الأحد 28 نيسان 2019

الأحد 28 نيسان 2019

28 نيسان 2019
 
الأحد 28 نيسان 2019              
العدد 17
 
أحد الفصح العظيم المقدّس
 
* 29: إثنين الباعوث، الرَّسولان ياسنوس وسُوسيباترس ورفقتهما، * 30: الرَّسول يعقوب أخو يوحنَّا الثاولوغوس،
* 1: إرميا النبيّ، البارّة إيسيذورة، * 2: نقل جسد القدّيس أثناسيوس الكبير، * 3: ينبوع الحياة، الشّهيدان تيموثاوس ومفرة، * 4: الشّهيدة بيلاجيا، البارّ إيلاريوس العجائبيّ.
 
رسالة الفصح
الشهادة في عالم اليوم
 
"وتكونون لي شهودًا" (أعمال 1: 8).
 
أن نشهد للمسيح اليوم martyro هو أن نذكّر أبناء العالَم الدّهريّين secularises "العلمانيّين" بقيامة المسيح من بين الأموات. أمّا أنا الحقير فأقف أمام صليب المسيح، أمام شقاء العالَم، حاملاً شعلة المحبّة الخالصة La flame de l’Amour.
 
الخلاص لا يَكمُنُ في التخلُّصِ مِن أتعابِ العالَم، بل في خلاصِ العالَمِ نفسِه.
 
يَكمُنُ الخلاصُ، أوّلًا، في تجسيدِ الكلمة الإلهيّة، تجسيد كلمات الإنجيل المعيوشة في هذا العالَم، والمقصودُ بذلكَ خدمةُ الإنسان، بِوَحيٍ مِن الله. "الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا" (يوحنّا 1: 14) كانت مريم تحفظ جميعَ هذا الكلام متفكّرة به في قلبها" (لوقا 2: 19).
 
أمّا يسوع "فأجاب وقال لهم أُمّي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها" (لوقا 8: 21).
 
وصيّة الرّبّ يسوع، بعد قيامته وقبل مغادرته تلاميذَه بالجسد، كانت هكذا: "اِذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم وعمّدوهم باسم الآب والاِبن والرّوح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كلَّ الأيّام إلى انقضاء الدهر" (متّى 28: 19-20).
 
اليوم مسيرتنا، طريقة حياتنا، صلواتنا، علاقاتنا مع الآخرين، هي أهمُّ بكثيرٍ مِن عُلومِنا النظريّة. هي تفيدُنا لِخلاصِ العالَم أكثرَ ممّا تفيدُنا الطّروحات اللّاهوتيّةُ المجرّدة. 
 
هذا ما كان الأب صوفروني يقوله في Essex Starets Sophrony: علاقتنا مع الناس (الجماعة، الشركة، Communauté) أهمّ مِن التّفاصيل الإجتماعيّة. الجماعة هي عبارة عن عائلةٍ مبنيّةٍ على محبّتنا بعضنا لبعض. القاعدة مبنيّةٌ على احتمال بعضنا البعض، على المحبّةِ المتبادَلة، على الصّبر والتّضحية. هذه هي الكنيسة الفصحيّة الغالبة الموت، العبور من آلام هذا الدّهر إلى فرح الرّبّ الدائس الموت. 
 
المحبّةُ في الرّبِّ هي الفَعّالة، لا الأوامر السلطويّة. العملُ في الخفيةِ لتعزيةِ القريبِ وإغاثتِه، لا التّظاهرُ والتّباهي والاِنتفاخ. إعلامُكَ الحقيقيُّ هو أمامَ اللهِ الذي يَرى في الخفية.
 
أُوصيكُم بتجنُّبِ الصُّوَرِ والـ Facebook: إنّها رذيلة في كثير من الأحيان، لأنّ الشّيطان يستغلّها مِن أجل السُّوء. الإعلام يقتل الحقيقة في كثير من الأحيان. ما هو إلّا وسيلة للمنفعة الدّنيئة الشّخصيّة المادّيّة والشَّهوانيّة.
 
