الأحد 4 شباط 2018

الأحد 4 شباط 2018

04 شباط 2018

 

الأحد 4 شباط 2018

 العدد 5

 * 4:البارّ إيسيذوروس الفرميّ، * 5: الشّهيدة أغاثي، * 6: الشّهيد إليان الحمصيّ، بوكولوس أسقف أزمير، فوتيوس بطريرك القسطنطينيّة، * 7: برثانيوس أسقف لمبساكا، البارّ لوقا، * 8: ثاوذوروس قائد الجيش، النبيّ زخريّا، * 9: وداع عيد الدخول، الشّهيد نيكيفوروس، *10: الشّهيد في الكهنة خارالمبوس، البارّ زينون * .

 

مَثَل الاِبن الضالّ

"ثمّ ر َجَع إِلى نَفْسِهِ"

النّصّ الإنجيليّ، يا أحبَّة، يوضِّح لنا لهفة الله الكبيرة في توبة الخطأة.

رتّبت الكنيسة هذا المثل في الأحد الثاني من التريودي رغبةً منها في أن تدعو الجميع إلى التوبة.

الكنيسة، كمشفًى، تدرك جيِّداً أنَّ هناك الكثيرين ممّن يستسلمون، لسببٍ ما، لملذّات الحياة ومتعها الدنيويّة، وأحياناً البعض الآخر، تحت وطأة صعوبات الحياة وضغوطها، قد يلجأون إلى ما لا يليق، وفي كلتا الحالَتين يخسر الإنسان نفسه، وهذا بحدّ ذاته قد يُغرق الإنسان في الإحباط واليأس أكثر وأكثر.

آنذاك يحاول الإنسان أن يعالج فساده بِـمُسكِرات الحياة وبنشوة طائشة وقتيّة تُنسيه ألمه أو تُلهيه قليلاً عنه، فيغرق عالقاً في دوّامة الخطايا من دون أن يجد لنفسه منفذاً.

شيئاً فشيئاً تترسّخ في داخله قناعةٌ أَلا وهي أنَّه شخص سيِّئٌ، يحبّ المفاسد، لا يمكن له أن يتحرّر من خطاياه وليس هناك من جدوى تُرجى منه، سيما إذا أمست المفاسد بالنسبة إليه عادات تُكبّله وتأسره.

من هنا تدعو الكنيسة، كأمٍّ حنون، أولادها هؤلاء إلى أن ينفضوا عن نفوسهم ظلام اليأس وأن يثقوا جدًّا برحمة الله، إذا ما قرّروا السعي وراء بَداءَةٍ جديدة َفي حياتهم وفي كيانهم. يكشف يسوع في النصّ الإنجيليّ عن محبّة الله الكبيرة للإنسان.

الله أب، وهذا الأب يحترم ابنه الأصغر ويَقسِمُ له حصّته ويودِّعه حين أراد هذا الأخير أن يرحل. الأب بقي ينتظر ويرجو عودة ابنه
 الضالّ.

الأب يستقبل ابنه الأصغر بالإكرام وبالقبلة ويخرج إليه لاستقباله بدل أن يحاسبه على القديم. الأب "يتوسّل" ابنه الأكبر كي يدخل.

لكنّ محبّة الأب الكبيرة هذه ليست محبّة اعتباطيّة بل محبّةٌ مشروطة. شرطها العودة الصادقة إليه.

عندما رجع الابن الضالّ إلى ذاته، رجع تلقائيًّا إلى الله (الأب السماويّ). ما يتناساه الكثيرون منَّا أنّ الضمير في الإنسان هو الله في داخ الإنسان.

وعندما نعادي الضمير في داخلنا، فإنّنا نعادي الله نفسه.

التوبة هي أن يستعيد الإنسان صحّته الرّوحيّة وفرحه الرّوحيّ، وأن يكون سليماً صحيحاً. ا

لله هو صحّة الإنسان الرّوحيّة. التوبة، كعودة إلى الله، ليست خياراً يمكن الاستغناء عنه، بل ضرورة لا مفرّ منها.

مهما هربنا منها أو قُمنا بتأجيلها أو تجاهلناها، فإنّنا نبقى في اضطراب، وألم، وعدم استقرار؛ لا نشعر بالفرح، وتصير حياتنا لا طعم لها مهما امتلأت بالملذّات والمطامح والنجاحات المادّيّة.

