الأحد 26 تشرين الثّاني 2017

الأحد 26 تشرين الثّاني 2017

26 تشرين الثاني 2017
الأحد 26 تشرين الثّاني 2017   
العدد 48
الأحد 25 بعد العنصرة
اللَّحن الثّامن        الإيوثينا الثالثة 
 
* 26: البارَّان أليبيوس العموديّ ونيكن المستتيب، البارّ أكاكيوس،* 27: الشّهيد يعقوب الفارسيّ المقطّع،
* 28: الشّهيد استفانوس الجديد، الشّهيد إيرينرخُس، * 29: الشّهيدان بارامونوس وفيلومانس، * 30: الرّسول أندراوس المدعوّ أوّلاً، * 1: النبيّ ناحوم، فيلاريت الرَّحوم، * 2: النبيّ حبقوق، بورفيريوس الرائي.
 
إرتقاء المؤمن
 
تبدأ كنيستنا المقدّسة، في يومنا هذا، بترتيل هذه التسبحة: "اليوم العذراء تأتي إلى المغارة...."، والتي ترافقنا طوال رحلة الصّوم المباركة لاستقبال المولود الإلهيّ، الكلمة الأزليّ الصائر جسداً.
 
تحتفل الكنيسة الأرثوذكسيّة بالأحداث الخلاصيّة، ليس كمجرّد ذكرى أو تذكّر لما حدث، إنّما تحياها وكأنّها حاصلة اليوم وتحصد ثمارها الخلاصيّة. المسيحُ وُلد مرّة في التاريخ، لكن ذاك التاريخ لم يعبر كغيره كحدث تمَّ وانتهى، بل بقي حدثاً إلهيًّا يفعل سرّيًّا في حياة الكنيسة، جسد المسيح. المسيح لم يولد كي يسود علينا كإله، بل كي نسود نحن به، كإله، على سيّد العالم، لنرتقي بقيامته نحو معاينة نوره الأزليّ.
 
هدف حياتنا هو الارتقاء، أو، بتعبيرٍ لاهوتيّ، السلوك في المثال. وهذا لا يتمّ إلّا بالتخلّي عن الفرادة فنصير أشخاصاً منفتحين على الآخر الذي هو صورة الله. بهذه الإمكانات نسعى في مسيرتنا لأن يتحقّق فينا المثال. هدفنا يتحقّق طالما بقينا مجاهدين، ساعين إلى مشاركة الله في حياته، والتي تتحقّق بالرّوح القدس الذي يُجسّد الكلمة فينا. بهذا نصبح أرثوكسيّين حقًّا.
 
عندما سأل أحدُهم الرّب يسوع مجرّباً إيّاه: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة" قال له يسوع احفظ الوصايا، فأجابه بأنّه حفظها ولكن يعوزه شيء بعد. فأجابه يسوع: "إِن أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ  كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي" (مت 21:19). المسيحيّة ليست مجرّد
 
نظام اجتماعيّ تحكمه قيمٌ أو أنظمة أو حتّى أخلاق؛ إنّما هي دعوة إلى الكمال، إلى التحرّر، إلى معاينة النّور الإلهيّ. المسيحيّة هي دعوة لنا إلى أن نتحرّر من رباطات العالم، لنكون مسكنًا طاهراً نقيًّا، فنحيا سرّ تجسّده، السرّ الخفيّ منذ الدهور، متجدّدين به ومرتقين. الطاعة، طاعة كلمة الرّب وتفضيلها على كلّ شيء آخر، هي بدء ارتقائنا؛ هي بدء تحقيق تجسّد الكلمة فينا.
 
"وَالْكَلِمة صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" (يو 14:1)؛ عبارة حلّ بيننا هي ترجمة للفعل ἐσκήνωσεν، والذي يرتبط، بشكل مباشر، بحضور الله وسط شعبه في العهد القديم. وما تجسُّد الكلمة سوى أعلى مستويات هذا الحضور الإلهيّ؛ الكلمة الأزليّ المولود قبل الدّهور يصير جسداً في وسط شعبه. هذا بالضبط ما يجعلنا مسيحيّين: حضور المسيح بيننا. أن يبقى دائمًا حاضراً في وسطنا بطاعتنا لبشارته وباشتراكنا في جسده ودمه الكريمَيْن. بهذا يعرفنا الجميع أنّنا تلاميذه وأنّ حياتنا منه، هو الإله الأزليّ المحبوب من الآب.
 
