الأحد 12 نيسان 2020
12 نيسان 2020
الأحد 12 نيسان 2020
العدد 15
أحد الشَّعَانِين المقدَّس
* 12: باسيليوس المعترف أسقف فارية، أكاكيوس الآثوسي، * 13: الإثنين العظيم، مرتينوس المعترف بابا رومية، * 14: الثلاثاء العظيم، أريسترخس وبوذس وتروفيمس وهم من الرُّسل السبعين، * 15: الأربعاء العظيم، الشَّهيد كريسكس، * 16: الخميس العظيم، الشَّهيدات أغابي وإيريني وشيونيَّة الأخوات العذارى، القدِّيسة غاليني، * 17: الجمعة العظيم، الشَّهيد في الكهنة سمعان الفارسي ورفقته، * 18: سبت النور، البار يوحنَّا تلميذ غريغوريوس البانياسي. ***
أحد الشعانين
(رسالة القدّيس بولس)
"إفرحوا في الربّ كلّ حين وأقول أيضًا افرحوا الربّ قريب" (فيلبي 4: 4-5).
عجيب هذا القول لبولس الرسول ونحن في أحد الشعانين: دعوة للفرح وقد تطوّع يسوع للموت ونحن في دخولنا إلى أورشليم، الى أسبوع الآلام وإلى موت الربّ يسوع على الصليب؟! نعم إنّ الربّ قريبٌ، قريبٌ من آلامه ومن آلامنا، لكن في الوقت نفسه قريبٌ من الفرح، من القيامة.
المسيح هو الختن، هو العريس. إفرحوا إذاً بعرس الحمل. هذا هو العرس مع الكنيسة كلّها، مع كلّ نفس.
إنّه فرحٌ بالربّ، المتالّم معنا والقائم معنا أيضًا. هو فرحٌ مع صبر كثير في آنٍ واحد. الآلام قريبة والقيامة قريبة أيضًا. إنّه عبور من الآلام الى الفرح، من الموت إلى الحياة هذا هو صليب المسيح وصليب كلّ واحد منّا، هو ألمٌ وموت وهو أيضًا فرحٌ وقيامة. "ليكن حلمكم معروفاً عند جميع الناس" الحلم هنا هو الصبر، الصبر مع المسيح، مرتبط بالوداعة والتواضع، مرتبط بالصلاة والرجاء.
"وسلام الله الذي يفوق كلّ عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (فيلبي 4: 7).
السلام عند بولس يعني الخلاص، هذا الخلاص
الذي نتوخّاه في هذه الأيّام العصيبة. السلام هو أيضًا المصالحة مع الله ومع النفس أيضًا، وبالتالي مع الآخرين.أمّا القلب والفكر فهما كلّ العالم الداخليّ. الإنسان المخلَّص يُظهر حِلماً تجاه الناس أجمعين، سلاماً يفوق كلَّ شيء.
بعدها يدعو الرسول الى ممارسة سائر الفضائل: "كلّ ما هو حقّ، كلّ ما هو جليل، كلّ ما هو عادل كلّ ما هو طاهر، كلّ ما هو مسرّ... أي كلّ الفضائل، كلّ الأخلاق الطبيعيّة حسب تفسير البعض.
نعلم أنّ الحقّ هو المسيح نفسه "أنا هو الحق" (يوجنا 14: 6) هو أيضًا "كلمة الحق، إنجيل خلاصكم" (أفسس 1: 13). هو إذًا حقيقة الإنجيل.
أمّا كلمة "جليل" فمعناها عند العامّة مؤدَّب، محترم، مهذَّب. أمّا في المسيحية فهي تشير الى حياة القداسة، الحياة الموافقة لمشيئة الله، "عادلٌ" هو كلّ ما ينبع من الإيمان بالمسيح. "طاهرٌ" دلالةٌ على نقاوة النفس من الخطيئة، "مسرّ" هو ما يسرّ الله.
كلمة "فضيلة" الواردة في النص ليس لها معنى فلسفيّ ولا حتى أخلاقيّ، هي كلّ ما ينبع من الروح القدس في الإنسان، هذا الذي يجعل من الإنسان خليقة جديدة.
كلّ هذه الفضائل يُعطيها بولس خبرته الجديدة بالخلاص بيسوع المسيح.
