الأحد 18 آب 2019
18 آب 2019
الأحد 18 آب 2019
العدد 33
الأحد التاسع بعد العنصرة
اللَّحن الثامن الإيوثينا التاسعة
* 18: الشَّهيدان فلورُس ولَفرس، أرسانيوس الجديد الذي من باروس، * 19: أندراوس قائد الجيش والـ 2593 المستشهدون معه، * 20: النبي صموئيل، * 21: الرسول تدَّاوس، الشُّهداء پاسي وأولادها، * 22: الشَّهيد أغاثونيكس ورفقته، * 23: وداع عيد الرقاد، الشهيد لوبُّس، * 24: الشهيد في الكهنة أفتيشيس، قزما الإيتوليّ.
الشفاعة
الشفيع أو الوسيط عند الله هو الذي يصلّي من أجل الآخر. يقول في رسالة يعقوب: "صلّوا بعضكم من أجل بعض لكي تشفوا" (يعقوب 5: 16).
العذراء مريم هي قدوة في الشفاعة إلى الله. نقول ونرتّل: "يا شفيعة المسيحيّين غير الخازية الوسيطة لدى الخالق غير المردودة".
عرس قانا الجليل يعطينا مثالاً واضحاً في الشفاعة. تقدّمت والدة الإله إلى الربّ يسوع قائلة: "ليس لهم خمر" وبدالة Parrisia قالت للخدّام "مهما قال لكم فافعلوه". وقد لبّى الربّ طلبها على الفور.
إنّ الشفاعة تنوّعت بين الطلب والالتماس والتوسّل والإلحاح والتوسّط من أجل الحصول على الشيء.
تأتي كلمة شفاعة بمعنى الابتهال أو التوسّل كما في رسالة بولس الى أهل رومية: "الروح نفسه يشفع فينا بأنّاتٍ لا يُنطق بها" (رومية 8: 26).
أمّا بالنسبة لشفاعة القدّيسين، فقد اعترض البروتستانت على هذه الشفاعة مستندين الى الآية الكتابية التالية: "لأنّه يوجد إله واحدٌ ووسيطٌ واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح" (1 تيموثاوس2: 5).
هذا الاعتراض جاء متأخّراً في القرون الوسطى، وتحديداً كردّة فعل بين الجماعات البروتستانتيّة والكنيسة الكاثوليكيّة.
كلمة "وسيط واحد" تتعلّق بالتدبير الخلاصيّ الذي أتمّه الله للبشر عندما صار إنساناً، ولا تلغي شفاعة القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله على الإطلاق.
كلمة واحد تعني أنّه الإله الوحيد الذي فدانا ولا أحد غيره: إنّه الإله الذي يجمع كلّ شفاعة القدّيسين في ذاته. إنّه مصدر النعم.
إنّ القدّيسين، وأوّلهم العذراء مريم، يعكسون نعمة المسيح المخلّصة وحدها، بمعنى آخر هم يشتركون في وساطة المسيح كما يعكس القمر أشعّة الشمس.
هو الذي قال: "من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا ويعمل أعظم منها" (يو 14: 12). القدّيس يبقى حيّاً فاعلاً مع الربّ، لأنّ من يؤمن به لا يموت.
+ أفرام
مطران طربلس والكورة وتوابعهما
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثامن
إنحدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتنا وقيامَتنا، يا ربّ المجد لك.
طروبارية رقاد السيدة باللَّحن الأول
في ميلادكِ حَفظْتِ البتوليَّة وصِنتِها. وفي رُقادِكِ ما أهْمَلتِ العالم وترَكتِهِ يا والدة الإله. لأنَّك انتقلتِ إلى الحياة بما أنّكِ أمُّ الحياة. فبِشفاعاتك أنقذي من الموتِ نفوسَنا.
قنداق رقاد السيدة باللَّحن الثاني
إنّ والدةَ الإله التي لا تَغفلُ في الشَّفاعات، والرجاءَ غيرَ المردودِ في النجدات، لم يضبُطها قبرٌ ولا موتٌ، لكن بما أنّها أمُّ الحياة، نقلها إلى الحياة الذي حلَّ في مستودعها الدائم البتوليّة.
