الأحد 26 نيسان 2020

الأحد 26 نيسان 2020

26 نيسان 2020

الأحد 26 نيسان 2020
 العدد 17
 
أحـــــد تومــــا
الإيوثينا الأولى
 
26: الشَّهيد فاسيلافس أسقف أماسية، * 27: الشَّهيد في الكهنة سمعان نسيب الرَّب، * 28: التسعة المستشهدون في كيزيكوس، * 29: الرَّسولان ياسينوس وسُوسِيباترس ورفقتهما، * 30: الرَّسول يعقوب أخو يوحنَّا الثاولوغوس، * 1: النبيّ إرميا، البارة إيسيذورة، * 2: نقل جسد القدِّيس أثناسيوس الكبير.
 
الإيمان يحتاج إلى القلب أوّلا
في مثل هذا اليوم، نفخ المسيح في تلاميذه الروح القدس وأرسلهم إلى العالم. كما أعطاهم قدرة غفران الخطايا. ما أعظم تلك العطيّة، لقد أصبح سلطان غفران الخطايا بيد الرسل أي البشر، الذين بدورهم نقلوه إلى تلاميذهم وتلاميذ التلاميذ.
 
نرى من خلال إنجيل القدّيس يوحنّا اللاهوتي في الإصحاح العشرين، جانب الفزع عند الرسل الذين اجتمعوا في بيت صغير مظلم، خوفا من اليهود وذلك بعد موت ربّنا يسوع المسيح. فأغلقوا كلّ شبّاك وباب، وهم محزونون، ينوحون، يائسين ومتضايقين حتى العمق.
 
 كانوا يتوهمون أمورا غريبة، تائهين وخائفين من الظهور. فبدل أن يكونوا بانتظار ظهور الربّ المُمَرمِر الجحيم، كانوا خائفين من أن يقوم الناس بإنهاء حياتهم بتعليقهم على الصليب.
 
لم يرفعوا رؤوسهم و قلوبهم إلى فوق ليعاينوا نور القيامة المنبعث من القبر، كانوا منحنين ومرتعبين في الظلام الدامس، خائفين على حياتهم الأرضية، متفكّرين أنّهم لن يستطيعوا تحمّل ما عانى منه الربّ من التعذيبات والآلام.
 
عندما وصلتهم الأخبار أنّ معلّمهم حيّ، فكّروا في أنفسهم كيف من الممكن لجسد المسيح أن يقوم من الموت، بعد تعرّضه للجلد، الضرب، المسامير وطعن الحربة في جنبه؟
 
يقول الآباء القدّيسون إنّ الربّ شاء أن يظهر للرسل بغياب توما الرسول بتدبير منه. كما أنّ الرسول توما لم يشأ تصديق الرسل الآخرين لأنه أراد برهاناً حسيّاً. كما أنّ التقليد المقدس للكنيسة يوضح أنّه عند ظهور الربّ لتوما، طلب منه الرب أن يضع يده في أثر المسامير و الحربة، إلا أنّ توما لم يفعل و لكنّه صرخ "ربّي وإلهي". أيقن الرسول توما في حينه أنّه ليس بالحواس البشريّة فقط تتمّ المعرفة الحقيقيّة ولكن بالحسّ الإلهيّ النابع من القلب الذي ندعوه "الإيمان" فهو يعمل مع الحواس أو بدونها لنصل إلى الإدراك الحقيقي.
 
من هنا نرى كيف أنّ المسيح طوَّبَ الذي يؤمن من دون أن يرى (يوحنا 29:21). لذلك يا إخوة إنه لمبارك إن آمنّا ولم نرَ. ها نحن اليوم نصرخ بحسب التقليد الشريف الفصحيّ "المسيح قام" معلنين بالقلب معاينة قيامة المسيح التي لم تعاينه عيوننا الحسيّة. هذا هو التدبير الذي شاء من خلاله المسيح أن يظهر للتلاميذ في غياب توما. كما أن تشكيك توما بقيامة المسيح لم يكن أمرا مؤذياً، بل أمرا مباركاً، لأن به أصبح الرسل متيقّنين أكثر لقيامة المسيح بالجسد، التي أعلنوها للعالم جهاراً، و ذلك حتى تؤمنوا أنتم أيضاً بأنّ "يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يوحنا 31:20).
 
