الأحد 8 أيلول 2019

الأحد 8 أيلول 2019

08 أيلول 2019
 
الأحد 8 أيلول  2019              
العدد 36
الأحد قبل رفع الصليب 
اللَّحن الثالث        الإيوثينا الأولى
 
 
 
* 8: الأحد قبل رفع الصليب، ميلاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة، * 9: تذكار جامع لجدَّيِ الإله يواكيم وحنّة، الشهيد سفريانوس، * 10: الشَّهيدات مينوذورة وميتروذورة ونيمفوذورة، * 11: البارّة ثاوذورة الإسكندريّة، آفروسينوس الطبّاخ، * 12: وداع ميلاد السيّدة، الشهيد في الكهنة أفطونومس، * 13: تقدمة عيد الصليب، الشهيد كورنيليوس قائد المئة ورفقته، تجديد هيكل القيامة، * 14: عيد رفع الصليب الكريم المحيي (صوم). 
 
التواصل الاجتماعيّ
 
وسائل التواصل الاجتماعيّ موجودة منذ القديم، لذلك نقول "لا اعتراض" مبدئيّاً على "وسائل التواصل الحديثة". وسائل التخاطب الشائعة في أيّامنا من فيسبوك، واتساب: facebook watsapp وغيرها لها إيجابيّاتها الكثيرة ولها سلبيّاتها الكثيرة أيضًا. يمكن استخدامها للاطمئنان عن مريض، لتعزية حزين، لنجدة عاجلة لإنسان في منطقة مقطوعة. كما يمكن استخدامها للتسلية الباطلة والانتقام المؤذي والأمور اللاأخلاقيّة... أي يمكننا أن نجعلها زيتاً شافياً للإنسان المعاصر كما يمكن أن نجعلها شيطاناً يؤذي حياة الإنسان. يعود إلينا القرار في النهاية.
 
الدراسات العلميّة اليوم تفيد أنّ استخدامها المفرط يؤدّي إلى حدوث تراجع في التحصيل الدراسيّ ويعرّض الإنسان للتوتّر والقلق والاضطراب والاكتئاب... وحتّى اليأس، بسبب مقارنتنا مع الآخرين والحسد المتأتّي من ذلك.
 
كما أنّ اقتصار التواصل على استخدام الأجهزة الإلكترونيّة بديلاً عن التواصل وجهاً لوجه مع الآخرين يؤدّي إلى وقوع الإنسان في العزلة والوحدة من حيث لا يدري.
 
من وجهة نظر إنسانيّة مسيحيّة، الإنسان بحاجة الى نظرة رحمة، عطف وحنان. هذا لا يتحقّق فعلاً بمجرّد التواصل الإلكترونيّ، ولا عن طريق الصورة. الإنسان المريض بحاجة إلى لمسة يد، إلى نظرة وجهٍ محبّ حنون. هذا يكون على مثال تفقّد الربّ يسوع الذي كان قريباً شخصيّاً من كلّ إنسان، بخاصّة المعذّب.
 
الإنسان الذي هو على صورة المسيح ليس آلةً ولا يكتمل في حياته عن طريق الآلة بل يكتمل عن طريق النعمة الإلهيّة التي تفعل بالصلاة الحارّة مع الله وبالخدمة المباشرة والصلة الشخصيّة وجهاً لوجه مع الآخر.
 
الوجهُ هو الشخص هو الإنسان كلّه "prosopo" لذلك التواصل الفعليّ يتمّ عن طريق الصلاة القلبيّة والصلة الشخصيّة مع الله والقريب.
الصلاة القلبيّة تشكّل إنجيلاً كاملاً "بشارة سارّة" بكلّ معنى الكلمة، صلة كاملة مع الله والقريب.
 
التواصل الفعليّ صلة مباشرة وصلاة حارّة.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثالث 
 
لتفرح السماويّات، ولتبتهج الأرضيات، لأنّ الربَّ صنعَ عِزًّا بساعدِه، ووطِئَ الموتَ بالموتِ، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقذنا من جوفِ الجحيم، ومنح العالم الرحمةَ العُظمى.
 
طروبارية ميلاد السيدة باللَّحن الرابع 
 
ميلادكِ يا والدة الإله بشَّر بالفرحِ كلَّ المسكونة، لأنّهُ منكِ أشرق شمس العدل المسيح إلهنا، فحلَّ اللعنة، ووهب البركة، وأبطل الموت، وأعطانا حياةً أبدية.
 