الرِّسالَة
1 كو3: 9-17
صلُّوا وأوفوا الربَّ إلهَنا
اللهُ معروفٌ في أرضِ يهوذا
يا إخوةُ انَّا نحنُ عامِلونَ معَ الله وأنتم حَرْثُ اللهِ وبِناءُ الله. أنا بحسَبِ نِعَمةِ اللهِ المُعطاةِ لي كبَنّاءٍ حكِيم وضَعتُ الأساسَ وآخرُ يَبني عليهِ. فَلْينظُرْ كُلُّ واحدٍ كيف يبني عليهِ، إذ لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يضعَ أساساً غيرَ الموضوعِ وهوَ يسوعُ المسيح، فإنْ كانَ أحدٌ يبني على هذا الأساسِ ذهبًا أو فِضَّةً أو حِجارةً ثَمينةً أو خشباً أو حَشيشاً أو تبناً، فإنَّ عملَ كُلِّ واحدٍ سيكونُ بيّنًا لأنَّ يومَ الربِّ سيُظهرُهُ لأنَّه يُعلَنُ بالنارِ وستَمتَحِنُ النارُ عَملَ كلِّ واحدٍ ما هو. فمن بقي عمَلُهُ الذي بناهُ على الأساسِ فسينالُ أُجرَةً ومَن احتَرقَ عَمَلُهُ فسَيخسَرُ وسيُخلُصُ هُوَ ولكن كمَن يَمرُّ في النار. أما تعلَمون أنَّكم هيكلُ اللهِ وأنَّ روحَ اللهِ ساكِنٌ فيكم، مَن يُفسِدْ هَيكلَ اللهِ يُفسِدهُ الله. لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقدَّسٌ وَهُوَ أنتم.
الإنجيل
متّى 14: 22-34 (متّى 9)
في ذلك الزمان اضطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخلوا السفينةَ ويسبِقوهُ إلى العَبْرِ حتى يصرِفَ الجموع. ولمَّا صرف الجموعَ صعِد وحدَهُ إلى الجبلِ ليصلّي. ولمَّا كان المساءُ كان هناك وحدَهُ، وكانتِ السفينةُ في وسَط البحر تكُدُّها الأمواجُ لأنَّ الريحَ كانت مُضادةً لها. وعند الهجَعةِ الرابعةِ من الليل مضى إليهم ماشياً على البحر، فلَّما رآه التلاميذ ماشياً على البحر اضطربوا وقالوا إنَّه خَيالٌ ومن الخوفِ صرخوا. فللوقت كلَّمهم يسوعُ قائلاً: ثِقوا أنا هو لا تخافوا. فأجابهُ بطرس قائلاً: يا ربُّ إنْ كنتَ أنتَ هو فمُرني أن آتي إليك على المياه فقال: تعالَ. فنزل بطرسُ من السفينة ومشى على المياه آتياً إلى يسوع، فلَّما رأى شِدَّةَ الريح خاف وإذْ بدأ يغرَقُ صاح قائلاً: يا ربُّ نجنّي. وللوقتِ مدَّ يسوعُ يدهُ وأمسك بهِ وقال لهُ: يا قليلَ الإيمان لماذا شككتَ ؟ ولمَّا دخلا السفينةَ سكنَتِ الريح. فجاءَ الذين كانوا في السفينةِ وسجدوا لهُ قائلين: بالحقيقةِ أنتَ ابنُ الله. ولمَّا عبَروا جاؤوا إلى أرض جَنيّسارَتْ.
في الإنجيل
تقع هذه القصّة ضمن الفصل الرّابع عشر ومن بعدِ قصّةِ معجزة إطعام الخمسة آلاف.
في بدايةِ الفصل يسرد الإنجيل حادثة إعدامِ النبيّ السّابق يوحنّا المعمدان. فكان هيرودوس بعد تلك الحوادث قد سمع بنشاط يسوع وعمله، وقد ظنَّ أنَّ يوحنّا الذي قتله قد "تقمَّص" في شخص يسوع ويجترح المعجزات.
أمّا يسوع فبعدما التقى الجموع المتهافتة إليه لسماع كلمته عرف حاجتها فكسر الخبز وأطعمهم. هذا يدلُّ على عمله المسيحانيّ الذي يميّزه عن الأنبياء وعن يوحنّا بالأخصّ، الذي أتى ليمهّد له الطريق.
بهذا ظهر يسوع كمسيّا مرسلاً من الله، بل ابن الله الكلمة، الذي في القديمِ أمطر من السّماءِ منّاً وأطعم الشعب الإسرائيليّ التّائه.
نرى صورةً عن الكنيسةِ الذي مركزها المسيحُ ورأسها ومدبّرها. فهو أجلس الجموع في جماعاتٍ وأرسل الرسل لخدمتها.
من المفترض أنّ ذلك قد ترك في نفس التلاميذ انطباعاً عميقاً وفهماً جذريّاً حول معلِّمهم.
