الأحد 13 أيّار 2018
13 أيار 2018
الأحد 13 أيّار 2018
العدد 19
أحد الأعمى
اللَّحن الخامس الإيوثينا الثامنة
* 13: الشّهيدة غليكاريّة ولاوذيسيوس،* 14: إيسيذورس المستشهَد في خيو، ثارابوندُس أسقف قبرص،
* 15: بخوميوس الكبير، أخلِّيوس العجائبيّ (لارسا)، * 16: وداع الفصح، البارّ ثاوذورس المتقدِّس، * 17: خميس الصعود المقدّس، الرَّسولان أندرونيكيوس ويونياس، * 18: الشّهداء بطرس ورفقته، القدّيسة كلافذيَّة،
* 19: الشّهيد باتريكيوس أسقف برصة.
"المَعرفة والجَهل"
الجهل يُلغي الله (مزمور 14: 1)، وهو عدوٌّ للإنسان ونتيجته الموت الرّوحيّ. وأمّا المعرفةُ فليست محصورةً بالعِلم أو الفهم، لأنّها تُعلَن بالنعمة للأطفال وتُخفى عن الفهماء (متّى 11: 25). فالعِلم أحيانًا كثيرة يَبطُل وينفُخ (1 كورنثوس 8: 1)، وذوو العِلم الـمَحض من كثرة علمهم جهلوا في الأمور الإلهيّة.
أمور الإيمان لا تدخل العقل، بالتالي علينا التمييز ما بين التطرّف نحو الجَهل، والتوجّه العلميّ الصِّرف نحو المعرفة. فرأسُ المعرفَة مخافَةُ الرّبّ (أمثال 1: 7)، والحياة الأبديّة هي "أن يَعرِفُوك أنتَ الإِلهَ الحقيقيّ وحدك" (يوحنّا 17: 3).
هكذا نفهم أنّ المسيح القائم من بين الأموات هو القادِر على رفعنا من ظلمةِ الجهل إلى نور المعرفة الحقيقيّة. فنحن، حين نُخطئ عن جهلٍ، إنّما نتوب عن معرفة. نعترِف فتُغفر ذنوبنا بنعمة الرّوح القُدس.
صلاة الحَلّ التي يقولها الكاهن حين يضع بطرشيله على رأس المؤمن المُعترف، توضح أنّنا نُخطئ عن قصد، أي بمعرفة، أو بغير قصد أي عن جهل ... الخطيئة واحدة والاِعتراف بها ضروريّ. لذلك علينا أن نعود إلى ذواتنا يوميًّا لفحص ضمائرنا ونبش قلوبنا. مَعرفة الخطيئة تعني إلغاء الضعفات التي في داخلنا، وتمييز الأهواء يؤدّي تلقائيًّا إلى البحث عن وسيلة للخروج منها وغلبتها.
الجهل في مضمار الخطيئة هو فضيلة كما يقول سفر الأمثال. فالطفل البريء لا يعرف الخطيئة، رُبّما يُعرَّفُ عليها بالتربية، وهنا تكمن مسؤوليّة الأهل. التربية الصحيحة تعطي المعرفة الحقّة، والذي يعرف الحقّ يَخلُص كما قال الرّبّ. يُحرَّر من روابط هذا العالم ومن ضعفاته ويسمو إلى العلاء فيزيد معرفته مَعرِفَةً، وتنمو فيه نعمة الرّبّ فينالُ الموهبة وبها الخلاص.
طروباريَّة القيامة باللَّحن الخامس
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآبِ والرّوح في الأزليّة وعدمِ الاِبتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصِنا؛ لأنّه سُرَّ بالجسدِ أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت، ويُنهضَ الموتى بقيامتِه المجيدة.
قنداق الفصح باللَّحن الثّامن
ولَئِن كنتَ نزلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلّا أنَّك درستَ قوَّة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله. وللنِّسوةِ حاملاتِ الطيبِ قلتَ افرحنَ، ولِرسُلِكَ وَهبتَ السّلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.
