحمة وعملا صالحًا" (يعقوب 17:3).
فالذي يريد أن يبني ويجعل كلامه مستقيمًا، عليه أن يعمل بقول الرسول يعقوب "من هو حكيم ومن هو عالمٌ بينكم فليُري أعماله بالتصرف الحسن في وداعة وحكمة" (11:3). إذاً الوداعةُ شرطٌ أساسيّ للتأديب، شرطٌ أساسيّ للحكمة والعلم، شرطٌ أساسيّ ليفرح الآخرون عندما يسمعون كلام الله المؤدب والمصلح.
فلنَسلُك إذاً يا إخوة طريق الوداعةِ، لِنسمَع دوماً قول الربِ فنفرح. هكذا يقول المزمور "يسمعُ الودعاء فيفرحون" وننقل هذا الفرح بوداعة للآخرين لكي يكون هذا الزمن زمن قداسة وزمن خلاص.
"طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض".
طروباريّة القيامة باللّحن الخامس
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة الـمُساوي للآبِ والرُّوح في الأزليَّة وعدمِ الابتداء، المولودِ من العذراء لخلاصِنا، لأنَّه سُرَّ بالجسد أن يَعْلُوَ على الصَّليبِ ويحتَمِلَ الموت، ويُنْهِضَ الموتى بقيامتِهِ المجيدة.
قنداق الفصح باللّحن الثامن
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلاّ أنّكَ درستَ قوّة الججيم، وقُمتَ غالباً أيّها المسيحُ الإله، وللنسوةِ حاملاتِ الطيب قُلتَ: إفرحنَ، ووهبتَ رُسُلكَ السلام، يا مانحَ الواقِعين القيام.
الرِّسَالة
أع 16: 16-34
أنتَ يا ربُّ تَحْفَظُنا وَتَسْترُنا في هذا الجيل
خلّصْني يا ربُّ فإنَّ البارَّ قَدْ فَنِي
في تلك الأيّام، فيما نحن الرسُّل منطلقون إلى الصلاةِ، استقبلَتْنا جاريةٌ بها روحُ عرافةٍ، وكانت تُكسِبُ مواليَها كسباً جزيلاً بعرافتها. فطفقت تمشي في إثر بولس وإثرنا وتصيح قائلة: هؤلاء الرجال هم عبيدُ الله العليّ وهم يبشِّرونكم بطريق الخلاص.وصنعت ذلك أيّاماً كثيرة، فتضجّر بولسُ والتفتَ إلى الروح وقال: إني آمُرُكَ باسم يسوعَ المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة. فلمّا رأى مواليها أنّه قد خرج رجاءُ مكسَبهم قبضوا على بولس وسيلا وجرّوهما إلى السوق عند الحُكّام، وقدّموهما إلى الوُلاةِ قائلين: إنّ هذين الرّجلين يبلبلان مدينتنا وهما يهوديّان، ويناديان بعاداتٍ لا يجوز لنا قَبولُها ولا العملُ بها إذ نحن رومانيّون. فقام عليهما الجمعُ معًا، ومزّق الوُلاةُ ثيابَهما وأمروا أن يُضرَبا بالعِصِيّ. ولمّا أثخنوهما بالجراح ألقَوهما في السجن وأوصَوا السّجَانَ بأن يحرسَهما بضبط. وهو، إذ أُوصِيَ بمثل تلك الوصيّة، ألقاهما في السجن الداخليّ وضبطَ أرجُلهما في المِقطرة. وعند نصف الليل كان بولسُ وسيلا يصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما. فحدثت بغتةً زلزلةٌ عظيمةٌ حتّى تزعزعت أُسُسُ السجن، فانفتحت في الحال الأبوابُ كلُّها وانفكّت قيودُ الجميع. فلمّا استيقظ السَّجّانُ ورأى أبواب السجن أنّها مفتوحة، استلّ السيف وهمّ أن يقتل نفسه لظنِّه أنّ المحبوسين قد هربوا. فناداه بولس بصوت عال قائلاً: لا تعمل بنفسك سوءاً، فإنّا جميعنا ههنا. فطلب مصباحاً ووثب إلى داخل وخَرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد، ثم خرج بهما وقال: يا سيدَيّ، ماذا ينبغي لي أن أصنع لكي أخلص؟ فقالا: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك. وكلّماه هو وجميع من في بيته بكلمة الربّ، فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسل جراحهما واعتمد من وقته هو وذووه أجمعون. ثم أصعدهما إلى بيته وقدّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.