تُرى، ما هو سرّ قيامة المسيح؟ يقول القدّيس سمعان اللّاهوتيّ الحديث: "قيامة المسيح هي قيامتنا من قبر التواضع والتّوبة. هذا هو السّرّ الذي نودّ أن يتمّ فينا".
 
قال السيّد: "أنا هو الحقّ". حياةُ المسيحيّ مُشبَعَةٌ بإيحاءٍ مستمرّ بإلهام الرّوح القدس. هي مسيرةٌ مِن مَجدٍ إلى مجد. هي كَشْفٌ إلهيٌّ جديدٌ في كُلِّ مرّة. 
 
حياةُ الكنيسةِ مفعمةٌ بالفرح. إنّها الحياة الحقيقيّة.
 
إنّها أسمى مِن القواعد والقوانين. هنا يكمن عمق المسيحيّة المأخوذة كحياة موحاةٍ من الله، فريدة من نوعها. إنّها نبعٌ فيّاضٌ لا يتكرّر. أعجوبةٌ دائمة، أعجوبةُ الخَلْق، الملكوتُ الآتي، القيامةُ المنتظرةُ دائماً.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الخامس
 
المسيحُ قام من بين الأموات، ووطئَ الموتَ بالموت ووهب الحياةَ للَّذين في القبور.
 
 
الإيباكويي (الطّاعة) باللَّحن الرّابع
 
سَبَقَتِ الصُبحَ اللّواتي كنَّ مع مريم، فوجدْنَ الحجَرَ مُدحرَجاً عَن القَبْرِ، وَسَمِعْنَ الملاكَ قائلاً لهنَّ: لِمَ تَطلُبْنَ مع الموتى كإنسانٍ الذي هُوَ في النّورِ الأزليّ؟ أُنظُرنَ لفائفَ الأكفانِ وأَسرِعْنَ واكرِزْنَ للعالَم بأنَّ الربَّ قَد قامَ وأماتَ الموتَ، لأنَّه ابنُ اللهِ المخلِّصُ جنسَ البشر.
 
القنداق باللَّحن الثامن
ولَئِن كنتَ نزَلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلّا أنَّك درستَ قوَّة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله؛ وللنّسوةِ حاملاتِ الطِّيب قلتَ افرحنَ، ولِرسُلِكَ وَهبتَ السّلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.
 
 
الرِّسالَة
أع 1: 1-8
 
هذا هُوَ اليَوْمُ الذي صَنَعَهُ الرّبّ. فَلْنَفْرَحْ ونَتَهلَّلْ بِهِ 
اعْتَرِفُوا للرَّبِّ فإنَّهُ صالحٌ وإنَّ إلى الأبدِ رَحْمَتَهُ 
 
إنّي قد أنشأتُ الكلامَ الأوّلَ يا ثاوفيلُس في جميع الأمورِ التي ابتدأ يسوعُ يعملها ويُعلِّمُ بها، إلى اليومِ الذي صَعِدَ فيهِ، من بعدِ أن أوصى بالرّوح القدُسِ الرّسلَ الذينَ اصطفاهم؛ الذين أراهُمْ أيضاً نفسَهُ حيًّا، بَعْدَ تألُّمهِ، ببراهينَ كثيرةٍ وهو يتراءَى لهم مدَّةَ أربعينَ يوماً ويُكلِّمُهُم بما يختصُّ بملكوتِ الله. وفيما هو مجتمعٌ معهم أوصاهم أن لا تَبرحوا من أورشليمَ بل اِنتظروا موعِدَ الآب الذي سمعتموهُ منّي؛ فإنَّ يوحنّا عمَّدَ بالماء وأمَّا أنتم فستعمَّدون بالرّوح القدس، لا بعدَ هذه الأيّام بكثيرٍ. فسألهُ المجتمعونَ قائلينَ: يا ربُّ أفي هذا الزّمان تردُّ الملكَ إلى إسرائيل؟ فقالَ لهم: ليس لكم أن تَعْرِفوا الأزمنةَ أو الأوقاتَ التي جعلَها الآبُ في سلطانِه، لكنَّكم ستنالونَ قوَّةً بحلولِ الرّوح القدس عليكُمْ، وتكونونَ لي شهوداً في أورشليمَ وفي جميع اليهوديَّةِ والسّامرة، وإلى أقاصي الأرض.
 