قنداق ميلاد السيّدة باللَّحن الرّابع 
 
إنّ يواكيم وحنّة من عار العقر أُطلقا، وآدم وحواء من فساد الموت بمولدِك المقدَّس يا طاهرةُ أُعتقا. فله أيضاً يعيِّدُ شعبُكِ وقد تخلَّص مِن وصمة الزلاّت، صارخاً نحوكِ: العاقرُ تلِد والدة الإله المغذِّية حياتنا.
 
الرِّسالَة
غلا 6: 11-18 
خلّص يا ربُّ شعبَك وبارك ميراثَك
إليكَ يا ربُّ أصرخ: إلهي
 
يا إخوة، انظروا ما أعظمَ الكتابات التي كتبتُها إليكم بيدي. إنَّ كُلَّ الذينَ يُريدون أن يُرضُوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزمونكم أن تختتِنوا، وإنَّما ذلكَ لئلاَّ يُضطهَدوا من أجل صليبِ المسيح. لأنَّ الذينَ يَختتِنون هُم أنفسُهم لا يحفَظون الناموسَ بل إنَّما يُريدون أن تَختتِنوا ليفتخروا بأجسادِكم. أمَّا أنا فحاشا لي أن أفتَخِرَ إلاَّ بصليبِ ربّنا يسوعَ المسيح الذي به صُلبَ العالمُ لي وأنا صُلبتُ للعالم. لأنَّهُ في المسيح يسوعَ ليسَ الخِتانُ بشيء ولا القَلَف بل الخليقَةُ الجديدة. وكلُّ الذين يسلُكُون بحَسبِ هذا القانون فعليهم سَلامٌ ورَحمةٌ وعلى إسرائيلِ الله. فلا يجلِبْ عليَّ أحدٌ أتعاباً فيما بعدُ، فإني حامِلٌ في جسدي سماتِ الربِّ يسوع. نعمةُ ربنا يسوعَ المسيح مع روحِكم أيُّها الاخوة. آمين.
الإنجيل
يو 3: 13-17 
 
قال الربُّ: لم يصعد أحدٌ إلى السماءِ إلاّ الذي نزلَ من السماءِ ابن البشر الذي هو في السماءِ. وكما رفع موسى الحيَّة في البريَّة هكذا ينبغي أن يُرفّعَ ابنُ البشر لكي لا يهلِكَ كلُّ مَن يؤمِنُ بهِ بل تكونُ لهُ الحياة الأبديَّة. فإنَّهُ لم يرسِل الله ابنَهُ الوحيدَ إلى العالم ليَدينَ العالم بل ليُخلَّصَ بهِ العالم.
 
في الإنجيل
 
تضع الكنيسة في أعياد والدة الإله مقطعًا إنجيليًّأ من لوقا لا يذكر والدة الإله بشكل مباشر. يركّز هذا المقطع على أهميّة سماع كلمة الله. 
 
فالحوار في "بيت مرثا"، بين الربّ يسوع ومريم ومرتا أختي لعازر يطلب من مرتا أن تضع سماع كلمة الله كأولوّية وحاجة أساسيّة في حياتنا المسيحيّة فوق كلّ الأمور المعيشيّة العادية. 
 
وأيضًا يذكر هذا المقطع مديح المرأة التي فرحت بكلمات الربّ يسوع، فرفعت صوتها قائلة له: 
 
"طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما"، أي طوبى للتربية الطبيعيّة التي حصلت عليها منذ صغرك من والديك. أمّا الربّ، فقد وجّه فكر تلك المرأة المحبّة نحو مجال أعلى وأهمّ، مجال الحياة مع الله، فردّ عليها قائلًا: "بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها". 
 
هناك مقطع إنجيليّ آخَر نقرأه في سحر أعياد والدة الاله وفي البراكليسي، ويساعد هذا المقطع الآخَر على فهم أعمق للمقطع الإنجيليّ في قدّاس اليوم. 
 
والدة الاله مريم تزور "بيت زخريا" ونسيبتها أليصابات الحامل بالنبيّ يوحنّا المعمدان. عند توجيه سلامها إلى أليصابات، امتلأت أليصابات من الروح القدس وتفوّهت بكلمات إلهيّة. 
 
وصفت مريم بأنّها "أمّ ربي"، وأنّ سلامها يُدخل "الفرح" إلى القلب، فحتّى الجنين في بطنها يرتكض به، وأعلنت قائلة: "طوبى للتي آمنت أن سيتمّ ما قيل لها من قبل الربّ". 
 
هذا التشديد على سماع كلمة الربّ والإيمان به يعاكس ما حصل مع حوّاء قديمًا عندما أدارت أذنيها إلى كلمات الشرير المجرّب ووقعت في غوايته.
 
