* 7: البارّ توما الميلونيّ، الشّهيدة كرياكي، * 8: العظيم في الشّهداء بروكوبيوس، الشّهيد أنستاسيوس * 9: بنكراتيوس أسقف طفرومانيَّة، * 10: يوسف الدِّمشقيّ، الشُّهداء الـ 45 المستشهَدون في أرمينية، أُوفيميَّة المعظَّمة في الشَّهيدات (لما ثبَّتتْ حدَّ الإيمان)، * 11: القدِّيسة الملكة أولغا المعادلة الرُّسل، * 12: الشّهيدان بروكلّس وإيلاريوس، فيرونيكي النَّازفة الدّم، باييسيوس الآثوسيّ، * 13: تذكار جامع لجبرائيل رئيس الملائكة، استفانوس السابويّ، الشّهيدة مريم، البارَّة سارة.
جاء في الرّسالة: "قد تبرّرنا بالإيمان" (رومية 5: 1).
"الضّيق يُنشئ صبرًا والصّبر يُنشئ رجاءً والرّجاء لا يُخزي لأنّ محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالرّوح القدس المُعطى لنا" (رومية 5: 3-4-5).
الإيمان يوحي بالثّقة، بالطّاعة أو التّسليم للرّبّ وتعاليمه، ما يوصلنا إلى التشبّه به، واتّخاذ الرّبّ يسوع مثالاً لنا. طوبى للمؤمن لأنّه يتقبّل هذا الضّيق بفرح الرّوح القدس، كما يقول الرّسول بولس (1 تسالونيكي 1: 6).
الضّيق يأتي من الاِضطهادات، لكنّه يأتي، أيضًا، كما نشهد اليوم، من الإمكانات المادّيّة الصعبة.
العالَم اليوم اعتاد على الاِستهلاك المفرط في كلّ شيء لكنّ الأحوال الاِقتصاديّة باتت صعبة، والأشغال وفرص العمل أصبحت ضئيلة، لذا وجب التقشّف في كلّ المجالات.
من هنا الضّيق الحاليّ في العائلة وفي المجتمع. طوبى للّذي يستطيع أن يصمد دون أن يفقد إيمانه واتّكاله على الرّبّ. هذا ما يقصده مقطع الرّسالة بكلامه على الصّبر والرّجاء بمحبّة الله التي انسكبت في قلوبنا بالرّوح القدس" (رومية 5: 5).
هذا أيضًا لأنّ "آلام الزّمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا" (رومية 8: 18).
في أوان الضّيق نشعر بضعفنا في تخطّي الصّعوبات الحاضرة بجهدنا الخّاص، ما يحدو بنا، إذا حافظنا على إيماننا، أن نتّكل على الله القادر أن ينشلنا من الصّعوبات الحاضرة.
وهذا ما يجعلنا في الأحوال الضيّقة الحاضرة أن لا نيأس بل أن نختبر، أكثر، قدرةَ الله الذي يستطيع أن يُخرجنا من هذه الحالة الصّعبة ليمنحنا رجاءً ومجداً عظيمين.
المؤمن يصلّي ويشعر (يحسّ)، في صلاته الحارّة، أنّه مُلقًى بين يدي الله. هذا عندما يقع في امتحان ضيقاته وآلامه الجسديّة، النفسيّة.
الخبرة سوف تدلّه على أنّ أيّة عقبة تعترضه لن تجعله يتخلّى عن إيمانه وجهاده. هذا لأنّه يختبر أنّ صبره في الجهاد يقوده إلى نصر وضمانة أكبر في الحفاظ على إيمانه وتعلّقه بالرّبّ، بل إلى فرح (ومجد) أكبر بقوّة الرّوح القدس الذي فيه.
الضّيق، التجارب الجسديّة، النفسيّة والمادّيّة، مدرسة تدرّبنا على الصّبر، وهي تعتمد على قوّة الإيمان بالله نفسه (كولسي 1: 11).
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثّاني
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.