إنجيل اليّوم، يا أحبَّة، أنَّ لهفة الله في توبتنا وعودتنا إليه، وأن يغفر خطايانا، هي أكثر بكثير من أن نشتاق نحن إلى التوبة. أمام محبّة الله ورغبته في أن يغفر خطايانا، لا تصمد أيّة خطيئة، مهما كبر حجمها أو كثر عددها. لكن يبقى كلّ شيء رهن رغبتنا الصادقة في التوبة، والرّجوع عنها، والعودة إليه، له المجد إلى أبد الدهور آمين.

 

طروباريّة القيامة باللّحن الثّاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرق لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك.

 

طروباريّة دخول السيّد إلى الهيكل باللّحن الأوّل

إفرحي يا والدةَ الإلهِ العذراءَ الممتلئةَ نعمةً، لأنَّ منكِ أشرق شمسُ العدلِ المسيحُ إلهُنا، منيراً للّذينَ في الظلام. سُرَّ وابتَهِجْ أنتَ أيّها الشيخُ الصدّيق، حاملاً على ذِراعَيكَ المُعتقَ نفوسَنا والمانحَ لنا القيامة.

 

قنداق دخول السيّد إلى الهيكل باللّحن الأوّل

يا مَن بمولدِكَ أيّها المسيحُ الإلهُ للمستودعِ البتوليِّ قدَّستَ، وليَدَيْ سمعانَ كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآنَ أدركْتَ وخلَّصْتَ، إِحفظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنين الذين أحبَبْتَهم، بما أنّك وحدَكَ محبٌّ للبشر.

 

الرِّسالة

1 كور 6: 12-20

لتكُن يا ربُّ رَحْمتُكَ علينا كمِثلِ اتّكالِنا عليك

ابتهجوا أيُّها الصدّيقون بالربّ

يا إخوة، كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن ليس كلُّ شيءٍ يوافق. كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن لا يتسلَّطُ عليَّ شيءٌ. إنَّ الأطعمةَ للجوفِ والجوفَ للأطعمة وسيُبيدُ الله هذا وتلك. أمَّا الجسدُ فليسَ للزِّنى بل للرَّبِّ والرَّبُّ للجسد. واللهُ قد أقام الرّبَّ وسيُقيمنا نحن أيضاً بقوَّته. أما تعلمون أنَّ أجسادَكم هي أعضاءُ المسيح؟ أفآخذُ أعضاءَ المسيح وأجعلُها أعضاءَ زانيةٍ؟ حاشا. أما تعلمون أنَّ من اقترنَ بزانية يصيرُ معها جسداً واحداً؟ لأنَّه قد قيلَ: يصيران كلاهما جسداً واحداً. أمَّا الذي يقترنُ بالرَّبِّ فيكون معه روحًا واحداً. أُهربوا من الزِّنى. فإنَّ كلَّ خطيئةٍ يفعلها الإنسانُ هي في خارج الجسد، أمَّا الزَّاني فإنه يخطئُ إلى جسدِه. ألستم تعلمون أنَّ أجسادَكم هي هيكلُ الرُّوح القدس الذي فيكم، الذي نلتموه من الله، وأنَّكم لستم لأنفسكم لأنَّكم قد اشتُريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادِكم وفي أرواحِكم التي هي لِلَّه.

 

الإنجيل

لو 15: 11-32

قال الربُّ هذا المثل: إِنسانٌ كان له ابنان. فقال أصغرُهما لأبيه: يا أبتِ، أَعطني النَّصيبَ الذي يخصُّني من المال. فقسم بينهما معيشته. وبعد أيَّام غيرِ كثيرةٍ جمعَ الاِبنُ الأصغرُ كلَّ شيءٍ لهُ وسافر إلى بلدٍ بعيدٍ وبذَّر مالَه هناك عائشاً في الخلاعة. فلمَّا أنفقَ كلَّ شيءٍ، حدثت في تلك البلدِ مجاعةٌ شديدة، فأخذَ في العَوَز. فذهب وانضوى إلى واحدٍ من أهل ذلك البلد، فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازيرُ تأكله فلم يعطهِ أحد.