تشير كلمات أليصابات إلى أنّ والدة الاله مريم طبّقت ما طوّبه الربّ يسوع بكلامه: "طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها". 
 
كيف وصلت مريم الى هذه المرتبة الطوباويّة، حتّى أضحت جميع الأجيال تعظّمها عن استحقاق؟ يعود بنا الأمر إلى "البيت" الذي وُلدت فيه مريم وترعرعت. 
 
أتت مريم إلى الوجود بعد صلوات كثيرة وتنهّدات رفعها والدها يواكيم في الهيكل مع أمّها حنّة التي كانت عاقرًا. وفي هذا البيت الذي امتزج هواؤه برائحة البخور، وخرق سكون حناياه صلوات المزامير التي كانت تتلوها حنّة بصوتها الأموميّ الحنون، رضعت مريم مع حليب أمّها وخشوع أبيها "فكر المسيح" الذي أخلى ذاته متّخذًا صورة عبد. 
 
هكذا كانت تربيتها، بخوف الربّ وإيمان ومحبّة، فقبلت الربّ في دواخلها. 
 
أخضعت مشيئتها الذاتيّة لمشيئة الربّ فتواضعت بكلّ كيانها، مصمّمة أن تعمل بمشيئة الربّ في كلّ أمر من أمور حياتها. ومن أجل أن تسمع كلمة الربّ أكثر، ولكي تتهيّأ لأن تكون "بيت النعمة" للربّ الذي لا يسعه مكان، قرّر والداها أن يُدخلاها إلى "بيت الله"، إلى الهيكل، في صغرها. 
 
فهناك جبلت حياتها بنعم الربّ وعجنت فكرها ومنطقها بكلمة الربّ، بخلاص الربّ، وبمحبّة الله والحياة معه وفيه. وبعد أن نظر الربّ إلى تواضع أمته، وعندما أتى الملاك نحوها ليبشّرها بالتجسّد الإلهيّ فيها، حنت رأسها معلنة: 
 
"ها أنا أمة للربّ، فليكن لي بحسب قولك" (لوقا 1: 38).... هكذا آمنت مريم بكلّ النبوءات إيمانًا معاشًا، من كلّ قلبها، ومن كلّ نفسها، ومن كلّ فكرها، وحياتها.  "آمنت أن سيتم ما قيل لها من قبل الربّ". 
 
فحوت الربّ في داخلها.
 
ماذا يعنينا هذا اليوم بحياتنا؟ 
 
في الواقع، عندما نتأمّل في حياة مريم "في البيت"، نلتمّس كيف نتشبّه بها في هذه الحياة. 
 
كيف نربّي أولادًا، منذ لحظة الحبل بهم، على سماع كلمة الله، وحياة الربّ يسوع في الإنجيل، والصلوات ورائحة البخور الزكيّة، في الصوم وأعمال الخير والفضيلة، مشجّعينهم على عيش هذه الكلمة، فتتمّ بهم وعود الربّ بفرح الخلاص. 
 
نسعى في هذا العيد المبارك، عيد ميلاد السيدة، أن نغذّي أولادنا بكلمات الربّ، أوّلًا بمثالنا، بعيشنا المحبّة المسيحيّة نحو بعضنا ونحو أولادنا، ومن ثمّ في جوّ البيت الخشوعيّ الذي نصنعه نحن، وبالطريقة التي نرى فيها أولادنا يشربون كلمة الله وينمون روحيًّا بها. 
 
"ليكن بيتكم كنيسة صغيرة"، يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم. هكذا، يمتلئ البيت من حضور الربّ يسوع وأمّه الفائقة القداسة، محفوظًا بنعمة الروح القدس، إذ تكون حناياه تردّد صدى كلماته: "بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها"، فيصبح كلّ مسيحيّ حاملًا المسيح وفرحه إلى العالم.
 
 
ميلاد والدة الإله الفائقة القداسة والدائمة البتوليّة مريم 
 
"القدير صنع بي عظائم واسمه قدّوس" (لوقا 1: 49). حياة العذراء مريم هي خير شرح لهذه الآية، وحياة والدة الإله هي أفضل مثال لنا نحن البشر.
 
"إنسانة مثلنا تقدّست بالنعمة وولدت الإله. يا له من سرّ عظيم يفوق كلّ العقول!!! عذراء تصبح والدة الإله. وحدها هذه العبارة يكمن فيها "كلّ سرّ تدبير الخلاص" (القدّيس يوحنّا الدمشقيّ).
 
