الأحد 7 تشرين الأوّل 2018

الأحد 7 تشرين الأوّل 2018

07 تشرين الأول 2018
 
 
الأحد 7 تشرين الأوّل 2018
العدد 40
 
الأحد الـ 19 بعد العنصرة
 
اللَّحن الثّاني        الإيوثينا الثامنة
 
* 7: الشّهيدان سرجيون وباكخُس، الشّهيد بوليخرونيوس، * 8: البارّة بيلاجيا، تائيس التائبة، سرجيوس رادونج (25 أيلول شرقيّ) * 9: الرَّسول يعقوب بن حَلفى، البارّ أندرونيكس وزوجته أثناسيَّا، إبراهيم الصدِّيق ولُوط، * 10: الشَّهيدان أفلمبيوس وأخته أفلمبية، * 11: الرَّسول فيليبّس أحد الشَّمامسة السّبعة، البارّ إسحق السريانيّ (28 أيلول شرقيّ)، ثاوفانس الموسُوم، * 12: الشُّهداء بروفوس وأندرونيكس وطَرَاخُس، سمعان اللّاهوتيّ، * 13: الشُّهداء كرْبُس وبابيلس ورفقتهما.
 
الـرّهبنـة 
 
مقدّمة
الرّهبنة الحقيقيّة هي في اتّباع يسوع، في الالتصاق بكلمته.
 
لا تكون الرّهبنةُ في اقتناء الأعمالِ الصّالحة وحسب، بل في التجرّد من كلّ شيء دنيويّ، لا سيّما المال؛ في التخلّي عن الدنيا والزهد بها، في الفقر الطّوعيّ، في الافتقار إلى الله، في إنكار الذّات، في عَيشِ اللّاظهور aphaneia، في إنكار المشيئة الذّاتيّة، في اللّاوجود anyparxia؛ هكذا يكون اكتسابُ الحياةِ الأبديّة. الحياة الأبديّةُ هي العيش مع الرّبّ يسوع المسيح. 
 
لقد قَلَبَ الرّبُّ بكلمته الاعتقادَ اليهوديَّ الذي كان سائدًا في القديم أنّ الحياة الأبديّةَ هي في القيام بالأعمال الصالحة، وعلَّمَنا أنّ هذه الأخيرة تجعلُ الإنسانَ يحيا ولكنّها لا تُوصِلُه إلى الكمال.
 
إنْ أردتَ أن تكونَ كاملاً، فَبِعْ كلَّ شيءٍ ووزِّعه على الفقراء... وتعال اتبَعني" (متّى 21:19). 
 
اتبَعني على الطُّرُقِ اللّامحدودة (راجع مَثَلَ السامريّ الشَّفُوق). هكذا أصبح الرّبّ يسوع قريباً لِكُلِّ واحدٍ مِنّا، إذْ صنعَ إلينا الرّحمةَ اللّامتناهية. 
 
ذهب إلى الموتِ محبّةً بنا جميعاً. بذل نفسَه على الصليب. قام مِن بين الأموات. تمجّد. أصبح مَلِكَ المجد. فَتح بابَ الملكوتِ لِكُلِّ واحدٍ مِنّا، لِكُلِّ مَن يؤمنُ به، لِكُلِّ مَن يَتبَعُ كلامَه. 
 
نعم، لقد قال الرّبُّ يسوعُ لِلشّابّ، الغنيّ "إعمَلِ الوصايا فتَحيا"، هذا بمعنى أنّ الوصايا مدخلٌ إلى الحياة، لكنّها لا تكفي لِنَوالِ الكمال، لِنَوالِ الحياةِ الأبديّة.
 
"الحياة الأبديّة هي أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلتَه" (يوحنّا 17: 3).
 
قال الرّبُّ للشّابِّ الغنيّ "إنْ أردتَ أن تكونَ كاملاً، فَبِعْ كلَّ شيءٍ ووزِّعْه على الفقراء... وتعالَ اتْبَعني" (متّى 19: 21) هذا ما فعلَه الرّسلُ الأوَّلُون: "تركوا كلَّ شيءٍ وَتَبِعوه". 
 