طروبارية الأحد الجديد باللحن السابع
إذ كان القبرُ مختوماً أشرقتَ منه أيّها الحياة، ولما كانتِ الأبوابُ مغلقة، وافيْتَ التلاميذَ أيّها المسيحُ الإلهُ قيامةُ الكلّ. وجدّدتَ لنا بهم روحًا مستقيماً، بحسب عظيم رحمتك.
 
القنداق باللحن الثامن
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إلاّ أنَّك درستَ قوةَ الجحيم، وقُمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله، وللنسوةِ حاملاتِ الطيب قُلتَ افرحنَ، ولِرسلِكَ وَهبتَ السلام، يا مانح الواقعينَ القيام.
 
الرسالة: أع 5: 12-20
عظيم هو ربُّنا وعظيمة هي قوتُه
سبِحوا الربَّ فإنَّه صالِحٌ
 
في تلكَ الأيّام جَرَتْ على أيدي الرُّسُل آياتٌ وعَجائبُ كثيرةٌ في الشَّعب. (وكانوا كلُّهُم بِنَفْسٍ واحِدَةِ في رِواقِ سُليمان، ولم يكُنْ أحَدٌ من الآخَرينَ يَجترِئُ أنْ يُخالِطَهُمْ. لكنْ كانَ الشَّعبُ يُعظِّمُهمُ. وكانَ جماعاتٌ مِنْ رجال ونِساء ينضَمُّونَ بِكَثَرَة مُؤمِنينَ بالربِ) حتى إنَّ الناسَ كانوا يَخرُجونَ بالمرضى إلى الشَّوارِع ويضعونهُم على فرُشٍ وأَسِرَّةِ ليَقَعَ ولَوْ ظِلُّ بطرسَ عنِدَ اجتيازِهِ على بعْضٍ منهم. وكانِ يجْتمِعُ أيضاً إلى أورَشَليمَ جُمهورُ المدُنِ التي حوْلها يَحمِلون مرضى ومعذْبينَ مِنْ أرواح نَجِسة. فكانوا يُشْفَوْنَ جَميعُهُم. فقامَ رئيسُ الكهَنةِ وكلُّ الذينَ معهُ وهُمْ مِن شيعَةِ الصدُّوقِيّينَ، وامتلأوا غَيرةً، فألقوا أيدِيَهُم على الرُسُلِ وجَعَلوهُم في الحبسِ العامّ، ففَتَحَ ملاكُ الربِّ أبوابَ السِّجنِ ليلاً وأخرَجَهُم وقالَ امْضُوا وَقفِوا في الهيكلِ وكَلِّموا الشَّعبَ بِجميع كلِماتِ هذه الحياة.
 
الإنجيل:
يو 20: 19-31

 
لمّا كانت عَشيَّة ذلِكَ اليومِ، وَهُوَ أوَّلُ الأُسبوع والأَبوابُ مُغلَقةٌ حيثُ كانَ التلاميذُ مجتمِعينَ خوفاً مِنَ اليهودِ، جاءَ يسوعُ ووقفَ في الوَسْط وقالَ لَهم: السلامُ لكم. فلمّا قالَ هذا أراهم يَدَيهِ وجَنبَهُ. ففرِحَ التلاميذُ حينَ أبصَروا الربَّ وقال لهم ثانية: السلامُ لكم. كما أرسَلني الآبُ كذلكَ أنَا أرسِلُكم. ولما قالَ هذا نَفَخَ فيهم وقالَ لهم خذوا الروحَ القُدُسِ، مَن غفرتُم خطاياهم تُغْفَرْ لهم، ومَن أمسكتُم خطاياهم أُمسِكَتْ. أمَّا توما أحَدُ الاثنيَ عشرَ الذي يقالُ لهُ التوأَمُ فلم يكنْ معَهم حينَ جاءَ يسوع. فقالَ لهُ التلاميذُ الآخرونَ إنَّنا قد رأيْنا الربَّ. فقالَ لهُم إنْ لم أُعايِنْ أثرَ المساميرِ في يدَيْهِ وأضَعْ إصبَعي في أثرِ المساميرِ وأضَعْ يدي في جَنبِهِ لا أُومنِ. وبعدَ ثمانيةِ أيّامٍ كانَ تلاميذهُ أيضاً داخِلاً وتوما معَهم، فأتى يسوُعُ والأبوابُ مُغلقَة، ووقفَ في الوَسْطِ وقالَ السلامُ لكم. ثمَّ قالَ لتوما: هاتٍ إصبَعَكَ إلى ههنا وعَاينْ يَدَيَّ. وهاتِ يَدَكَ وضَعها في جَنبي ولا تَكُنْ غيرَ مُؤمنٍ بَل مؤمناً.
 