القنداق باللَّحن الرّأبع
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودة، لا تُعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطِّلبةِ، يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
الرِّسالَة
رو 5: 1-10
قوَّتي وتسبحتي الرَّبُّ
أدبًا أَدَّبني الرَّبُّ
وإلى الموتِ لم يُسلِّمْني
يا إخوةُ، إذ قد بُرّرنا بالإيمان فلنا سَلامٌ معَ اللهِ بربِّنا يسوعَ المسيحِ، الذي بهِ حصلَ أيضاً لنا الدُّخولُ بالإيمان إلى هذه النعمةِ التي نحنُ فيها مُقيمون ومفتَخِرون في رجاءِ مجدِ الله. وليسَ هذا فقط بل، أيضاً، نفتَخِرُ بالشّدائدِ عالِمينَ أنّ الشِّدَّةَ تُنشئُ الصّبرَ والصّبرَ يُنشئ الاِمتحانَ والاِمتحانَ الرجاءَ والرجاءَ لا يُخزي، لأنَّ محبَّة اللهِ قد أُفيضَت في قلوبِنا بالرّوحِ القدسِ الذي أُعطيَ لنا.
لأنَّ المسيحَ، إذ كُنَّا بعدُ ضُعفاءَ، ماتَ في الأوانِ عنِ المنافقين ولا يكادُ أحدٌ يموتُ عن بارٍّ؛ فلعلَّ أحداً يُقدِمُ على أن يموتَ عن صالحٍ. أمّا الله فيَدُلُّ على محبّتهِ لنا بِأنَّه، إذ كنَّا خطأةً بعدُ، ماتَ المسيحُ عنَّا.
فبالأحرى كثيراً، إذ قد بُرّرنا بدمِه، نخلُصُ بهِ من الغَضَب. لأنَّا، إذا كنَّا قد صُولـِحنا معَ اللهِ بموتِ ابنِهِ ونحنُ أعداءٌ، فبالأحرى كثيراً نَخلُصُ بحياتِه ونحنُ مصالَحون.
الإنجيل
متّى 6: 22-33 (متّى 3)
قال الرّبُّ: سراجُ الجسدِ العينُ. فإنْ كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيِّرًا. وإن كانت عينُك شرّيرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظْلماً. وإذا كان النورُ الذي فيك ظلاماً فالظلامُ كم يكون! لا يستطيع أحدٌ أنْ يعبُدَ ربَّينِ، لأنُّهُ إمَّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ أو يلازِمَ الواحِدَ ويَرْذُلَ الآخَر. لا تقدرون أن تعبُدوا اللهَ والمالَ. فلهذا أقولُ لكم: لا تهتمُّوا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادِكم بما تلبَسون. أليستِ النفسُ أفضلَ مِنَ الطعامِ والجسَدُ أفضَلَ من اللّباس؟ أنظروا إلى طيور السماءِ فإنَّها لا تزرعُ ولا تحصِدُ ولا تخزُنُ في الأهْراءِ وأبوكم السماويُّ يَقُوتُها. أفلستم أنتم أفضلَ منها؟ ومَن منكم، إذا اهتمَّ، يقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامتهِ ذراعاً واحدة؟ ولماذا تهتمّونَ باللِّباس؟ اعتبِروا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو، إنَّها لا تتعبُ ولا تَغْزِل، وأنا أقولُ لكم إنَّ سليمانَ نفسَه، في كلِّ مجدِه، لم يلبَسْ كواحِدَةٍ منها. فاذا كان عشبُ الحقلِ الذي يُوجَدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التنُّورِ يُلبِسُهُ اللهُ هكذا أفلا يُلبِسُكم، بالأحرى أنتم، يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكلُ أو ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ، فإنَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأُمم. لأنَّ أباكُمُ السَّماويَّ يعلمُ أنَّكم تحتاجون إلى هذا كلِّهِ. فاطلُبوا أوّلاً ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم.