الإنجيل
يو 1: 1-17
 
في البدءِ كانَ الكَلِمةُ والكَلِمةُ كانَ عندَ الله وإلهاً كانَ الكَلِمَة. هذا كانَ في البدءِ عندَ الله. كُلٌّ بهِ كانَ وبغيرِهِ لم يكُنْ شَيءٌ ممَّا كُوّن. بهِ كانتِ الحياةُ والحياةُ كانَتْ نُورَ الناس والنورُ في الظلمَةِ يُضيءُ والظلمَةُ لم تُدْرِكْهُ. كانَ إنسانٌ مُرسَلٌ مِنَ اللهِ اسمُهُ يُوحَنَّا. هذا جاءَ لِلشَّهادَةِ ليشهد للنُّور، لكي يؤمنَ الكلُّ بِواسطتِهِ. لم يكنْ هوَ النورَ بل كان ليشهَدَ للنورِ. الكلمةُ هو النورُ الحقُّ، الآتي إلى العالم والمُنيرُ كُلَّ إنسانٍ. في العالمِ كان والعالَمُ بهِ كُوِّنَ والعالـمُ لَمْ يعرفهُ. إلى خاصَّتِهِ أتى وخاصَّتُهُ لم تقبَلهُ. فأمَّا كلُّ الذينَ قَبِلوهُ فقد أعطاهُم سُلطاناً أن يكونوا أولادًا للهِ، وهُمُ الذينَ يؤمنون باسمِهِ، الذينَ لا مِن دَمٍ ولا مِنْ مشيئةِ لحمٍ ولا مِن مشيئةِ رَجُلٍ لكنْ مِنَ الله وُلِدوا. والكلمَةُ صارَ جسداً وحلَّ بيننا، وقد أبصرْنا مجدَهُ مجدَ وحيدٍ من الآب مملوءًا نِعمةً وحقّاً، ويُوحَنَّا شَهِدَ لهُ وصرَخَ قائلاً: هذا هُوَ الذي قلتُ عَنهُ إنَّ الذي يَأتي بَعدي صارَ قبلي لأنَّهُ مُتَقدِّمي. ومن مِلئِهِ نحنُ كلُّنا أخَذْنا ونعمةً عوضَ نعمةٍ. لأنَّ الناموسَ بموسى أُعطِيَ، وأمَّا النِّعمَةُ والحقُّ فبِيسُوعَ المسيحِ حَصَلا.
 
 
في الإنجيل
 
المسيح قام! نرتّل في الميلاد من الإكسابوستيلاري: "...فنحن مَن في الظّلمة والظّلال قد عثرنا على الحقّ بمولد الرّبّ من البتول".
وفي الظّهور الإلهيّ نقرأ في إنجيل الأحد بعد الظّهور:"... الشّعب السّالك في الظلمة أبصر نورًا عظيماً والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم نور ..."
 
ويعلن الكاهن في عيد التّجلّي الإلهيّ في الإيصوذيكون: "لأنّ من قبلك عين الحياة، وبنورك نعاين النّور".
وكذا في كلّ الأعياد السيّديّة التي مفادها الاِنتقال من الظلام إلى النّور.
 
وها نحن، اليوم، نرتّل مُتغنّين في الفصح المجيد: "اليومَ يوم القيامة فلنتلألأ أيّها الشّعوب لأنّ الفصح هو فصح الرّبّ؛ وذلك لأنّ المسيح إلهنا قد أجازنا من الموت إلى الحياة ومن الأرض إلى السّماء، نحن المنشدين نشيد النّصر والظّفر".
 
إذًا، كلّ أعيادنا هي عبور؛ عبور من أين؟ وإلى أين؟ عبور من أرض العبوديّة المجبولة بالخطيئة إلى عرش الرّبّ المملوء بالنّعمة.
ولكن، من أين أتت أرض العبوديّة هذه، خصوصاً أنّنا نعلم أنّ الله قد خلق كلّ شيء حسن؟
 
لـمّا فضّل آدم، وهو في أرض النّعمة، شهوة الطّعام على أن يحفظ نفسه من شراهة الأكل صار عبداً لهذه اللّذّة، لذلك صار يعيش في أرض العبوديّة (عبوديّة الخطيئة). 
 