  ألا أهّلنا الرّبّ، بنعمة روحه القدّوس، لأن نكون مسارّي الثالوث القدّوس، وأن نتّحدّ بمسيحنا فنغدو مسحاء مجاهرين باسمه القدّوس ومرنّمين مع ملائكته: أوصنّا في الأعالي مباركٌ الآتي باسم الرّب.
 
 
+ الأسقف قسطنطين كيّال
رئيس دير مار إلياس شويّا البطريركيّ
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثّامن
إنحدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتَنا وقيامتَنا، يا ربُّ المجد لك.
قنداق تقدمة الميلاد باللّحن الثالث
أليومَ العذراء تأتي إلى المغارة لتلدَ الكلمةَ الذي قبل الدهور ولادةً لا تفسَّر ولا يُنطَقُ بها. فافرحي أيّتها المسكونةُ إذا سمعتِ، ومجِّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهرُ بمشيئته طفلاً جديداً، الإلهَ الذي قبل الدهور.
 
الرِّسالَة
أف 4: 1-7
صلُّوا وأَوفُوا الربَّ إلهنا
ألله معروفٌ في أرضِ يهوذا
 
يا إخوةُ، أطلُبُ إليكم أنا الأسيرَ في الرّبِّ أن تسلُكُوا كما  يَحِق ُّ للدّعوةِ التي دُعيتُم بها، بِكُلِّ تواضُعٍ وودَاعةٍ، وبِطُولِ أناةٍ، محتَمِلينَ بعضُكم بعضًا بالمحبّة، ومجتَهدين في حِفظِ وَحدَةِ الرّوح برباطِ السّلام. فَإنَّكم جَسدٌ واحدٌ وروحٌ واحد كما دُعيتُم إلى رَجاءِ دعوتِكُمُ الواحِد. ربٌّ واحِدٌ وإيمانٌ واحِدٌ ومعموديَّةٌ واحدةٌ وإلهٌ أبٌ للجميع واحدٌ هوَ فوقَ الجميعِ وبالجميعِ وفي جميعِكم، ولكلِّ واحدٍ مِنَّا أُعطيتِ النعمةُ على مقدار موهِبَةِ المسيح.
 
الإنجيل
لو 18: 18-27 (لوقا 13) 
 
في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ مجرِّبًا لهُ وقائلاً: أيُّها المعلّم الصالح، ماذا أعمَلُ لأرثَ الحياةَ الأبدَّية؟ فقال لهُ يسوع: لماذا تدعوني صالحاً وما صالحٌ إلَّا واحدٌ وهو الله. إنّك تعرِفُ الوصايا: لا تزنِ، لا تقتُل، لا تسرق، لا تشهد بالزُّور، أكرِمْ أباك وأمَّك. فقال: كلُّ هذا قَدْ حفِظْتَهُ منذُ صبائي. فلمَّا سمِعَ يسوعُ ذلك قال لهُ: واحدةٌ تُعوِزُك بعدُ. بِعْ كلَّ شيءٍ لك وَوَزِّعْهُ على المساكين فيكونَ لك كنزٌ في السماءِ، وتعال اتبعْني. فلمَّا سمع ذلك حزِن لأنَّه كان غنيًّا جدًّا. فلمَّا رآه يسوعُ قد حزِن قال: ما أعسَرَ على ذوي الأموال أن يدخلوا ملكوتَ الله! إنَّهُ لأسهلُ أن يدخُلَ الجَمَلُ في ثقب الإبرَةِ من أنْ يدْخُلَ غنيٌّ ملكوتَ الله. فقال السامِعون: فمن يستطيع إذنْ أنْ يَخلُص؟ فقال: ما لا يُستطاعُ عند الناسِ مُستطاعٌ عند الله.
في الإنجيل
 
الموضوع الأساسيّ في القراءة الإنجيليّة من لوقا الفصل 18 والآيات 18 إلى 27 هو ملكوتُ الله وتفعيله من خلال التَّرك أو عدم القنيَة. 
 
فالروايةُ اللوقاويّةُ هنا تضع يسوع تحت امتحانِ أحدِ الرّؤساء، إذ يأخذ الحوار شكل النمط السُّقراطيّ في الأسئلة والأجوبة. فلوقا يتوجّه بإنجيله إلى الأمم ذوي الخلفيّة الإغريقيّة-الرومانيّة مستخدماً الخلفيّة الأدبيّة الفلسفيّة ليوصل السّامع – إذ كان الإنجيل بالأغلبِ يتلى على السّامعين– إلى الهدف المرجوّ.
 