هذا ما يَذكُره الإنجيليُّ لوقا على لسان الرّبّ يسوع: 
 
"كلّ واحد منكم لا يتركُ جميعَ أموالِه لا يَقدرُ على أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 14: 27). ويضيف الرّبّ يسوع: 
 
"لا تقدرون أن تعبدوا ربّين الله والمال" (لوقا 16: 13). ويضيف الرّسولُ بولس إلى تلميذه تيموثاوس: "إنّ محبّةَ المال أصلٌ لِكُلِّ الشرور" (1 تيموثاوس 6: 10).
 
كيف يستطيع الإنسان أن يعيش راهباً في وسط العالَم؟ 
 
باختصار الكلام نقول: أن يتعامل مع كلّ شيء ولا يتعلّق بشيء، أن يتعامل مع كُلّ واحد ولا يتعلّق بأحد. هذا ما يعبَّر عنه باللّغة الأجنبيّة detachment (أي عدم التعلّق، فَكّ الاِرتباط). 
 
يُورِدُ الإنجيليُّ متّى قَولَ الرّبِّ يَسوع: 
 
"مَن أحبَّ أباً أو أُمّاً أكثرَ منّي فلا يستحقّني، ومن أحبّ ابناً أو ابنةً أكثر منّي فلا يستحقّني، ومَن لا يأخذُ صليبَه ويتبعُني فلا يستحقّني" (متّى 10: 37-38) (ولوقا 14: 26-27).
(يتبع)
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريَّة القيامة  باللَّحن الثّاني
 
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرق لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك. 
 
القنداق باللحن الرّابع
 
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصارخينَ إليكِ بإيمانٍ: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطِّلْبَةِ، يا والدةَ الإلهِ المُتشَفِّعَةَ دائماً بمكرِّميك.
 
 
الرِّسالَة
2 كو 11: 21-33، 12: 1-9
إلى كلِّ الأرضِ خرج صوُته    السَّمَواتُ تُذيعُ مجدَ الله 
 
يا إخوةُ، مَهما يَجترِئ فيهِ أحدٌ (أقولُ كجاهلٍ) فأنا أيضاً أجترِئُ فيهِ. أعبرانيُّونَ هم فأنا كذلك. (أإسرائيليّون هم فأنا كذلك. أذرِّيَّةُ إبراهيمَ هم فأنا كذلك. أخدَّامُ المسيح هم (أقول كمختلِّ العقل) فأنا أفضل. أنا في الأتعابِ أكثرُ، وفي الجلدِ فوقَ القياسِ، وفي السجونِ أكثرُ، وفي الموتِ مراراً. نالني من اليهودِ، خمسَ مرّاتٍ، أربعون جلدةً إلّا واحدةً. وضُربتُ بالعِصيِّ ثلاثَ مرَّاتٍ، ورُجمتُ مرّةً، وانكسرتْ بي السفينةُ ثلاثَ مرَّاتٍ، وقضيتُ ليلاً ونهاراً في العُمق. وكنتُ في الأسفارِ مرَّاتٍ كثيرةً، وفي أخطارِ السُّيول، وفي أخطارِ اللّصوص، وفي أخطارٍ من جِنسي، وأخطارٍ من الأُممِ، وأخطارٍ في المدينة وأخطارٍ في البرِّيَّة، وأخطارٍ في البحرِ، وأخطارٍ بينَ الإخوةِ الكَذَبة. وفي التَّعب والكدِّ والأسهارِ الكثيرة، والجوع والعطش والأصوامِ الكثيرة، والبردِ والعُري. وما عدا هذه التي هي من خارجٍ ، ما يتفاقَمُ عليَّ كُلَّ يومٍ من تدبير الأمور ومنَ الاِهتمام بجميع الكنائس. فمن يضعفُ ولا أضعف أنا؟ أو من يُشكَّكُ ولا أحترِق أنا؟! إن كانَ لا بدَّ منَ الاِفتخار فإنّي أفتخرُ بما يَخُصُّ ضُعفي. وقد علمَ الله أبو ربِّنا يسوعَ المسيحِ المبارَكُ إلى الأبدِ أنّي لا أكذب. كانَ بدمشقَ الحاكمُ تحتَ إمرةِ الحارثِ يحرُسُ مدينةَ الدمشقيّينَ ليقبَضَ عليَّ، فدُلِّيت من كوَّةٍ في زِنبيلٍ منَ السُّور ونَجَوتُ من يديه. إنَّهُ لا يوافقني أن أفتخِرَ فآتي إلى رُؤى الربِّ وإعلاناتِه. إنّي أعرِفُ إنساناً في المسيح مُنذُ أربعَ عشرَةَ سنةً (أفي الجسدِ لستُ أعلمُ، أمْ خارجَ الجسدِ لستُ أعلم. ألله يعلم) اِختُطِفَ إلى السماءِ الثالثة. وأعرِفُ أنَّ هذا الإنسانَ (أفي الجسَدِ أم خارجَ الجسدِ لستُ أعلم. ألله يعلم)، اِختطفَ إلى الفردَوسِ، وسمعَ كلمات سرِّيَّةً لا يحلُّ لإنسانٍ أن ينطق بها. فمن جِهِةِ هذا أفتخر، وأمَّا من جهةِ نفسي فلا أفتخرُ إلّا بأوهاني. فإنّي، لو أردتُ الاِفتخارَ، لم أكُنْ جاهلاً لأنّي أقولُ الحقَّ. لكنّي أتحاشى لِئَلّا يظنَّ بي أحدٌ فوق ما يَراني عليه او يسمَعُهُ مِنّي. ولِئلّا  أستكبِر بفَرطِ الإعلاناتِ أُعطيتُ شوكةً في الجسَد،ِ ملاكَ الشيطانِ، ليَلطمِني لئلّا أستكبر. ولهذا طلبتُ إلى الرّبِّ ثلاث مرّاتٍ أن تُفارقني فقالَ لي تكفيك نِعمتي، لأنَّ قوَّتي في الضُّعفِ تُكمَل. فبكُلِّ سرورٍ أفتخرُ بالحَريِّ بأهاوني لتستقِرَّ فيّ قوَّةُ المسيح.
 