الرِّسالَة
أع 16: 16-34
أنتَ يا ربُّ تَحْفَظُنا وَتَسْتُرُنا في هذا الجيل
خلّصْني يا ربُّ فإنَّ البارَّ قَدْ فَنِي
في تلك الأيّام، فيما نحن الرسُّلَ منطلقون إلى الصّلاةِ، استقبلَتْنا جاريةٌ بها روحُ عِرافةٍ، وكانت تُكسِبُ مواليَها كسباً جزيلاً بعرافتها. فطفقت تمشي في إثر بولس وإثرنا وتصيح قائلة: هؤلاء الرجال هم عبيدُ الله العليّ وهم يبشِّرونكم بطريق الخلاص. وصنعت ذلك أيّاماً كثيرة، فتضجّر بولسُ والتفتَ إلى الروح وقال: إني آمُرُكَ بإسم يسوعَ المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة. فلمّا رأى مواليها أنه قد خرج رجاءُ مكسَبهم قبضوا على بولس وسيلا وجرُّوهما إلى السُّوق عند الحُكّام، وقدّموهما إلى الوُلاةِ قائلين: إنّ هذين الرّجلين يبلبلان مدينتنا وهما يهودّيان، ويناديان بعاداتٍ لا يجوز لنا قَبولُها ولا العملُ بها إذ نحن رومانيّون. فقام عليهما الجمعُ معًا، ومزّق الوُلاةُ ثيابَهما وأمروا أن يُضرَبا بالعِصِيّ. ولمّا أثخنوهما بالجراح ألقَوهما في السجن وأوصَوا السّجّانَ بأن يحرسَهما بضبط. وهو، إذ أُوصِيَ بمثل تلك الوصيّة، ألقاهما في السجن الداخليّ وضَبَطَ أرجُلهما في المِقطرة. وعند نصف الليل كان بولسُ وسيلا يصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما. فحدثت بغتةً زلزلةٌ عظيمةٌ حتّى تزعزعت أُسُسُ السجن، فانفتحت في الحال الأبوابُ كلُّها وانفكّت قيودُ الجميع. فلمّا استيقظ السّجّان ورأى أبواب السّجن أنّها مفتوحة، استلّ السَّيف وهَمّ أن يقتل نفسه لظنِّه أنّ المحبوسين قد هربوا. فناداه بولس بصوت عال قائلاً: لا تعمل بنفسك سُوءاً، فإنّا جميعنا ههنا. فطلب مصباحاً ووثب إلى داخل وخَرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد، ثم خرج بهما وقال: يا سيديَّ، ماذا ينبغي لي أن أصنع لكي أخلص؟ فقالا: آمِن بالربّ يسوع المسيح فتخلُصَ أنت وأهلُ بيتك. وكلَّماه هو وجميع من في بيته بكلمة الربّ، فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسل جراحهما واعتمد من وقته هو وذووه أجمعون. ثم أصعدهما إلى بيته وقدَّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.
الإنجيل
يو 9: 1-38
في ذلك الزمان، فيما يسوعُ مجتازٌ رأى إنساناً أعمى منذ مولده، فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، مَن أخطأ أهذا أم أبواه حتى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أن أعمل أعمالَ الذي أرسلني ما دام نهار؛ يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالمِ فأنا نورُ العالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع من تفلته طيناً وطلى بالطِّين عينَي الأعمى وقال له: إذهب واغتسل في بركة سِلوام (الذي تفسيرهُ المرسَل)، فمضى واغتسل وعَاد بصيراً. فالجيرانُ والذين كانوا يرَونه من قبلُ أنّه أعمى قالوا: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضُهم: هذا هو، وآخَرون قالوا: إنّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحت عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طيناً وطلى عينيّ وقال ليَ اذهب إلى بركة سِلوامَ واغتسل، فمضيت واغتسلت فأبصرت. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالذي كان قبلاً أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان، حين صنع يسوعُ الطينَ وفتح عينيه، يومُ سبت. فسأله الفرّيسيّون أيضاً كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيَّ طيناً ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قومٌ من الفرّيسيّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنّه لا يحفظ السبت. آخَرون قالوا: كيف يقدر إنسانٌ خاطىءٌ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شِقاقٌ. فقالوا أيضاً للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيث إنّه فتح عينَيك؟ فقال: إنّه نبيّ. ولم يصدّقِ اليهودُ عنه أنّه كان أعمى فأبصر حتّى دعَوا أبوَي الذي أبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكُما الذي تقولان إنّه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا وَلَدُنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أبصر الآن فلا نعلم، أو مَن فتح عينيه فنحن لا نعلم، هو كامل السنّ فاسألوه فهو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه، إنِ اعترف أحدٌ بأنّه المسيحُ، يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السنّ فاسألوه. فدعَوا ثانية الاِنسانَ الذي كان أعمى وقالوا له: أَعطِ مجداً لله، فإنّا نعلمُ أنّ هذا الانسانَ خاطئ. فأجاب ذلك وقال: أخاطئٌ هو لا أعلم، إنّما أعلم شيئاً واحداً: أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أُبصر. فقالوا له أيضاً: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أخبرتُكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضاً؟ ألعلّكم أنتم أيضاً تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك، وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنّ الله قد كلّم موسى. فأمّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجاب الرجلُ وقال لهم: إنّ في هذا عَجبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينَيّ، ونحن نعلم أنّ الله لا يسمعُ للخطأة، ولكنْ، إذا أحدٌ اتّقى الله وعمل مشيئته، فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمَع أنّ أحدًا فتح عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدرْ أن يفعلَ شيئاً. أجابوه وقالوا له: إنّكَ في الخطايا قد وُلدتَ بجُملتك، أفأنتَ تعلِّمُنا؟ فأخرَجوه خارجاً. وسمعَ يسوعُ أنّهم أخرجوه خارجاً، فوجده وقال: أتؤمن أنتَ بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمَن هو يا سيّدُ لأؤمنَ به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والذي يتكلّم معكَ هوَ هو. فقال: قد آمنتُ يا ربُّ وسجد له.