السؤالُ الذي ينطلق منه هذا الرئيس الشابّ (أنظر متّى 19: 20) محوريٌّ. فقد نادى يسوع "أيّها المعلِّمُ الصّالح". 
 
فهذا نوعٌ من أنواع السخرية المستعملة في الحوارات السقراطيّة لأنَّه ليس في التقليد اليهوديّ أن يدعو تلميذُ أحد الرّابّيّين rabbi معلِّمَهُ صالحاً.
 
دلالةُ هذه السخرية أنَّ الرئيس الشابّ لا يعترف بألوهيّة الرّبّ يسوع لأنّه يدعوه معلِّماً لا إلهاً ويلصق به، رغم ذلك، صفة إلهيّة. رُبَّ قارئٍ يقع على المزمور 119 الذي يقولُ: "أتأمّلُ أحكامك ... وألهجُ ببرِّكَ". 
 
فالبرُّ أحكامُ الله المعبِّرة عن مشيئته. وأمّا الله فمعروفٌ في ناموسه، فإذن البارّ والصالحُ "واحدٌ وهو الله". 
 
يسوع يحاولُ نزعَ تلك الصّفةِ المنسوبةِ في التقليد لله عنه وإلّا وقع في شرك المؤامرة، من جهةٍ، مريداً أن يعطي جواباً من الشريعة، من جهةٍ أخرى. 
 
هكذا يبرز مدى جهل من كان من المفترض أن يكون عارفاً.
 
أمّا منطلقُ السؤال "ماذا أعملُ لأرث الحياةَ الأبديّةَ" فغير صائب، وكأنَّ الحياة الأبديّة متعلّقة بعملٍ أو أعمالٍ ظاهرة خارجيّاً فقط بدل أن تكون أوَّلاً كيانيّة، جوهريّة. 
 
يستعمل يسوع الفعل "تعرِف" في الآية 20: "إنَّك تعرف الوصايا ...". المعرفة ليست تلك النَّظريّة وحسب بل المطبَّقة، إذ يعجز المرء عن معرفةِ أمرٍ أو شخصٍ أو حاجةٍ إلّا إذا اختبر. يعرض له يسوع، عن قصدٍ، الجزء الثاني من الوصايا العشر، لأنه كان على يقينٍ أنّه غير حافظٍ الجزء الأوّل المتعلّق بمحبّةِ الله والقريب.
 
صورة يسوع الديّان العادل تُرسَمُ في هذه الآيات. يريد أن يوضحَ للشّابِّ أنَّ برَّهُ المزعوم ليس إلّا نتيجة الكبرياء الناتج عن رضىً عن النفس في تطبيق النواميس بطريقةٍ فرّيسيّة. أمّا جوابُ الرّئيس فكان ذا نمطٍ فرّيسيّ: أنَّهُ حَفِظَها كلَّها. لكن حفظه للشريعةِ كان تطبيقيّاً صرفاً ولم يكن نتيجة تفاعلٍ وجوديّ مستمرّ وتخَلٍّ عن الإرادة الشخصيّة لتصبح إرادة الله هي المحور الأساسيّ. 
 
لذلك نجده في إنجيل متّى (19: 20) يطلب زيادةً: "ماذا ينقصني بعد؟". بهذا يعبِّر عن نيّةٍ فرّيسيّةٍ بحتة في تطبيق قوانين أخرى، ريثما يحظى بالجائزةِ الكبرى ألا وهي ملكوت السماوات.
 
"واحدةٌ تنقصك بعد": بهذا يومئ إلى الشابّ بأنّه، حتّى لو أتمَّ تطبيق الشريعة، ما زال ناقصاً، لأنّ تطبيقه للشريعةِ لم يكن نتيجةَ حوارٍ وتواصلٍ مع واضعها. 
 
فالله قصد بشريعته حُسن تواصل الإنسان مع الإله كما فعل هذا الأخير منذ البدء. ويضيف يسوع: "بع كلَّ شيءٍ لك ووزّعه على المساكين". 
 
ليس هدفاً بحدِّ ذاته تطبيقُ الشريعةِ بحذافيرها إنّما تفاعل الإنسان مع الإنسان وتضافره معه ليصل إلى الله. 
 
لا يستطيع أحدٌ معرفةَ ذاته وبالتالي الوصول إلى الله فقط من خلال ذاته ولكن من خلال الجماعة. 
 
لا يمنع يسوع المرء أن تكون له ممتلكات ولكن يحَفِّز القارئ لعدم التعلُّقِ بها. لذلك يقول له: "وزّعها على المساكين". لا يقدر على هذا العمل إلّا الذي لديه حسّ التخلّي.
 
