الأحد 7 حزيران 2020
07 حزيران 2020
الأحد 7 حزيران 2020
العدد 23
أحد العنصرة المقدس
* 7: الشَّهيد ثاودوتُس أسقف أنقرة، الشَّهيد باييسيوس (كفالونيَّة)، صلاة السَّجدة، * 8: إثنين الرّوح القدس، نقل عظام ثاوذورس قائد الجيش، الشهيدة كاليوپي، * 9: كيرللس رئيس أساقفة الإسكندرية، * 10: الشهيدان ألكسندروس وأنطونينا، * 11: الرَّسولان برثلماوس أحد الـ 12 وبرنابا أحد الـ 70، أيقونة بواجب الاستئهال،
* 12: البارّ أنوفريوس المصريّ، بطرس الآثوسيّ، * 13: وداع العنصرة، الشَّهيدة أكيلينا. **
عيد العنصرة
هو يوم الخمسين، الذي كان العيد الثاني الأهمّ في العهد القديم، ويُحتفل له في اليوم الخمسين، أو بعد سبعة أسابيع، من عيد الفصح (لاويين ٢٣: ١٥، ١٦، تثنية ١٦: ٩، ١٠)، لذا يُسمّى أيضًا "عيد الأسابيع" (أنظر ٢أخبار الأيّام ٨: ١٢، ١٣).
في يوم الخمسين، وجب على كلّ واحد من الشعب أن يظهر أمام الربّ في هيكله (خروج ٣٤: ٢٢، ٢٣). وكان الشعب يحفظ هذا العيد كحفظهم ليوم السبت، فلا يجوز فيه القيام بأيّ عمل، بل ينبغي الذهاب إلى بيت الربّ لتقديم الشكر.
وكلمة عنصرة تأتي من كلمة عبريّة، "عصريت"، تشتقّ من الفعل العبريّ "عصار"، ومعناه "اجتمع، جمع".
فتعني الكلمة "الاجتماع" الذي يشير في استعمال العهد القديم إلى "العيد"، يوم يجتمع الشعب في احتفالٍ بهجٍ لشكر الربّ. وبحسب تسليمٍ يهوديّ متأخّر، لقد استلم موسى الناموسَ على جبل سيناء في اليوم الخمسين لخروج بني إسرائيل من مصر.
ثمّ اكتسب يوم الخمسين، بعد صعود المخلّص، معنىً جديدًا بحلول الروح القدس الموعود به على رسل المسيح. كان الرسل يترقّبون في صلاةٍ وصبرٍ تحقيق وعد المسيح لهم (أعمال الرسل ١: ٤، ١٤)،
فحلّ الروح عليهم كقوّة سكنت فيهم. في يوم الخمسين استعلن الروح القدس شخصيًّا، فأنار أذهان الرسل وقلوبهم وغيّر حياتهم. كما أهّلهم لعمل البشارة الشاقّ الذي التزموا به حتى آخر نسمة من حياتهم، فأضحوا شهودًا لله الكلمة المتجسّد وغالب الموت، لتمتدّ حدود الكنيسة وتشمل جميع أقطار الأرض، كما أوصاهم المسيح إلهنا.
وفي اكتمال أيّام التعييد للفصح البهج، والفرح المقدّس يغمر أرواح المؤمنين لأجل قيامة الربّ وصعوده إلى السموات، تبلغ البهجة الروحيّة ذروتها يوم العنصرة. لقد أعطى آباء الكنيسة أهميّة كبرى لهذا العيد في عظاتهم، فاستفاضوا في شرح قداسة هذا اليوم. وعلى غرار الأعياد السيّديّة الكبيرة، خَصّصت الكنيسة أسبوعًا كاملاً للاحتفال بهذا العيد وإنشاد ترانيمه.
عندما نزل الروح القدس على الرسل، وعلينا نحن المعتمدين باسم يسوع المسيح، صار المسيح معنا في داخلنا بروحه الساكن فينا (رو 8: 9-11)، يُنير عقولنا، يخاطبنا، يُلهم أفكارنا، ويؤنّبنا على خطايانا، ويحثّنا إلى كلّ ما هو سلام ومحبّة وقداسة، ويجعل "كلّ الأمور تعمل معًا للخير للذين يحبّون الله". بنعمة
روح الله يتحوّل اهتمامُ الذين آمنوا بالمسيح مخلّصًا للعالم، من جسدانيّ وأنانيّ مثبّت على المنافع الأرضيّة والضمانات الماديّة الهشّة والمتع الجسدانيّة، إلى روحيّ موجّه بحسب صوت الروح، الذي إذا ما أحبّه الإنسان وسار في إثره يختبر قوّة وسرورًا وسلامًا وهدوءًا وقداسةً لا يستطيع العالم أن يمنحها.