إذاً هذه الفضائل المذكورة هنا في الرسالة ليس لها علاقة فقط بالأخلاق الطبيعيّة، هي نابعة، عند الرسول بولس، من الإعلان الإلهيّ الذي بيسوع المسيح. لا تشكّل الأخلاق الطبيعيّة عنصراً رئيسيًّا للمسيحيّة، إذ الجذر يعود الى ولادة الإنسان الجديدة في المسيح ضمن الكنيسة "من كان للمسيح فهو خليقة جديدة" (2 كورنثوس 5: 17).
هذا هو السلام الحقيقيّ، هذا هو الفرح الحقيقيّ بالنسبة لبولس.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروبارية الشَّعانين باللّحن الأوّل
أيُّها المسيحُ الإله، لـمَّا أقَمْتَ لعازَرَ مِنْ بينِ الأمواتِ قبْلَ آلامِكَ حَقَّقْتَ القِيامَةَ العامَّة. لذلِكَ، وَنحْنُ كالأطفالِ نحمِلُ علاماتِ الغَلبَةِ والظَّفَرِ صارِخِينَ نحوكَ، يا غالِبَ الموت: أوصَنّا في الأعالي، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ.
قنداق أحد الشَّعانِين باللّحن السادس
يا مَنْ هُوَ جالِسٌ على العَرْشِ في السَّماء، وراكِبٌ جَحْشًا على الأرض، تَقَبَّلْ تَسابيحَ الملائِكَةِ وتماجِيدَ الأطفال، هاتِفينَ إليكَ أَيُّها المسيحُ الإله، مبارَكٌ أنتَ الآتي، لِتُعِيدَ آدَمَ ثانِيَةً.
الرِّسَالة
فيليبي 4: 4-9
مُبَارَكٌ الآتِي باسْمِ الرَّبّ
اِعْتَرِفُوا للرَّبِّ فإنَّهُ صالِحٌ وإنَّ إِلى الأبَدِ رَحْمَتَهُ
يا إخوةُ، افرَحُوا في الرَّبِّ كلَّ حينٍ وأَقولُ أيضاً افرَحُوا، وليَظْهَرْ حِلْمُكُم لجميعِ النَّاسِ فإنَّ الرَّبَّ قَرِيبٌ. لا تَهْتَمُّوا البَتَّةَ بَلْ في كلِّ شيءٍ فلتَكُنْ طَلِبَاتِكُم مَعْلُومَةً لدى اللهِ بالصَّلاةِ والتَّضَرُّعِ مع الشُّكْرِ. وليَحْفَظْ سلامُ اللهِ الَّذي يَفُوقُ كُلَّ عقلٍ قلوبَكُم وبصائِـرَكُم في يسوعَ المسيح. وبَعْدُ أَيُّها الإخوةُ، مهما يَكُنْ مِنْ حَقٍّ ومهما يَكُنْ من عَفَافٍ، ومهما يَكُنْ من عَدْلٍ، ومهما يَكُنْ من طهارَةٍ، ومهما يَكُنْ من صِفَةٍ مُحَبَّبَةٍ، ومهما يَكُنْ من حُسْنِ صيتٍ، إِنْ تَكُنْ فَضِيلَةٌ، وإِنْ يَكُنْ مَدْحٌ، ففي هذه افتَكِرُوا. وما تَعَلَّمْتُمُوهُ وتَسَلَّمْتُمُوهُ وسَمِعْتُمُوهُ ورَأَيْتُمُوهُ فِيَّ فَبِهَذا اعْمَلُوا. وإلهُ السَّلامِ يكونُ معكُم.