في المجتمع الهلّينيّ–الرومانّي كان الغنى وشمةَ فئةٍ معيّنةٍ قليلةِ العدد (πλούσιοι) وكان كلّ الباقين يُعتَبَرون من المساكين (πένητες). 
 
لم ينظر الفلاسفةُ والمثقّفون وفئةٌ من السياسيّين، في ذلك الزمان، إلى الطبقة الغنيّة بعين الرضى، بل نجدُ أدَباً خطابيّاً وفلسفيّاً نثريّاً وشعريّاً يهجو الغنى والأغنياء. 
 
بل وكانت هناك أنظمة – مثل النظام الهلّينيّ الديمقراطيّ –تفرضُ عليهم أعباءً وضرائب. 
 
كان الأغنياء يقومون بالمهامّ المفروضةِ عليهم بكسلٍ ومن دون حسن نيّةٍ، وغالباً ما كانوا يتهرَّبون من الوظيفةِ. 
 
ولذلك كان كلّ من يملك المال يسعى إلى ألّا يُتَّهَمَ بالغنى فيوظّفه بقطاعٍ معيّنٍ لخدمةِ المدينة-الدولة (πόλις-κράτος).
 
ففي هذَين السياق والإطار نرى الغنيَّ يحزن بسبب المعرفةِ التي تلقّاها حديثاً من واضع النواميس. 
 
هذا الذي قاله له يسوع لم يعد ناموساً عامّاً بل صار خاصًّا يدعوه أوَّلاً إلى التخلّي عن الغنى الملموس ليحصل على الغنى الأبديّ: "فيكون لك كنزٌ في السّماء". ولعلَّ حزنه أيضاً يشمل فكرة اتِّباع يسوع. فإن حصل، تكون هذه إشارةً إلى قبوله بألوهيّته. وما كانت ردّةُ الفعل هذه إلّا ما يصفه الشاعر الإيطاليُّ دانته Dante بِـ "الرفض الأعظم" (il gran refutio أنظرDante, Inferno,III.60).
 
رفض الغنيّ للمسيحِ إلهاً جعل هذا الأخير يستشهد بمثلٍ آراميٍّ مشهور: "إنّه لأسهل أن يدخلَ الجمل في ثقب الإبرة"، ويضيف: "من أن يدخل غنيٌّ ملكوت الله". يستبدل اليهود المسبيّون إلى بابل كلمة "جمل" بكلمة "فيل"، وهذا دليل قاطع على أنّ المقصود هو الجمل أي الحيوان الضخم، "الجُمَّل" أي الحبل الثخين الذي يُستعمل لربط السفن، رغم صحّة الطِّباق في كلٍّ من الآراميّةِ واليونانيّةِ. 
 
يسوع ينفي، بشكلٍ قاطعٍ، إمكان دخول الأغنياء إلى الملكوت بسبب تعلّقهم المرَضيّ بممتلكاتهم.
 
رسالة محبّة 
 
عمل المسيحيّ، بشكلٍ عامّ، هو أن ينقل البشارة الحسنة للآخرين، فالويلُ لي إن لم أبشّر!(١كور١٦:٩) كما يقول الرّسول بولس. 
 
ففي عالمٍ يتخبّط أكثر فأكثر، وتجرفهُ المادّيّة وتخبّطُ الإنسانيّة واضعةً إيّاهُ في مأزقٍ كبيرٍ وبحيرةٍ كبيرةٍ يسألُ إِنسان اليوم: 
 
مَن أنا؟ 
ولِمَ خُلقتُ؟ 
وما الهدف من حياتي؟ 
 
العالم اليوم هُوَ هُوَ بإلحادِه ونزواتهِ وبُعده عن مصدرِ كلّ الأشياء وبارئها، وما زال يبحث عن هويّته. افتكرت الإنسانيّة - وهذا من خدعة الشّيطان - أنَّه بمساواةِ الإنسان لأخيه تنتهي الحروب والنزاعات. 
 
هذا حسَن ولكن تنقصه نعمةُ الله لكي يتحقق. 
 
افتكرَ الإنسان أنّه بكلّ هذه التكنولوجيا وهذا العِلم وكلّ الأبحاث سيعيشُ سعيداً، لكنّه تفاجأ بأنّه باتَ أسيراً لها وعبداً وأنّ كلّ هذه الأنظمة والقوانين مزيَّفّةٌ، وكلّ هذا السلام الخارجيّ هو مزيّف وآنيّ!! 
 