لقد منحنا الروح القدس "ناموسًا روحيًّا" جديدًا يحقّق التبرير من الخطايا والقداسة، ويضمن الخلاص إذا ما سلكنا في هذا النهج بأمانةٍ، مطيعين المسيح الساكن فينا بروحه، وحاملين الشهادة له في العالم بالأقوال والأفعال.
الأرشمندريت يعقوب خليـل
معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ
طروباريّة العنصرة باللّحن الثامن
مباركٌ أنتَ أيّها المسيحُ إلهنا، يا من أظهرتَ الصيّادينَ غزيري الحكمة إذ سكبتَ عليهم الروحَ القدس، وبهم اصطدتَ المسكونة، يا محبَّ البشرِ، المجدُ لك.
قنداق العنصرة باللّحن الثامن
عندما نزل العليُّ مبلبِلًا الألسنة، كان للأُمم مقسِّمًا. ولمّا وزّع الألسنةَ النارّية، دعا الكُلَّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلك، باتّفاقِ الأصوات، نمجِّدُ الروحَ الكليَّ قدسُه.
الرِّسَالة
أع 2: 1-11
إلى كلِّ الأرضِ خرجَ صوتُهم
السمواتُ تُذيعُ مَجْدَ الله
لمَّا حلَّ يوم الخمسين، كان الرسلُ كُلُّهم معًا في مكان واحد. فحدثَ بغتةً صوتٌ من السماءِ كصوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلَّ البيتِ الذي كانوا جالسين فيهِ، وظهرت لهم ألسنةٌ منقسِمةٌ كأنَّها من نار، فاستقرَّتْ على كلِّ واحدٍ منهم، فامتلأوا كلُّهم من الروح القدس، وطفِقوا يتكلَّمون بلغاتٍ أخرى، كما أعطاهم الروحُ أن ينطِقوا. وكانَ في أورشليمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كل أمَّةٍ تحتَ السماءِ. فلمّا صار هذا الصوتُ اجتمعَ الجُمهْورُ فتحيَّروا لأنَّ كلَّ واحدٍ كان يَسمعُهم ينطِقون بلغتِه. فدُهِشوا جميعُهم وتعجَّبوا قائلين بعضُهم لبعضٍ: أليس هؤلاء المتكلمونَ كلُّهُم جليليّين؟ فكيفَ نسمعُ كلُّ واحدٍ مِنّا لُغتَه الّتي وُلد فيها، نحن الفرتيّين والماديّين والعيلاميّين، وسكّان ما بين النهرين واليهودية وكبادوكية وبنطس وآسية وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية عند القيروان، والرومانيّين المستوطنين، واليهود والدخلاء والكريتيّين والعرب، نسمعهم ينطقون بألسنتِنا بعظائمِ الله!
الإنجيل
يو 7: 37-52
في اليوم الآخر العظيم من العيد، كان يسوعُ واقفاً فصاح قائلاً: إن عطش أحد فليأت إليّ ويشرب. من آمن بي، فكما قال الكتاب ستجري من بطنه أنهارُ ماءٍ حيّ. (إنّما قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه إذ لم يكن الروح القدس قد أُعطي بعد، لأنّ يسوع لم يكن بعد قد مُجِّد). فكثيرون من الجمع لما سمعوا كلامه قالوا: هذا بالحقيقة هو النبيّ. وقال آخرون: هذا هو المسيح، وآخرون قالوا: ألعلَّ المسيح من الجليل يأتي! ألم يَقُلِ الكتابُ إنَّه، من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقاقٌ بينَ الجمع من أجلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدونَ أن يُمسكوهُ، ولكِن لم يُلقِ أحدٌ عليه يداً. فجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساء الكهنَةِ والفَرِّيسيّينَ، فقالَ لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدَّامُ: لم يتكلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسيّون: ألعلَّكم أنتم أيضاً قد ضلَلتُم! هل أحدٌ مِنَ الرؤساءِ أو مِنَ الفرِّيسيينَ آمَنَ بِهِ؟ أمَّا هؤلاء الجمعُ الذينَ لا يعرِفونَ الناموسَ فَهُم ملعونون. فقالَ لهم نِيقودِيموُس الذي كانَ قد جاءَ إليه ليلاً وهُوَ واحدٌ منهم: ألعلَّ ناموسَنا يَدينُ إنساناً إن لم يسمَعْ مِنهُ أولاً ويَعلَمْ ما فَعَلَ! أجابوا وقالوا لهُ: ألعلَّكَ أنتَ أيضاً من الجليل! إبحثْ وانظرْ، إنَّهُ لم يَقُم نبيٌّ منَ الجليل. ثُمَّ كَلَّمهم أيضاً يسوعُ قائلاً: أنا هوَ نورُ العالَم، من يتبَعْني لا يمشِ في الظلامِ، بل يَكُنْ لهُ نورُ الحياة.