فرجَع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أُجراءَ يفضُلُ عنهم الخبزُ وأنا أهلِك جوعًا! أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبتِ، قد أخطأتُ إلى السَّماء وإليك، ولستُ مُستحقًّا بعدُ أن أُدعى لك ابناً، فاجعلني كأحد أُجَرائك. فقام وجاء إلى أبيه. وفيما هو بعدُ غيرُ بعيد، رآه أبوه فتحنَّن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عُنقه وقبَّله. فقال له الاِبنُ: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السَّماء وأمامك ولستُ مُستحقًّا بعدُ أن أُدعى لك ابناً. فقال الأبُ لعبيده: هاتُوا الحُلَّة الأولى وأَلبِسوه، واجعلوا خاتَماً في يده وحذاءً في رجليه، وأْتُوا بالعجل المُسمَّن واذبحوه فنأكلَ ونفرحَ، لأنَّ ابني هذا كان مَيْتاً فعاش، وكان ضالًّا فوُجد. فطفقوا يفرحون. وكان ابنُه الأكبر في الحقل. فلمّا أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحدَ الغلمان وسأله: ما هذا؟ فقال له: قد قَدِم أخوك فذبح أبوك العجل المسمّن لأنّه لقيَه سالماً. فغضب ولم يُرِدْ أن يدخل. فخرج أبوه وطَفِقَ يتوسّل إليه. فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنينَ أخدمُك ولم أتعدَّ لك وصيَّة فلم تعطني قطُّ جَدْياً لأفرح مع أصدقائي. ولمّا جاء ابنك، هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني، ذبحت له العجل المسمّن. فقال له: يا ابني، أنت معي في كلِّ حين، وكلُّ ما هو لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرحَ ونُسَرَّ لأنَّ أخاك هذا كان مَيْتًا فعاش وكان ضالًّا فوُجِد.

 

في الإنجيل

كم هو مباركٌ أن نسمع هذه الأمثولة المؤدّية إلى الخلاص، لأنّها تعزّي كلّ واحد منّا إذ نُخطئ كلّنا، فنجد أنّ باب التوبة مفتوحٌ أمامنا بل أنّ الآب يُرحّب بنا ويُرجعنا إلى قلبه ويجعلنا في المرتبة الأولى، بعد أن ابتعدنا عنه وصرنا حقيرين بائسين ومملوئين من كلّ فساد.

هذا الأب الشفوق الطويل الأناة والكثير الرّحمة لا يهدأ باله إلّا عندما يرجع كلّ واحدٍ منّا إليه بتوبةٍ. فلا يلومه ولا يضيّع الوقت في العتب والتأنيب، لكنّه يعطيه الفرصة مجدّداً أن يتمتّع بالبنوّة ويحيا بها. ذلك أنّ هذه البنوّة لم تُفقد؛ نحن هجرناها وتركناها، هي باقية في قلوبنا نحن أبناءَ الله. منذ المعموديّة تبنّانا الربّ وجعلنا أولادًا له وأهّلنا، في كلّ وقتٍ ومكان، أن نصرخ إليه بدالّةٍ: يا أبانا السماويّ.

هوذا الاِبن الأكبر، عندما جاء إلى البيت، لم يقبَل أن يدخل إلى البيت ويفرح بسبب الحسد والكبرياء. قِلَّة هم الذين يسعَون أن يكونوا في فرح الآب حين يرجع الخطأة إليه. ذلك أنّ الحسد يضلّلهم فيُخَيَّلُ إليهم أنّهم، إذا ما نجح إنسانٌ واحتلّ المرتبة الأولى، يصبحون خارجاً. إنّ الله عنده مرتبة أولى واسعة للكلّ، وخَيره وبركته لا ينقصان وملكوته لا يشبه ملكيّاتنا الأرضيّة. وهذا ما يعبّر عنه الرّسول بولس عندما يقول إنّ كلّ الرياضيّين يركضون ليأخذوا قصب السبق، آلافٌ من النّاس يتبارَون وواحدٌ يفوز بالكأس. لكن، مع المسيح، كلّ متبارٍ، كلّ مجاهد، كلّ رياضيٍّ يفوز بالكأس لأنّ كأس الله لا تفرغ أبداً.