الإنجيل
يو 9: 1-38
في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مُجْتَازٌ رأى إنسانًا أَعْمَى منذ مَوْلِدِه، فسألَهُ تلاميذُه قائِلِين: يا رَبُّ، مَن أَخْطَأَ أهذا أَمْ أبواهُ حتَّى وُلِدَ أعمَى؟ أجاب يسوعُ: لا هذا أخطأَ ولا أبواه، لكن لتظهَرَ أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أنْ أعملَ أعمالَ الَّذي أرسلَنِي ما دامَ نهارٌ، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دُمْتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَم. قالَ هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع من تَفْلَتِهِ طِينًا وطَلَى بالطِّين عَيْنَيِ الأعمى وقال له: ٱذْهَبْ وٱغْتَسِلْ في بِرْكَةِ سِلْوَام (الَّذي تفسيرُهُ الـمُرْسَلُ)، فمضى وٱغْتَسَلَ وعَادَ بَصِيرًا. فٱلجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرَوْنَهُ من قَبْلُ أنَّه أعمى قالوا: أليسَ هذا هو الَّذي كان يجلِسُ ويَسْتَعْطِي؟ فقالَ بعضُهُم: هذا هو، وآخَرونَ قالوا: إنَّه يُشْبِهُهُ. وأمَّا هو فكان يقول: إِنِّي أنا هو. فقالوا له: كيف ٱنْفَتَحَتْ عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيَّ وقال لي ٱذْهَبْ إلى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وٱغْتَسِلْ، فمضيتُ وٱغْتَسَلْتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلاً أعمى، إلى الفَرِّيسيِّين. وكان حين صنعَ يسوعُ الطِّينَ وفتح عينَيْهِ يومُ سبت. فسأَلَهُ الفَرِّيسيُّون أيضًا كيف أَبْصَرَ، فقال لهم: جعلَ على عينَـيَّ طينًا ثمَّ ٱغتسَلْتُ فأنا الآن أُبْصِر. فقال قومٌ من الفَرِّيسيِّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنَّه لا يحفَظُ السَّبت. آخَرون قالوا: كيف يقدِرُ إنسانٌ خاطِىءٌ أن يعملَ مثلَ هذه الآيات؟ فوقعَ بينهم شِقَاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيثُ إِنَّه فتحَ عينَيْكَ؟ فقال: إِنَّه نبيٌّ. ولم يصدِّقِ اليهودُ عنه أنَّه كان أعمَى فأبصَرَ حتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذي أبصرَ وسأَلُوهُما قائِلِينَ: أهذا هو ٱبنُكُمَا الَّذي تقولان إنَّه وُلِدَ أَعْمَى، فكيف أبصرَ الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلمُ أنَّ هذا وَلَدُنا وأنَّه وُلِدَ أعمَى، وأمَّا كيف أبصرَ الآن فلا نَعْلَمُ، أو مَنْ فتحَ عينَيْه فنحن لا نعلَمُ، هو كامِلُ السِّنِّ فٱسْأَلُوهُ فهو يتكلَّمُ عن نفسه. قالَ أبواه هذا لأنَّهُمَا كانا يخافان من ٱليهود لأنَّ اليهودَ كانوا قد تعاهَدُوا أنَّهُ إِنِ ٱعتَرَفَ أحَدٌ بأنَّهُ المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامِلُ السِّنِّ فٱسألوه. فدعَوا ثانِيَةً الإنسانَ الَّذي كان أعمَى وقالوا له: أَعْطِ مجدًا لله فإنَّا نعلَمُ أنَّ هذا الانسانَ خاطِئ. فأجابَ ذلك وقال: أَخَاطِئٌ هو لا أعلم، إنَّما أعلم شيئًا واحِدًا، أَنِّي كنتُ أعمَى والآن أنا أُبْصِرُ. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أَخْبَرْتُكُم فلم تسمَعُوا، فماذا تريدون أن تسمَعُوا أيضًا؟ أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا تريدونَ أن تصيروا له تلاميذَ؟ فَشَتَمُوهُ وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمَّا نحن فإِنَّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنَّ اللهَ قد كلَّمَ موسى. فأمَّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجابَ الرَّجلُ وقال لهم: إنَّ في هذا عَجَبًا أَنَّكُم ما تعلَمُونَ من أين هو وقد فتح عينَيَّ، ونحن نعلمُ أنَّ اللهَ لا يسمَعُ للخَطَأَة، ولكنْ إذا أَحَدٌ ٱتَّقَى اللهَ وعَمِلَ مشيئَتَهُ فله يستجيب. منذ الدَّهرِ لم يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فتحَ عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يَكُنْ هذا من الله لم يَقْدِرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إِنَّكَ في الخطايا قد وُلِدْتَ بجُملَتِكَ، أَفَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا؟ فأَخْرَجُوهُ خارِجًا. وسَمِعَ يسوعُ أَنَّهُم أَخْرَجُوهُ خارِجًا، فَوَجَدَهُ وقال له: أَتُؤْمِنُ أَنْتَ بابْنِ الله؟ فأجابَ ذاك وقالَ: فَمَنْ هو يا سَيِّدُ لأُؤْمِنَ به؟ فقال له يسوعَ: قد رَأَيْتَهُ، والَّذي يتكلَّمُ معكَ هوَ هُو. فقال: قد آمَنْتُ يا رَبُّ وسَجَدَ له.
في الإنجيل
يبيّن لنا الرسول يوحنّا في إنجيله، أنّ من كان يعتقد أنّه يبصر كان بالحقيقة أعمى. كان الفريسيون اليهود هم العميان، في حين أنّ الأعمى منذ مولده قد صار بصيرًا... فالذين ظنّوا أنفسهم في النور كانوا حقيقة في الظلام، لأنهم لم يريدوا أن يؤمنوا بالمسيح. والذي كان في الظلام صار في النُّور لأنه آمن بالمسيح. المسيح هو النُّور وكلّ من اتّبع المسيح يصبح في النُّور. «ما دمتُ في العالم فأنا نور العالم» (يوحنّا ٩: ٥)...
لماذا لم يعترف الفريسيون بالأعجوبة؟
قساوة القلب والسلوك الخاطئ هو ظلام يدخل إلى الإنسان ويجعله أعمى. الكبرياء وعدم طاعة وصايا الله، أدى إلى طرد النور من المدعوّين شعب الله، تمسّكهم بالسلطة المزيّفة والخوف من خسارة سيطرتهم على الضعفاء والمساكين جعلهم لا يعترفون بالمسيح، لذلك أصرّوا على إخراج أيّ يهوديّ من المجمع، إذا اعترف بيسوع أنّه المسيح. لأنّ اعترافهم به ملكاً ومسيحًا سيغيّر تفكيرهم ومواقفهم، وسيعرّض سلطتهم لخطر فقدانها، وأمّتهم لن تكون متماسكة وتحت سلطانهم، لأنّ سلطة المحبّة ستلد مكانها، ورسالة المحبة ستخرج إلى العالم، ليصبح إله المحبة سيّداً على الشعب... وبالتالي ستنهار زعامة الفريسيين ولن يبقوا قادة للشعب...
ماذا فعل اليهود ليبقوا على سلطتهم؟
ولكي يُبعدوا هذا الخطر عنهم، أرادوا أن يحوّلوا عمل يسوع الشفائيّ إلى ذريعة ليحاربوه به "أنه شفى الأعمى يوم السبت" وهذا كفر لأن السبت مخصّص للرب ولا يُعمَل فيه، (بحسب تفسيرهم الخاطئ لشريعة موسى) ... يرمون المسيح بالتهمة لكي يُبعدوا الناس عنه... ففضّلوا التمسّك الحرفيّ بالشريعة على عمل الخير... أنه أمر محزن ومؤلم، موقفهم هذا يدل على ظلام قلب ما بعده ظلام... سيؤدي بهم في آخر المطاف إلى قتل يسوع... وقتل كل من يؤمن به جيلًا بعد جيل، في حرب بدأت عند تجسّد الرب ولن تنتهي إلا بمجيئه الثاني...