في الرّسالة
"والرّجاء لا يُخيَّبُ، لأنّ محبّة الله سُكبَتْ في قلوبنا بالرّوح القدس المُعطى لنا"
سنتطرّق في هذا الشّرح إلى موضوع انسكاب الرّوح القدس في قلوبنا، وما تحمله هذه الآية البولسيّة من دلالات حول سُكنى الرّوح فينا.
في العهد الجديد، لا يقتصر عمل الرّوح القدس في الإنسان على النّبوّة والأنبياء، من الخارج وبشكل مرحليّ، كما كان في العهد القديم؛ بل يشمل كيان الإنسان بأكمله. فبحسب الإنجيليّ يوحنّا، الرّوح القدس، الباراقليط (المعزّي أو الذي يَحُثُّ)، روح الحقّ، هو، كما وعد يسوع، "يكون معكم إلى الأبد" و"يُقيم عندكم ويكون فيكم" (16:14 و17)، "يُعلّمكم جميع الأشياء، ويذكّركم جميع ما قلته لكم" (26:14)، "أرشدكم إلى الحقّ كلّه" (13:16).
ويجعل التّلاميذ، بالنّسبة للمسيح، بمثابة الأغصان من الكرمة (1:15ـ6). وبه يُصبح الإنسانُ مَقامًا للآب والاِبن: " إذا أحبّني أحد حفظ كلامي، فأحبّه أبي ونأتي إليه فنجعل لنا عنده مقامًا" (23:14).
وعند الرّسول بولس فـ "إنّ المسيح افتدانا (...) فننال بالإيمان الرّوحَ الموعودَ به" (غلا 13:3ـ14)؛ و"قد أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة(...) ليفتدي الذين هم تحت الشّريعة، فنحظى بالتّبنّي. والدّليل على كونكم أبناءً أنّ اللهَ أرسل روحَ ابنه إلى قلوبنا، الرّوحَ الذي يُنادي: "أبّـا"، "يا أبتِ".
(غلا 4:4ـ6)؛ "روح الله يسكن فيكم"(1كو 16:3)؛" أعطانا الله عربونَ الرّوح" (2كو 5:5)؛ "لنا باكورة الرّوح" (رو23:8).
بالرّوح القدس أصبحنا أبناء الله. فعلينا أن نسلك كأبناءٍ الله "منقادين بروح الله" (رو14:8 وغلا 18:5)، مثمرين "ثمر الرّوح" (غلا 22:5 و أف9:5)؛
عالمين "أنّ الله لم يَدْعُنا إلى النّجاسة، بل (دعانا) إلى القداسة. فمن استهان إذًا بذلك التّعليم لا يستهين بإنسانٍ، بل يستهين بالله الذي جعل فيكم روحه القدّوس" (1تسا 8:4)؛ وجعل أجسادكم "هيكل الرّوح القدس" (1كو19:6).
ها هو الرّسول بولس يستهلّ رسالته إلى كنيسة التّسالونيكيّين بقوله: "نشكر الله دائمًا من أجلكم جميعًا صانعين ذكرًا (لكم) في صلواتنا بدون انقطاع، متذكّرين عمل إيمانكم وجهد محبّتكم وصبر رجائكم (الذي) في ربّنا يسوع المسيح أمام إلهنا وأبينا" (2:1ـ3).
فالمحبّة، في عيشها، تتطلّب "جهدًا" وعرقًا ودمًا. ففي عيش المعيّة والشّركة علينا أن "نحمل بعضنا أثقالَ بعض" وبذا "نتمّم ناموسَ المسيح" (غلا 2:6).
"ناموس المسيح" هو المحبّة التي أحبّنا بها المسيح حتّى الموت، موت الصّليب. محبّةُ المسيح المصلوب، الذي بذل نفسه عنّا، هي شريعة المسيح، هي وصيّة المسيح الجديدة: "أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم" (يو 34:13).