مَثَل "الابن الشاطر" يجعلنا نتوب مجدّداً ونعِدُ الربّ أن نسلك في طريقه. لأنّنا، إذا كنّا نتصلّب في أماكننا ونتمجّد، لا نستطيع أن نأتي بتذلّلٍ وتواضعٍ إلى الله. في الأحد الماضي سمعنا عن ذلك "العشّار" الذي بتوبةٍ وقف في حضرة الله قائلاً، وهو لا يجرؤ أن يرفع عينيه إلى السماء، لأنّه خجل من خطاياه الكثيرة، "اللّهمّ ارحمني أنا الخاطئ"؛ فنزل من الهيكل مبرَّراً. أمّا الذي تكبّر ورأى أنّ فيه شيئاً من الصلاح، ولم يكن يكذب لكنّه كان متكبّراً، فعاد إلى بيته غير مبرَّرٍ بل مُداناً. ونحن، في هذه الفترة المباركة التي تُهيِّئُنا لاستقبال الصّوم الأربعينيّ المقدّس، نضرع إلى الرّبّ الإله أن يَقبلَ توبتنا بصدقٍ ويجعلنا قادرين على أن نقول كلمةً، كلمةَ محبّةٍ نحوه ونثبت في هذه المحبّة، وأن نصلّي أيضًا، فيقبل صلاتنا، من أجل إخوةٍ كثيرين حولنا بعيدين كلّ البعد عن الكنيسة، أو بعضاً من البعد، مخدوعين بأمورٍ كثيرةٍ تافهة لا نفع فيها، كي يلهمهم بمحبّته وبركته، فيرجعوا إليه هم أيضًا، فنفرح سويّةً لأنّ الله قد أوجدنا لنكون أبناء الحياة لا أبناء الموت.

هذا كان ضالًّا فوُجِد وكان ميتاً فعاش، فينبغي أن نفرح وأن يكون فرحنا أعظم حينما نعيش كلّنا مع المسيح يسوع، له المجد إلى أبد الدهور آمين.

 

الويل لي إن لم أبشِّر!

هذه كانت صرخة الرّسول بولس. نستذكرها اليوم ونحن على عتبة الدخول في زمن التريوديّ، تليه فترة الصّوم الأربعينيّ المقدّس، ثمّ أسبوع الآلام فالقيامة. خلال هذه الفترات، نتكلّم كثيرًا على الصّيام، والصلاة، ومختلف أنواع التعبّد، وهذا حسن، لكنّنا أحيانًا ننسى الهدف منها كلّها. ترك لنا الربّ وصيّتين: كونوا واحدًا كما أنا والآب واحد، واذهبوا وبشّروا كلّ الأمم...، والوصيّتان مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بعضُهما ببعضٍ، ومن الجيّد أن نستحضرهما في هذه الأيّام بالذات.

نحن لا نبشّر بأنفسنا بل بشارتنا هي بالمسيح يسوع المخلّص لأنّ به أتت البشرى بخلاص العالَم؛ هذا هو "الخبر السارّ"، أيّ الإنجيل، الذي نتحضّر لإعلانه في الفترة القادمة علينا.

لذلك، كما ورد في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، لمّا طفح كيل الرّسول من الانقسامات القائمة بين المؤمنين وبّخهم على تحزّباتهم "... أنا لبولس وأنا لأبلّس وأنا لصَفا"، مشدّدًا على أنّ لا أحد من هؤلاء مات من أجلهم، وأنّ المسيح وحده المخلّص، ونحن نبشّر به وحده. والكنيسة هي جسد المسيح وهي التي ينظر إليها العالَم كوحدة. العالَم يتكلّم على المسيحيّين "بالجملة" ولا يتكلّم على الأفراد، وكلّ ما يقوم به فرد معيّن أو مجموعة معيّنة ينعكس على المسيحيّة ككلّ. لذلك لا تستقيم بشارتنا بيسوع المسيح إلّا إذا كان المسيح ملموسًا ومرئيًّا من خلالنا. صلواتنا وأصوامنا هامّة فقط إذا كان تبيانُ محبّة المسيح للعالَم هو هدفَها. أمّا التعبّد الذي ينسى هذا البُعْد فينطبق عليه قول الله على لسان إشعياء للشعب اليهوديّ حول ممارساتهم: "سئمت احتمالها...". متى اقتصرت أصوامنا وصلواتنا على المظاهر الطقسيّة، والاحتفالات الجماهيريّة، والمعايير الإعلاميّة، صارت مُشَوِّهة ليسوع المسيح وتذهب ضدّ البشارة.