الإنجيل
لو 7: 11-16 (لوقا 3) 
 
في ذلك الزّمان، كان يسوع منطلقاً إلى مدينة اسمها نايين، وكان كثيرون من تلاميذه وجمعٌ غفير منطلقين معه. فلمّا قرب من باب المدينة، إذا مَيْت محمول، وهو ابنٌ وحيد لأمّه، وكانت أرملة، وكان معها جماعةٌ كثيرة من المدينة. فلمّا رآها الرَّبُّ تحنَّن عليها، وقال لها: لا تبكي. ودنا ولمس النَّعش، فوقف الحاملون. فقال: أيّها الشابّ، لك أقول قُم. فاستوى الميْتُ وبدأ يتكلَّم، فسلّمه إلى أمِّه. فأخذَ الجميعَ خوفٌ، ومجَّدوا الله قائلين: لقد قام فينا نبيٌّ عظيمٌ، وافتقدَ اللهُ شعبَه.
 
في الإنجيل
 
ثمّة وجهان لمشهد الإنجيل اليوم: 
 
مشهد المسيح ومَن يرافقه، الذي يمثّل الحياة، ومشهد الموت المتمثّل بموكب جنازة حيث امرأةٌ تبكي وحيدها وهي ترافقه إلى القبر، أي إلى النهاية والاِضمحلال. الحياة بمواجهة الموت. 
 
والأمر نفسه يواجهه الإنسان بطبيعته في حياته. 
 
الحياة هي بمعيّة المسيح، والموت هو البُعد عنه لأنّه مصدر الحياة ومعطيها، هو الذي يتحنّن على الإنسان فيمسح كلّ دمعة (رؤ١٧:٧) ويبعث فينا الحياة من جديد. 
 
هو الذي يمدّ يده فيبلسم جراحنا ويداويها بأدوية التوبة والصّوم والصّلاة.
 
لا تبكي، يقول لأرملة نايين. 
 
تحنّن عليها هو الذي تتحرّك أحشاؤه عندما يبتعد عنه الإنسان ويموت بخطيئته، كما نراه في مثل الاِبن الشاطر. 
 
كيف لا تتحرّك أحشاء مَن ينتظر عودة الخاطئ، أو لا تتحرّك عواطف تحنّنه على امرأةٍ أرملةٍ ترافق وحيدها إلى القبر باكيةً؟ يصدمها بقوله لها: 
 
لا تبكي يا ابنتي، أنا الحياة، فقط آمني بي وأنا أعطيه الحياة، تماماً كما حصلَ مع مريم ومرثا عند قبرِ لعازر! 
 
"أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. 
 
مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يو٢٥:١١). حتّى ولو كان الموت مرافقًا لحياة الإنسان، معي الموت يضمحلّ وتنبعث منه الحياة رغم الفساد والنتانة اللَّذَين هما من خصائصه. 
 
لقد أعطاها أملاً بكلمة تعزيةٍ، وبريق القيامة بدأ يلمع.
 
الإنجيل اليوم يُعطينا حسّ الرعاية ومُقاربة الحزانى والمتألّمين. إنسان اليوم، كما هو في كلّ عصر، تعيسٌ. سبب تعاسته خطيئته، ألمه، أهواؤه، ضعفه، ثمّ الموت الذي يأتي فيزيل كلّ شيء. 
 
على أعضاء الكنيسة، برعاتها أوّلاً، ألّا ينسوا أنّ المسيح أتى إلى هذا العالم لكي يبشّر المساكين، ويشفي منكسري القلوب، وينادي للمأسورين بالتخلية وللعميان بالبصر، ويطلق المهشّمين إلى الخلاص (لو١٨:٤). 
 
هذه هي رسالة الكنيسة، صورة عن المسيح الذي يرافق جوانب حياة الإنسان كلّها، أن تصدّ موكب الموت وتبعث فيه روح الحياة والقيامة، كما حصل مع ابن أرملة نايين الوحيد، أن تلمس هذا النعش وتقول للموت كفى افتراسنا، كفى للفساد أن يتآكلنا. 
 
الكنيسة تتحمّل أحزان الناس، ليس فقط بالمواعظ، بل بمنح المحزونين الإيمان والثقة بالربّ، لكي يأتي ويشفي القلوب المنكسرة بسبب الألم. 
 
فالجرح لا يُشفى بوضع الملح عليه، بل بالمداراة والعناية الفائقة بالأدوية الملائمة. 
 
وقد يستغرق هذا وقتًا وصبرًا، ثمّ يأتي الشّفاء تدريجيًّا. النفس المتألّمة بحاجة لرعايةٍ حثيثةٍ ومتابعةٍ دقيقةٍ، لا فقط لزيارةٍ وحيدةٍ يتيمةٍ، وكلامٍ جميلٍ منمّقٍ، وإراحةٍ للضمير بعد القيام بالواجب.
 
إنّ القدّيس غريغوريوس بالاماس يجد في قيامة ابن الأرملة نموذجًا لتجديد أذهاننا. نفسنا أرملةٌ للختن السماويّ بسبب الخطيئة، وعندما تندب ابنها الوحيد – الذهن الذي "يموت" عن الأهواء "محمولاً" خارج مدينة الأحياء، تقبل زيارة المعزّي التي تمنح التعزية الأبديّة.
 
أن يكون الأسقف "صاحيًا وممتحِنًا للأرواح" 
 
لقد أعطى الله الأسقف للكنيسة كرأس للجسد ومكمِّل لعمل الرّسل. إنّه في مكان يسوع المسيح، وينبغي له أن يستنير بواسطة موهبة الحقّ التي تُعطى له في شرطونيّته، ليقود المؤمنين إلى هذا الحقّ، الّذي يُعطي الخلاص الأبديّ بيسوع المسيح.
 
فالأمر العظيم والجوهريّ الّذي يحصل في شرطونيّة الأسقف ليس عظته أو وعوده أو كثرة تطلّعاته، إنّما، أوّلاً، هذا الاعتراف المجيد بكلّ عقائد الإيمان الأرثوذكسيّ، أمام الله والكنيسة، ووعده بأن يكون أمينًا على هذا الإيمان ويُبسل الهرطقات التي أبسلتها مجامع الكنيسة، وأيضًا أن يحفظ القوانين المقدّسة. 
 
وبناءً على هذا الاعتراف المقدّس يأخذ الأسقف في شرطونيّته أعظم درجات النعمة أو ملء موهبة الرّوح القدس. 
 
كلّ نعمة ينالها الأسقف ينالها أوّلاً لأنّه أسقف أرثوذكسيّ، لا لأنّ أعماله مجيدة وأفكاره حسنة وجهاداته عظيمة، إنّما لأنّ إيمانه أرثوذكسيّ مستقيم. لكنّ نعمة الرّوح القدس تنسحب من الأسقف بمجرّد تهاونه في حفظ هذا الإيمان الأرثوذكسيّ المقدّس. والتهاون لا يعني عدم الإيمان بهذه العقائد، إنّما يكفي أن يقبل إيمانًا آخر إلى جانب إيمانه حتّى يكون ناقضًا للعقائد. 
 
هذا القبول يُعتبر زنى. 
 
بحسب المجامع المسكونيّة، الإيمان بالعقائد الأرثوذكسيّة يعني حتمًا رفضًا كاملاً لكلّ العقائد الأخرى المخالفة. انسحاب النعمة قد لا يتمّ حالاً إنّما بعد حين، لأنّ الله يُعطي فرصة للأسقف ليرى انحرافه ويتوب.
 
موضوع الأسقف اهتمّ به المسيح نفسه في الإنجيل من خلال تعليمه للرّسل، الأساقفة الأوائل للكنيسة. 
 
وتابعه بولس الرّسول في رسائله متكلّمًا عليه بشكل عمليّ رعائيّ، وكان شغل الكنيسة على مدى التاريخ. 
 
يوصي بولس الرّسول الأسقف بأن يتزيّن بفضائل سامية، منها ما يتعلّق بالكنيسة ومنها ما يتعلّق بكماله الشخصيّ. 
 
في ما يتعلّق بوظيفة الأسقف الكنسيّة، يطلب الرّسول منه، من بين الفضائل العديدة، أن يكون "صاحيًا" و"صالحًا للتعليم" (1تيم2:3). 
 
يُحدّد القدّيس الذهبيّ الفم، في تفسيره الرّسالة إلى تيموثاوس، معنى صفة "صاحيًا"، بقوله: 
 
إنّ الأسقف ينبغي له أن يكون صافي الرؤيا، يقظًا، ساهرًا على قطيع المسيح، مميِّزًا، بحدّة ذهنه، الأمورَ ومعتنيًا بالجميع.
 
هذا الصحو وهذان اليقظة والسهر، وهي ما يطلبه الرّسول، هي أوّلاً، بحسب الذهبيّ الفم، على مسيرة إيمان قطيع المسيح. 
 
لهذا يتطلّب هذا الصحوّ من الأسقف، كالأوّل الّذي أُعطيَ موهبة قطع كلمة الحقّ باستقامة، أن يحكم للقطيع في أمور الإيمان. 
 
ففي هذا الزمن الشرّير، الّذي تبعثر فيه الإيمان المقدّس وتبعثرت فيه مقدّساتنا، كيف يحمي الأسقف شعبه من تأثيرات العالم وهذا الدهر الشرّير؟ ألم يَختَرْه الله نبيًّا ومعلّمًا لشعبه؟ 
 
فإذا جاع هذا الشعب إلى كلمة الحقّ مَن يُطعمه؟ 
 
في زمن العولمة التي تصنع كلّ شيء دنيويًّا من هذا الدهر، مَن يُنبئ المؤمنين بالذئاب المتلبّسة بثياب الحملان؟ من يكشف لهم علامات الأزمنة؟ 
 
مَن يميّز لهذا الشعب الأرواح التي يزداد تأثيرها في العالم، هل هي من الله أم من إبليس؟ ألم يوصِ بهذا الرسول الإنجيليّ: 
 
"لاَ تُصدّقوا كُلّ روحٍ، بل اِمتحنوا الأرواح هل هي من الله"، ويُكمل قائلاً لماذا، "لأنّ أنبياءَ كذَبَةً كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1يو1:4). 
 
البدع والهرطقات وعولمة الإيمان الأرثوذكسيّ التي تفرضها المسكونيّة الجديدة أليست جزءًا من هذه الأرواح التي يبثّها أنبياء إبليس في هذا العالم؟ ها نحن في زمن نامت فيه الكنيسة ولم يعد أساقفتها يُريدون أن يمتحنوا الأرواح. 
 