كيف آمن الأعمى بيسوع وهو لا يرى؟
العمى الجسديّ عند المولود أعمى صار سببًا لإنارة عينَي قلبه، بشكل أوضح، وفتح حدقتي ذهنه للنور الحقيقيّ. فأصبح مُهيَّأً للمعرفة الفائقة، فأطاع كلمة الرّبّ وذهب واغتسل في بركة سلوام كما أمره الرّبّ. «فمضى واغتسل وأتى بصيرًا» (يوحنّا ٩: ٧)...إشارة مسبقة للمعمودية المقدسة وللماء الحيّ الروح القدس المزمع أن يحلّ على المؤمنين يوم العنصرة...
ما التحوّل الذي حصل بالأعمى؟
لقد شفيت عيناه، الجسديّة، والروحيّة، فبدأ يتكلّم باللاهوت بجرأة عند حواره مع اليهود، الذين ضغطوا عليه لكي ينكر قوّة الله. ولكن كانت كلماته المعطاة له من فوق أمضى حدّا من كلماتهم، " ... نحن نعلم أنّ الله لا يسمعُ للخطأة، ولكنْ، إذا أحدٌ اتّقى الله وعمل مشيئته، فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمَع أنّ أحدًا فتح عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدرْ أن يفعلَ شيئاً..." ( يوحنا 9: 33 -36) حجّته ولاهوته كانا أقوى من افترائهم، وبسبب موقفه هذا، جرّدوه من حقوقه الدّينيّة والاجتماعيّة، فتمجّد الله فيه...
هل يستمرّ النور فاعلاً فينا؟
أخذنا نور المسيح منذ الصغر في جرن المعمودية، ونلنا النعمة الإلهية بحلول الروح القدس... ولكن السؤال الكبير هل النور الإلهي الذي فينا يضيء للجميع؟ هل يتمجّد الله بأعمالنا وأقوالنا؟ هل المسيح هو الذي يتكلّم من خلالنا؟ فلنحرص يا إخوة على أن لا يتحوّل النور الذي فينا إلى ظلام ونصبح عميانًا بعد أن رأينا قيامة المسيح...
الكورونا والمؤمنون
لقد كان لفيروس الكورونا الذي اجتاح العالم بأسره تأثيره الصحّيّ والفكريّ والنفسيّ. للناحية الصحية أخصّائيّوها. أمّا في الناحية الفكرية فقد تعددت الآراء واختلفت المواقف حتى بلغت الإطار الكنسيّ. وما زادها حدّة هو مواقع التواصل الاجتماعيّ التي باتت في متناول الجميع. نناقش هنا بعض الآراء والمواقف لا لكونها مهمة لكن بسبب تأثيرها السلبي على نفوس المؤمنين، سواء كان من ناحية التشويش أو الخوف أو الضياع. لعلّ أكثر ما سبب اضطراباً في النفوس هو القرار المجمعي بحصر الحضور إلى الكنيسة وما تبعه من ردّات فعل وصلت حدّ التطرف، وما رافقها من حديث عن المناولة وعدم تقبيل الأيقونات وغيره.
أولاً، مَن يتمعن بالقرار يجد أن الكنائس لم تُغلَق وإنما حُصِر الحضور بالكاهن والأشخاص الضروريين لسير الخدمة، وبالتالي ما جرى هو منع التجمعات التي قد تزيد من خطر انتشار الفيروس، وقد التزم بهذا القرار كثيرون طاعة للرئاسة الكنسية. أما القول بأن في الكنيسة لا يمكن أن ينتشر أي وباء، فالوقائع تقول غير ذلك وأن الوباء انتشر حتى في الأماكن المقدسة، وهذا مفهوم لأن الكنيسة في النهاية ليست البناء بل هي الجماعة المجتمعة حول جسد الرب ودمه. أما عن الحرمان من المناولة فالقرار لم يُتّخذ لمنع المناولة خوفاً من العدوى في الملعقة. حاشا! مع أن هذا التفكير حدا بالبعض إلى اقتراح المناولة باليد أو بأدوات أخرى أو إرسال الذخيرة إلى البيوت. لكن معروف في التقليد المقدس أن الغذاء الروحي ليس في تكرار المناولة بل في الاستعداد الذي تأتي المناولة تكميلاً له. فكثيراً ما يمتنع الرهبان والنساك والعلمانيون عن المناولة لأشهُر وقد تقتصر المناولة على الأعياد فقط. الأهم في هذه الحالة هو الحفاظ على الحياة الروحية التي تؤهّلنا للنعمة الإلهية نفساً وجسداً. فالنفس عندما تشارك في هذا السلام الإلهي وفي وقار النعمة، فإنهما ينتقلان إلى وظائف الجسد أيضاً، كما يقول جان كلود لارشيه في كتابه "هوذا جسدي".