فمحبّة المسيح لنا، ومحبّة الله الآب الذي بذل ابنه الوحيد عنّا، "قد سُكبت (سكبها الله) في قلوبنا بالرّوح القدس المعطى لنا"، لتُثمر فينا أعمالَ محبّة. فنحن، أهلَ المحبّة المصلوبة، قادرون على كلّ عمل محبّة "لأنّ الله هو الفاعل فينا" (في 3:2)؛ له المجد إلى الأبد، آمين.
الطّاعة وتقليد الرّسل
نقل الرّسل تعليم الرّبّ يسوع المسيح إلى العالَم، ونقلوا معه أيضًا واجب الطّاعة المطلقة لهذا التعليم.
ومن هذه الطّاعة الأمينة للوصيّة، المتناقَلة من جيل إلى جيل، نشأ التّقليد وسمّي الرّسوليّ، وأصبح حاويًا كلَّ إيمان الكنيسة. لهذا مدح بولس الرّسول طاعة أهل كورنثوس قائلاً:
"فأمدحكم أيّها الإخوة على أنّكم تذكرونني في كلّ شيء وتحفظون التّقليدات كما سلّمتها إليكم". فالتّقليد في الفكر الأرثوذكسيّ هو معيار فهم الإيمان. عكس التّقليد هو الهرطقة، كما عكس الطّاعة هو العصيان. كلّ خروج على التّقليد هو هرطقة.
لا يمكن لأحد أن يفهم الإيمان إلّا كما سلّمه الرّسل القدّيسون للكنيسة. يقول كليمندس الإسكندريّ عن أمناء الكنيسة: "إنّهم يحفظون تقليد الإيمان المبارَك المأخوذ مباشرة من الرّسل القدّيسين".
ويقول أفسافيوس القيصريّ عن القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ إنّه كان مدافعًا عن المؤمنين ضدّ الهرطقات، "وكان يثبّتهم بقوّة في التّقليد الرّسوليّ".
إذًا، من الطّاعة نشأ التّقليد المبارَك.
الطّاعة في الأرثوذكسيّة هي جزء لا يتجزّأ من حياة المؤمن الّذي يُجاهد بثبات في مسيرة خلاص نفسه.
فطبيعتنا البشريّة فقدت، بالسّقوط، المقدّرة على التّمييز بين الصّالح والسّيّئ، بين الخير والشرّ، واحتاجت إلى الطّاعة المباركة، لتستطيع أن تواجه تأثير فساد حالة السّقوط عليها.
لهذا، عدم الطّاعة أصبح علامة التّعظّم المقيت والضّلال، وأصبحت الطّاعة علامة التواضع المبارَك وإنكار الذّات. الطّاعة يُعاندها التّكبّر ومحبّة الذّات، اللّذان هما أصل كلّ الأهواء وكلّ السّقطات.
وقد نما مفهوم الطّاعة عَبر الشركات الرّهبانيّة التّقليديّة، حيث تُشكّل الطّاعة أساس كلّ مسيرة الرّاهب. من الطّاعة تأتي الصّلاة النّقيّة وإمكان كلّ نموّ روحيّ.
الرّاهب الّذي يُطيع تتطهّر حواسّه الداخليّة، يستنير ذهنه وتتطهّر مشيئته، ويمكنه أن يرجو، وهو في هذه الحياة الحاضرة، معاينة شيء من إعلانات الله الأبديّة.
أمّا الرّاهب الذي لا يُطيع فهو يفتح بابًا لإبليس ليدخل ويخرج متى شاء، حاكمًا على نفسه بذهن مشوّش، تضطرب فيه الأفكار وتتصارع فيه الأهواء.
فأن يعمل الإنسان مشيئته الذّاتيّة ويتمسّك بأفكاره الخاصّة يُشكّل أصل كلّ سقطة والتصاق أكبر بعصيان آدم. فالمسيح أتى ليشفي فينا الإرادة أوّلاً، أي ليعلّمنا الطّاعة عبر إخضاع مشيئتنا الذّاتيّة لمشيئته الإلهيّة، كما أخضع هو نفسه مشيئته البشريّة، طوعًا، لمشيئته الإلهيّة.