يطرحُ النَّص المقروء ههنا إشكاليّةَ إيمانِ التلاميذ، الرعاة، قادة الكنيسة. فالسفينةُ هي الكنيسة، فهذا تفسيرٌ تقليديّ.
والبحر الهائجُ وظلمةُ الليلِ ما هُما إلّا رموزٌ للعداوةِ مع الله. فهذه تلطم بالسفينة. لا بدَّ أنَّ التلاميذ بعد تلك الخبرة المميّزةِ مع الربّ، أنَّهم عانَوا طوال الليل في كفاحهم ضدّ الأمواج. الخوف هو دائماً تعبيرٌ عن عدم الإيمانِ.
والصراخ إلى الربّ هو موضوعٌ أدبيٌّ كتابيٌّ، يشهدُ كتاب المزامير على استعماله بوفرة: "إلى الربّ صرختُ في ضيقي فاستجاب لي"، "يا ربّ إليك صرختُ فاستمع لي"، إلخ...
في قمّةِ الشدّةِ يستجيبُ الربُّ أخيراً. لا بل يظهر. التلاميذُ ظنُّوه شبحاً، أي خيالاً، أي شيئاً غير موجود، مِن نسيجِ الأوهامِ الفكريّة. ولكنَّ الربَّ ظهر وقالَ لهم "ثقوا، أنا هو، لا تخافوا". ولهذه الجملةِ معنًى لاهوتيٌّ يرتقي بالقارئِ إلى سموٍّ إلهيّ. ثقوا، أي اتكلوا عليّ، فليكن لكم إيمانٌ بي، لأنّي "أنا هو".
فهذا التعبير نجده في العهد القديم عندما تكلَّم الله الكلمة مع موسى من العليّقة؛ فهكذا عبّر الله عن نفسه "إهييه أشير إهييه"، أي "أنا هو الكائن".
وبهذا يقول لهم أنَّه هو الله، فهو عمّانؤيل، أي الله معنا، فلا يخافوا. الله حاضِرٌ والله حقيقي. وهذا جوابٌ لكلِّ من شكّ بوجود الله.
فالتيّارات المعاصرة تُصَوّرُ الله شبحاً، وتُعلِّمُ بعدم وجوده. يأتي الإنجيلُ هنا ليقول إنَّ الله حقيقةٌ أكثر من المرئيّاتِ والموجودات.
بطرسُ الشَّكّاكُ، رغم ذلك يريدُ أن يتحقَّق من حقيقةِ الأمر. فقال له "إن كنتَ أنتَ هو"، أي أنت الكائن، يهوه، الله، "مُرني أن آتي إليك". فقال له الله، تعال.
طالما كان بطرس مسمِّراً نظره على السيِّد كان هو نفسه سيِّداً على المياه الهوجاء، أي سيِّداً على الشدائدِ والصُّعوبات، يمشي عليها ويسودها، كمعلِّمه. وفي لحظةِ التهائه عنه واهتمامه بلطمات المشاكل، غرق فيها.
الرِّسالة واضحة وصريحة: أبقِ نظرك، قلبك وذهنك على الله وفيه وبه تنجو من الشدائد.
ولكنّها رسالةٌ موجَّهةٌ إلى الكنيسةِ وقادتها. دُورُ العبادة تَفرغ من المصلّين، لأنّ البشر اختاروا ألّا يلتجئوا إلى الكنيسة، إذ رأوها واهنةً تتخبّط مثل بطرس. فإلى متى أيّها الرعاة ستظلّون تتخبّطون ولا تمدّون أياديكم إلى المسيحِ الذي سينتشلكم والكنيسة والعالم أجمع بواسطتكم من الضعف والوهن؟!
مجدُ اللهِ المُطهِّر
في رسالة اليوم، يشبّه الرسول بولس أهلَ كورنثوس بالبناءِ المخصَّص لله. وهو، مع الله، العامل الذي يسعى لقيام هذا البناء بحسب النعمة التي أراد أن يهبَها له لِتَتمَّ بشارتُه بين الأمم.
وهو، كبنّاءٍ حكيم، وضع الأساس الذي سيُبنى عليه. يطلب الرسول من أهل كورنثوس أن يبنيَ كلَّ واحد على هذا الأساس، وهو الأساس الوحيد، يسوع المسيح.