وحده كنزُ الصالحات ورازقُ الخيرات وملؤها هو من يُضيفُ لحياتنا نكهة ويخفّفُ من عبءِ أثقالنا لأنّ "نيره هيّن وحمله خفيف". (مت٣٠:١١).
 
لهذا السبب يحمل راعي الأبرشيّة هذا الهمّ الرعائيّ الإنسانيّ والكنسيّ من لبنان تاركاً أبرشيّته مع كلّ الصعوبات والعراقيل ويتوجّه إلى المقلبِ الآخرِ من الأَرْضِ لكي يُبلسمَ جراحات هؤلاء الذين شقّوا عباب البحار في زمن غابر وانسلخوا عن وطنهم وأرضهم وكنيستهم الأمّ وأتَوا لكي ينزرعوا، من جديد، في وطن جديد وأرض جديدة. 
 
لكنّ أهمّ ما حملوه معهم هو هذا الإيمان، مُحاولينَ نشرهُ في هذه البقعة من الأرض، مجاهدين، رغم العراقيل، لكي يُحافظوا  على حبّة الخردل، على أمل أن تنمو وتصبحَ شجرةً وافرة الظلالِ للأجيالِ القادمة.
 
إنّها رسالة حبّ من الكنيسة الأمّ إلى أبنائها المنتشرينَ في أقاصي المعمورةِ، ورسالةُ سلامٍ وهمٍّ مسيحيّ مقدّس يحملهُ الرّاعي إلى أولئك الذين عندهم تحدّياتٌ مغايرةٌ لما نحن نواجهه لكي تبقى هذه الشعلة، شعلة الإيمان، محفوظة في ذاكرتهم وضميرهم للأجيال الآتية. 
 
هذا هو مصير مسيحيّي هذه المنطقة: أن يبقى بعضهم رغم الأزمات، وأن يرحلَ البعض الآخر لكي يُصارع المجهول الذاهب إليه. لكن ما تلمّسناهُ هنا هو تمسّكهم بالكنيسة والمحافظة على إيمانهم والسهر الدؤوب على أولادهم والخوف على مصيرهم ومصير الأجيال الآتية من بعدهم. تلمّسنا، من خلال هذه الزيارة، مدى الطّيبة التي أخذوها من أرضهم لكي يزرعوها في نفوس أولادهم، وكم هم فعّالون في المجتمع الجديد الذين انتموا إليه!!.
 
لأبناء الكنيسة نقول: 
 
نحن اليوم بحاجة إلى تنمية محبّة المسيح فينا وأن نحملَ الآخرَ ووضعَه في صلاتنا، وأن نكونَ فعلاً كالسامريِّ الشفوق واضعين الزيت والخمر على الجرح الذي يمزّق وحدتنا بالمسيح. 
 
كلّ هذه الأزمات والحروب هي لكي تعلّمنا أن نعودَ إلى ينبوع الحياة لأنّنا بنوره نعاين النور. 
 
كلّنا خطأة ونحتاج للتوبة. لنحبّ بعضنا بعضًا واضعينَ ذواتنا أمام المسيحِ الإله: هكذا نقول في القدّاس. 
 
لا تدَعوا الشيطان يُغربلكم، فإنّه لا بدّ من ذلك. 
 
ففي هذا الموسم الآتي إلينا بنعمة الله لنحملَنّ بعضُنا أثقالَ بعض ولا نزيدنّ جراحاً على جراحاتنا الكثيرةِ؛ وحدها المحبّةُ تسترُ جمًّا من الخطايا. 
 
لهذا السبب نحن نطوف الأرض لكي نعكس محبّة المسيح النابعة من القلب للآخر الذي هو بحاجة إلى كلمة خلاص نابعة من جسدٍ وهن لشفاء أخٍ لنا مُتعَب. 
 
فعسى الله يتغاضى عن كثرةِ خطايانا وزلّاتنا لكي يكون هذا الميلاد موسمًا يزهر فيه كلّ خير وبركة، ويتجدّد فينا الإنسانُ الذي عَتُقَ بسبب الخطايا.
 
أخبارنا
معرض واحة الفرح للمتخلّفين عقليًّا
 
برعاية صاحب السّيادة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) الجزيل الاِحترام تدعوكم واحة الفرح لزيارة معرضها السنويّ لمناسبة عيدَي الميلاد ورأس السنة المباركة، من 4 كانون الأوّل 2017 إلى 22 منه، في مشاغل واحة الفرح – بكفتين، من الساعة 10 قبل الظهر إلى 3 بعد الظهر يوميًّا.