لقد حرّرنا المسيح من إثم مشيئتنا السّاقطة المتعظّمة، حرّرنا بصليبه وقيامته، لكن، أيضًا، بطاعته ومثاله الحيّ.
لهذا يَعِد الرّاهب، في رسامته، بالحفاظ على نذوره الرّهبانيّة الثّلاثة، وأهمّها الطّاعة.
على هذا المبدأ تحصل طاعة المؤمنين العلمانيّين لآبائهم الرّوحيّين الذين يحفظون التّقليد المقدّس ويعملون به.
أهمّ صفة لِ "الأب" في الكنيسة هي طاعته المطلقة للتّقليد الأرثوذكسيّ. لهذا تأخذ الكنيسة من الأسقف، في شرطونيّته، وعدًا واعترافًا بأن يقبل ما تقبله الكنيسة ويحرّم ما تحرّمه.
فهل يحقّ له، بعد هذا، أن يَقبل ما حرّمته الكنيسة؟
هذه الطاعة وحدها تحفظ نعمة الرّوح القدس في الكنيسة، لأنّها تقطع جذر كلّ هرطقة وتعليم مخالف للتّقليد، وهما اللّذان منهما يأتي انسحاب النّعمة والموت الرّوحيّ.
الطّاعة في الأرثوذكسيّة ليست لأشخاص، وإلّا تُصبح تحزّبات دنيويّة. لا يهمّ المتحزِّبَ تقليدُ الإيمان والعقيدة إنّما الشّخص الّذي يتحزّب له، بغضّ النظر عن كون هذا الشّخصُ مستقيمًا أو مبتدعًا.
من هذه التحزّبات حذّر بولس الرّسول الكورنثيّين.
لهذا، الطّاعة، عَبر الأسقف والأب الرّوحيّ، هي للكنيسة وللإيمان الأرثوذكسيّ المقدّس الذي تقوم عليه الكنيسة.
هذا ما سمّاه آباؤنا القدّيسون الطّاعة للتّقليد المقدّس، الّذي ينبغي أن يكون متجسّدًا بملئه في شخص الأسقف، لأنّه ينقل، في التقليد، كلّ ما علّمه الرّوح للكنيسة من البدء وبغير انقطاع.
هكذا يصير التّقليد، لا مجموعة عقائد وممارسات من الماضي، إنّما مسيرة خلاص أو تاريخ خلاص.
الأسقف الحقيقيّ يولد من الطاعة، من إخضاع مشيئته الذّاتيّة لله وللكنيسة. يخضع الأسقف للمسيح عَبر حفظه وصاياه، وللكنيسة عَبر حفظه قوانينها. المسيح والكنيسة ليسا حقيقتَين منفصلتَين، إنّما حقيقة واحدة.
الأسقف غير الأمين على قوانين الكنيسة غير أمين على كلّ إيمانها، ويُصبح معاندًا لله وللكنيسة.
فللعالَم وسائله ليُقنع العديدين ممّن اؤتمنوا على خلاص المؤمنين، وبحجج كثيرة، أنّهم لا يُخالفون الإيمان، ويعملون مشيئة الله، في الوقت الذي يعملون فيه مشيئتهم الخاصّة ويُقاومون بعنفٍ من يُخالف أفكارهم.
يقول القدّيس دوروثاوس أسقف غزّة إنّه، إذا لم يبتغِ إنسان مشيئة الله بصدق، فحتّى لو سأل نبيًّا، فإنّ الله سوف يضع في قلب النبيّ جوابًا يُلائم ضلالة قلب السّائل، كما يقول الكتاب: "إذا ضلّ النبيّ وتكلّم كلامًا فأنا الرّبّ قد أضللت هذا النّبيّ" (حز9:14).
لا يضلّ إلّا أولئك الّذين نبذوا الطّاعة للرّوح الأرثوذكسيّة التي سارت عليها الكنيسة من زمن الرّسل إلى اليوم، وفرضوا أفكارهم الخاصّة المسيئة للإيمان.