في الإنجيل
من إنجيل يوحنّا كان يسوعُ في الجليل يبشِّر وكان يُفضِّل أن يبقى هناك وألّا يذهب إلى اليهوديّةِ "لأنَّ اليهود كانوا يطلبون قتله" (يو 7: 1).
أمّا أقارب يسوع فكانوا يحاولون أن يُقنِعوه أن يذهب إلى أورشليم ليشارك في عيدِ المظالّ ويُعلِّمَ هناك ويأخُذَ له تلاميذ لكي يذيع مجده ويصبِحَ مشهوراً (7: 4-5).
ولكن يسوع لم يفعل ذلك لأنَّه لم يرِد مجداً لنفسه (7: 6-7) ولأنَّ ساعةَ آلامه وصلبه لم تكن حاضرة بعد (7: 8). هناك فرق بين أن يؤدّي رسالته ويذيع بأعمالِ الله وبين أن يذيعَ شهرته (7: 16-17).
لم يكن مهتمّاً بشهرةٍ أرضيّة. ويتابع الإنجيل ويخبرنا أنَّه بعدما صعد أقاربه إلى أورشليم، تبعهم إلى العيدِ سِرّاً، وظهر فجأةً للناسِ وبدأ يُعلِّم.
يخبرنا الإنجيلُ أنَّ العيد كان عيد المظالّ (7: 1) وهو واحدٌ من أهمِّ أعيادِ اليهودِ. فهو كانَ عيدًا للحصاد، وفيه تتمّ ذكرى أعمال الله العجيبةِ وما فعله مع إسرائيلَ في البريّةِ. يُرافِقُ العيدَ احتفالٌ بالأنوار.
فلهذا كان العيد يقدِّمُ الأرضيّة المناسبة لكي يظهر يسوع المسيحُ، كلمةُ اللهِ و ’’نور العالم‘‘ (8: 12). يذكر الإنجيل أنَّ يسوع في ’’اليوم الأخير العظيمِ مِنَ العيدِ‘‘ وهو اليوم الثامِن مِنه (لا 23: 36؛ عد 29: 35؛ نح 8: 18) وقف وقال ’’إن عَطِشَ أحدٌ فليأتِ إليَّ ويشرب‘‘ (يو 7: 37). كان اليوم الأخير من العيدِ بمثابةِ احتفالٍ للمياه.
فالمياه تذكِّرُ بِضرب موسى الصَّخرةَ في البرّيّةِ وخروج الماء منها على الفَور لتروي شعب إسرائيل (خر 17: 1-7).
والأنبياءُ سبقوا فأنبأوا أنّه ستجري المياهُ يوماً في وسط الشَّعب (حز 47: 1؛ زك 14: 8). من هنا نتذكّر قول الرسول بولس أنّ ’’الصخرة كانت المسيح‘‘ (1 كو 10: 4). فكلامُ يسوعُ هذا يذكِّرنا بخطابه مع المرأة السّامريّة (يو 4: 10، 14).
الواضِحُ مِنَ الإنجيلِ أنَّ الماء الذي يذكره يسوع هو دلالة على الروح القدس. لهذا في الليتورجيا نستعمل الماء في التقديسَين الكبير والصغير وفي المعموديّةِ والزّاون أو الماء الحارّ عند تحضير الكأسِ للمناولة. كلُّها دلالةٌ على الروحِ القدس الذي هو عنصر الحياة، وهو الحياةُ بذاتها.