الإنجيل
يو 12: 1-18
قبلَ الفصحِ بستَّةِ أيَّامٍ، أَتَى يسوعُ إلى بيتَ عنيا حيثُ كانَ لَعَازَرُ الَّذي ماتَ فأَقَامَهُ يسوعُ من بينِ الأموات. فصَنَعُوا لهُ هناكَ عشاءً، وكانت مرتا تخدِمُ وكان لَعَازَرُ أَحَدَ الـمُتَّكِئِينَ معه. أَمَّا مريمُ فَأَخَذَتْ رَطْلَ طيبٍ من نارِدِينٍ خالِصٍ كثيرِ الثَّمَنِ ودَهنَتْ قَدَمَيْ يسوعَ ومَسَحَتْ قدمَيْهِ بشعرِها، فامْتَلأَ البيتُ من رائِحَةِ الطِّيب. فقالَ أَحَدُ تلاميذِه وهو يهوذا بن سمعان الأسخريوطيُّ الَّذي كانَ مُزْمِعًا أَنْ يُسْلِمَهُ: لِمَ لَمْ يُبَعْ هذا الطِّيبُ بثلاثِمئةِ دينارٍ ويُعْطَ للمَساكين. وإنَّما قالَ هذا لا اهتمامًا منهُ بالمساكين، بل لأنَّهُ كانَ سارِقاً وكانَ الصُّنْدُوقُ عِندَهُ وكانَ يحمِلُ ما يُلقى فيه. فقالَ يسوعُ: دَعْهَا، إنَّما حَفِظَتْهُ ليومِ دفني. فإنَّ المساكينَ هم عندَكُمْ في كلِّ حين وأمَّا أنا فلستُ عندَكُمْ في كلِّ حين.
وعَلِمَ جمعٌ كثيرٌ من اليَهُودِ أنَّ يسوعَ هناكَ فجاؤوا، لا مِنْ أَجْلِ يسوعَ فقط، بل لينظُرُوا أيضًا لَعَازَرَ الَّذي أقامَهُ من بينِ الأموات. فَائتَمَرَ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ أنْ يقتُلُوا لَعَازَرَ أيضًا، لأنَّ كثيرين من اليهودِ كانوا بسبَبِهِ يذهبونَ فيؤمِنُونَ بيسوع.
وفي الغَدِ لـمَّا سَمِعَ الجَمْعُ الكثيرُ الَّذينَ جاؤوا إلى العيدِ بأنَّ يسوعَ آتٍ إلى أورشليمَ أَخَذُوا سَعَفَ النَّخْلِ وخرَجُوا للقائِهِ وهم يصرُخُونَ قائِلِينَ: هُوشَعْنَا، مُبَارَكٌ الآتي باسمِ الرِّبِّ ملكُ إسرائيل. وإِنَّ يسوعَ وَجَدَ جَحْشًا فَرَكِبَهُ كما هوَ مَكتوبٌ: لا تخافي يا ابنةَ صِهْيَوْن، ها إِنَّ مَلِكَكِ يأتيكِ راكِبًا على جحشٍ ابنِ أَتان. وهذه الأشياءُ لم يَفْهَمْهَا تلامِيذُهُ أوَّلاً، ولكن، لـمَّا مُجِّدَ يسوعُ حينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أنَّ هذهِ إنَّما كُتِبَتْ عنهُ، وأنَّهُمْ عَمِلُوها لهُ. وكانَ الجمعُ الَّذينَ كانوا معهُ حين نادَى لَعَازَرَ من القبرِ وأقامَهُ من بين الأمواتِ يَشْهَدُونَ لهُ. ومن أجلِ هذا استقبَلَهُ الجَمْعُ لأنَّهُم سَمِعُوا بأنَّهُ قد صَنَعَ هذهِ الآيَة.
في الإنجيل
في إنجيل هذا الأحد المبارك، أحد الشعانين، حادثتان مهمتان، الأولى هي مسح قدمي الرب يسوع بالطيب، والثانية دخوله الظافر إلى أورشليم، قبل آلامه الخلاصيّة.
في الحادثة الأولى: نرى يسوع يرجع إلى بيت عنيا حيث أقام صديقه لعازر من بين الأموات، وما إقامة لعازر إلا مقدّمة لقيامته المجيدة. وفي بيت عنيا صنعوا له عشاءً وكان لعازر أحد المتكئين معه.
كما نرى مريم أخت لعازر تفيض قاروة طيب خالص كثير الثمن على قدمي يسوع وقد اعتبر يسوع عملها نابعاً من استنارةٍ إلهية، لأنّها تعرف أنّه سيموت بعد ستّة أيام، فأرادات أن تطيّب جسده المقدّس الذي سيسلم الى الموت من أجل خلاص الأنام كافةً. أمّا يهوذا الإسخريوطيّ فيعترض على هذا الأمر متذرّعاً بالفقراء، ليس حبًّا بهم بل حسداً ولأنّه كان سارقاً، فيأتي الجواب فوراً من عارف القلوب والكلى بأنّ محبّة الربّ هي أصل محبّة الفقراء....