أجابَ توما وقالَ لهُ رَبِّي وإلهي. قالَ لهُ يسوعُ لأنَّكَ رأيتني آمنت. طوبىَ للذينَ لَمْ يَرَوا وآمنَوا، وآياتٍ أُخرَ كثيرة صَنَعَ يسوعُ أمامَ تلاميذِهِ لم تكتَبْ في هذا الكتاب، وأمَّا هذهِ فقد كتبَتْ لتُؤمِنوا بأنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله. ولكي تكونَ لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمِهِ.
 
في الإنجيل
صرخ توما: "ربي وإلهي". جواب الرّب يسوع له:" طوبى للذين آمنوا ولم يَروا". نحن الذين آمنَّا ولم نر. ولكننا في الوقت عينه نحن مثل توما، نريد أن نلمس نريد براهين حسيّة.
 
إذا تمعنّا جيدًا بإنجيل اليوم، لا يوجد ما يؤكد أن توما قد لمس الرّب يسوع على الأرجح، لا بل على الأكيد أنه آمن بمجرد أن دعاه الرّب يسوع ليرى ويلمس. هنا تأكّد توما أيضًا أن الرّب عالمٌ بكلِّ شيء، لأنه علمَ ما قاله توما لرفاقه التلاميذ عندما قال لهم أنه لا يؤمن إن لم يضع يده وإصبعه مكان المسامير والحربة.
 
كُلّنا كتوما من ناحية الشّك والحيرة، كلنا مثله، وأكثر الأحيان لا نتشبّه به في إعلانه ألوهيّة الرّب يسوع. لأنَّ توما ترجم هذا الايمان بذهابه إلى الهند واستشهاده هناك. لقد قَبِلَ أن يُباع كعبدٍ ليصل إلى أبعد بلد (ونحن نعلم كم كان السفر متعِبًا ومُكلفًا).
 
ما المطلوب منّا نحن؟ هل المطلوب هو الموت الجسدي؟ ربما! إذا اضطُررنا إلى هذه المرحلة. ولكنَّ الصحيح والمؤكد أنَّ المطلوب أن نشهدَ ونستشهدَ كلَّ يومٍ من أجل إيماننا، المطلوب أن نثقَ ونسلِّمَ كلّ أمورنا للرب يسوع المسيح.
 
هذا ما تعنيه كلمة ايمان، إنها آتية من فعل أمِنَ أي وَثِقَ. ألا نثق بكابتن الطائرة، أو بقبطان السفينة؟ إن كنا كذلك فلما لا نثق بالذي خلق القبطان والكابتن و....؟
 
علينا أن نتمثَّل بتوما، وذلك بترجمة ايماننا، بأعمال تدلُّ وتؤكد على أننا وَثقنا بأنَّ ربنا هو الإله الحقيقي، الذي افتدانا بدمه، ودعانا أن نكون رسلاً شاهدين لقيامته من بين الأموات.
 
الشك البنّاء
من منّا لا يخامرُه شكٌّ في أمورِ دينِه ودنياه؟ من منّا لا يعيدُ التفكيرَ بمبادئَ وحقائقَ اعتاد عليهما ولُقِّنَهما من صغره؟ هل الشكّ نقضٌ لكلّ ما أُنشِئنا عليه؟ وفي حقلِ الإيمان، هل هو كفرٌ؟
 
الرسول توما شكَّ ولم يُرِدْ أن يؤمن، لم يُرِد أن يصدّقَ إلّا إذا عاين موضوعَ إيمانِه، المسيحَ، قائمًا أمام حواسِّه. هل يُلام؟ هل تضع الكنيسة نموذجَ توما أمامنا صورةً لضعف الإيمان؟
 
قيامةُ ميتٍ ليست أمرًا بديهيًّا يتقبّله الإنسانُ بسهولة. ولم يقبلْه تلاميذُ المسيحِ الذين رافقهم ثلاث سنوات وألْمَحَ إليهم أنّه سيُصلب ويموت ويقوم في اليوم الثالث. مجملُ بُنْيَتِهم الفكريّة والدينيّة والحضاريّة لا تسمحُ لهم قبولًا مباشَرًا بقيامةِ جسدٍ ميت. ما أدركوا، لحظةً من اللحظات، أنّ يسوعّ هذا المرذولَ الميتَ سيقومُ بمجدٍ. موتُه كان لهم النهاية. ما كانوا مستعدّين لتقبّلِ حدث القيامة.
 