يقول يُوحنّا الرّسول إنّ من يقول إنّه يحبّ الله ولا يحبّ أخاه هو كاذب. ويقول الرّسول يعقوب إنّ المصالحة مع الأخ أهمّ من التضرّع وتقديم القرابين. لن يصدّقنا العالم ويقبل بشارتنا إلّا إذا عبّرنا، بالقول وبالفعل، عن وحدتنا في حمل الخبر السارّ إلى العالم. أليس هذا ما تدعونا إليه خدمة سرّ الشكر قبل تلاوتنا دستور الإيمان؟ إيماننا ليس فلسفيًّا، تجريديًّا، عقلانيًّا. إيماننا تجسّد، ومحبّة، وخدمة. إيماننا هو بالثالوث المقدّس وبالكنيسة الواحدة، جسد الرّبّ الذي لا يجوز لنا أن نَجْرَحَه، أو أن نشرذِمَه. الويل لنا إن اعتبرنا أنّ البشارة تقوم على الأفراد، فيصبحون أهمّ من يسوع المسيح. بشارتنا لا تقوم إلّا على وحدة هي جسد الرّبّ.

ولأنّنا نعيش في العالَم، نحن مجرّبون بلحميّة تشدّنا إلى الخطأ، وتسقطنا في الخطيئة. أخطر ما في هذه اللحميّة ميلنا إلى التفرّد والانتفاخ والمخاصمة. وعى الرّسول، منذ بدء المسيحيّة، هذا الخطر ونبّه منه قائلاً: "إن بشرّكم ملاك من السماء بأنّ التفرقة تنفع، فلا تصدّقوه". فمن الطبيعيّ أن يختلف الإخوة، لكن ليس من الطبيعيّ أن يتخاصم الإخوة. فبالمحبّة وبالاحتكام إلى فكر المسيح تنتهي بينهم كلّ منازعة. ويتكلّم بولس في رسالته إلى أفسس "بأن اخضعوا بعضكم لبعض في مخافة الله"، ونحن نسمع هذا الكلام في كلّ خدمة زواج، وننسى أنّه موجّه للجميع وليس للمتزوّجين فقط. مشكلة المسيحيّة، منذ قرون، هي في هذه الشخصانيّة التي جعلت الأفراد أهمّ من المسيح عمليًّا، لأنّ المهمّ هو ما يدلّ عليه سلوكنا وليس ما تعلنه شفاهنا، فالنيّات لا تكفي.

وصلنا إلى زمن الصّوم هذا العام، والشقاق يمزّق كنيستنا، على الصعيد العالميّ، وعلى الصعيد المحلّيّ. فهل ندخل الصّوم والمصالحة هي هدفنا كي نستطيع أن نبشّر بيسوع الناهض من القبر؟ هل ندخل الصوم والأنا القاتلة لا تزال تتحكّم بنا، أم سنبكي على أخطاء ارتكبناها أشخاصًا وجماعات، عطّلت علينا نقلَ وجه المسيح الحقيقيّ إلى العالَم؟ هل ندخل الصّوم ونحن جميعًا، أفرادًا وقادة، واعون "لما اقترفت أيدينا" ومزّقت به جسد المسيح باسم التقوى والدفاع عن الأرثوذكسيّة، والتحزّب لهذا الوجه أو ذاك من أوجه حياتنا الكنسيّة؟ هل ندخل الصوم ونحن على استعداد لنفحص، على ضوء فكر المسيح، مواقف كانت فيها الأولويّة لمنطق الشريعة وليس لقانون المحبّة؟ هل ندخل الصّوم وكنه صلواتنا وتوبتنا التماس وجه يسوع المسيح وحده؟

عسانا اليوم نردّد جميعًا، في أنطاكية وفي العالم الأرثوذكسيّ، أنّ المسيح قام من أجل العالَم، وويل لنا إن لم نبشّر بذلك.