إلّا أنّ ربّنا المحبّ البشر لم يتركه أسيراً لتلك اللّذّة بل دبّر له خلاصاً ليعود إلى وطنه الأساسيّ أيّ إلى السماء. 
 
فأقام له شجرة الحياة، ليبيد شجرة الموت، لعلّه يراها من جديد فيقطف من ثمارها ويأكل فيحيا. 
 
وكانت تلك الشجرة المحبّة البشر هي المسيح الإله، وقد أدركها آباؤنا القدّيسون بالنّعمة.
 
إذاً، منذ أن سكنّا أرض العبوديّة والأقنوم الثّاني من الثّالوث القدّوس، أي كلمة الله ربُّنا وإلهنا يسوعُ المسيح الإله الأزليّ، يعمل مع أبيه وروحه المحيي لإعادتنا إلى الحياة الخالدة. 
 
ولا شكّ في أنّ أحدًا لا يقدر أن يخلّص الإنسان إلّا الإله نفسه. لذلك أعلن الرّسول يوحنّا اليوم في الإنجيل: "في البَدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله والله كان الكلمة....".
 
إنّ يسوع المسيح الذي صُلب لأجلنا وقام في اليوم الثّالث هو نفسه ذاك الإله الذي تأتي منه ثمرة الحياة، فإن أكلنا منه نحيا ولا نموت إلى الأبد. 
 
ولكن كيف لنا أن نأكل هذا الإله العجيب المحيي؟
يقول الرّبّ نفسه "إنّ من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه". 
 
وهذا يتمّ عبر اجتماعنا في القدّاس الإلهيّ حيث يقدّم لنا الرّبّ نفسه طعاماً للحياة الأبديّة. ومَن يأكلِ الرّبّ يزدَد نعمة كما يقول الرّسول الحبيب أيضًا في الإنجيل: 
 
"ومن مِلئِه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة، لأنّ الناموس بموسى أعطي أمّا النّعمة والحقّ فبيسوع المسيح صارا".
 
إذًا، نحن اليوم، يا اخوة، نعيّد لعبورنا من أرض العبوديّة إلى أرض النّعمة؛ نعيّد لعبورنا من الضّلالة إلى معرفة الحقّ؛ نعيّد لتحريرنا من العبوديّة إلى البنوّة بالمسيح. فقد أصبحنا أبناءً لله بيسوع المسيح ربّنا حسب قول الرّسول يوحنّا أيضًا: 
 
"وأمّا كلّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه..."
فلنعيّد يا أخوة بفرح وشكر، رافعين رؤوسنا إلى العلاء لأنّ ربّنا قام وأقامنا معه. ولنهتف بعضنا لبعض بثقة وإيمان: 
 
"المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للّذين في القبور". حقًّا قام.
 
 
قيامةٌ وقياميّون 
 
لعلّ عظة الفصح للقدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم (الميمرَ الذي تُلي علينا قُبيل المناولة) من أبلغ ما قيل في الفصح، إذا لم تكن الأبلغ مُطلقاً. 
 
والأكيد أنّ كلّ ما قيل في الفصح بعدها إنّما هو، في أفضل الأحوال، اقتباسٌ منها أو إعادة صياغة reformulation. 
 
فعلى متن هذه العظة يُحلّق بنا الذّهبيّ الفم إلى عالَم ليس يُشبه عالَمنا الأرضيّ بشيء، عالَمٍ مواصفاتُه أخرى تماماً، بل هي نقيض مواصفات عالَم الأرض كلّيًّا، وكذلك هي معادلاته ومقاييسه، وليست لعدله أيّة صلة بعدل الأرض ولا لمنطقه، عَنَيتُ به عالَم القيامة. فأين نحن من هذا العالَم؟
 
ينبغي لعالَم ما بعد القيامة أن لا يبقى كعالمِ ما قبلها. ما قبل القيامة عتاقةٌ وفساد، أمّا ما بعدها فجدّةٌ وصلاح. ما قبل القيامة ظلم واضطراب، أمّا ما بعدها فعدلٌ وحقٌّ وسلام. 
 