في الإنجيل
تذكّرنا الكنيسة بأعاجيب قام بها الرّبّ يسوع قبل آلامه وحصلَت "نهار السبت". بكلام آخر هذه الأعاجيب كانت السبب المباشر لغضب الفرّيسيّين ورؤساء اليهود عليه: "لو كان هذا من عند الله لما اجترح العجيبة في هذا اليوم المقدَّس"، وجواب الأعمى لهم: "لو لم يكن من عند الله لما فتح عينيَّ"؛ وأيضًا كان ردّه على اتّهامه بأنّه إنسان خاطئ: "نحن نعلم أنَّ الله لا يسمع للخطأة".
أعمى قضى حياته، ومنذ ولادته، يستعطي؛ هنا يُفحم الفرّيسيّين المتعلّمين. لقد فتح الرّبّ يسوع قلبه أيضًا؛ وليس هذا فقط فلقد كانت عنده الجرأة ليُحاجج مَن يتكلّم على الرّبّ يسوع بسوء، وكان يعرف أنَّ النتيجة ستكون طرده من المجمع؛ كان أشجع من والدَيه وأصدق، لذا سارع وسجدَ عند قدمَي يسوع. وكذلك، في الرّسالة أيضًا، نلاحظ أنَّ السّجّان قد انفتحت عينا قلبه بلحظة.
إذن، الإيمان ليس محصورًا بالمتعلِّم ولا بالذي تربّى بالأساس على الإيمان... فالسّجّان كان رومانيًّا وثنيًّا، والأعمى كان لا يفقه من العقائد إلا اليسير بحسب ما يسمع، ولكونه أعمى فهو لم يكن متعلِّمًا ولا يستطيع القراءة.
موقف اليهود رأيناه سابقًا في سبت لعازر، ومقولتهم عن يسوع ثابتة: "إنّه لا يحترم السبت"، والرّبّ يسوع واضح في تعليمه "أنّ السبت جُعل للإنسان لا الإنسان للسبت". فكر اليهود غَشِيَته الظلمة، هذا هو العمى الحقيقيّ.
الإنسان ليس مهمًّا عند اليهود، وبخاصّة الفقهاء والمتعلّمين منهم. السبت أهمّ بالنسبة لهم، والرّبّ يُشدّد على أنَّ "الإنسان أعظم من السبت".
فكر اليهود لا يختلف عن فكر الكثيرين منّا، أفلا نجد اليوم أناسًا كالفرّيسيّين؟ وبالمقابل، ألا نجد، والحمدلله، آخرين كالأعمى والسّجّان؟
ألا فتح الله بصيرتنا وقلوبنا له، فنصبح، بإرادتنا، كالأعمى ساجدين بالرّوح والحقّ للرّبّ وقائلين له: "أؤمن يا ربّ"، آمين.
أتحبّني يا بطرس؟ إرعَ خرافي!
هذا كلام وجّهه الرّبّ إلى بطرس بعد القيامة. وفي هذه الفترة الفصحيّة أيضًا اختار المجمع الأنطاكيّ المقدّس أسقفَين لرعاية أبرشيتي جبل لبنان واللّاذقيّة. الأمر مدعاة للتأمّل على خلفيّة أوضاعنا الكنسيّة وما نمرُّ به من تجارب وصعوبات وتحدّيات لا حلّ لها إلّا بطاعتنا للمسيح بحسب قول الرسول: "أمّا نحن فلنا فكر المسيح".
"أتحبّني يا بطرس؟" جاء هذا السؤال وكان بطرس قد جحد المسيح ثلاثًا أمام ضغط أهل الدنيا. لم يسأله أتؤمن بي يا بطرس! بل سأله عن محبّته له. والمحبّة في المسيح ليست عاطفة إنّما هي تعبير عن أمور محدّدة رَسمَها الرّبّ نفسه بسلوكه في العالم، ميّز بها نفسه عن أهل الدنيا.
أن تحبّ يعني أنّك تخدُم وتكون للجميع غاسل أرجل. أليس هذا هو الدرس الأساس من عشاء السيّد الأخير مع تلامذته؟: مَن أراد أن يكون فيكم أوّلاً فليكن للجميع خادمًا، خدمة فعليّة وليس إسميّة، خدمة مترجمة عملاً وليس خدمة نظريّة.