أما الحادثة الثانية: فهي دخول الربّ يسوع إلى أورشليم: وفي هذا الدخول المقدّس لا نشاهد حتفالات مصطعنة ولا مظاهر رسمية كما يفعل الحكام والملوك عندما كانوا يعودون ظافرين ويدخلون عاصمة مملكتهم. في الشعانين بساطة كلّيّة نابعة من بساطة المسيح الملك، تكريمٌ تلقائيّ متواضع فيسوع جالسٌ على جحش ابن اتان متمّماً النبوءات التي قيلت عنه، موضحاً ما قاله النبيّ زخريا:
"هوذا ملكك يأتيك صديقاً مخلصاً وديعاً راكباً على حمار وجحش بن أتان" (زخريا 9: 9). أما جمهور الشعب فقد أخذوا سعف النخل وخرجوا للقائه وهم يصرخون "هوشعنا، مبارك الآتي بإسم الرب ملك إسرائيل". وهوشعنا في العبرانية تعني "يا رب خلّص" وهي بمثابة هتاف وتحيّة للذي غلب الموت والخطيئة.
ولكن هذا الملك الذي هتفوا له وحملوا سعف النخل ترحيباً به، والذي نهتف له اليوم، هو في طريقه إلى الجلجلة، إلى الصليب والقبر. وما هذا النصر الصغير إلّا مقدّمة لنصر كبير سيتمّمه الربّ على الصليب ثمّ بالقبر الفارغ".
إذاً فلنستقبل يا إخوتي المسيح الملك داخلاً قلوبنا وعقولنا ولنحمل أغصان زيتون وسعف نخلٍ في أيدينا معلنين إستعدادنا لأن نلحق بالمسيح ونقبل التضحية ونكران الذات من أجله ونشارك في آلامه الخلاصية فنقوم معه بقيامته المجيدة معاينين نور مجده الذي لا يغرب أبداً. آمين.
حول صلاة الخَتَن
إبتداءً من عشيّةِ أحد الشّعانين وحتّى عشيّة الثّلاثاء العظيمِ المقدَّس، تَلحَظُ الكنيسةُ الأرثوذكسيّةُ خدمةً خاصّةً تُعرَفُ بِخدمةِ الخَتَن، حيثُ نُنشِدُ، في كُلٍّ مِن العشيّاتِ الثّلاث صلاةَ السَّحَرِ الّتي لِليَومِ التّالي. وتأتي الفكرةُ مِن مَثَلِ العذارى العَشْرِ الّذي يتكلّمُ فيه المسيحُ عن عُرسٍ رُوحِيٍّ يأتي فيه الخَتَنُ (العريسُ) في نصفِ الليل، وتكونُ بعضُ العذارى مستعدّاتٍ لاستقبالِهِ بالمصابيح، بينما تكون الأُخرَياتُ غيرَ مستعدّاتٍ، فَيُترَكْن، تالِيًا، خارجَ وَلِيمةِ العُرس (مت 1:25-13). يُقارِنُ الرَّبُّ ملكوتَ اللهِ بِخِدرٍ عُرْسِيّ. وفي تقليدِنا الآبائيّ أنَّ لهٰذا المَثَلِ علاقةً بالمجيءِ الثّاني للمسيح. وبهٰذا المعنى، يُعَلِّمُنا مَثَلُ العذارى العَشْرِ أنّنا بحاجةٍ إلى السَّهرِ والتأهُّب الرُّوحِيَّين، بِحَيثُ نتمكَّنُ من حفظِ الوصايا وتقبُّلِ بَرَكَةِ الاتّحادِ مَع الله في هٰذه الحياةِ وفي الدّهرِ الآتي.