ما قبل القيامة أغنياءُ يَسُودون الفقراء ويتسلّطون عليهم، وإذا رقّت قلوبهم- ونادراً ما يحصل هذا- يتصدّقون عليهم من فُتات الموائد، أمّا ما بعد القيامة فمائدةٌ واحدة ملأى يجلس إليها الأغنياء والفقراء سويًّا ويطربون معًا. 
 
ما قبل القيامة عدلٌ أرضيّ هشٌّ له قواعده، أمّا ما بعد القيامة فعدلٌ سماويّ لا صلة له، مُطلقاً، بعدل الأرض، عدلٌ يخالف بقواعده الجديدة كلّ التوقّعات: "صُمتم أم لم تصوموا أكرموا هذا النّهار. السيّد كريم جوّاد، يقبل الأخير مثل الأوّل ويُربح العامل من السّاعة الحادية عشرة مثل العامل من السّاعة الأولى، يرحم الأخير ويُرضي الأوّل....". 
 
بين العالَمين، إذاً، هُوّةٌ سحيقة، فمَن يردم الهوّة؟  أمس، في خدمة سبت النّور، أطلقنا حناجرنا ونادَينا المسيح الدّفين: "قُم يا الله واحكُم في الأرض". 
 
سَمع المسيح الفصحيّ نداءَنا فاستيقظ كالنّائم وقام من بين الأموات، بزغ من القبر كالبازغ من الخدر، لأنّ القبر لم يستطع أن يضبط فيه عنصر الحياة. 
 
وهذا ما أعلنه إمام الخدمة، في ختامها، عندما أطلّ من الباب الملوكيّ حاملاً بيُمناه الصّليب مربوطاً إلى شمعة تُضيئُه- والأولى أنّها تستضيء به- رمزاً لدَوس الموت وإماتة الجحيم، ليهتف بأعلى صوته: "المسيح قام"، ونحن رَدَدْنا عليه، بملء حناجرنا، "حقاً قام". 
 
فماذا يعني ردّنا هذا؟ إنّه يعني أمراً واحداً وحيداً: 
 
أنّنا وافقنا إمام الخدمة وصَدقناه الإعلان، وأنّنا، بالتّالي، مستعدّون لنكون شهوداً لهذه القيامة ببراهين ساطعة يتوقّعها العالَم منّا ونُقدّمها له من حياتنا، تماماً على غرار الرّسل الذين، بعد أن قام المسيح من بين الأموات، كَلَّمهم قائلاً: "هكذا هو مكتوب وهكذا ينبغي أنّ المسيح يتألم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثّالث... وأنتم شهود لذلك" (لو 24: 46-48).
 
إنّ في هذا الكلام الموجَّه من يسوع القائم من بين الأموات إلى رُسله لتكليفًا صريحًا. إنّه يكلّفهم حمل رسالته من بعده، فكأنّه يقول لهم: أنتم سُفَرائي إلى العالَم من بعد صعودي عنكم، وها أنا أُطلقكم فيه لتكونوا فيه شهوداً على قيامتي. 
 
إلّا أنّ هذا التكليف ليس يعني الرّسل وحدهم، لكنّه ينسحب علينا نحن أيضًا، واليوم، ويعنينا مثلما يعنيهم، وبالقدر نفسه. 
 
فماذا عندنا ممّا يدلّ على أنّنا، نحن أيضًا، شهود لقيامة المسيح؟ 
 
ماذا عندنا ممّا يدلّ على أنّ المسيح قائم فينا؟ إنّ توما اشترط على الرّسل أن يقدّموا له دليلاً على قيامة المسيح حسّيًّا ليرى ويؤمن. 
 