من هنا أنّ التركيز على الحياة الروحية والتوبة بانتظار العودة إلى المناولة بشوق، أفضل من أن نحاكم بعضنا بعضاً. لأن الغيور على الكنيسة وعلى المناولة لا يتّهم الآخرين بالجبن الإيماني ولا يراقب من أتى إلى الصلاة أو مَن امتنع. وهنا تظهر أهمية التمييز كما يحدّده القديس يوحنا السلمي بأنه معرفة ثابتة لمشيئة الله في كل ظرف وآن ومكان.
نقطة مهمة ثانية شغلت المؤمنين هي الحديث عن غضب الله وربط الجائحة بعلامات المجيء الثاني.
واضح تعليم الرب بأن تلك الساعة لا يعرفها إلا الآب، وتعليم الآباء بأن نهتمّ بأن نكون مستعدين لتلك الساعة أكثر من اهتمامنا بها متى تكون. أما عن غضب الله، فيعلّمنا الرسول بولس في الرسالة إلى رومية (18:1):
"أَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ" ويتابع واصفاً فجور الناس وآثامهم التي تستجرّ غضب الله لتأديبهم. فيكون بنظر الرسول سبب الشرور التي تحلّ بالناس خطيئتهم وإنكارهم لحقيقة الله وتبنّيهم للتفكير العقيم والوثنية والانحراف الجنسي وكسر العلاقات الأخلاقية. وفي هذا يرى الرسول أن غضب الله موجّه ضد الخطيئة وليس ضد الخاطئ، وهو لا يشبه موقف آلهة الرومانيين بشيء ولا هو صادر عن انتقام أو رغبة بالشر.
آباء الكنيسة تكلّموا عن "غضب الله" و"القصاص الإلهي"، وقد يكون القديس يوحنا الذهبي الفم أكثر مَن شرح وعلّم عن هذا الموضوع. لذا عندما يتحدث الكتاب المقدس والآباء عن الغضب والقصاص الإلهيين، لا يكون الكلام وصفاً لطبيعة الله التي لا سبيل إلى معرفتها أو فهمها أو وصفها، بل بالأحرى غاية الكلام ردّ الإنسان عن أن يلازم شرّه وأن يتوب.
يصف الذهبي الفم غضب الله بأنه لطف محِب للإنسان، لكن الشرير يختبر هذه المحبة كغضب وعقاب. يأخذ الذهبي الفم مثال الطبيب وكيف أن علاج بعض الأمراض ليس لعقاب مَن يسبب المرض أو يعاني منه، بل هو ضرورة لاستجلاب الصحة والمنفعة لمَن هو بحاجة للعلاج بغض النظر عن كمّ الألم الذي يلحِقه العلاج. وهكذا، فإن الكلام عن غضب الله في الكتاب المقدس وعند الآباء هو لكي نفهم مدى أهمية أن نتوب الآن، لأنه لا توبة بعد الموت.
واليوم في خضمّ جائحة الكورونا، لا ينبغي أن يكون كلام بعض الآباء المعاصرين بأن الجائحة هي من الله مصدراً للفِرقة والخلاف بل يجب أن نفهمها بأنها ناشئة عن خطايا العالم وما هي إلا حثّ على التوبة. وأي كلام عنها لا ينبغي أن يكون لإلصاق صفة الانتقام بالله، بل لإظهار عمله التربويّ الذي يمارسه الأبُ المُحِبُّ والحكيمُ مع أبنائه.