يؤكّد أنّ النعمة أُعطيتْ للجميع وهي مجانيّة لا يستحقّها أحدٌ، غير أنّ محبّة الله قد وهَبَتْنا إيّاها لنقبلها ونبنيَ عليها. يجب أن تُقابلَ النعمةُ الإلهيةُ بتجاوب من أُنعِمَ عليهم عَبْرَ أعمالهم الصالحة، وعلى حسب فكر الرسول بولس، عَبْرَ الإيمان الفاعلِ بالمحبّة" (غل 5، 6). اكتمالُ البناء، أي الخلاص المعدّ لكلّ انسان، لا يتمّ إلاّ بالتآزر بين النعمة الإلهيّة المجانيّة والإرادة البشريّةِ المتجاوبة مع هذه النعمة والمثمرة أعمالاً صالحة.
يصنّف الرسول أعمالَ البشر (البناء) ضمن مجموعتين، حسب معيار قابليّة كلِّ مجموعةٍ للاحتراق. الأُولى بناءٌ مِن ذهب وفضة وحجارة ثمينة، والثانية بناءٌ مِن خشب وحشيش وتبن.
الأُولى، في مرورها بالنار تتطهّر لتخرج منها أكثر نقاءً وبريقاً، والثانية تزول وتفنى.
المقصود بالنار هنا هو المجد الإلهيّ الذي سيظهر علانية في "يوم الرب"، أي يوم الدينونة الأخير وأمامه تمثل كلُّ الخليقة مزوّدةً بما بَنَتْه في حياتها الأرضيّة. "وستمتحن هذه النار عملَ كلّ واحد ما هو".
بانَتْ لنا هذه النار في عدّة أمكنة من الكتاب المقدّس:
- في العلّيقة الملتهبة وغير المحترقة (خر 3، 2-3).
- في عمود النار الفاصل بين إسرائيل وجيش فرعون (خر 13، 21-22) و (خر 14، 24).
- في الجبل الذي صعده موسى ليتلقّى لوحَي الشريعة (خر 25-17)
- في النار الآكلة لذبيحة إيليا المغمورة بالماء (3 مل 18 ، 38)
هذه النار ليست ناراً مخلوقة بل هي مجد الله غير المخلوق والتي لا تُكشفُ للبشر في اليوم الأخير بغية تعذيبهم بل بغية تطهيرهم. البشرُ بأجمعهم سيعبرون هذه النار وستُمتحنُ أعمالهم وعبر هذا المجد الإلهيّ الناريّ وغير المخلوق سنتطهّر جميعنا، قدّيسين وأبراراً وشهداء وصالحين من أدران الخطيئة، التي لم يسلم منها أيّ بشريّ، لنخرج منها أهلاً لمعاينة مجد الله.
لا أحد من البشر، مهما بلغت قداستُه وسمت فضائلُه قادرٌ بذاته، أن يعاين مجدَ الله وأن يتنعّم بالملكوت السماويّ.
وحدها محبّة الله المجانيّة المكشوفة لنا عبر مجده المؤكّد هي التي ستؤهّلنا لهذا الملكوت.
وكما يُطهَّر الذهب والفضّة والأحجارُ الكريمةُ من الشوائب عند عبوره بالنار، هكذا ستُطهَّرُ فضائلُنا وأعمالنا الصالحة وبناؤنا المؤسّسُ على النعمة الإلهيّة من بقايا الخطايا عند مرورها، يومَ الرب، بنار مجدهِ غير المخلوق.
لتخرج نقيّةً، لا بفضل الأعمال الصالحة والفضائل فحسب، بل بفضل محبّة الله ونعمته التي اقتبلها الصّديقون والأبرارُ ورفضها غيرُ التائبين.
فمن كان مزوّدًا، عبر جهاده الأرضيّ بالصالحات ستُحفظُ له وسيزيدُها الله بهاءً واشراقاً كالذهب والفضّة والأحجار الثمينة، ومن كان فارغاً منها فسيخسرُ أمامَ امتحانِ النار كالخشب والحشيش والتبن.
يخطئ من يعتقد أنّه، بفضائله فقط، يحجز بطاقة لملكوت الله. الفضائل ليست إلّا تحقيقاً لإنسانيّةٍ أصيلة خلقنا اللهُ لبلوغها. هي ثمار، والثمارُ لا تُمنِّنُ شجرتَها. الملكوت لا يُشترى ولا يُباع. هو منحة إلهيّة يمنحهُا اللهُ لمن قَبِلَ دعوته وجاهد وحملَ صليبه وقال لرّبه في كلّ يوم: "أنا عبدُ ضعيفٌ وما فعلت إلّا ما كان عليّ أن أفعل" (لو 17، 10).