فمَن تُراه يُميّز الأرواح لهذا الشعب، إذا كان الأسقف نفسه قد أسلم ذاته لإحدى هذه الأرواح الكاذبة وصار قاتلاً للحقّ؟
 
إنّ الأسقف الّذي لا تهمّه العقيدة يهدم أسس الإيمان المسيحيّ، لأنّه خارج العقيدة تتحوّل مسيرة الكنيسة، تلقائيًّا، من السَّعي إلى معرفة يسوع المسيح وطلب ملكوته إلى الاِكتفاء بالتشديد على المُثل الخُلُقيّة، التي ظاهرها قد يبدو مفيدًا للمجتمع، لكنّ جوهرها يبقى محصورًا في حدود هذا العالم الساقط وهذا الزمن المهشّم بالخطيئة ومعاندة الله. 
 
ملكوت الله نبلغ إليه بالإيمان فقط. بالطبع في الأرثوذكسيّة لا يُحسب الإيمان من دون أعمال محبّة تُثبّته. 
 
هذا الإيمان الحيّ الّذي نتكلّم عليه هو القائم على عقائد الكنيسة المقدّسة، لأنّه لا يوجد إيمان بالله مُجرّدٌ عقلانيّ. الإيمان يُحسب إيمانًا حين يستند إلى أسس عقائديّة ثابتة.
 
في زمن اللّامبالاة بالعقائد وما ينتج عنها من اللّامبالاة الرّوحيّة، كيف تعلم أنّ أسقفًا قد سقط وأصبح من روح هذا العالَم الفاسد؟ الجواب هو: 
 
حين تراه ينقض القوانين، خاصّة ما يتعلّق منها بعقائد الإيمان؛ حين يرى العقائد المقدّسة أمورًا نظريّة لا علاقة لها بالخلاص؛ 
 
حين لا يرى في قوانين المجامع المقدسّة، المسكونيّة والمحلّيّة التي قبلتها الكنيسة في وجدانها الحيّ، سوى قوانين بالية وُضعت لعصرها، وينبغي لها أن تتطوّر لتلائم عصرنا الحاليّ؛ 
 
حين يبدأ الأسقف باعتبار نفسه أبًا للكنيسة ومعلّمًا لها، كباقي الآباء القدّيسين الّذين بذلوا دماءهم لأجل الحفاظ على الإيمان والعقائد والقوانين، وهو ينقض تعليم هؤلاء القدّيسين وكلّ مسيرة جهادهم لأجل الإيمان، ثمّ يُساوي نفسه بهم. 
 
والأمر المثير للدَّهش أنّه، من جهة، يزدري فكرهم وتعليمهم، ومن جهة أخرى، يحتفل بذكراهم ويعظ عنهم بفخر. 
 
هكذا كان الفرّيسيّون والمراؤون قبله يقتلون الأنبياء ثمّ يتمنّون لو عاشوا في زمنهم.
 
ما يميّز الأسقف عن سائر المؤمنين أنّه معلّم صلب للإيمان ومفسّر للعقائد الإلهيّة. 
 
أَوَليست هذه وصيّة بولس الرسول إلى تيطس الأسقف: 
 
"مُلازمًا للكلمة الصّادقة التي بِحسبِ التّعليم، لكي يكون قادرًا أن يَعِظ بالتّعليم الصّحيح ويُوبّخ المُناقضين" (تي9:1)؟
 
هذه هي فضيلته الكبرى: أنّه يُقدّس المؤمنين بالأسرار، لكن يُقدّس الّذين استناروا بالحقّ الإلهيّ. قبل أن يُعمِّد بالماء، يُعمِّد بالرّوح وكلمة الحقّ.
 
هذا هو الأسقف في الأرثوذكسيّة، وهاتان هما مكانته وأهمّيّته في الكنيسة. الرعيّة معه تقوم ومعه تسقط؛ معه تعرف الحقّ وتتحرّر ومعه تُستعبد لضلالات إبليس، عدوّ الحقّ؛ معه تخلص ومعه تُدان، لا بل سيُدان عنها كلّها.
 
 
أخبارنا
 
توضيح 
 
إنّ مطرانيّة طرابلس والكورة وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس توضح أنّ دار حاملات الطّيب في ددّه-الكورة تديرها جمعيّة حاملات الطّيب الأرثوذكسيّة الحاصلة على علم وخبر رقم 615 تاريخ 12/3/1936، وهي جمعيّة لا تمتّ بأيّة صلة لدير القدّيس يعقوب الفارسيّ المقطّع في ددّه- الكورة.