ونحن أيضًا سيأتي، يوماً، مَن يسألنا دليلاً على قيامة سيّدنا، فبماذا نُجيب؟ ما هي العلامة الفارقة التي عندنا والتي إذا رآها الآخرون تجعلهم يُصدّقون أنّنا قياميّون؟ وأين هي هذه العلامة؟ 
 
أين هي ما دُمنا نفرح كما يفرح باقي النّاس ونحزن كما يحزنون؟ 
 
أين هي ما دمُنا نتعاطى شؤون حياتنا كما يتعاطاها باقي النّاس ولا ميزة لنا فيها؟ 
 
أين هي وخَتمُ القيامة، حتّى في كنيستنا ومؤسّساتها، باهتٌ، كي لا أقول غائب؟ أين هي ومعظم مداخيلنا الوقفيّة يُنفَق على الهياكل الحجريّة (بناءً أو تجميلاً) فيما هياكلُ حيّةٌ كثيرةٌ تتضوّر جُوعاً وليس من يكسر لها خبزاً، أو تتسكّع عند أبواب المستشفيات ولا سامريَّ شفوقاً يتحنّن؟ أين هي ومؤسّساتنا الكنسيّة، على اختلافها، تقدّم، في سياساتها الإداريّة، القانون الوضعيّ (ولو مُجحفاً) على قانون المحبّة والعدل والحقّ؟ 
 
أين هي وفي كنيستنا انقسامٌ عموديٌ واضح بين جماعة لـ "بولس" وأُخرى لـ "أبلُّس"، 
 
وكلّ واحدة منهما تدّعي الحقّ فيما الحقّ والحقيقة في مكان آخر؟ 
 
أين هي وقد استحالت رَعايانا إلى مجرّد تجمّعات بشريّة، كلّ رعيّة منها لاهيةٌ بهمومها وتبحث في ما يخصّها وحدها، ولا هاجسَ شركويًّا تعاضديًّا يجمعها؟ أين هي... والأمثلة تكثر والقائمة تطول؟
 
أمسِ، في خدمة سبت النّور، نادَينا المسيح أن "قم يا ألله واحكُم في الأرض"، وها هو قد قام. 
 
فهل قام ليعلن في الأرض مملكته الزّمنيّة؟ هل، عندما هتفنا له أن "قُم... واحكُم في الأرض"، كنّا ننادي بحُكم ثيوقراطيّ؟ طبعًا لا، فلا المسيح حاكم أرضيٌّ ولا المسيحيّة نظام حُكم.
 
نحن نَعلم ونُعلّم أنّ مملكة المسيح ليست من هذا العالم. 
 
فما الذي أردناه، إذاً، من السيّد عندما هتفنا له أن "قُم.. واحكُم في الأرض"؟ ما أردناه هو أن "قُم" وأَعطِنا، من فاعليّة قيامتك، أن نكون قياميّين، وفيما نَسُوسُ الأرض ونَحرثها أن نزرع فيها من عدلكَ عدلًا ومن سلامكَ سلاماً.
 
إنّ السيّد لم يَقُم من القبر ليكون وحدَه القائم. لقد قام هو ليُقيمنا نحن أيضًا معه. 
 
ليقيمنا من موتنا اليوميّ الطّوعيّ. ليُبطل فينا مَواتية الرّوح ويُحرّك فينا نبض الحياة المنبعثة من القبر الفارغ والدّافقة في الكون نُوراً وحبًّا وخلاصاً. 
 
إنّ القيامة لها- إذا جاز المصطلح- مُندرجاتها، ومحورُ هذه المندرجات أن نكون قياميّين في دُنيا قياميّة. 
 
بهذا نردم ولو بعضًا من الهوّة بين عالَم السّماء وعالَم الأرض. 
 
بهذا نكون قد وضعنا اللَّبنة الأولى في بناء عالَم قائمةٍ أساساتُه على الحبّ والعدل والسّلام، فلا يبقى العالم القياميّ، الذي رَفعَنا إليه الذّهبيّ الفم في مَيمره، عالماً افتراضيًّا. المسيح قام!
 
أخبـــارنــــا
 
صاحب السّيادة يتقبّل التهاني بالعيد 
 
لمناسبة عيد الفصح المجيد يتقبّل راعي الأبرشيّة سيادة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) الجزيل الاِحترام التّهاني،  وذلك نهار أحد الفصح المقدَّس من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتّى الواحدة بعد الظهر، ومن السّاعة الرّابعة عصرًا حتّى السّابعة مساءً، في القاعة الملاصقة لدار المطرانيّة.
 
المسيح قام... حقًّا قام