بالمقابل يقول القديس نيقولاوس كابلسيلاس (نحو 1320-1363)
"نظر الله من العلى إلى الأرض فرأى إنسانة طاهرة نقيّة متواضعة، فلم يستطع إلاّ أن يتجسّد منها" . تواضع العذراء مريم جذب الله.
 
هنا لبّ الموضوع. طوبى للأنقياء القلب لأنّهم يعاينون الله (متى 5: 8)
فهي لم تعاين الله فحسب، بل حملته في أحشائها. وهكذا بمسيرتها تتحقّق أقوال الأنبياء بخلاص الله الموعود للبشر. الله يصبح إنساناً.
 
الكنيسة تحتفل بميلاد السيّدة لأنّ فيها تمّ القصد الإلهيّ بخلاص البشر. من ميلادها نأخذ عبرةً أنّ: "كلّ مولود بشريّ مشروع قداسة وحامل للإله"، إذًا هو أراد طبعاً.
 
تقيم الكنيسة الأرثوذكسيّة لوالدة الإله أكثر من عيد في السنة.
ولكن يجب أن ندرك جيّداً أنّ كلّ الأعياد الأساسيّة (وهي اثنا عشر ما عدا الفصح) في الكنيسة الأرثوذكسيّة، الثابتة والمتنقّلة هي أعياد سيّدية لأنّها تتمحور حول الربّ يسوع المسيح وترتبط به. 
 
فهي تُدعى سيّديّة لأنّها من كلمة سيّد وليس من كلمة سيّدة. حتّى عيد ميلاد والدة الإله، وعيد دخول السيّدة إلى الهيكل وعيد البشارة وعيد رقاد والدة الإله والتي هي من ضمن الأعياد الاثني عشر هي أعياد سيّدية مرتبطة بالربّ مع أنّها تُدعى أعيادًا والديّة.
 
الجدير بالملاحظة أنّ عيد ميلاد والدة الإله (الثامن من أيلول) هو أوّل عيد سيّديّ في الكنيسة الأرثوذكسيّة، بحيث تبدأ السنة الطقسيّة في أوّل شهر أيلول، وكذلك عيد رقاد والدة الإله هو آخر عيد سيّديّ، ويقع في الخامس عشر من شهر آب.
 
وكأنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة في ذلك أرادت أن تقول إنّ والدة الإله الأمّ التي حملت في أحشائها الضابط الكل، تحمل في أحشائها دورة أعيادنا الليتورجيا كلّها من أوّلها إلى نهايتها.
 
كيف لا وهي الأمّ الحاضنة التي كلّما نظرنا إلى أيقونتها تنظر هي في وجهنا لتقول: "لنهلّل معًا للربّ يسوع المسيح، إنّه المخلّص الوحيد. إلهي وإلهكم، مخلّصي ومخلّصكم". 
 
ومع ولادة مريم تبدأ بشائر الفرح وتحقيق الوعد الخلاصيّ. فهذه الطفلة ستكون والدة الإله. ولكن، ليس باختيار مسبق ولا بتمييز بين الخلائق البشريّة، بل بتواضعها ونقاوتها وعشقها لله. فهي التي قالت: "تعظّم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي. لأنّه نظر إلى اتّضاع أمته" (لوقا 1: 46-48).
 
فلا أحد من البشر يولد خاطئاً. أجل، كلّنا معرّضون للخطيئة بسبب ضعف الطبيعة البشريّة، إلّا أنّنا ورثنا نتائج الخطيئة الجديّة بعد سقوط آدم وحوّاء، من غير أن نرث الخطيئة نفسها. في هذا، ولدت العذراء مريم كسائر البشر، من دون تمييز، وتغلّبت على مختلف التجارب بعشقها لله والتصاقها به. نحن إذاً مدعوّون لنحذو حذوها ونتّخذها مثالاً. فإنّ من يتّحد بالله وبنعمته يغلب جميع أنواع الخطايا. 
 
فالخطيئة ليست أقوى من الإنسان بتاتاً مهما تكبر وتثقل، بل هي مغلوبة بنور المسيح. 
 
وهذا يذكّرنا  بما قاله الله لقايين منذ بدء سفر التكوين":
 
... عند الباب خطيئة رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها" (تكوين 4: 7) فعبارة "أنت تسود عليها" هي لكلّ واحدٍ منّا، فنحن نسود على الخطيئة بثباتنا بالله. 
 
مع ميلاد مريم تبتدئ رحلة عودتنا إلى ملكوت. ومع رقادها وانتقالها إلى السماء يتحقّق ما قاله الربّ يسوع لنا: 
 
"من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو 11: 25). فنحن خلقنا لنكون قياميّين بالقائم أبداً ودائماً.