فهو نواةُ الخليقةِ ومُحرِّكُ الحياةِ فيها. هو مصدرُ الحياةِ في البشر والطبيعةِ. الرُّوحُ القُدُسُ هو إلهٌ واحِدُ في الجوهرِ والرئاسةِ وفي اللّابداية واللانهايةِ مع الآبِ والكلمة. هو يُكمِلُ عمل الله الثّالوثي. فبه يتّصل الإنسانُ بالمسيحِ الكلمةِ ويراهُ ويتألَّهُ؛ وبالمسيحِ يرى الآب ("من رآني فقد رأى الآبَ أيضاً").
بدونِ الروح القدس لا حياةَ للنفسِ بل موتٌ. الله الروحُ هو مصدر القوّة المحيية والمحرِّكة للنفسِ بالنعمةِ التي يهبها الله للإنسان. فالإنسان يتّصل بقوى الله بالروحِ القدسِ وبدونه لا يتمّ التأليه،
بل مِن خِلالِهِ يؤلِّهُ اللهُ البشرَ. لكي يحصل الإنسان على الروحِ عليه أن يؤمِن بالمسيحِ الكلمة. البذارُ الإلهية المغروسةُ في قلبِ أعماقِ الإنسانِ منذ خلقه هي المنبِّه الدّاخليّ وواهبةُ اليقين بوجود الله الأوحد.
مِن خلالِ صورة الله في الإنسان من جهةٍ وتفعيلها بالإيمانِ بقدرةِ المسيحِ ينجذبُ الإنسانُ بالصلاةِ إلى الله، إذ إنَّ اللوغوس الذي فيه هو مكوِّنٌ جذّابٌ بواسطة الصلاةِ، أي حينما يُصلّي الله في الإنسان؛ لأنَّ عمل اللوغوس العقليّ في الخليقةِ هو التوسُّعُ فيها ليجذب المحدود إلى اللامحدودِ؛ لأنَّ هذا هو عمل الخلقِ الجديدِ، عملُ الكلمة الإلهيّة.
لذا عندما يلتقي الإنسان بالله في وسط الطريق عبر الصلاة، إذ هذه تُبدي تفاعُلاً مع الصلاة الإلهيّة التي تنبع من أعماقِ الإنسان، يتمُّ الجذبُ بواسطةِ الروحِ القدس. حينها، يولدُ الإنسانُ مِن فوق بفعل الكلمةِ والرّوح، ويصبحُ الإنسانُ بحدِّ ذاته ينبوعاً تتدفّق منه أنهار مياهٍ حيّة، يجذبُ بدوره أخوته ويرشدهم للاتّحاد بالله.
أرسل روحك القدّوس علينا....
هوذا اليوم الخمسون قد أقبل. مرحلة جديدة في مسيرة الخلاص الإلهيّ قد حلّت. بالتجسّد الإلهيّ أمكن الخلاص.
فعل القيامة تحقّق. أمّا في العنصرة، فإنّ إمكانَ التألُّهِ بنعمة الروح القدس قد عُمّم. لم يترك الربّ شعبه. أرسل لهم روحه القدوس ليعزّيهم، لئلا تحزن قلوبهم ويضعفوا، وهو العارف ما في القلوب.
في حدث العنصرة حلّ الروح القدس على التلاميذ بشكل ألسنة ناريّة ليعمّق صلته بكلمة الله. لأنّه ما من شيء أقرب إلى اللسان من الكلمة. وفي الوقت ذاته ليظهر موهبة التعليم التي بدأها السيّد بنفسه وسيكملها تلاميذه.
يقول الكتاب المقدّس عن الألسنة "كأنّها" من نار، لئلا يُظنّ أنّها حسّيّة ومادّيّة. فكما أنّ النار بطبيعتها تنير وتحرق. هكذا كلمة الله- كلمة البشارة في المسيح تنير الذين يثقون بها بصدق وتعلّمهم. أمّا الذين لا يثقون بها فتحرقهم لأنّهم لم يقبلوها، أو حتّى قبلوها بزيف كما نلاحظ كثرتهم اليوم.
فأنت يا ربّ تعلم ضعفاتنا وتردّدنا. أنت أرسل روحك القدّوس علينا ليطهّرنا، علّنا في هذا اليوم المبارك، نتجدّد وننطلق من جديد لتمجيد اسمك القدوس. آمين