أن تحبّ يعني أيضًا أن تتواصل. هنا أيضًا لدينا، في حوارَين هامَّين للمسيح، عبرة ودلالة عن كيف يعبّر عن محبّته للآخرين.
أوّل هذين الحوارين هو مع السامريّة وثانيهما مع الكنعانيّة.
الرّبّ في هذين الحوارين كسر كلّ القواعد، حتّى أنّه جاذف بأن لا يُفْهَم، لكنّ همّه كان أن يقتحم قلب الآخر ليربحه له. حاور العقل ليستنير القلب. المحبّة في المسيح لا تكون محبّة فوقيّة مجرّدة، بل محبّة تتخطّى الأطر المرسومة حتى ينير نور الرّبّ كيان المحبوب.
أن تحيا يعني أيضًا أن تنسى نفسك ليكون الله وحده هو الكلّ في الكلّ. أعطانا المسيح، منذ تنازله الإلهيّ وحتّى صلبه، أمثولة إخلاء النفس لنمتلئ من النِعَم التي تأتينا من فوق ونصبح مشاركين الألوهة بأفعالنا.
لا يمكنك أن تحبّ كالمسيح وأنت تقيم لنفسك حسابًا وتتّخذ من أهل الدنيا، ولو في المظهر، مثالاً في سلوكك. أليس هذا ما فعله رؤساء كهنة كبار كالذهبيّ الفم وغيره؟
"إرعَ خرافي!". فقط إن أحببت هكذا وسطعت فيك هذه المعايير يقول لك الرّبّ إنّك مستأهل أن ترعى خرافه. قد يبدو هذا الكلام على الرّعاية بسيطًا. هو كذلك بالشكل فقط وليس بالعمق. أمران ملفتان فعلاً في هذا التكليف:
أوّلاً "ياء" المتكلّم وثانيًا "خراف الله".
من يتسلّم الرعاية يتسلّم قطيعًا لا يملكه؛ هذا القطيع هو ملك الله، شعب الله، خاصّة الله. هذا الشعب هو كهنوت ملوكيّ مكلّف مع الراعي لينقل بشارة الملكوت، والرّوح القدس يسكن في وسطه بحسب ما وعد الرّبّ وما جاء في إنجيل يوحنّا. فليس لراع أن يدّعي "امتلاك" القطيع ويتصرّف وكأنّه صاحب الملك. مَثل الفعلة رهيب في هذا المجال!
والرّاعي يحاسَب على أمانته هذه ليس فقط عند حضوره أمام عرش العليّ، لكنّه مدعوّ للمحاسبة هنا لأنّ الكنيسة مجتمعةً هي جسد المسيح وهي مدعوّة لتمارس مسؤوليّاتها على ضوء الإنجيل.
لذلك، الأمر الثاني الذي يهمّ هو أنّ الخراف هي أولاد الله، على ما جاء في رسالة بولس "بأنّكم لستم بعد عبيدًا، بل مشاركون في البنوّة".
الفرق كبير بين قطيع خراف، وقطيع المؤمنين. المؤمن اعتمد بالماء والرّوح، وسُكِبَت عليه مواهب الرّوح، وهو شريك للرّاعي وليس مجرّد قطعة ماشية.
لذلك، تجاهلُ دور المؤمنين يُبْطِل عمل الرّاعي. الرّاعي الذي لا يفتّش عن مواهب رعيّته، ويضمّها إلى قلب المسيح، ويضعها في خدمة الكنيسة، لا يستحقّ أن يكون راعيًا. من لا يقبل بأن "يحاسَب" في الكنيسة لا يعرف معنى تكليفه وأبعاده، ولم يختبر عمق المحبّة التي هي في أساس هذا التكليف.
من يضع نفسه فوق الرعيّة وفوق المؤمنين لا يستحقّ أن يكون راعيًا.
فكما جاء عند ديونيسوس الأريوباجيّ: المسيح الحمل وحده هو في وسط الكنيسة وكلّنا نتحلّق حوله في عمليّة تواصل لا تنقطع هو محورها الوحيد.
ونحن اليوم، في أنطاكية، بحاجة إلى أن نكتشف من جديد غنى هذا البعد التجسّديّ للاهوتنا المشرقيّ، فيكون للرّاعي دوره، وللمؤمنين مشاركتهم، وتحكم بينهم المحبّة والخدمة والتواضع.
المسيح قام! ألا ألهمت القيامة الرّعاة والمؤمنين ليعيدوا لأنطاكية صفاء رسالتها، فتُؤَدِّي دورها الفريد شهادة لمن أحبّها.