تَدُورُ نُصُوصُ صَلَواتِ الخَتَنِ حَولَ أيّام يسوعَ الأخيرةِ على الأرض، فَتَروي لَنا ما جرى لَهُ قَبْلَ آلامِهِ، وَما تَفَوَّهَ بِهِ مِنْ خُطَبٍ وَأقوالٍ وأمثال. وَمَواضيعُها: بُنُوَّةُ يَسُوعَ الإلٰهِيّة، مَلَكُوتُ الله، المجيء، تأنيبُ يسوعَ لِرِياءِ قادَةِ اليَهُود. أمّا الموضوعُ المركزيُّ فَهُوَ أنّه يجبُ علينا أن نكونَ دائمًا مستعدّينَ لاستقبالِ المسيحِ، الّذي هُوَ العريسُ الحَتمِيُّ لِلبَشَرِيَّةِ جَمعاء. طروباريّةُ الخَتَنِ تُعَبِّرُ عن هٰذا التّعليمِ بشكلٍ مُلائم: "ها هُوذا الخَتَنُ يأتي في نِصفِ اللَّيل...".
رمُوزٌ مِن صلاةِ الخَتَن
في صلاةِ الخَتَنِ الأُولى، عشيَّةَ أحدِ الشَّعانين، نتذكَّرُ أبانا يوسُفَ، الابنَ المحبوبَ لِيَعقوب، كَصُورَةٍ بارزَةٍ لِلعَهدِ القديم. نجدُ قصَّةَ يوسف في القسمِ الأخير من سفر الخروج (الأصحاحات 37-50). يُعتَبَرُ يوسُفُ، في التّقاليدِ الآبائيّةِ والليتُورجِيّة، رَمزًا للمسيحِ في حياتِهِ وموتِه، نَظَرًا لفضيلتِهِ وحياتِهِ المُمَيَّزة. قُيِّدَ يُوسُفُ، وَبِيعَ كَعَبدٍ إلى المصريّين، ولٰكنّه استعادَ كرامتَهُ في أرضِ مصر. كُلُّ هٰذا يُوضِحُ سِرَّ التّدبيرِ الإلٰهِيّ، والوَعدِ، والفِداء الّذي في المسيح. فَفِي هٰذه الرِّوايَةِ الكِتابِيَّةِ حَولَ حياةِ يُوسُف، وَكيفَ آلَ انسِحاقَهُ في مِصرَ إلى حياةٍ مجيدة، صُورةٌ مُسبَقَةٌ عَنِ المسيحِ الّذي تنازَلَ كَعَبدٍ إلى الجحيم، فَحَوَّلَ عُبُودِيَّتَهُ ومَوتَهُ إلى حياةٍ أبديَّةٍ لِكُلِّ جِنسِ البَشَر.
وفي اليومِ نفسِهِ، تتذكَّرُ الكنيسةُ حادثةَ لَعنِ التّينةِ (مت 18:21)، الّتي ترمزُ إلى عُقمِ إسرائيلَ، إذْ أَخفَقَ في قَبُولِ المسيحِ واستيعابِ تعالِيمِه، كَما تَرمُزُ إلى دينُونَةِ الرَّبِّ لَنا إذا كُنّا غَيرَ مُثمِرِين. لَعنُ التّينةِ مَثَلٌ ولٰكِنَّهُ جاءَ بِفِعلٍ لا بِقِصّة.
القراءاتُ الكتابيّةُ الّتي تُتلى في صلواتِ المساءِ في الأسبوعِ العظيمِ مأخوذةٌ مِن سِفرَي الخروج وأيّوب. والسَّببُ في ذٰلكَ واضحٌ، ألا وهوَ أنَّ سِفرَ الخروج يَروي قصَّةَ العُبُورِ الّتي كانت رمزًا لِعُبُورِ الإنسانيَّةِ كُلِّها مِن عُبُوديّةِ الموت إلى الحياةِ الأبديّةِ، عَبرَ تضحيةِ المسيحِ بنفسِه، ثُمَّ قِيامتِه. أمّا في سِفرِ أيّوب، فَلَدَينا خبرةُ التّغلُّبِ على الموتِ بِواسطةِ الصَّبرِ والثّقةِ المطلَقَةِ بالله، من خلالِ قدّيسٍ نموذجِيٍّ لَم يَكُن منَ اليَهُود، تَقَبَّلَ الإعلانَ الإلٰهِيّ، وتمتّعَ برُؤيةِ الله، صائرًا صُورةً مسبَقَةً لآلامِ المسيحِ وقِيامَتِهِ، وَلِكَونِيَّةِ الخَلاص.