شكُّ توما مُجَسَّمٌ لشكّ الرسلِ أجمعين. جميعهم شكّوا ولم يؤمنوا مباشرةً، وما كانوا ليؤمنوا لو لم يظهرْ لهم مدّةَ أربعين يومّا. لماذا لم يصعدْ مباشرةً، بعد قيامتِه، إلى السماء؟ لماذا بقي أربعين يومًا يظهرُ لهم ويعلّمُهم؟ أليس ليزيحَ عنهم حجرَ القبرِ الذي ما استطاع أن يحجزَ الحياةَ داخل القبرِ ولكنّه تمكّنَ أن يُطْبِقَ على قلوب التلاميذ ويجعلَ قيامتَه عَسِرَةَ القبول عندهم؟
 
قيامةُ المسيحِ واقعةُ مصيريّة تحدّد مسارَ حياةِ من يؤمن أو لا يؤمن بها وتوجّهه نحو مبتغاه. هي تتحدّى الإنسانَ لأنّها تضعُه أمام خيارين: إمّا أن يؤمنَ أنّ اللهَ خلقَه ليحيا إلى الأبد وأنّ حياتَه هي هبةٌ من الله دون سواه، وإمّا أن لا يؤمنَ بها ويعتبرَ أنّ الموتَ هو مرماه الأخير وهو يلفّ الجميع. أمام هذين الخيارين يحدّدُ الإنسانُ نهجَ حياتِه.
 
القيامةُ، بشخص المسيح، هي أساس المسيحيّة، دونها يسقط كلّ شيء. "إن لم يكن المسيح قد قام فإيمانكم باطل ولا تزالون في خطاياكم... وإذا كان رجاؤنا في المسيح مقتصرًا على هذه الحياة فنحن أشقى الناس أجمعين" 1 كور 15 ،17 – 19).كلّ من حاول ضربَ المسيحيّة في جوهرِها شكّك في قيامة المسيح بالجسد. شكّ توما وضع حدًّا لهذا التشكيك. لولا شكّ توما لَشَكَكْنا ولم نؤمنْ. شكُّه ثبّت الإيمانَ وحصّنَه فلا يمكن أن يكون إيمانُه ضعيفًا أو كفرًا. توما لم يقفْ عند شكّه بل أراده عتبة للإيمان ومدخلًا إليه. هذا شكّ بنّاء مبارك.
هل نؤمن نحن بسهولة بالقيامة؟ نعم نؤمن بها ولكن ربّما لفظيًّا. هل نؤمن بها كيانيًّا؟ هل نضع أنفسنا أمام الخيارين المذكورين؟ هل نحدّد مسار حياتنا انطلاقًّا من خيارنا القياميّ؟ أترك الإجابة لكلّ مسيحيّ ليجيب عنها في حياته كلّ يوم وكلّ لحظة.
 
الشكّ مرفوض إذا وقفنا عنده وغرقنا فيه. أمّا إذا كان وسيلةً لاقتناءِ إيمانٍ واعٍ عميقٍ قائمٍ على قناعةٍ ومعرفةٍ تتخطّيان العقل واللسان إلى مجمل الكيان فهو افتقاد من الله نشكره عليه لأنّه جعلنا به أبناءً له نعرف ماذا يفعل هو.
 
إذا شككنا يا إخوة فلا نيأسْ ولا نسقطْ بعدم الإيمان ولا نتهرّبْ من تفاعلٍ مؤمنٍ مع هذا الشكّ. لا نتهرّبْ منه عبر موقفٍ طهرويٍّ قمعيٍّ أبعد ما يكون عن فكر المسيح وأقرب ما يكون إلى الكسل والسطحيّة، إلى إيمانٍ ظاهريٍّ لفظيٍّ لا يزلزلُ كيانَنا الساقط ولا يبدّلُه بل يُبْقيه في عتاقتِه تحت شعاراتٍ ودساتيرَ جديدةٍ تغطّي أفكارًا وتصوّراتٍ عن الله مغايرةً لصورةِ الله في المسيح يسوع.
 
إذا شككنا فلنواجهْ شكَّنا بحرّيّة أبناء الله، ونبحثْ ونفتّشْ ونعان ونتألّمْ لنستحقّ أن نلمسَ الربّ الناهضَ من بين الأموات بعقلنا وحواسنا وكلِّ كيانِنا ونصرخَ نحوه: "ربّي وإلهي".