وهم كثيرون اليوم في الكنيسة، يخضعون، بإرادتهم، لروح هذا العصر، المملوء شرًّا وفسقًا وتعاليم بدع. يُخالفون ويتجاوزون بحجّة أنّنا في عصر يتطلّب هذا التّغيير وهذا التّجاوز.
بهذه الحجج يُبرّرون أنفسهم ويُخضعون الكنيسة للعولَمة ولمسايرة روح هذا العالَم. يقول القدّيس هيلاريون: "الكنيسة تفتخر بأنّ العالمَ يحبّها، هي التي لا تستطيع أن تكونَ للمسيح إلّا بشرط أن يبغضَها العالَم".
كما أنّ الرّاهب الذي لا يطيع لا يمكنه أن يشعر بسلام في داخله، هكذا، أولئك الذين اؤتمنوا على كنيسة المسيح، الأساقفة والكهنة، لن يجدوا راحة حقيقيّة إلّا في الطّاعة المباركة للإيمان والعقائد والقوانين التي تحدّد قواعد هذا الإيمان.
آباؤنا القدّيسون اضطُهدوا لأجل الإيمان، وفي عمق عذابات النفي والاستشهاد كان سلامهم الدّاخليّ يزداد عمقًا وصفاءً، لسبب واحد وبسيط:
كانت النّعمة الإلهيّة تشهد، بقوّة في داخلهم، على سموّ الحقيقة التي كانوا يُدافعون عنها.
أمّا أعداؤهم فكان شعورهم مملوءًا اضطرابًا وغضبًا ورغبة بالانتقام. يُعبّر القدّيس هيلاريون بواتييه عن حالة السّلام التي عاشها خلال نفي الهراطقة له: "بالنّسبة إليّ، لا يمكنني التشكّي من هذا الوقت الذي أقضيه في السّجن...
أفرح لأنّ الظلمَ سوف ينكشف عَبر نفيي. الشّرّ، الذي لا يستطيع احتمال الحقيقة، ينفي كهنة العقيدة الصحيحة ويختار لنفسه معلّمين على حسب أهوائه.
إنّي مغتبط في سجني. أنا أتهلّل في الرّبّ".
فَهِم القدّيس هيلاريون، كأسقف، أنّ حفظ الإيمان الأرثوذكسيّ المقدّس لا يتحقّق إلّا برذل كلّ تعليم مُخالف لهذا الإيمان.
وكأسقف دافع عن هذا الإيمان معتبرًا أنّه هو إيمان الرّسل نفسه، وكان يقول، كبولس آخر:
"قلتُ ما أؤمن به، أتممتُ واجبي كجنديّ للكنيسة، إذ أسمعتكم صوتَ أسقف، وهذا الصّوت ما هو إلّا صدًى لصوت الكنيسة ولتعليم الرّسل".
أخبــارنــا
قدّاس إلهيّ في دير سيّدة النّاطور – أنفه.
يترأّس راعي الأبرشيّة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) القدّاس الإلهيّ في كنيسة دير دخول السّيّدة (النّاطور)، وذلك يوم الأحد الواقع فيه 14 تمّوز 2019. تبدأ صلاة السَّحر السّاعة السّابعة صباحاً ويليها القدّاس الإلهيّ السّاعة التّاسعة. وفي القدّاس سوف يُعلن قدوم راهبتين لتأسيس شركة رهبانيّة نسائيّة.
وبعد القدّاس الإلهيّ والتريصاجيون لراحة نفس الأخت كاترين الجمل سوف يُزاح السّتار عن اللّوحة الخاصّة بالأخت كاترين تخليداً لعملها في بناء الدّير.
وللمناسبة يهمّنا إعلام المؤمنين أنّ قدس الأرشمندريت برثانيوس (أبو حيدر) سوف يتولّى خدمة الدّير بصلواته كافّة.